المتاحف العربية.. جارات لا تتزاور

1
المتاحف العربية.. جارات لا تتزاور
المتاحف العربية.. جارات لا تتزاور

ياسر سلطان

أفريقيا برس – أرض الصومال. من القاهرة إلى الدوحة، ومن بيروت إلى الرباط، ومن الشارقة إلى الجزائر، تتنفس المتاحف العربية هواءً خاصّاً، مزيجاً من إرث الماضي وقلق الحاضر وتطلعات المستقبل. لكل متحفٍ منها حكايته التي يرويها بلغة الألوان والخطوط والخامات، وأيضاً بالصمت الذي يملأ الفراغات.

ففي مصر، بدأ تأسيس المتاحف مع بدايات القرن العشرين، بدافع الحفاظ على هوية كانت مهددة بالاندثار. متاحف مثل متحف محمود مختار ومتحف الفن المصري الحديث سعت إلى تأسيس ذاكرة فنية حديثة في وجه محاولات التهميش والاستلاب الكولونيالي.

في المقابل، شهدت منطقة الخليج العربي انطلاقة المتاحف الكبرى خلال العقود الأخيرة، مدفوعة برؤى تنموية طموحة تنظر إلى الثقافة بوصفها أحد أعمدة القوة الناعمة. متاحف مثل متحف الفن الإسلامي ومتحف الفن العربي في الدوحة، واللوفر أبوظبي، يمكن اعتبارها مشاريع سياسية وثقافية تسعى إلى وضع المدن الخليجية على خريطة الفعل الثقافي العالمي.

أما بلاد الشام والمغرب العربي، فقد سلكت المتاحف فيها مسارات مختلفة أكثر التصاقاً بالواقع المحلي، حيث ظلّت هذه المؤسسات حاميةً للإبداع في ظلّ أزمات سياسية واقتصادية وأمنية متعاقبة.

وعلى الرغم من هذا الغنى والتنوع، راح كل متحف من هذه المتاحف يعمل بمعزل عن الآخر، وغاب الحوار الحقيقي بينها. ربّما تبدو هذه العزلة مفهومة في ظل الواقع السياسي الممزّق للعالم العربي، أو في ظلّ تفاوت الموارد واختلاف الأولويات، لكن الفن كان دوماً مجالاً يتجاوز الحدود؛ فتنقّلت المدارس الفنية في العالم بين العواصم، وتآلفت تيارات فكرية وفنية رغم المسافات واختلاف الثقافات.

ألم يُعلّمنا تاريخ الفن العربي الحديث نفسه أن ازدهاره الحقيقي تحقق حين تلاقت التجارب وتبادلت المدارس الفنية الرؤى والرموز؟

تقدّم لنا المتاحف العالمية نموذجاً للتعاون الثقافي؛ فمتحف تيت مودرن في لندن، مثلاً، لا يتردد في استضافة معارض من متحف موما في نيويورك، بينما ينتقل جناح فني من متحف أورسيه إلى روما أو برلين بلا عناء. هناك بنية ثقافية حيوية تؤمن بأن الفن فعل مشترك، وأن المعرفة البصرية يجب أن تتنقّل كما تتنقّل الكتب أو الأفكار.

ما الذي يمنع متحفاً في عمّان من أن يحاور آخر في تونس؟ ولماذا لا تتنقّل المعارض بين الدار البيضاء والدوحة أو دبي؟ لدينا ذخائر فنية هائلة، من مقتنيات تراثية إلى تجارب معاصرة، ولدينا فنانون يحظون بتقدير عالمي، لكنهم غالبًا لا يظهرون في متاحف البلدان العربية الأخرى.

إن غياب شبكات التعاون ليس مجرّد خسارة لفرص العرض، بل هو انقطاع في الشريان الثقافي العربي ذاته. التحديات معروفة: تفاوت التمويل، واختلاف الرؤى الإدارية، وغياب استراتيجية إقليمية واضحة. لكن التحديات كانت دائمًا هي محرّك الإبداع.

واليوم، توفّر لنا التكنولوجيا أدوات لم تكن متاحة في السابق، فالمتاحف لم تعد مجرد مبانٍ حجرية، بل أصبحت كيانات رقمية عابرة للحدود. يمكننا اليوم أن نؤسس منصة عربية موحدة للمقتنيات الفنية، وأن نبتكر برامج تبادل معرفي، وأن ننظم ندوات افتراضية منتظمة تجمع القائمين على المتاحف والفنانين والباحثين من كل أنحاء الوطن العربي. هذه المنصة لا تحتاج إلى تمويل ضخم في بدايتها، بل إلى إرادة ثقافية ورؤية تشاركية.

كما يمكن للمؤسسات الكبرى أن تضطلع بدور قيادي، من خلال تبني سياسة الرعاية التعاونية، بحيث تتيح مواردها البشرية واللوجستية لمتاحف أصغر في مدن عربية أخرى. يمكن كذلك تأسيس صندوق ثقافي عربي مشترك، بدعم من وزارات الثقافة والقطاع الخاص، لتمويل المعارض المتنقلة وبرامج التبادل الفني. الهدف الحقيقي هنا هو إعادة تشكيل وعي ثقافي عربي مشترك، يربط بين الحواضر المتباعدة، ويحتفي بالاختلاف من دون أن يفقد الإحساس بالانتماء الواحد. وهذا الوعي لا يمكن بناؤه إلا إذا تخلت المتاحف العربية عن وضعها الحالي باعتبارها جزراً معزولة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس