أفريقيا برس – أرض الصومال. بينما تلتقي رمال الصحراء بنسمات البحر الأحمر الهادئة، تنبض مدينة دهب بحياة لا تشبه سواها من مدن مصر الساحلية والسياحية. فهنا لا يأتي الشباب من كل أنحاء العالم بحثا عن منتجع فاخر أو شاطئ رملي ممهد فحسب، بل يأتي البعض باحثا عن الهدوء في مدينة بسيطة في طبيعتها المكونة من جبال ونخيل وبحر أزرق على مدى الأفق، هربا من ضجيج حياة المدن.
في حين يبحث آخرون عن مشهد يخطف الأنفاس في عمق البحر، ووادٍ بدوي يبعثك في تجربة إلى قلب الصحراء، وأمسيات عفوية تحت سماء تضيئها النجوم. تعد دهب ملاذا يجمع بين الهدوء والصخب، وبين بساطة البداوة وروح المغامرة جعل من تلك المدينة قبلة للشباب في السنوات الأخيرة.
لمحة عن دهب
تقع المدينة على ساحل خليج العقبة في جنوب سيناء، وتبعد نحو 100 كيلومتر شمال مدينة شرم الشيخ، وتربطها طرق برية سهلة بمحافظات الوادي والدلتا. نشأت في الأصل كقرية للصيادين، ثم تحوّلت خلال الـ30 عاما الماضية إلى وجهة سياحية عالمية، لا سيما لعشاق رحلات اليوم الواحد القادمة من منتجعات شرم الشيخ القريبة (مسافة ساعة واحدة بالسيارة).
وأصبحت حاضرة بقوة على الخريطة السياحية، المحلية والعالمية على حد سواء. فكثير من شركات السياحة المصرية تحرص حاليا على تنظيم رحلات إليها، وكما تجذب فئات كثيرة من المصريين للسفر إليها بشكل منفرد، بفضل أسعارها الملائمة مقارنة ببعض المدن السياحية الأخرى داخل مصر.
تنقسم دهب إلى منطقتين: القرية البدوية الهادئة (العسلة) في الجنوب، حيث الحياة البسيطة وأمسيات الضيافة وهي موضع سكن أهل المدينة، والمنطقة النابضة بالحياة في الشمال التي تحتضن المقاهي والأماكن الترفيهية ومراكز الغوص وسوقها التجاري.
سُميت المدينة على الأرجح باسم “دهب” تيمُّنا بلون رمالها التي تكتسب بريقا ذهبيا عند غروب الشمس، أو بلون مياهها المنعكس عليها.
وهنالك 7 أسباب تجعل الشباب يعشقون دهب تتمثل في الآتي:
1. أسعار ملائمة وخيارات متنوعة
دهب مدينة تسودها البساطة وتميزها الطبيعة الهادئة، ومع ذلك فهي من أنسب الوجهات الشاطئية للشباب الباحثين عن توازن بين الراحة والتكلفة، حيث تتنوّع خيارات الإقامة من بيوت الضيافة البسيطة ونزل المخيمات “الكامبات” (جمع كامب Camp) المصنوعة من جريد النخيل والأخشاب على حافة البحر لأصحاب الميزانية المحدودة، إلى فنادق فئة النجمتين أو 3 نجوم في منطقة الممشى السياحي متوسطة التكاليف، وصولا إلى فنادق فئة الأربعة نجوم مطلة على البحر لمحبي الرفاهية المعتدلة.
وبصفة عامة فدهب هي الوجهة الأقل تكلفة في الإقامة من بين مدن أخرى في جنوب سيناء أو البحر الأحمر، مع توفير الاحتياجات الأساسية للنزيل، من سرير مريح وخدمة واي فاي المجانية، إلى مطابخ ومناطق مشتركة تشجع اللقاءات الاجتماعية، وهو ما يجعلها خيارا مثاليا للشباب الذين يبحثون عن تجربة سياحية متميزة بأسعار ملائمة.
2- طقس معتدل وأجواء راحة
على الرغم من أن دهب تُعرف بكونها وجهة شاطئية في المقام الأول، فإن مناخها المعتدل يجعلها مناسبة للزيارة على مدار العام حتى خلال الشتاء، إذ تتراوح درجة حرارتها ما بين 20 و30 درجة مئوية أغلب العام. وأما في أشهر الصيف الثلاثة الأكثر حرارة، فتبقى المدينة صالحة للغوص والرياضات المائية بفضل مياهها النقية، ودرجات الحرارة المستقرة.
وعلى مدار العام أيضا، تزدان شواطئ دهب بأشجار النخيل الممشوقة التي تضفي لمسة من الطبيعة البكر، وتتيح لزائرها فرصة التجول على الشاطئ بجوار أشجار النخيل السيناوي، وأنت تعتلي جملا، أو تتجوّل على قدميك بين الماء والرمال لتستمتع بلوحة طبيعية تمتزج فيها زرقة السماء والبحر بلون النخيل.
وبفضل هدوئها الظاهر واستقرار طقسها، أصبحت دهب في السنوات الأخيرة وجهة مفضلة لعشاق اليوغا والتأمل وجلسات التدليك على الشاطئ، إذ استقر بها عدد من المعالجين وأطباء العلاج الطبيعي من مختلف أنحاء العالم لتقديم تجارب صحة وعافية متكاملة.
3- مناطق غوص بسمعة عالمية
تشتهر دهب بأنها “عاصمة الغوص” في جنوب سيناء، وواحدة من أشهر وجهات الغطس في العالم، بفضل عدد من المواقع الفريدة التي تلائم مختلف مستويات محبي الغوص.
وتعتبر منطقة الثقب الأزرق (Blue Hole) أهم مناطق الغوص في دهب، هذا الحوض البحري العميق الذي يشبه متاهة طبيعية، فتحته الضحلة تمتد إلى أنفاق متعرجة في عمق البحر. هنا ينجذب محترفو الغوص لسحر الأعماق وعالم ما تحت الماء، بينما يكتفي المبتدئون بمراقبة الشعاب المرجانية قرب سطح الماء وتحت ضوء الشمس المتناثر.
ويمتاز حوض الثقب الأزرق “البلوهول” بوفرة الحياة فيه، بما فيها من شعاب مرجانية وأسماك، كما أنها تسمى بمقبرة الغواصين لما فيها من خواص تجذبهم، ولكنها في الوقت نفسه منطقة عميقة وخطرة، للحد الذي أفقد بعضا من هواة المغامرة من الذين حاولوا تحطيم الأرقام القياسية في الغوص حياتهم.
ولتخليد ذكرى هؤلاء المغامرين، ستجد على الجبل الموازي للثقب الأزرق نقشا يذكر بالمغامرين الذين فقدوا أرواحهم في تلك البقعة.
وعلى بُعد بضعة كيلومترات شمالا من “الثقب الأزرق”، يقع “الكانيون” (The Canyon) وهو ممر مائي ضيق محفور بين الصخر، عمقه يصل إلى 50 مترا ويتميز بجدرانه المرجانية المزدهرة، مما يجعله وجهة مناسبة للغواصين الباحثين عن تجربة استكشافية مختلفة في جو من الإثارة.
ولا تكتمل تجربة الغوص في دهب دون زيارة منطقة “الحمامات الثلاثة” (Three Pools)، وسميت بذلك لأنها تحتضن 3 حمامات سباحة طبيعية وسط المياه، كونتها الصخور والشعب المرجانية. وتعد من أفضل أماكن الغطس للمبتدئين ومحبي التصوير تحت الماء.
وأخيرا لا تفوتك زيارة منطقة “لايت هاوس” (Lighthouse) في شمال المدينة وبالقرب من منطقة الممشى السياحي العامرة بمراكز الغطس، وهي منطقة جذابة لممارسة الغطس بسبب مزيج من الشعاب المرجانية النادرة والأسماك الملونة.
4-محمية أبو جالوم أو الاتصال بالطبيعة
تقع محمية رأس أبو جالوم على امتداد ساحل خليج العقبة في جنوب سيناء، يمكن الوصول إلى قلب المحمية من منطقة “الثقب الأزرق” عبر ركوب لانش سريع يشق المياه بمحاذة الجبال، ثم ركوب سيارات الدفع الرباعي التي تسير خلال الوديان الجبلية غير الممهدة، مما يجعل الوصول إليها بحد ذاته مغامرة لا تُنسى.
وعند وصولك إلى هناك ستجتاحك الدهشة من تفرد الطبيعة البكر، والطوبوغرافية المميزة لاقتراب الجبال من شاطئ خليج العقبة وأعماق البحر الأزرق العميق، حيث تُعد أبو جالوم ملاذا بيئيا فريدا للعديد من النباتات البرية، إضافةً إلى امتداداتٍ بحرية من الشعاب المرجانية الغنية والحياة البحرية المتنوعة.
كما تمنحك زيارة المحمية تجربة بدائية فريدة، فلا يوجد بها شبكة إنترنت أو اتصالات، بالإضافة لعدم وجود خدمة الكهرباء، وهذا يعني أن المنطقة تجذب من يريد العودة إلى الحياة البسيطة لساعات، مع القيام بنشاطات رياضية مثل الغطس وتسلق الصخور والاسترخاء على شاطئ البحر.
5-رياضات مائية وأنشطة الأدرينالين
تتمتع دهب ببيئة فريدة تجمع بين مياه البحر الأحمر الصافية ورياح سيناء القوية، مما جعلها قبلة لعشاق المغامرات المائية والأنشطة المحفزة للأدرينالين طيلة العام. وإليك أبرز ما يمكنك تجربته:
إذا كنت من عاشقي رياضة ركوب الأمواج والمراكب الشراعية (Windsurfing & Sailing)، فأمامك فرصة كبيرة لممارسة رياضتك المفضلة في دهب، حيث إن قوة وسرعة الرياح التي تهب فيها، مع وجود الجبال التي تحيط بها من جهات كثيرة، تجعلها من أفضل الأماكن لركوب الأمواج على الألواح والمراكب الشراعية.
كما يمكنك ممارسة رياضة التجديف بالكاياك (Kayaking) وركوب البدّال (Paddleboarding) في الشاطئ بمحاذاة منطقة الممشى أو في اللاغونا، وهو الشاطئ الرملي الوحيد في مدينة دهب، ذو مياه هادئة وراكدة تطل على جبال سيناء ونخيلها.
كما تشتهر دهب بالقفز بالمظلات (Parasailing)، وهي تجربة مميزة تحلق بك عاليا فوق خليج العقبة، لتنعم بمناظر بانورامية ساحرة للساحل وجبال سيناء الشاهقة.
وإذا كنت ترغب في نوع آخر من المتعة بعيدا عن الأنشطة المائية، عليك برحلات السفاري بين الجبال أو في الصحراء، فيمكنك استخدام “بيتش باجي” (Beach Buggy) وهي سيارات شاطئية ذات عجلات عريضة للسير على الرمال، والذهاب لأحد الوديان القريبة من منطقة “ثري بولز” أو عبر وديان قرية العسلة.
ويُفضل أن تكون رحلات السفاري عند شروق أو غروب الشمس، حيث تنتشر أشعة الشمس على الرمال، فتكسوها بألوان رائعة مع نسمات هواء باردة. ويمكنك أيضا ركوب الجمال وسط الطبيعة البكر، والتقاط صور رائعة.
وإذا كنت من محبي التحدّي فعليك بتسلق الصخور (Hiking)، في منطقة “وادي جني”، وهو عبارة عن واحة صغيرة في حضن الجبل، أو في وديان محمية أبو جالوم العامرة بمسارات جبلية، والتي تستقطب هواة التسلّق والمشي في بيئة صحراوية خلابة.
6- زيارة الصحراء وأجواء البادية
ولدهب سحر آخر لا يظهر إلا حين تغرب الشمس، وتبدأ الأضواء لتخفت واحدة تلو الأخرى، فلا يوجد بالمدينة أنشطة ليلية صاخبة مثل المدن السياحية الأخرى باستثناء زيارة الصحراء ليلا، حيث تنتشر الخيام البدوية على امتداد الشاطئ ووديان الجبال، ويُقدّم أهل المنطقة المأكولات المحلية والشاي البدوي السيناوي، وسط أجواء دافئة من الضيافة العربية الأصيلة.
ومن أشهر أماكن دهب المميزة ليلا في الصحراء سفح جبل “وادي الطويلات”، حيث تقام سهرات بدوية بمزيج من السمر حول نار الفحم، تُشوى فوقها قطع اللحم، وتُقدّم الأطباق البدوية على أنغام الموسيقى والرقصات الشرقية والفلكلورية المصرية.
أما مغامرة التخييم ليلا على الشاطئ فتمثل ذروة التجربة، فبعيدا عن أنوار المدينة وضجيج الإنترنت، يمكنك مراقبة السماء والنجوم، والتنعم بالانعزال التام مع الطبيعة، بعيدا عن أي اتصال إلكتروني، لتصقل روحك وتستمد لحظات سكينة نادرة.
7-ممشى تجاري وترفيهي
يمتد الممشى السياحي في دهب على طول كيلومتر ونصف الكيلومتر ضمن منطقة “لايت هاوس”، والمطلة مباشرة على مياه خليج العقبة، وقد تم تطويره ليشمل مسارات منفصلة للمشاة وراكبي الدراجات، مع مرافق صديقة لذوي الإعاقة.
يضم الممشى عشرات المقاهي والمطاعم التي تتسم بالديكورات الخشبية والألوان المبهجة والأثاث البحري، حيث يُمكن للزائرين الجلوس أمام البحر والاستمتاع بالمشروبات، والأطباق المحلية والعالمية.
كما تنتشر على جانبي الممشى مجموعة من البازارات والمحلات التجارية التي تعرض الملابس البدوية والحقائب اليدوية والهدايا التذكارية، بالإضافة إلى المشغولات اليدوية والتوابل والأعشاب المحلية.
وفي المساء، يتحول الممشى إلى نقطة جذب لعشاق الحياة الليلية، مع حفلات صغيرة في الهواء الطلق وعروض موسيقية حية تقدمها فرق محلية وأحيانا فرق دولية، مما يجعل الممشى قلب الفعاليات الترفيهية في المدينة.
هذه إذن دهب، مدينة تتسم ببساطة تسودها أجواء مميزة يشعر بها كل من زارها، يجتمع هنا هدوء الصحراء برحاب موج البحر، لتمنح زائرها راحة وطمأنينة بعيدا عن ضوضاء الحياة اليومية.
وسواء كنت شابا تبحث عن دفقات أدرينالين تحت الأمواج، أو لحظات تأمل صامت تحت نجوم الصحراء، أو حوارات ودية في مقهى على الممشى البحري، فزيارة عاصمة الغوص في جنوب سيناء تعدك بتوازن فريد يجمع بين المتعة وتجدد الروح.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس