بين اليابان والصين وروسيا والغرب أفريقيا حلبة صراع وتنافس القوى الكبرى

5
بين اليابان والصين وروسيا والغرب أفريقيا حلبة صراع وتنافس القوى الكبرى
بين اليابان والصين وروسيا والغرب أفريقيا حلبة صراع وتنافس القوى الكبرى

روعة قاسم

أفريقيا برس – أرض الصومال. باتت أفريقيا في الفترة الأخيرة ساحة للمنافسة بين القوى الساعية إلى الاستفادة من خيراتها سواء من المستعمرين القدامى على غرار فرنسا، أو من القوى الاقتصادية والعسكرية العظمى على غرار الولايات المتحدة وروسيا والصين. كما عادت اليابان إلى الواجهة مؤخرا في الساحة الأفريقية بعد غياب فرضته جائحة كورونا وذلك من خلال قمة التيكاد 8 التي انتظمت في تونس، والتي تُعنى بالتعاون بين طوكيو والقارة السمراء، مخصصة مبلغا ماليا هاما للاستثمار في أفريقيا.

ولعل الزيارات الأخيرة لكل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزيري الخارجية الأمريكي والروسي أنطوني بلينكن وسيرغي لافروف إلى القارة السمراء، تبرز السعي المحموم للقوى الكبرى للاستحواذ على أفريقيا وثرواتها التي تثير الشهية. فالفرنسيون يبدو أنهم منزعجون من فقدان سيطرتهم على مناطق نفوذ تاريخية، فيما يبدو أن واشنطن بصدد محاربة المارد الصيني أينما حل ركبه، فيما الروس يبحثون عن موطئ قدم في منطقة ليست لهم تقاليد في التواجد فيها وهم بصدد اكتشافها.

تغيير الإستراتيجية

لقد خسر الفرنسيون مؤقتا نفوذهم في كل من أفريقيا الوسطى ومالي لصالح الدب الروسي، ويبدو أنهم بصدد خسارة مواقع أخرى بعد أن فشلت عملية برخان للقضاء على الإرهاب في منطقتي الساحل والصحراء في تحقيق أهدافها، واتُهم الفرنسيون من قبل كثير من سكان هذه الدول بالتواطؤ مع الإرهاب. لذلك تحاول باريس استعادة توازنها من خلال بوابتي الكاميرون والبينين، وهما مستعمرتان فرنسيتان سابقتان، بالإضافة إلى غينيا بيساو وهي منطقة نفوذ برتغالية سابقة وذلك بعد أن زار الرئيس ماكرون مؤخرا البلدان الثلاثة.

وارتكز ماكرون في توجه بلاده الجديد نحو أفريقيا على المشاريع التنموية في التعليم والصحة والبنية التحتية وغيرها جنبا إلى جنب مع الدعم العسكري في محاربة الإرهاب بعد أن كان الفرنسيون لا يولون أي أهمية للتنمية في أفريقيا ويقتصرون على معادلة الدعم العسكري مقابل ثروات البلدان الأفريقية. لقد أدركوا أخيرا أن شعوب مستعمراتهم السابقة أصبحت تميل أكثر فأكثر إلى التعاون مع قوى أخرى تأتيهم وفي جعبتها مشاريع تنموية ومبالغ مالية هامة مرصودة للتنمية في قارتهم العذراء على غرار الصين واليابان.

كما أن هناك من يعتقد في أفريقيا أن فرنسا، ومن أجل مصلحتها، قد تتعامل مع الجماعات التكفيرية لمزيد الضغط على الحكومات الأفريقية لشراء السلاح من باريس، في حين أن روسيا لا تتعامل برأيهم مع هذه الجماعات. ولعل ذلك ما جعل الطلب بحلول قوات فاغنر الروسية مكان الجيش الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء يتزايد بقطع النظر عن صحة هذا الاعتقاد من عدمه والذي سرى في عدد من شعوب غرب أفريقيا وحكامهم سريان النار في الهشيم.

ورقة الغذاء

ولعل ذلك ما شجع روسيا على عدم الإكتفاء بالاختراقين اللذين حققتهما في أفريقيا الوسطى ومالي وفي الشرق الليبي، والذهاب أبعد من ذلك، فها هو سيرغي لافروف يقوم بجولة شملت مصر والكونغو وأوغندا وإثيوبيا ملوحا بورقة تلبية حاجيات هذه البلدان من المواد الغذائية الأساسية. وأكد لافروف في القاهرة أن الأمين العام للأمم المتحدة وعد برفع التضييقات غير القانونية التي اتخذتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد المسالك اللوجستية والمالية لروسيا، وهو الذي يعرف حق المعرفة حاجة بلدان القارة السمراء إلى الغذاء الذي بات سلاحا استراتيجيا مع الأزمة التي يمر بها العالم وساهم الروس أنفسهم في خلقها.

كما أن روسيا استغلت الموروث السوفييتي وزادت في تطوير علاقاتها مع شركائها السابقين على غرار الجزائر التي تستعد للمشاركة في مناورات «درع الصحراء» مع روسيا التي باتت لها قوات مجاورة لبلد المليون شهيد في مالي تحديدا. وتستهدف هذه المناورات الجماعات الإرهابية وتعوض على ما يبدو عملية برخان الفرنسية المنتهية دون تحقيق أهدافها في منطقة الساحل والصحراء والتي اشتركت فيها قوات تنتمي إلى عدد من البلدان الأفريقية إلى جانب مالي منها تشاد والنيجر.

الصراع الأمريكي الصيني

وبدوره سارع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن إلى القيام بجولة في أفريقيا قادته إلى أفريقيا الجنوبية والكونغو وروندا، وقد بدا للبعض أنها رد على زيارات وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف لعدد من البلدان الأفريقية وكذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ولكن في حقيقة الأمر فإن ما يزعج الأمريكان في أفريقيا هو بالأساس المارد الصيني صاحب برنامج طريق الحرير الجديد الذي اقتحم أفريقيا اقتصاديا من خلال استثماراته في كل ربوع القارة، وكذلك عسكريا من خلال القاعدة العسكرية في جيبوتي والصفقات الهامة للأسلحة التي تبرم مع عدد من البلدان الأفريقية سنويا والتي باتت بمقتضاها تضمن للبلدان الأفريقية ثلث العتاد العسكري بميزانية فاقت 110 مليار يورو.

وتبلغ ديون أفريقيا للصين قرابة 207 مليار دولار صرفت في 5000 مشروع في مجال البنية التحتية مثل الموانئ والطرقات والمطارات وذلك في 23 دولة أفريقية. وباتت الولايات المتحدة وكذا البلدان الأوروبية تخشى من أن يتحول هذا التغلغل الاقتصادي إلى نفوذ سياسي يغير موازين القوى في العالم لصالح هذا المارد الصيني الذي يتغلغل في صمت.

الرؤية اليابانية

تسير اليابان على ما يبدو على خطى مستعمرتها السابقة الصين التي احتلت في وقت ما جزءا هاما من أراضيها في منشوريا، فقد عادت للنشاط أفريقيا من خلال البوابة التونسية بعد أن احتضت الخضراء ندوة طوكيو للتنمية في أفريقيا أو تيكاد 8. وعن هذا الدور الياباني في أفريقيا تتحدث الباحثة والأكاديمية التونسية المتخصصة في الشؤون اليابانية ألفة دبوسي قائلة: «لو اطلعنا على نشأة مؤتمر طوكيو للتنمية في أفريقيا حتما سنتمكن من فهم الإستراتيجية اليابانية. فكل المبادرات الغربية بدعم التنمية بالبلدان الأفريقية التي استقلت في نهاية الخمسينات بعد أن أثقل الاحتلال كاهلها تحول إلى جشع وطمع إثر الأزمة البترولية خلال فترة السبعينيات».

لقد كانت سياسة الغرب وما زالت تعتمد على تضليل العقل الأفريقي بنشر الحروب والنزاعات وتعميم الجهل وتعزيز التبعية واستعباد الإنسان الأفريقي بهدف استغلال ثروات القارة المادية والمعنوية. أمام هذا المنحى، قررت اليابان، والتي كانت تشهد خلال تلك الفترة نقلة جديدة وضعت الإنسان محور الاهتمام الأساسي وهو ما أدى إلى بروز مفهوم «اليابان اللطيفة» أن تتميز وتنفرد بطريقة ومنهج لم يسبق لأي من دول الغرب أن انتهجته في علاقة بأفريقيا، حيث اعتمدت طوكيو على أسلوب رأسمالي إنساني يسمح لها في آن واحد أن تلبي حاجياتها من المواد الأولية والطاقية، وأن تنشر ثقافتها وتعزز حضورها العالمي من دون المساس بحق الدول الأفريقية في الحياة الكريمة والتطور.

وتضيف «فالاستقرار في أفريقيا يضمن لليابان استقرار التزود بالمواد الأولية الخام أو المعدلة التي يحتاجها الاقتصاد الياباني. وقد تفطن اليابانيون إلى دور الجهل والفقر في دمار المنظومة البيئية وإلى أن أي ضرر بالبيئة في أي مكان من العالم يلحق الصرر بالكوكب بأسره. لذلك هم يؤمنون بحق الأجيال القادمة في الحياة الكريمة وبضرورة استمرارية الإنسان الياباني. وهذا لن يتحقق إلا بوجود قدر من التوازن على هذا الكوكب. والقارة الأفريقية هي مركز هذا الاستقرار عبر التاريخ. خلاصة القول هي منهجية ذكية تضمن الاستقرار والأمن القومي الياباني والتاريخ المضيء لليابان دون الإفراط في الأنانية».

التعاون الثلاثي

وتعتبر محدثتنا أن تونس، وكذلك الكثير من الدول الأفريقية، لا يمكن أن تستفيد من التجربة اليابانية إلا إذا درسوا واطلعوا على مختلف مراحل هذه التجربة واستخلصوا منها مناهج للعمل والتطوير وذلك بالأساس عبر تفعيل دور المهندس والبحث العلمي التطبيقي في النهوض بمختلف جوانب البنية التحتية المادية والإنسانية. كل هذا يحيل، حسب الدبوسي، إلى تفعيل المسؤولية الاجتماعية لمختلف الهياكل والمؤسسات العامة والخاصة. فالتجربة اليابانية أصبحت، برأيها، منذ بدايات القرن الحادي والعشرين أنموذجا اتبعته بلدان جنوب شرق آسيا خصوصاً وبلدان أوروبية وكذلك بلدان من أمريكا اللاتينية.

ولابد من التركيز حسب الباحثة التونسية، على منهجية التعاون الثلاثي وكذلك تقليص دائرة الفساد والانفلات مع تعزيز الحوكمة الرشيدة، التي ستمكن من التخطيط على المدى البعيد، وتفعيل حلول مدروسة على المدى القريب والمتوسط. فالأساليب العلمية متوفرة، حسب محدثتنا، للمساعدة على اتخاذ القرار المناسب على كل الأصعدة. بل إن التجربة اليابانية، برأيها، قائمة على أسس بحثية علمية تأخذ بعين الاعتبار مختلف جوانب ومكونات الدولة. وخلاصة القول بالنسبة للدبوسي، أنه يجب العمل والسعي وراء شراكات ثلاثية ولما لا رباعية! أو أشمل من ذلك مع اليابان تتضمن النهوض بالمجتمع والرؤية المستقبلية والبيئة المستدامة.

إعادة تأهيل

وتضيف محدثتنا قائلة: «إن الرؤية الاستعمارية لأفريقيا ما زالت مستمرة، والعالم اليوم منقسم في علاقة بأفريقيا إلى ثلاثة أصناف وفق ما أفادت به الدراسات الحديثة للتطور الجيواقتصادي. أولا، النظرية الاستعمارية في صور حديثة غير مباشرة زادت في حدة الاستعباد والاستغلال الإنسان الأفريقي من قبل الغرب. ثانيا، دول أمريكا اللاتينية والتي ترى في إيجاد صيغة تعاون وتشارك مع البلدان الأفريقية تعزيزا للسلم لكلا الطرفين. ثالثا، الرؤية الآسيوية التي تدعو إلى تعميم الفائدة لكل الأطراف.

وهناك نوع رابع يتبنى المفهوم الأول ويتلحف بالمفهوم الثالث اعتمدته اقتصاديات مثل روسيا والصين وإيران لدعم حضورها على المستوى الأفريقي. للأسف قد يصل الأسلوب الأول إلى إشعال نيران التنازع والعنف من جديد على الساحة الأفريقية حفاظا على تبعيتها المطلقة ولتجريد الشعوب الأفريقية من هوياتها. فالقارة السمراء باتت كالكرة تتقاذفها القوى العالمية منهم من يمسكها بلطف فيفتكها آخرون ويركلونها بعنف.

إن أفريقيا قادرة على المنافسة بجدارة، لكن تحتاج إلى إعادة تأهيل، وهذا الأمر يتطلب سياسة مستقلة وحوكمة رشيدة أساسها إصلاح المجتمع بالتوازي مع الإصلاح الاقتصادي من دون السماح لأي طرف خارجي بالتطفل وفرض سيطرته. خلاصة القول الأفارقة تنقصهم اللحمة ليتمكنوا ليس فقط من منافسة الصين والغرب بل والتفوق عليهم أيضاً والتاريخ خير شاهد».

البديل عن القوى التقليدية

من جهته يقول علاله الجامعي رئيس مؤسسة أجيكو للاستثمار والمؤتمرات ورئيس منتدى تيفاد للتنمية الأفريقية عن العلاقات بين اليابان وأفريقيا أنه من الطبيعي التركيز على بناء علاقات مدروسة بين الطرفين المتشاركين في تشابه المحن التاريخية لتكون علاقات صلبة ودائمة بين اليابان كقوة اقتصادية وصناعية عظمى، وأفريقيا كمخزون هائل من الثروات الطبيعية والبشرية التي تقتضي التعمق في الأبعاد الثقافية والتاريخية. وهذا البحث يعوّل فيه أساسا، بحسب محدثنا، على اليابانيين المؤهلين بطبيعتهم وتجاربهم لرسم استراتيجية مشتركة للخروج بأفريقيا من غياهب الاضطهاد إلى التقدم المنشود وسيكون ذلك على مراحل وبخطى ثابتة.

وحول ما إذا كانت اليابان قادرة على ان تكون بديلا عن القوى التقليدية الأخرى على المدى الطويل، يعتقد محدثنا أن ذلك ممكن لأن الساحة الأفريقية حاليا ذات أرضية هشة وزلاقة قد تنحرف بالمركبة لغير مسارها خاصة المراكب ذات السرعة العالية أو النفاثة التي يقودها ربان مستعجلون. لذلك لا بد، برأيه، من التركيز على بناء جيل في أفريقيا ينطلق من مقومات معدلة بقيم يابانية يتقدمها الاعتماد على النفس والانطلاق من تثمين وتطوير الامكانيات الخاصة باعتبار أن السماء لا تمطر ذهبا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس