أفريقيا برس – أرض الصومال. أكد الباحث الإيطالي المسؤول عن حملات المالية والمناخ في منظمة “ري كومون” الحقوقية الإيطالية، سيمونى أونيو في مقابلة مع “العربي الجديد” أن خطة ماتّي صندوق فارغ يقسم أفريقيا إلى مناطق نفوذ.
وكان مؤتمر قمة “إيطاليا-أفريقيا” الذي استضافته روما أواخر شهر يناير/كانون الثاني شهد تدشين “خطة ماتّي” للتنمية في أفريقيا والتصدي لموجات الهجرة غير الشرعية من دول القارة السمراء إلى أوروبا.
وتُنسب هذه الخطة إلى مؤسس شركة إيني، إنريكو ماتّي، الذي دعا إلى دعم حكومات دول شمال إفريقيا من أجل تنمية مواردها ومن ثم الاستفادة منها في تحقيق هدف تنويع الإمدادات لضمان أمن الطاقة في إيطاليا في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
حصلت منظمتكم مؤخرًا على نسخة من المذكرة التي نوقشت خلال الاجتماع الثاني لغرفة العمليات بمجلس الوزراء الإيطالي، الذي عقد في 24 إبريل/نيسان فيما يتعلق بخطة ماتي، ما فحوى هذه الوثيقة بإيجاز؟ وما هو تعليقكم على ما جاء بها؟
لم تكن الملاحظات النهائية الواردة من غرفة العمليات الخاصة بما يسمى بخطة ماتي سوى تأكيداً لمخاوف انتابتنا في “ري كومون” منذ البداية، عندما طُرح الاسم لأول مرة: أن خطة ماتي ليست استراتيجية شراكة حقيقية تجاه بلدان القارة الأفريقية ومعها، بقدر ماهي إشارة مهمة لإعادة تموضع إيطاليا بشكل أفضل على الساحة الدولية وإسعاد ناخبيها، في ضوء هدف – واحد من بين عدة أهداف، إلى جانب هدف تحقيق أمن الطاقة – مكافحة ما تسميه الحكومة “الهجرة غير النظامية”. القصد، هذه الخطة ما هي إلا مزيج من دوافع سياسية خارجية وداخلية.
وإذا كان هدف خطة ماتي أن تشكل أيضا نهجا جديدا في العلاقات الإيطالية الأفريقية، فإننا لم نصل إلى هذه النقطة. وعلى سبيل المثال، كان من بين ما ورد في الملاحظات المذكورة سلفاً أن “الخطة ستقسم أفريقيا إلى مناطق نفوذ”، على غرار ما فعلته الإمبراطوريات الاستعمارية لتقسيم القارة السمراء خلال انعقاد مؤتمر برلين عام 1884، و”تطور مشاريع جديدة أو تدعم بفعالية المبادرات القائمة بالفعل” وتأمل في نمو الاستثمارات “في إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة وغيرها”.
ونحن عندما نصف هذه الخطة بـ “الصندوق الفارغ”، فإننا نعني هذا على وجه التحديد، لكن هذا لا ينفي أن هذا الصندوق سوف يمتلئ شيئاً فشيئاً. ومن ناحية أخرى، ليكن معلوماً أن هناك من يضغط من أجل عدم إهمال الخطة لحقول النفط والغاز.
ما هي الشركات الصناعية الإيطالية التي كان لها نصيب الأسد في هذه الخطة وخاصة في دول شمال أفريقيا؟
عند الحديث عن الأسماء الكبيرة في الصناعة الإيطالية المشاركة في غرفة قيادة خطة ماتي، لا بد من وضع جميع قطع الفسيفساء في مكانها الصحيح. ونحن هنا لا نتحدث فقط عن الأسماء الكبيرة في الصناعة التي تشارك في غرفة القيادة، وإنما أيضًا عن الطيف الكامل لشركات الهندسة والمكونات والتصنيع الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على صفقات الكبار.
والأسماء الكبيرة المعنية، تلك التي تقرر مصير خطة ماتي، تتركز على وجه الخصوص في إيني وسنام لمشروعات البنى التحتية وليوناردو لصناعات الدفاع وإينيل لمشروعات الكهرباء. وهنا يتعين علينا أن ننتبه لأمر مهم: إذا اعتبرنا أن خطة ماتي تحرك إعلامي في المقام الأول، فلا يمكن أن نسلم بأن الشركات الكبرى كانت سعيدة بهذه الخطوة. أولاً، لأن هذه الخطة، من هذا المنطلق، تجعل من أنشطتها مناطاً لاهتمام عام قوي؛ وثانياً، لأن الأمر موكل لها لملء ذلك “الصندوق الفارغ” الشهير الذي تحدثنا عنه من قبل، وذلك من خلال تجميع النقاط الرئيسية لخططها الاستثمارية.
أوضحت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني في روما، أثناء تقديم خطة ماتي، أن هدفها هو فقط جعل إيطاليا مركزًا للغاز الأوروبي، حتى أن بعض المراقبين رأوا أن هذه الخطة يمكن تعريفها بأنها خطة ميلوني-ديسكالزي (الرئيس التنفيذي لشركة إيني).
إذا قمنا بتحليل المشاريع التجريبية للخطة، فسوف نرى كيف أنها ليست سوى مشاريع صغيرة للتعاون من أجل التنمية مؤسسة على الشراكة بين القطاعين العام والخاص في قطاعات الزراعة والصحة والتعليم. ونحن نخشى أن تكون هذه المشروعات “مقدمة” موجهة لمرافقة استثمارات أضخم بكثير على وجه التحديد في البنى التحتية الخاصة بالطاقة والمخصصة لإنتاج وتصدير الغاز/الهيدروجين، وكذا في البنى التحتية الكبيرة المرتبطة بالنقل لتسهيل حركة نقل البضائع.
ومن الممكن أن يحدث هذا من خلال مبادرة الاستثمار الأوروبية “البوابة العالمية”، التي وصفها ائتلاف المنظمات غير الحكومية الأوروبي “Counter Balance” باعتبارها استراتيجية هدفها “استخدام الأموال المخصصة للتنمية لجذب استثمارات خاصة في البنى التحتية في الجنوب العالمي”.
الخلاصة أن خطة ماتي تسيل لعاب الكثيرين، ليس بسبب الأموال المتاحة حاليا، بقدر ما هو بسبب الموارد والأدوات المالية المرتبطة بها، والصدى الإعلامي المتنامي، والمسار التفضيلي الذي تعتزم الحكومة الإيطالية تخصيصه للاستثمارات المرتبطة بالخطة.
أطلقتم مؤخراً حملة “لا للغاز في موزمبيق” للتعبير عن رفض المشاريع التي اعتبرتها شركة إيني والحكومة الإيطالية ضرورة أساسية لأمن الطاقة في البلاد. هلّا أوضحت لنا مقومات هذه الحملة؟ وما هي أبرز الكيانات الإيطالية المتداخلة في هذا السياق؟
حملتنا هي الامتداد الوطني للحملة الدولية “قل لا للغاز في موزمبيق (https://stopmozgas.org/)، وقد انضممنا إليها مع العديد من المنظمات غير الحكومية الموزمبيقية والدولية. وبالتماشي مع أنشطة “ري كومون”، التي تطلق حملات عامة للدعم والمشاركة مع أصحاب المصلحة من مختلف المشارب بشأن المسؤولية الاجتماعية والبيئية وجميع المسائل غير المالية للشركات الإيطالية الرئيسية المدرجة في البورصة، ينصب التركيز على المؤسسات والبنوك الإيطالية، العامة والخاصة على حد سواء.
وقد بدأت القصة في مقاطعة كابو ديلجادو الشمالية في موزمبيق، التي اُكتشفت فيها احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي، وسرعان ما بدأ السباق للاستيلاء على الموارد من قبل شركات صناعة الوقود الأحفوري الدولية العملاقة التي تمولها البنوك الخاصة والعامة ووكالات الائتمان الدولية، القادمة من 20 دولة على الأقل.
ومن بين هذه الشركات الدولية تبرز إيني الإيطالية، المالكة لمنصة الإنتاج والتسييل العائمةCoral South FLNG، وهو المشروع الوحيد الذي أُنجز ودخل مرحلة التشغيل وبدأ في تصدير الغاز منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023. هذا الأخير ليس مشروع إيني الوحيد، نظرًا لوجود مشروعين آخرين.
ووفقاً لبيانات منصة Kpler يتبين أنه منذ تصدير الشحنة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إلى مارس/آذار 2024، بلغ عدد شحنات الغاز الطبيعي المسال المصدرة 58 شحنة، أي ما يعادل حوالي 3700 طن من الغاز الطبيعي المسال، وصلت منها حمولتان فقط إلى إيطاليا (122 طن غاز مسال بنسبة 3.3% من الإجمالي). كل هذا في حين أن ما يقرب من 20 مليون موزمبيقي ليس لديهم نفاذ إلى الطاقة.
هل هذا هو الثمن الوحيد الذي سيدفعه سكان موزمبيق؟
بالطبع ليس هذا هو الثمن الوحيد الذي يدفعه سكان موزمبيق، الذين قضى منهم، في السنوات الست الماضية، أكثر من 4 آلاف شخص ونزح حوالي 900 ألف آخرون بسبب صراع عنيف مسلح، يغذيه أيضًا وجود شركات الطاقة الدولية.
هذا الصراع ذو الصبغة الإسلامية يتغذى أيضاً على الإحباط الذي يشعر به مئات الأشخاص الذين يعيشون في ظروف من الفقر المدقع ومن دون آفاق للمستقبل. أمّا الثمن الذي سيدفعه الكوكب، إذا جرى استخراج كل احتياطيات الغاز المتوفرة في موزمبيق، ليس أقل تكلفة. وإذا جمعنا كل الاحتياطيات المتاحة في حوض روفوما، فسوف نجد أنفسنا في مواجهة ما يسميه الخبراء “قنبلة مناخية”، مع تأثير محتمل لا رجعة فيه على تغير المناخ الذي يدمر الكوكب.
لكل هذه الأسباب، نطالب بأن تتخلى شركة إيني عن استخراج الغاز في موزمبيق، وألا تقدم المجموعتان المصرفيتان الإيطاليتان إنتيزا سان باولو ويونيكريديت- وهما من بين أكبر ممولي إيني على مستوى العالم- على تمويل مشروعي Coral North FLNG وRovuma LNG الجديدين لشركة إيني.
كما نطالب SACE، وكالة ائتمان الصادرات الإيطالية، بعدم إصدار ضمانات جديدة لمشاريع الوقود الأحفوري في موزمبيق وإلغاء ضمان التمويل لشركة موزمبيق للغاز الطبيعي المسال، الذي اتُفق عليه بالفعل قبل بضع سنوات، قبل تعليق المشروع نتيجة لظروف قهرية.
المصدر: العربي الجديد
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس