أفريقيا برس – أرض الصومال. لم تنقطع ردود الأفعال الإقليمية والعربية الرافضة لما تم الإعلان عنه من توقيع مذكرة تفاهم بين إثيوبيا وولاية أرض الصومال (صوماليلاند) “الانفصالية”، التي تحصل بموجبها أديس أبابا على منفذ على البحر الأحمر.
ويرى مراقبون أن الاتفاق يحمل ملفات سياسية خطيرة وهو مدعوم من بعض الدول لاستهداف دول أخرى وتضييق الخناق عليها، كما أنه يحقق جزءا من الطموح الإثيوبي بوصولها إلى البحر الأحمر ولعب دور في المنطقة والتعامل مباشرة عبر البحر مع العالم الخارجي، وهو الأمر الذي ترفضه العديد من الدول العربية والأفريقية وتراه بداية لإشعال صراعات كبرى في المنطقة والقرن الأفريقي بشكل خاص، وأن الأمر لن يمر بسلام.
وتعليقا على مخاطر وتداعيات تلك الخطوة الإثيوبية، يقول عبد الرحمن إبراهيم عبدي، مدير مركز مقديشو للدراسات في الصومال، إن إثيوبيا لن تتخلى عن الاتفاق مع منطقة أرض الصومال الانفصالية، بالرغم من إعلان الحكومة الصومالية رفضها لهذا الاتفاق، وستعمل كل ما في وسعها من أجل الالتفاف على سيادة الصومال، وضرب جميع القوانين والمعاهدات الدولية والإقليمية عرض الحائط، والحصول على موطئ قدم لها في الساحل الصومالي.
الحلم الإثيوبي
وأضاف أن تغيير حقائق الجغرافيا كان حلما يراود القيادات الإثيوبية منذ سنوات عدة، وأنه أمر مهم لبقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي يواجه في الوقت الحالي وضعا سياسيا واقتصاديا وعسكريا صعبا على السلطة.
وتابع عبدي: “يحاول آبي أحمد توجيه الأنظار بعيدا عن المشاكل الداخلية وشغل الرأي العام وتحويله عن المشاكل الحقيقية في البلاد، وهناك توقعات بأن يلجأ بعد رفض الصومال الاتفاق التي أبرمها مع أرض الصومال إلى بعض الدول سواء إقليمية أو دولية، والتي ترتبط بعلاقات قوية مع البلدين لإقناع الصومال بالعدول عن رفضها، وقبول الأمر الواقع مقابل امتيازات سياسية واقتصادية للحكومة الصومالية الحالية”.
الرفض الصومالي
وأشار رئيس مركز مقديشيو، إلى أن الحكومة الصومالية الحالية ليس أمامها سوى رفض هذا الاتفاق لأنه مطلب شعبي وأن المياه البحرية الصومالية وتر حساس، وبالتالي باتت كل الخيارات مفتوحة أمام الرئيس حسن شيخ محمود لمنع حصول إثيوبيا على منفذ بحري على الساحل الصومالي.
ويكمل عبدي: “في تقديري ستواصل الحكومة العمل بالمسار الدبلوماسي، وحشد التأييد لهذه القضية والاستعانة ببعض الدول التي كانت تنافس إثيوبيا في الهيمنة على الاتحاد الأفريقي، وكانت تسعى إلى نقل مقر الاتحاد من أديس أبابا مثل جنوب أفريقيا والجزائر، وكذلك دول أخرى كانت ولا تزال قلقة من تصرفات إثيوبيا المزعزعة للاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، مثل مصر وإريتريا وجيبوتي، فهذه الدول لديها مخاوف حقيقية من أطماع إثيوبيا ورغبتها في الحصول على منفذ بحري”.
مخاوف إقليمية
أكد رئيس مركز مقديشيو، أن هناك العديد من المخاوف لدى دول أفريقية وعربية من الأطماع الإثيوبية ومنها، سعي إثيوبيا إلى الهيمنة على القرار السياسي في منطقة القرن الأفريقي، بعد أن تنجح في الحصول على منفذ بحري يمكن لها الاستيراد منه جميع احتياجاتها من الأسلحة دون علم الدول الأخرى، وهذا ما لا يمكن تحقيقه عبر ميناء جيبوتي.
وأردف: “هناك رغبة لإثيوبيا في لعب دور في أزمات الشرق الأوسط، وأن تستخدم سيطرتها على أجزاء من البحر الأحمر كورقة ضغط أمام الدول العربية المطلة على البحر الأحمر”.
تضييق الخناق
ولفت عبدي، إلى أن إثيوبيا تحاول أيضا تضييق الخناق على مصر اقتصاديا، وتشكيل تهديد حقيقي على المصدرين الأساسين للاقتصاد المصري، نهر النيل وقناة سويس، وكذلك الأمر ينطبق على جيبوتي.
وتابع: “تسعى إثيوبيا إلى أن تحل محل إريتريا وجيبوتي وأن تدعو القوى العظمى باعتبارها دولة كبيرة وذات ثقل سكاني إلى الاعتراف بها كدولة مسؤولة عن أمن الملاحة البحرية في خليج عدن والبحر الأحمر”.
وقال رئيس مركز مقديشيو، إن إثيوبيا تحاول أيضا أن تكون وكيل إسرائيل في المنطقة، وتوفر قواعد بحرية لها في هذا الممر الحيوي لممارسة مزيد من الضغط على الدول العربية في الشرق الأوسط.
مزيد من الصراعات
وأكد عبدي، أن هذا الاتفاق المبرم بين إثيوبيا وأرض الصومال سوف يولد مزيد من النزاعات والصراعات في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية القصوى للأمن والسلم العالميين، في وقت تعاني عدد من بلدان المنطقة من النزاعات الداخلية وآثار الكوارث الطبيعية، حيث يحاول العالم إخمادها واحتواءها وإيجاد حلول لها.
ولفت رئيس مركز مقديشيو، إلى أن هناك توقعات بأن يتزايد الصراع بين الصومال وإثيوبيا إلى حد لا يمكن التنبؤ بنتائجه، مشيرا إلى أنه ليس هناك شيء يجبر إثيوبيا أو صوماليلاند على التراجع، إلا إذا حدث تغيير سياسي في إثيوبيا أو أرض الصومال أو بالرادع العسكري، وكلا الحالتين لهما تأثيراتهما السلبية المباشرة على الاستقرار في الصومال والمنطقة عموما.
ويرى عبدي، أنه رغم المخططات المرسومة إلا أن الطموح الإثيوبي لن يتحقق وسيفشل كما فشلت المحاولات التي قامت بها القيادات الإثيوبية على مر التاريخ لترسيخ أقدامها في ساحل البحر الأحمر.
خطر حقيقي
من جانبه، يقول عمر محمد، المحلل السياسي الصومالي: “اتخذت الحكومة الفيدرالية الصومالية الاتحادية موقفا حازما من الاتفاق بين إثيوبيا وصوماليلاند، وأعلنت رسميا رفضها لتلك الاتفاقية الغير شرعية والتي لا ترتكز على أي سند قانوني، حسبما جاء في بيان صادر عن المجلس الوزاري الصومالي، الذي أعلن أن الحكومة الصومالية تستدعي سفيرها لدى إثيوبيا للتشاور، وتتبع جميع الطرق القانونية والقنوات الشرعية للدفاع عن السيادة الوطنية ووحدة أراضي الدولة الصومالية، التي لا تقبل المساس بها أو تجزئتها وفق ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة السابعة في الدستور الصومالي المؤقت، وهو ما أكد عليه الرئيس الصومالي في خطابه أمام مجلسي الشعب والشيوخ بالبرلمان الفيدرالي الصومالي”.
وأضاف أنه لا شك إن هذه الخطوة سيكون لها تداعياتها على الصومال وعلى المنطقة كلها، وهو ما ألمح إليه الرئيس الصومالي في خطابه أمام البرلمان، حيث ذكر أنه كان من بين نتائج تدخلات مليس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا السابق في الصومال ظهور حركة الشباب المرتبطة بتنظيم “القاعدة” (تنظيم إرهابي محظور في روسيا ودول عديدة)، وهنا أشار الرئيس الصومالي إلى أن هذه الخطوة قد تهيئ الأرضية المناسبة لتجنيد شباب جدد تحت شعارات وطنية ورايات جهادية، قد تؤثر على أمن المنطقة.
وأشار محمد، إلى أنه رغم حالة الضعف التي يعيشها الصومال حاليا، إلا أن التجارب التاريخية أثبتت أن الشعب الصومالي مهما كان ممزقا ومقسما، فإنه يتحد في وجه أي خطر حقيقي يهدد مستقبله ووجوده، وتجلى ذلك في انطباعات القادة السياسيين الصوماليين وقطاع عريض من الشعب الصومالي، في تعاطيه مع هذه القضية المستجدة والمهددة لسيادة الدولة ووحدة أراضيها.
وأصدر المجلس الوزاري الصومالي قرارا يلغي مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وصوماليلاند بشأن تحقيق التطلعات الإثيوبية نحو الوصول إلى البحر الأحمر، وترفض من خلاله الحكومة الفيدرالية الصومالية بشدة مذكرة التفاهم والتعاون بين إثيوبيا وصوماليلاند التي هي جزء من الصومال وفق القوانين المحلية والأعراف الدولية والإقليمية.
وتعتبر الدولة الصومالية هذه الخطوة انتهاكا صارخا لسيادتها الوطنية وتهديدا لعلاقات حسن الجوار، والتعايش السلمي، واستقرار المنطقة التي تعاني أصلا من مشكلات أخرى، كما أنها تشكل تدخلا سافرا في الشأن الداخلي الصومالي واعتداء صارخا على سيادة الدولة الصومالية ووحدة أراضيها.
ووقعت إثيوبيا وجمهورية صوماليلاند (أرض الصومال) الانفصالية، مذكرة تفاهم تاريخية في أديس أبابا، ما أثار مخاوف مقديشو، التي يعقد مجلس وزرائها، اليوم الثلاثاء، اجتماعا طارئا.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إن “مذكرة التفاهم للشراكة والتعاون بين إثيوبيا وأرض الصومال، تهدف إلى أن تكون بمثابة إطار للشراكة المتعددة القطاعات بين الجانبين”.
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية (إينا)، عن مكتب آبي أحمد، فإن “مذكرة التفاهم ستمهد الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا في تأمين الوصول إلى البحر وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية، كما أنها ستعزز الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية بينهما”.
وأشار إلى أن “مذكرة التفاهم تؤكد من جديد الموقف المبدئي للحكومة الإثيوبية المتمثل في تعزيز المصالح المتبادلة من خلال التعاون على أساس المعاملة بالمثل”.
وتأتي مذكرة التفاهم بـ”بفصل جديد من التعاون ولها أهمية كبيرة للتكامل الإقليمي في القرن الأفريقي، كما أنها تمكن إثيوبيا من تعزيز دورها في الحفاظ على السلام والأمن الإقليميين”، وفق المصدر ذاته.
وفي عام 1991، أعلنت منطقة أرض الصومال، المطلة على خليج عدن، انفصالها عن الصومال من جانب واحد، لكنها لم تحصل على اعتراف دولي بهذه الخطوة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس