الشائعات والحرب النفسية.. كيف تستخدم في تدمير معنويات الشعوب؟

7
الشائعات والحرب النفسية.. كيف تستخدم في تدمير معنويات الشعوب؟
الشائعات والحرب النفسية.. كيف تستخدم في تدمير معنويات الشعوب؟

سليمان صالح

أفريقيا برس – أرض الصومال. تطورت عملية صنع الشائعات، واستخدامها لتحقيق أهداف الحرب النفسية؛ لذلك قامت وزارات الدفاع في الكثير من دول العالم بإنشاء إدارات للحرب النفسية تضم خبراء في صنع الشائعات، وتحديد مواعيد ترويجها، واستخدامها لتدمير معنويات جيوش العدو، وتفكيك الشعوب، وإشعال الحروب الأهلية.

هناك الكثير من الأحداث التي توضح أن الشعوب يمكن أن تتعرض للهزائم العسكرية، لكنها تقوم بإعادة بناء قوتها، والاستمرار في المقاومة حتى تحقق الانتصارات، لكن الشعوب التي تتعرض للهزائم النفسية تفقد ثقتها في نفسها، وتشعر بالإحباط والاكتئاب واليأس، وتفقد الحلم، والقدرة على تحقيق الإنجازات الحضارية.

عملت إدارات الحرب النفسية في وزارات الدفاع لتطوير مواصفات مضمون الشائعة المؤثرة، وكيفية استخدامها للتلاعب بعواطف الجمهور المستهدَف ومشاعره، وقد عملت أيضا لاستغلال التطورات التي شهدها العالم في مجال تكنولوجيا الاتصال لنشر الشائعات والتأثير على معنويات الشعوب، وإلحاق الهزيمة النفسية بها

مواصفات الشائعة الناجحة

وتعتبر الشائعات من أهم الأسلحة التي يتم استخدامها في هزيمة العدو نفسيا، والتأثير على الشعوب بحيث تفقد قدرتها على الصمود والمقاومة، لذلك عمل خبراء الحرب النفسية لتطوير عملية صنع الشائعات، ففي مذكرة قدمتها إدارة الحرب النفسية في وزارة الدفاع الأميركية عام 1990، حددت هذه الإدارة مواصفات الشائعة الناجحة فيما يلي:

أن يكون من السهل أن يتذكرها الجمهور المستهدَف، لأن هذا الجمهور يمكن أن يقوم بترويجها عن طريق الاتصال الشخصي.

أن تكون الشائعة بسيطة وغير معقدة، وتتضمن معلومة محددة، ولا تشمل الكثير من التفاصيل.

أن تتوافق الشائعة مع مصالح الجمهور، وتشبع احتياجاته، وتتم فيها مراعاة الظروف التي يمر بها الجمهور.

أن تنجح في استغلال مشاعر الجمهور وعواطفه، وتعمل على إثارتها.

أن تتناسب الشائعة مع السوابق التاريخية.

أن تلبي الشائعة توقعات الجمهور.

من الأفضل أن تتم نسبة الشائعة إلى مصدر موثوق به.

أن يتم تجنب المبالغة في صياغة الشائعة.

الشائعات وتطور تكنولوجيا الاتصال

وكما عملت إدارات الحرب النفسية في وزارات الدفاع على تطوير مواصفات مضمون الشائعة المؤثرة، وكيفية استخدامها للتلاعب بعواطف الجمهور المستهدَف ومشاعره، فقد عملت أيضا على استغلال التطورات التي شهدها العالم في مجال تكنولوجيا الاتصال لنشر الشائعات والتأثير على معنويات الشعوب، وإلحاق الهزيمة النفسية بها.

لذلك تعمل هذه الإدارات وأجهزة المخابرات لاستغلال وسائل الإعلام في نشر الشائعات داخل رسائل تتضمن جزءا من الحقيقة، لكي تضمن أن تهتم بها وسائل الإعلام، وتكون قابلة للتصديق.

الإنترنت والخبرات المتراكمة

وفرت شبكة الإنترنت مجالا واسعا لنشر الشائعات التي تستهدف التأثير على معنويات العدو، ودفع الجمهور المستهدَف إلى الشعور بالعجز عن تحقيق الانتصار في الحرب، أو تحقيق إنجازات في مجال الاقتصاد أو السياسة أو العلم.

استخدمت العقول التي تخطط للحرب النفسية الخبرات المتراكمة منذ الحرب العالمية الثانية في صنع الشائعات ونشرها داخل طوفان من المعلومات التي تفشل أجهزة الدول المعادية في تحليلها وتقييمها والتمييز بين المعلومات الصحيحة والزائفة، وهذا يؤدي إلى الارتباك والتوتر في صفوف الجيوش والشعوب، وزيادة شعورها بالعجز، وانهيار خططها.

وأتاح الإنترنت لخبراء الحرب النفسية الكثير من الإمكانيات لتطوير عملية صنع الشائعات ونشرها، واستخدامها في حرب متواصلة ضد شعوب ترفض الخضوع للسيطرة الأميركية.

تطوير الحرب النفسية

أسهم الكثير من العلوم في فتح مجالات جديدة لتطوير إستراتيجيات الحرب النفسية، من أهمها علوم النفس والسياسة والاجتماع والأنثروبولوجيا واللغة.

وكانت الشائعات من أهم الوسائل التي أسهمت هذه العلوم في تطويرها، واستخدامها لتحقيق أهداف إستراتيجيات الحرب النفسية، وقد شهد العدوان الأميركي على العراق أهم تجليات تطوير استخدام الشائعات في الحرب النفسية.

وأثبتت أميركا أهمية استخدام الشائعات في إلحاق الهزيمة النفسية بالعدو، وتدمير معنوياته؛ وأوضحت أن القدرة على توظيف الشائعات في الحروب بلغت مرحلة متطورة، وأصبحت سلاحا لا يمكن لدولة ما أن تتجاهله.

تفكيك الشعب وإدارة الاختلافات

توضح دراسة حالة استخدام الشائعات في العدوان الأميركي على العراق أنها يمكن أن تؤدي إلى تفكيك الجيش، وإثارة الاضطراب والفوضى داخله، ودفعه للاستسلام.

لكن استخدام الشائعات لا يقتصر على الجيوش خلال الحروب، لكنه أوسع من ذلك بكثير، ويمكن أن يؤدي إلى تفكيك الشعوب، وزيادة الاستقطاب والانقسام، ويمكن أن تعاني أميركا من تأثير تطويرها لاستخدام الشائعات، حيث يمكن أن ترتد رصاصات الشائعات إلى صدرها.

خبراء الحرب النفسية الأميركية الذين تطورت قدراتهم بشكل كبير داخل وزارة الدفاع والمخابرات يمكن أن يستخدموا هذه القدرات لصالح أحزاب أو اتجاهات سياسية يمكن أن تجد من مصلحتها تدمير الديمقراطية الأميركية، وقد ظهرت مؤشرات ذلك في الانتخابات الرئاسية الماضية.

كل دول العالم تمر بأزمة عدم اليقين التي تزيد القلق والتوتر والاكتئاب، ولذلك يمكن أن تستغل إدارات الحرب النفسية هذه الأزمة لنشر شائعات تزيد حالة الغموض والاضطراب وتؤدي إلى تفكيك الشعوب، وإثارة الحروب الأهلية.

لذلك فإن دراسة الشائعات يجب أن تتسع لتشمل إمكانيات استخدامها في تدمير مستقبل الدول، والنظام العالمي كله. هذا يعني أن صنع الشائعات للتأثير على معنويات الشعوب لا يتم خلال الحروب فقط، لكنه يتم لتحقيق أهداف مختلفة سياسية واقتصادية وأيديولوجية.

وهناك الكثير من الحالات التي توضح دراستها أنه تم استخدام الشائعات لزيادة سخط الشعوب وغضبها على نظم حكم معادية للغرب، أو ترفض التبعية لأميركا وتصوير هذه النظم بعدم الكفاءة في مواجهة التحديات، أو الفشل في التوصل إلى حلول لمشكلات الشعوب.

إسقاط شرعية النظم الديمقراطية

النظم التي تتبنى سياسات معادية للاستعمار وتعمل على التحرر من التبعية تتمتع بالشرعية، ووصلت إلى الحكم عن طريق انتخابات ديمقراطية، وتتمتع أيضا بالقدرة على التعبير عن آمال الشعوب وطموحاتها، لكنها تواجه حصارا اقتصاديا، ولا تستطيع التوصل إلى حلول لمشكلات تراكمت عبر عصور طويلة، أسهمت القوى الاستعمارية في صنعها.

تم استخدام الشائعات في إسقاط هذه النظم الشرعية في أفريقيا وأميركا اللاتينية، ودفع شعوب هذه الدول للشعور بالعجز والإحباط وبأنها لا تستطيع اختيار حكامها وبناء نظمها الديمقراطية، وأن عليها أن تخضع لنظم دكتاتورية تابعة لأميركا، على أن يكون الاقتراض من الدول الغربية وصندوق النقد الدولي هو وسيلتها الوحيدة للمحافظ على استقرار زائف.

حرب نفسية مستمرة

هذا يعني أن عملية صنع الشائعات وترويجها جزء من حرب نفسية طويلة المدى، ولا يقتصر استخدامها على الحرب الفعلية.

والولايات المتحدة تستخدم الحرب النفسية لتحقيق أهدافها في إخضاع الشعوب لسيطرتها، وإسقاط نظم الحكم التي ترفض التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية لها.

استخدام الشائعات في الحرب النفسية يؤدي إلى تضليل الشعوب وتزييف وعيها، وفي الكثير من الأحيان تعجز الشعوب عن التمييز بين الشائعة والخبر نتيجة خلط الحقائق بالأكاذيب ونقل أنصاف الحقائق واستخدام المعلومات التي تشجع على العنصرية والكراهية العرقية والدينية.

الشائعات والدعاية

تطورت العمليات النفسية التي تستهدف التأثير على اتجاهات الشعوب ومعنوياتها، فارتبطت الشائعات بحملات التضليل والتجهيل، مما أدى إلى زيادة إمكانيات التحكم في الشعوب، وتقليل قدرتها على التمييز بين المعلومات الصحيحة والمصنوعة، فكثيرا ما تتم نسبة معلومات زائفة إلى مصادر موثوق بها، ومن الصعب أن تقوم هذه المصادر بتصحيح المعلومات التي تنتشر بسرعة عبر الاتصال الشخصي ووسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت.

وتطورت أساليب الدعاية غير المباشرة؛ فأصبحت الشائعات من أهم الوسائل التي تستخدمها الدول والمنظمات في حملاتها الدعائية لتحقيق أهدف طويلة المدى.

هناك علاقة قوية بين الحرب النفسية والدعاية، إذ أصبحت الشائعات من أهم وسائل الدعاية السوداء التي تستهدف تشويه الحقائق والتلاعب بمشاعر الجماهير وزيادة خوفها والتأثير على إدراكها للأحداث.

حروب حقيقية

العالم يواجه حروبا حقيقية من أهمها الحرب الروسية الأوكرانية، لكن تنتشر الشائعات حول الكثير من الحروب المقبلة التي تثير الكثير من مخاوف الجماهير وتؤدي إلى تزايد الكراهية بين الشعوب.

هذه الشائعات يمكن أن تحول الحروب المتوقعة إلى حروب حقيقية فالحرب أولها كلام وشائعة واحدة يمكن أن تنتشر بسرعة فتثير خوف الجماهير ورعبها، ويمكن أن تؤدي إلى أحداث غير متوقعة مثل استخدام القنابل النووية.

كيف نتوقع النتائج؟!

هناك بعض المؤشرات التي يمكن أن تجعلنا نتوقع نتائج خطيرة لتطور إستراتيجيات الحرب النفسية، واستخدام الشائعات من أهمها:

أصبح خبراء الحرب النفسية يحتلون مناصب مهمة في كل دول العالم خاصة في وزارات الدفاع والمخابرات وهم يستخدمون الشائعات للتلاعب باتجاهات الجماهير.

الشائعات سلاح يحمل الكثير من المخاطر، ويمكن أن يتم إطلاق شائعة في توقيت معين فتؤدي إلى إشعال نيران حرب حقيقية، يمكن أن تتحول إلى حرب عالمية ويجب أن لا نستبعد هذا الاحتمال.

إن تطور قدرات خبراء الحرب النفسية يفتح المجال أمام احتمالات خطيرة؛ فهناك قاعدة مهمة يجب أن نفكر فيها هي أن اليأس والشعور بالذل يمكن أن يدفعا الدول والشعوب إلى القيام بأعمال يمكن أن تسهم في انهيار النظام العالمي كله، وعندما تنطفئ شعلة الأمل لن يصبح أمام الجماهير سوى الثورة لحماية كرامتها وحياتها والدفاع عن وجودها، ويمكن أن تكون الثورات المقبلة عنيفة.

تراكم الخبرات في مجال استخدام الشائعات في الحرب النفسية سيكون له الكثير من الآثار السلبية على مستقبل العالم، فهناك دول تمتلك أسلحة دمار شامل يمكن أن تستخدمها عندما تشعر بأنها يمكن أن تتعرض للفناء والدمار والشائعات يمكن أن تدفع الدول لاستخدام تلك الأسلحة قبل أن تفكر في التأكد من صحة المعلومات، وقد تكون بعض الشائعات أكثر خطورة من القنابل النووية، ويمكن أن تؤدي إلى إطلاق تلك القنابل.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس