عدد الكتب العربيّة المترجمة إلى الإنجليزيّة لا يدعو للتفاؤل

9
عدد الكتب العربيّة المترجمة إلى الإنجليزيّة لا يدعو للتفاؤل
عدد الكتب العربيّة المترجمة إلى الإنجليزيّة لا يدعو للتفاؤل

أفريقيا برس – أرض الصومال. لا يخفى على أيّ كاتب أو ناشر أو ناقد أنّ الترجمة هي أساس انتشار شهرة كاتب خارج حدوده اللغويّة الأمّ. ولا يختلف حال الأدب العربيّ عن هذا الواقع، فبحسب عدد كبير من الكتّاب والصحافيّين العرب إنّ الترجمة إلى لغات غربيّة وبخاصّة الإنجليزيّة، هي أحد مؤشّرات نجاح كاتب وذيوع شهرته في الحقل الأدبيّ. رغم ذلك، تقع المشكلة في مجال الأدب العربيّ، في أنّ معظم الفاعلين فيه كتابةً ونشراً ونقداً يعتبرون أنّ الكتاب العربيّ مُهمل على صعيد الترجمة إلى الإنجليزيّة كما يعتبرون أنّ الفرص ضئيلة أمام أيّ كاتب لأن تتمّ ترجمة أعماله، سوى في حال نال جائزة عربيّة مرموقة. فما هي حقيقة واقع ترجمة الأدب العربيّ إلى الإنكليزيّة وما هو أثر الجوائز العربيّة على حركة الترجمة وتطوّرها؟

عقبات الترجمة

بعد مقابلات مع ناشرين غربيّين ومتخصّصين في ترجمة الأدب العربيّ أبرزهم المترجم والأستاذ الجامعيّ روجر آلن الذي وضع نصوصاً ومقالات متعدّدة في الترجمة وفي الرواية العربيّة المعاصرة، والمترجم والأستاذ الجامعيّ ويليام غرانارا مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفرد، وغيرهم من المترجمين من العربيّة إلى الإنجليزيّة كالمترجم لوك ليفغرين وبولا حيدر ومارلين بوث وجوناثن وايت ونانسي روبرتس وسواهم، يمكن أن نجعل عقبات الترجمة من العربيّة إلى الإنجليزيّة ضمن خانتين: العقبات الناتجة عن الفاعلين في الحقل الأدبيّ نفسه وقلّة فاعليّتهم، والعقبات الناتجة عن تقصير التمويل المؤسّساتي والحكوميّ والإداريّ لحركة الترجمة.

الفاعلون في الحقل الأدبيّ تقع عليهم اللائمة من نواحٍ عدّة. إنّ الناشر العربيّ نادراً ما يتّخذ مبادرة التواصل مع ناشرين غربيّين لعرض إصداراته عليهم، كما أنّ اتّحاد الناشرين العرب لا يقدّم للغرب أيّ نشرة أو كاتالوغ أو أيّ نوع من لوائح بالكتب الصادرة في العالم العربيّ كلّ عام، عدا عن غياب واضح وجليّ لوظيفة الوكيل الأدبيّ الذي يجب أن يكون صلة وصل بين الأدب العربيّ وترجماته. تُضاف إلى هذا التقصير أزمة توزيع الكتب وأزمة إيصالها إلى المكتبات الغربيّة ومعاهد الأدب العربيّ والمراكز الثقافيّة العربيّة في الغرب. إنّ جهل الناشر الغربيّ بما يمكن ترجمته إلى الإنجليزيّة من نصوص وأعمال عربيّة يشكّل سبباً كبيراً خلف انخفاض أرقام الترجمة إلى الإنجليزيّة. إنّما يتشارك الناشر الغربيّ هذا الذنب مع الناشر العربيّ، فدور النشر الغربيّة في معظمها لا تملك قارئاً عربيّاً متخصّصاً يختار ما يجب أن يُترجم ويُنشر كما لا تملك دور النشر الغربيّة لجنة أو قسماً يتتبّع ما يصدر في العالم العربيّ وينشر أفضله. وإن كان عالم الفرنكوفونيّة يملك مؤهّلات لدى بعض الناشرين المتخصّصين والمسؤولين، فدور النشر الإنجليزيّة والأميركيّة تفتقد إلى هذا المنصب وتتّكل على خيارات المترجمين وعلى نتائج الجوائز العربيّة وعلى ما تقع عليه في معارض الكتب وبخاصّة معرض فرانكفورت.

أمّا من ناحية أخرى فالدول العربيّة الثريّة والقادرة اقتصاديّاً على تعزيز حركة الترجمة والنشر، بالإضافة إلى المؤسّسات القادرة على تمويل المترجمين أو مشاريع التعريف بالأدب العربيّ المعاصر لا تدأب على القيام بهذه المهمّة. وحدها ربّما مجلّة “بانيبال” البريطانيّة التي أسّستها الناشرة البريطانيّة مارغريت أوبانك والكاتب العراقيّ صموئيل شمعون، سدّت الفجوة الإداريّة هذه وعرّفت المترجمين والناشرين الأنغلوفونيين بأحدث ما يصدر في العالم العربيّ وأبرزه. مجهود محمود ومميّز، إنّما يحتاج على المدى الطويل إلى تعزيز ودعم وتمويل مؤسّساتيّ عربيّ أكثر فعاليّة وشموليّة.

الترجمة إلى الإنكليزيّة بالأرقام

تُعتبر الترجمة إلى الإنجليزيّة اليوم أولويّة بالنسبة إلى أيّ كاتب عربيّ، فهي باب الترجمة إلى لغات أخرى. لكنّ المشكلة الكبرى تكمن في أنّ دور النشر الغربيّة لا تعرف ماذا يجب أن تترجم ولا تعرف ماذا يصدر في حقل أدبيّ يكتب فيه مؤلّفون ومبدعون من 22 بلداً عربيّاً، فتعتمد الترجمة اليوم على مجهود الكاتب الذاتيّ وعلاقاته وصداقاته في الحقل الأدبيّ، عطفاً على الجوائز المعروفة ومنها البوكر العربية، بينما يبقى دور الناشر العربيّ محصوراً بالتوزيع العربيّ وبالنشر الداخليّ وبالمشاركة في المعارض.

وعلى الرغم من التقدّم الكبير الذي شهده مجال الترجمة من العربيّة إلى الإنجليزيّة تبقى الأرقام مجحفة وقليلة مقارنة بما يصدر في العالم العربيّ من روايات ومؤلّفات. ففي عام 2011 صدرت 18 ترجمة في بريطانيا و18 ترجمة في الولايات المتّحدة الأميركيّة. سنة 2012 وصلت الأعمال المترجمة من العربيّة في بريطانيا وحدها إلى 38 بينما كانت 25 في الولايات المتّحدة. سنة 2013 صدر 23 عملاً مترجماً في بريطانيا و17 في الولايات المتّحدة، لتبقى الأرقام متراوحة بين هذه المعدّلات في الأعوام اللاحقة، فعام 2015 صدرت 25 ترجمة في بريطانيا و26 في الولايات المتّحدة. وبذلك يكون مجمل الأعمال المترجمة من العربيّة إلى الإنكليزيّة في خمسة أعوام (2011-2015) حوالى 252 عملاً وهو رقم ضئيل بالنظر إلى أنّه يشمل أدب 22 دولة وليس دولة واحدة فقط، لكنّه من دون شكّ رقم يتحسّن ويتزايد مع الوقت بحسب المتخصّصين في الترجمة. (مؤسسة “الادب عبر الحدود” – بريطانيا).

من ناحية دور النشر الفاعلة في ترجمة الأدب العربيّ إلى اللغة الإنجليزيّة نذكر Interlink Publishing، بلومزبرغ القطريّة التي اصبحت منشورات جامعة حمد بن خليفة، منشورات الجامعة الأميركيّة في القاهرة، Lynne Rienner Publishers، Quartet Books، Penguin Books.

الجوائز والترجمة

تصاعد الاهتمام بترجمة الأعمال العربيّة بدءاً من العام 1988 بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب، ممّا أعطى مساحة للأدباء العرب للانطلاق خارج الحقل الأدبيّ العربيّ. وتُعتبر جائزتا نوبل للأدب وبوكر البريطانيّة من أكثر الجوائز التي تزيد عدد القرّاء باللغة الإنجليزيّة. أما الجوائز العربيّة فشأن مختلف.

تجذب الجوائز العربيّة اهتمام الناشر الأجنبيّ طبعاً، بخاصّة أنّه لا يملك قارئاً عربيّاً في داره، وبالتالي تقوم هذه الجوائز بعمل الوكيل الأدبيّ بدلاً منه، وتختار ما هو من المفترض أن يكون الجيّد من الأدب. لكنّ القارئ الغربيّ الأنغلوفونيّ وبخاصّة الأميركيّ الذي لا يميل كثيراً إلى قراءة الأدب المترجم، بعيد كلّ البعد عن أجواء الجوائز العربيّة ولا يغرّه فوز عمل بجائزة عربيّة ليشتريه. وقد أجمع معظم المترجمين والناشرين الأنغلوفونيين على أنّ الجوائز الأدبيّة العربيّة تساهم في تأمين ترجمة العمل ونشره لكنّها لا تضمن جذب اهتمام القارئ.

إنّ الجوائز الادبية التي تُمنح في العالم العربيّ لا تشجّع القارئ الغربيّ على شراء أعمال الفائزين بها، فهي لا تملك حتّى الآن شهرة عالميّة ولا قاعدة شعبيّة متينة، لكنّها تشجّع الناشر على شراء حقوق العمل وترجمته وطباعته والترويج له. أمّا الناشر الغربيّ فهو الآخر لا يهتمّ كثيراً بالنجاح الذي حصده عمل أدبيّ في العالم العربيّ بل يهمّه أكثر النجاح الذي سيحصده في الغرب، فيأتي الخيار من قوائم الأعمال الفائزة بجوائز، كرهان أكيد على جودة النصّ بالنسبة لشخص لا يقرأ العربيّة ولا يعرف كيف يختار من الكمّ الهائل الصادر كلّ عام، لا أكثر.

من ناحية أخرى هناك كتّاب حقّقوا أرقام مبيعات عالية في أعمالهم المترجمة كالمصريّ علاء الأسواني واللبناني الياس خوري وسواهم، من دون أن ينالوا جوائز عربية. وهذا واقع ينطبق على كاتبات عربيّات أيضاً كاللبنانيّة حنان الشيخ والمصريّة نوال السعداوي وسواهما. هؤلاء الكتّاب هم خير مثال على روائيّين لم ينالوا جوائز وحصدت أعمالهم المترجمة إلى الإنجليزيّة نجاحاً كبيرًا بين القرّاء. قد يعود ذلك لإقامتهم في الخارج أوللعلاقات التي أقاموها مع القارئ الغربيّ والناشر الغربيّ. إنّما على أيّ حال يبقى نجاحهم دليلاً على أنّ الجوائز العربيّة قد تحفّز الترجمة إلى الإنجليزيّة، لكنّها لا تضمن بالضرورة النجاح الشعبيّ للعمل المترجم.

أكثر الموضوعات ترجمة

لا يختبئ الكاتب العربيّ خلف إصبعه في ما خصّ الترجمة، فهو يعلم أنّها صعبة المنال وأنّ مكانة الأدب العربيّ ليست في مقدّمة القافلة وليست مركزيّة تماماً. قلّة قليلة من القرّاء الأنغلوفون يقرؤون الأدب العربيّ المترجم حبّاً به وبخصائصه الجماليّة والفنّيّة. هم يقرؤون الأعمال للتعرّف إلى مناطق النزاع، لاكتشاف الإنسان العربيّ والإنسان المسلم والمرأة العربيّة والإرهاب والسلاح والإنسان القادم إليهم من الصحراء أو من بلاد البترول أو من بلاد الحجاب والتزمّت الدينيّ. الأحكام المسبقة كثيرة وقاسية على الإنسان العربيّ، ليتحوّل الكتاب المترجم إلى حليف في مواجهة نير الظلم اللاحق بالعرب والمسلمين المقيمين في الغرب.

إنّ النصوص التي تُختار لتتمّ ترجمتها لا تُختار لغاية أدبيّة أسلوبيّة للأسف، بل هي تُختار لغاية فهم محرّكات مناطق النزاع وأهلها. تقول الكاتبة والصحافيّة العراقيّة إنعام كجه جي في هذا السياق وبشيء من الحسرة والحزن: “أكان يجب أن يُدمّر وطني ليصل صوتي إلى القارئ الغربيّ ولتتمّ ترجمة رواياتي وقراءتها؟”.

هذا هو السؤال الأكثر خطورة في المشهد الأدبيّ العربيّ اليوم. يجد القارئ الغربيّ في الأدب العربيّ وثيقة سياسيّة اجتماعيّة وليس نصّاً أدبيّاً فنّيّا،ً وهو رأي يجمع عليه كبار النقّاد والكتّاب العرب والأجانب. يقرأ القارئ الأنغلوفونيّ الأدب العربيّ ليفهم ظروف الإنسان العربيّ ونمط عيشه وحروبه اللامتناهية وثوراته وهزائمه في هذا الشرق الأوسط، المتأجّج بالطائفيّة والطمع والسلاح، ولا يقرأه لما فيه من فنّيّة وأسلوب وتقنيّة.

يجذب أدب مناطق النزاع القارئ الغربيّ الأنغلوفونيّ، فعلى إثر الحرب اللبنانيّة كانت الرواية اللبنانيّة متربّعة على عرش قوائم مبيعات الروايات المترجمة، ثمّ بعد الغزو العراقيّ تحوّل الانتباه إلى الانتاج العراقيّ، كذلك في بدايات الثورة السوريّة تركّز الانتباه على الأعمال السوريّة. ساهم الربيع العربيّ في ازدياد الاهتمام بالكتاب العربيّ وكأنّ الحرب هي وقود الترجمة. وكذلك شكّل كلّ ما له علاقة بالمرأة والإسلام موضوعاً مثيراً للاهتمام بنظر الناشر الأجنبيّ والقارئ الغربيّ الأنغلوفونيّ، لتبقى القضيّة الفلسطينيّة والنزاع الفلسطينيّ الإسرائيليّ أكثر ما يستأثر بالأعمال المترجمة إلى الإنجليزيّة، نظراً لانغماس السياسات الأميركيّة والبريطانيّة في هذا الشأن.

قد يكون العمل المترجم عن العربيّة جميلاً وجيّداً على الصعيدين الفنّيّ والأدبيّ العربيّ، كما يكون قد لقي نجاحاً مقبولاً بين القرّاء العرب، إنّما هذا لا يكفي ولا يعني حتماً انتقال هذا النجاح إلى الغرب. ليست كلّ النصوص الجيّدة بالعربيّة قابلة للترجمة، وليس النجاح العربيّ شرطاً أو معياراً للنجاح في الغرب، فما ينجح في بيئة أدبيّة لا ينجح في أخرى وليست النصوص كلّها مكتوبة لتُقرأ خارج مكان كتابتها.

يحبّ القارئ الأنغلوفونيّ الأحداث السرديّة المشوّقة، يحبّ القصص المليئة بالسرعة والإثارة والأحداث المتتابعة الوثّابة، بينما يشعر بالملل عندما يكون النصّ مغرقاً بالمشاعر والوجدانيّة والعودة إلى الذات. نجاح ترجمة نصّ في بيئة ما يعتمد على الإطار الثقافيّ والجغرافيّ والسياسيّ للبيئة المستوردة له، لتبقى الخطوات الأساسيّة لمحاولة ضمان نجاح ترجمة أيّ عمل عربيّ إلى الإنجليزيّة هي: الحرص على جودة الترجمة والطباعة والنشر، الحرص على حسن توزيع الكتاب المترجم وتحسين طرق الترويج له والعمل على استراتيجيّات بيعه، تعزيز الوجود المؤسّساتي العربيّ المموّل والداعم والناشط في هذا المجال، إنشاء برامج تسويق الأدب العربيّ وخلق فرص عمل لوكلاء أدبيّين يهتمّون بمسائل الترجمة ويحافظون على حقوق الكتّاب العرب ويحرصون على نقل أفضل الإنتاج الأدبيّ العربيّ إلى القارئ الأنغلوفونيّ… وأخيراً إنشاء مراكز ثقافيّة عربيّة ومكتبات ومراكز ترجمة ومراكز دراسات وورش عمل لجذب اهتمام القارئ الأنغلوفونيّ إلى الأدب العربيّ، وتحويل انتباهه إلى فنّيّة النصّ وتقنيّته وليس إلى مضمونه السياسيّ والاجتماعيّ والدينيّ فحسب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس