لاسعانود .. أزمات متجددة تهدد الجسد الصومالي، وتبحث عن حلول لدى الحكماء

9
لاسعانود .. أزمات متجددة تهدد الجسد الصومالي، وتبحث عن حلول لدى الحكماء
لاسعانود .. أزمات متجددة تهدد الجسد الصومالي، وتبحث عن حلول لدى الحكماء

صفاء عزب

أفريقيا برس – أرض الصومال. لاسعانود”.. اسم قد يبدو غريبا للأجانب وغير مألوف للأسماع لعدم تداوله كثيرا في بؤرة الاهتمام الدولي من قبل، ولكن هذا الاسم تصدر مؤخرا المواقع الخبرية الصومالية والإفريقية وحتى الدولية، وذلك بسبب ما شهدته تلك المدينة التاريخية في الفترة الأخيرة من أحداث دامية راح ضحيتها العديد من الأبرياء ما بين قتيل وجريح. وكشفت الأخبار أن أعداد الضحايا كانت بالمئات، الأمر الذي أثار الحزن والدهشة في نفس الوقت من الأسباب الكامنة وراء هذا الصراع الذي بدا مفاجئا بالنسبة للكثيرين ممن تتزاحم علامات الاستفهام في أذهانهم حول الخلفيات المسؤولة عن هذا الصراع الذي وصل لحد الاقتتال بين الجيران بل بين أبناء الوطن الواحد، وكذلك السر في تحول الخلاف إلى هذه الدرجة الخطيرة من الشراسة والدموية، في الوقت الذي تسعى فيه القيادة الصومالية إلى العبور بالبلاد من مرحلة الأزمات والكوارث إلى آفاق العمل والتنمية لتحقيق الرخاء والإزدهار.

تقع مدينة لاسعانود في إقليم سول المتنازع عليه بين أرض الصومال الانفصالية غير المعترف بها دوليا وبين ولاية بونتلاند الواقعة في شمال شرق الصومال. وترجع نشأة المدينة إلى أوائل الأربعينات من القرن العشرين، وخضعت لإدارات وحكومات مختلفة منذ عهد الاحتلال البريطاني مرورا باستقلال الأقاليم الشمالية عام 1960 وصولا للوحدتها مع الجنوب والحكم المدني ثم العسكري. وتعرضت هذه المنطقة للتنازع عليها من قبل كل من مستعمرتي الصومال الإيطالي والصومال البريطاني لطمع كل منهما فيها. وعلى الرغم من الإهمال الذي لاقته لاسعانود عبر العصور، إلا أن لجوء الصوماليين إليها والاحتماء بها في أعقاب أحداث 1991 وسقوط الحكومة المركزية واشتعال شرارة الحرب الأهلية، ساهم في ظهور محاولات متواضعة لتنميتها وبنائها على يد قاطنيها ولكن ظل ضعف الإمكانيات عقبة كبيرة لتحقيق هذا الأمر. وفي عام 1998 قررت عشائر “الدارود” في الشمال إنشاء ولاية (بونتلاند) لتجمعهم، وانضم إليها عشائر إقليم سول بكل إرادتهم، وعلى الرغم من ذلك تعرضوا لنفس التهميش الذي كانوا يعانون منه من قبل. ومن هنا بدأت جذور الأزمة حيث تتنازع لاسعانود ثلاث كتل رئيسية مختلفة التوجهات منها كتلة تدعم أرض الصومال، وأخرى تدعم بونتلاند لأسباب خاصة بالعلاقات العشائرية. ثم ظهرت على الساحة كتلة ثالثة تهدف إلى توحيد أراضي إقليمي سول وسناغ ومدينة بودهودلى على حساب بونتلاند وأرض الصومال، الأمر الذي تسبب في خلق نزاعات وأزمات وصلت لدرجة الاقتتال الدموي الذي أسفر عن مئات الضحايا.

لم تكن أحداث لاسعانود الدموية التي وقعت مؤخرا هي الأولى من نوعها، فقد وقعت اشتباكات سابقة بين أرض الصومال وبونتلاند للسيطرة على الإقليم في عام 2007 ، واستطاعت أرض الصومال السيطرة على جزء كبير من إقليمي سول وسناغ، استنادا إلى تبعيتهما السابقة لها وفقا للحدود بين المستعمرتين الإيطالية والبريطانية في الصومال، قبيل الاستقلال واندماج صوماليلاند في الصومال عام 1960.

وشهدت لاسعانود موجات متكررة من الصراع المتجدد بين الطرفين في صورة أحداث عنف زادت حدتها خلال السنوات الأخيرة، كان آخرها الأحداث التي لازالت توابعها مستمرة من قتال وتهدئة ثم تصعيد بين لحظة وأخرى، مع استمرار لسقوط الضحايا الأبرياء. وكثيرا ما كانت الاشتباكات تعود للسطح وتفرض نفسها بين وقت وآخر، كما شهدت تلك الصراعات حدوث اغتيالات واعتقالات طالت الجانبين من مسؤولي ومعارضي أرض الصومال، وكان من بين القتلى رئيس مخابرات أرض الصومال في إقليم سول عبد الغني غوهاد، كما قتل رئيس المحكمة في الإقليم حسن شيخ محمود، بداية العام 2020، إضافة إلى تبادل الهجمات داخل الإقليم مع قوات بونتلاند.

أزمة لاسعانود الأخيرة تجددت أحداثها مع تصاعد الاحتجاجات الواسعة على أراضيها نهاية العام الماضي عقب اغتيال أحد مسؤولي حزب “وطني” المعارض في صومالي لاند، وقيام قوات أرض الصومال في المدينة، بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، مُخلفة 23 قتيلا وعشرات المصابين ، بحسب ما أعلنته المواقع الإخبارية الصومالية آنذاك قبل أن تتضاعف الأعداد. وازداد التصعيد خطورة حينما قامت مجموعة من المسلحين بشن هجوم على قاعدة عسكرية تابعة لقوات صومالي لاند في المدينة في شهر يناير الماضي، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى وذلك في محاولة منهم للرد على ضرب المتظاهرين. ومما زاد الأجواء سخونة واحتقانا، أن تلك الأحداث تزامنت مع حدوث أزمة سياسية كبيرة بين الرئيس موسي بيحي عبدي رئيس حزب التضامن الحاكم، وحزبي المعارضة؛ العدالة والرفاه (UCID) والحزب الوطني ، بعد قيام بيحي بتأجيل الانتخابات الرئاسية، والمطالبة بعقد انتخابات الأحزاب السياسية قبلها.

بالنظر إلى تفاصيل وكواليس الخلاف المسؤول عن تجدد الصراع نجد أن هناك اختلافات في وجهات النظر وفقا للخلفية القبلية والعشائرية لأصحابها، يصل لحد تبادل الاتهامات فيما بينهم. فبينما يتهم نشطاء سياسيون منتمون لصومالي لاند، جهات في الحكومة الفيدرالية بزعزعة الأمن ونشر الفوضى في إقليمي سول وسناج، يرى نشطاء سياسيون آخرون أن قوات صومالي لاند مسؤولة عن اشتعال هذه الأزمة بعد إقدامها على قتل المحتجين، وقطع الخدمات من ماء وكهرباء وإنترنت واقتحام المنازل. كما يرى البعض أن تصعيد الأحداث يعود أيضا إلى تراجع الرئيس الحالي لصومالي لاند عن الاتفاق الذي كانت الحكومة السابقة قد أبرمته مع وجهاء الإقليمين لاحتواء نقاط الخلاف، ما أدى إلى إثارته من جديد.

وفي محاولة للتنصل من مسؤوليته عن أحداث لاسعانود، اتهم رئيس صومالي لاند موسى بيحي عبدي، الحكومة الفيدرالية الصومالية وولاية بونتلاند بالتعبئة ضد أرض الصومال، مشيرا إلى أن غالبية القتلى في لاسعانود كانوا مسؤولين حكوميين، وزاعما أن غالبية المتورطين في عمليات القتل قد تم القبض عليهم. ورد كتاب ومحللون على هذه التصريحات مؤكدين أن الاغتيالات المستمرة منذ أعوام استهدفت النخب والوجهاء، وتجاوزت حصيلتها 100 قتيل، وأنه لم يتم تقديم متهم واحد بالاغتيالات إلى القضاء. وشهد رئيس مجلس النواب في صومالي لاند، عبد الرزاق خليف أحمد، أنّ سلوك أفراد الأمن أدى إلى تفاقم الوضع وأشعل الغضب، كما وصف قتل المدنيين ومنع الوصول إلى الإنترنت وقطع الكهرباء بأنه انتهاك لحقوق الإنسان.

وعلى أرض الواقع فقد شهدت إدارة أرض الصومال لأزمتها الأخيرة بعض التطورات، فقد أخلت قوات صومالي لاند جميع دفاعاتها في مدينة لاسعانود. ويرى المراقبون أن هذه التغييرات في إدارة الأزمة تعكس خطأ حسابات أرض الصومال وعدم واقعيتها خاصة وأن السكان المحليين نجحوا في السيطرة على المدينة بعد قرابة شهر من اندلاع المعارك.

أما عن الموقف الرسمي للحكومة الصومالية الفيدرالية، فقد دعا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، إلى «وقف فوري» لأعمال العنف في مدينة لاسعانود وأكد دعمه لكل من يسهم في إحلال السلام والعمل على حل الخلافات بالتفاوض والمصالحة. وقال في خطابه الذي ألقاه في المسجد الرئاسي إن حكومة أرض الصومال يجب أن تستمع لرغبات أهالي إقليم سول، مؤكدا أن الوحدة التي يسعى إليها السكان المحليين يمكن تحقيقها عبر السبل السلمية فقط، مشيرا إلى أنهم مواطنون شرفاء عاشوا بسلام لفترات طويلة بجوار بعضهم البعض ومن ثم دعاهم لمائدة المفاوضات. كما أكد الرئيس الصومالي أن الحكومة الفيدرالية ليست على استعداد لاستعداء أرض الصومال. وأبدت الحكومة الفيدرالية استعدادها للتدخل ولعب دور الوسيط لحل النزاع في إقليم سول.

وفيما يتعلق بسكان وأهل مدينة لاسعانود أنفسهم فقد أعربوا عن موقفهم الساعي إلى الوحدة مع الصومال، وعارضوا بشدة انفصال أرض الصومال، وهو ما أدى إلى زيادة التصعيد في الخلاف بين جيش صومالي لاند وعشائر الإقليم.

لقد بدأت الأزمة بسقوط 26 قتيلا في نهاية العام الماضي ولكن أعداد الضحايا تزداد بشكل مؤسف في ظل هذا التصعيد، حيث شهدت بدايات شهر مارس الجاري سقوط أكثر من مائتي قتيل خلال أيام قليلة.

بطبيعة الحال أثارت هذه التطورات المؤسفة للأوضاع المتردية في لاسعانود اهتمامات العالم وكان للمجتمع الدولي موقف موحد من هذه الأزمة تركز فحواه في ضرورة وقف إطلاق النار والعودة للتفاوض والحلول السلمية، وهو ما دعت إليه مجموعة من الدول الغربية والإسلامية. وقال بيان صادر عن مكتب الشؤون الإفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية إن “القصف العشوائي للمدنيين أمر غير مقبول وندعو إلى إنهاء فوري للصراع في لاسعانود “. كما قالت حكومة الولايات المتحدة أيضًا إنها تطالب بحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإيجاد حل سلمي للأزمة.

وتلقى أطراف النزاع في لاسعانود هذه المواقف الدولية بردود أفعال متباينة فبينما تعهدت إدارة أرض الصومال بإجراء مفاوضات مع عشائر إقليم سول دون شروط مسبقة، طالب السكان المحليون بإخراج قوات أرض الصومال من الإقليم قبل الدخول في المفاوضات.

لا شك أن الوضع خطير مع استمرار هذه الأزمة واستفحالها بدون تفاوض ووساطة من العقلاء والحكماء، لأن الصومال ليس في حاجة إلى أزمة جديدة وهو لم يلتقط أنفاسه بعد من توابع نيران الحرب الأهلية، كما أنه لازال يواجه خطر الإرهاب الشرس ويقود معارك صعبة بينما يعاني الشعب من كوارث الجفاف والمجاعات وما خلفته من أزمات اقتصادية عميقة. يأتي ذلك بينما تهدد هذه الأزمة في لاسعانود وما يمكن أن تحدثه من تصدعات خطيرة في الجسد الصومالي، في الوقت الذي يحتاج الصومال فيه للتفرغ للعمل والإنتاج وجني ثمار الاستقرار بعد النجاح في انتخاب رئيس توافقي يقود البلاد ويديرها إدارة حكيمة أعادتها لحضن المجتمع الدولي بعد عقود طويلة من العزلة.

إن الكرة الآن في ملعب أرض الصومال خاصة في ظل إبداء الحكومة الفيدرالية لروح التعاون والاستعداد للوساطة بين الأطراف المتنازعة، وعليها أن تقبل كلمة الشعب حتى لا تتعرض لمزيد من الانتقادات الدولية والتي قد يترتب عليها عقوبات خطيرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس