شبح نفوذ موسكو المتصاعد يخيم على جولة الرئيس الفرنسي الأفريقية

16
شبح نفوذ موسكو المتصاعد يخيم على جولة الرئيس الفرنسي الأفريقية
شبح نفوذ موسكو المتصاعد يخيم على جولة الرئيس الفرنسي الأفريقية

أفريقيا برس – أرض الصومال. على الرغم من أن الهدف المعلن من قبل الرئاسة الفرنسية للجولة الأفريقية التي قام بها الرئيس الفرنسي هذا الأسبوع هو إعادة تأكيد “التزام إيمانويل ماكرون بعملية تجديد علاقة فرنسا بالقارة الأفريقية” إلا أن شبح النفوذ المتصاعد لروسيا في القارة خيم على هذه الجولة، لاسيما وأنها تزامنت – من قبيل الصدفة أم لا! – مع جولة أفريقية لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

فخلال زيارته إلى كل من الكاميرون وبنين وغينيا بيساو، على التوالي، وهي الأولى له منذ وصوله إلى سدة الحكم عام 2017 جدد الرئيسُ الفرنسي، التأكيد على أن بلاده “لن تتخلّى عن أمن القارة الأفريقية” مؤكداً عزمه على “إعادة ابتكار” الجهاز العسكري والأمني الفرنسي، لاسيما في منطقة الساحل بعد انسحاب “عملية برخان” من مالي، مبرراً ذلك بالقول إن “فرنسا تعيد تنظيم منظومتها بالانسحاب من مالي لأن الإطار السياسي لم يعد متوفرًا. وبالتالي، فإن باريس، وبهدف توسيع جهازها خارج منطقة الساحل إلى خليج غينيا، يتعين عليها الآن مواجهة مجموعات إرهابية تتمدّد وتتسبب باضطرابات للمنطقة كلّها”. وشدد ماكرون على أن “فرنسا ستظل ملتزمة إلى جانب دول حوض بحيرة تشاد لمساعدتها على محاربة الإرهابيين الذين ينشرون الموت، منذ سنوات عديدة، في أقصى شمال الكاميرون حيث تنشط بوكو- حرام”. ورأى أن هناك ضرورة “لبناء شراكات جديدة جماعية بنهج جديد من خلال ربط الشركات القائمة والناشئة والجمعيات والمجتمع المدني”.

وبالإضافة إلى القضايا الأمنية، يبدو أن مسألة الذاكرة التي كانت في قلب الفترة الرئاسية الأولى لإيمانويل ماكرون، تظل في صلب اهتماماته في إطار مساعيه لإعادة تأكيد التزامه بعملية تجديد علاقة فرنسا بالقارة الأفريقية. فقد أكد ماكرون خلال جولته الأفريقية هذه أن فرنسا عازمة على فتح أرشيف استعمارها للكاميرون بالكامل، طالبا، في هذا الإطار، من المؤرخين تسليط الضوء على “اللحظات المؤلمة” في تلك الحقبة، وذلك وسط إلحاح مجموعة من الأحزاب السياسية الكاميرونية على ضرورة الاعتراف بـ”الجرائم” التي ارتكبتها فرنسا خلال حقبة الاستعمار، في إشارة منهم إلى قمع السلطات الاستعمارية الفرنسية “بوحشية” للقوميين الكاميرونيين المسلحين قبل استقلال البلاد عام 1960. ودائماً في إطار مسالة الذاكرة، كان إيمانويل ماكرون قد ترأس في نهاية عام 2021 مراسم حفل إعادة 26 عملاً من الكنوز الملكية لـ”أبومي” إلى دولة بنين، من بين نحو 70 ألف قطعة فنية، من بلدان من أفريقيا جنوب الصحراء.

وعكست جولة الرئيس الفرنسي الأفريقية عدة أبعاد، كما يقول الصحافي والباحث المختص في الشؤون الأفريقية، محفوظ السّالك، رداً على سؤال لـ”القدس العربي” معتبراً أن “زيارة إيمانويل ماكرون لغينيا بيساو – وهي مستعمرة برتغالية سابقة – تظهر مسعى باريس لتوسيع دائرة نفوذها بالقارة، بحيث لا يبقى مقتصرا فقط على الفضاء الفرانكفوني، خصوصا وأنها باتت تشهد منافسة قوية في عمقها التقليدي، إذ يعد ما تعرضت له في مالي من طرف روسيا أبرز مؤشر على ذلك. كما أن انضمام التوغو والغابون وهما المستعمرتان الفرنسيتان السابقتان مؤخرا إلى منظمة الكومنولث، يظهر نوعا من التبرم عن فرنسا”. تجدر الإشارة هنا، إلى أن هذا البعد المتعلق بتوسيع النفوذ الفرنسي خارج الفضاء الفرانكفوني، سبق أن عكسته زيارة سابقة للرئيس ماكرون خلال فترته الرئاسية الأولى، إلى كل من نيجيريا وجنوب أفريقيا.

علاوة على ذلك، كان أيضاً لزيارة زيارة إيمانويل ماكرون إلى بيساو طابع إقليمي، في ظل تسلم غينيا بيساو للتو الرئاسة الدورية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إكواس”: المنظمة الموجودة على خط المواجهة ضد المجالس العسكرية التي وصلت إلى السلطة في كل من مالي وغينيا كوناكري وبوركينا فاسو عبر انقلابات عسكرية. في هذا الصدد، قال الرئيس الغيني الاستوائي عمر سيسكو إمبالو إنه أقنع المجلس العسكري الحاكم في كوناكاري، بقيادة العقيد مامادي دومبيا، بتقليص مدة الانتقال إلى 24 شهرًا. كما يخطط رئيس غينيا بيساو للقاء قادة المجلس العسكري المالي.

بشأن الكاميرون، التي تسببت دعوة سابقة لماكرون رئيسها بول بيا لفتح الباب أمام تناوب ديمقراطي على السلطة، وهو الذي يحكم البلاد منذ أربعة عقود، في توتر للعلاقات معها، فإن زيارة الرئيس الفرنسي لها “هي محاولة لقطع الطريق أمام روسيا، ولكنها قد تعكس أيضا بدء الترتيب لما بعد بول بيا، وهي مرحلة تريد باريس أن تعيد من خلالها تموقعها في البلاد، يقول الباحث المختص في القضايا الأفريقية.

العمق التقليدي

أما فيما يتعلق بدولة بنين، فإنها تعد حليفاً تقليدياً لباريس، وتأتي زيارة ماكرون إليها في وقت تشهد فيه منذ أشهر هجمات مسلحة جعلتها تصنف على قائمة البلدان المهددة بعدم الاستقرار الأمني، ما يعني أنها قد تكون إحدى الدول المستهدفة بإعادة النشر المرتقب للقوات الفرنسية في المنطقة. وهذا ما يفسر ـ بحسب محفوظ السّالك ـ وعد الرئيس إيمانويل ماكرون بتعزيز المساعدات العسكرية لها. فخلال استقباله لنظيره الفرنسي في كوتونو، تحدث الرئيسي البنيني باتريس تالون، عن تأخر الحليف والشريك الفرنسي في تجهيز جيش بلاده، لا سيما فيما يتعلق بالطائرات بدون طيار التي ينوي الحصول عليها. وقال رجل الأعمال السابق بطريقة مباشرة للغاية: “للأسف، فشلنا حتى الآن في إقناع السلطات العسكرية الفرنسية ببعض جوانب التعاون العسكري، لا سيما تسليم المعدات، لكنني أرحب بدعم فرنسا من حيث الاستخبارات والتدريب”.

غير أنه خلال محطاته الثلاث (ياوندي ـ كوتونو- بيساو) كانت سهام انتقاد واتهام الرئيس الفرنسي ماكرون موجهة بقوة إلى موسكو، وذلك في ظل تزايد صراع النفوذ الروسي-الفرنسي في القارة الأفريقية، لاسيما وأن جولته الأفريقية تزامنت مع جولة أفريقية أخرى لرئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف قادته إلى كل من مصر والكونغو وأوغندا وأثيوبيا، على التوالي، وذلك بهدف تعزيز علاقات موسكو مع القارة السمراء التي ما تزال ترفض الانضمام إلى ركب التنديد والعقوبات الغربية ضد موسكو بسبب حربها ضد أوكرانيا. وطمأن لافروف القادة الأفارقة الذين التقاهم بشأن الأزمة الغذائية العالمية مجدداً عبر التلميحات إلى أن العقوبات الغربية هي المسؤولة عنها. وهو ما رفضه ماكرون الذي اعتبر من الكاميرون أن أزمة الغذاء العالمية هي أحد “أسلحة الحرب” الروسية.

فروسيا لا تخفي منذ سنوات رغبتها في توسيع حضورها بالقارة الأفريقية، وقد شكلت قمة سوتشي لعام 2019 التي تم خلالها توقيع اتفاقيات شراكات متعددة مع عدد من الدول الأفريقية، تأكيدا على هذا الاهتمام، كما يوضح الباحث في الشؤون الأفريقية محفوظ السالك، مضيفاً أن “موسكو لا تريد للحرب الدائرة الآن بينها وأوكرانيا أن تنعكس بالسلب على نفوذها المتصاعد في أفريقيا، ولهذا نجد أن الجولة الأفريقية لرئيس دبلوماسيتها، اختيرت دولها بعناية: فمصر، تعتبر من أكثر دول أفريقيا مبادلات مع روسيا، وعاصمتها القاهرة تحتضن مقر جامعة الدول العربية، ولهذا كانت أولى محطات جولة لافروف، للتأكيد على اهتمام روسيا بالعلاقات مع الدول العربية الأفريقية. وإثيوبيا تحتضن مقر الاتحاد الأفريقي، ولذلك جعل لافروف زيارتها مناسبة لمهاجمة الغرب وتحذير أفريقيا من العلاقات معه، وفي ذلك رسالة إلى الولايات المتحدة التي عينت مبعوثا لها إلى منطقة القرن الأفريقي، ولكن أيضا لفرنسا الساعية إلى تعزيز الحضور هناك. أما أوغندا، فإنها إحدى دول الشرق الأفريقي المهمة اقتصاديا وتجاريا، وعلاقاتها مع فرنسا والغرب ليست جيدة، نتيجة الموقف من رئيسها يوري موسيفيني ونهجه الذي يوصف بالاستبدادي، وعدم استعداده فتح الباب أمام التناوب الديمقراطي. في حين تعد زيارته للكونغو برازافيل، رسالة إلى فرنسا مفادها أن روسيا ستواصل منافستها في مناطق نفوذها التقليدية بالقارة، وأن ما حصل في مالي يمكن أن يحصل في دول أفريقية أخرى”.

صراع نفوذ أمريكي- روسي

الرئيس الفرنسي، استغل بقوة جولته الأفريقية لمهاجمة روسيا، حيث اتهما بأنها “واحدة من آخر قوى الاستعمار الإمبريالية” وندد في الوقت ذاته بـ”النفاق” الصادر “خاصة عن القارة الأفريقية” المتمثل في عدم الاعتراف الواضح بـ”العدوان الأحادي” من جانب روسيا تجاه أوكرانيا على غرار ما فعل الاتحاد الأوروبي، مبرراً ذلك بالقول إن “الخيار الذي اتخذه الأوروبيون ليس بأي حال من الأحوال المشاركة في هذه الحرب ولكن الاعتراف بها وتسميتها” ومؤكداً أن الاتحاد الأوروبي قرر “القيام بكل يلزم لوقف هذه الحرب بدون المشاركة فيها” ومعاقبة “روسيا لتعطيل مجهودها الحربي” و”عزلها دبلوماسيا”. غير أنه “سيكون على فرنسا معرفة كيف تمتص الغضب الشعبي المتنامي في الساحل والغرب الأفريقي، من خلال استراتيجية جديدة، تكون أكثر تشاركية وأقل تدخلا في شؤون القارة، إذا ما أرادت الحفاظ على مكانتها وعمقها التقليدي، وقد تتوسع في باقي دول القارة، أما إذا فشلت في إعادة بناء علاقات جديدة على أسس مختلفة، فإن مكانتها ستظل في تراجع ليس أمام روسيا فقط، وإنما أمام تركيا، والهند، وغيرهما” وفق الباحث في الشؤون الأفريقية.

وفي مواجهة الدبلوماسية الروسية ونفوذ موسكو المتزايد في أفريقيا، أعلنت الخارجية الأمريكية يوم الجمعة المنصرم أن الوزير أنتوني بلينكن سيزور في اب/أغسطس جنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا. كما ستزور سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، في الوقت نفسه، غانا ورواندا. وقبلهما، قامت مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور بزيارة كينيا، الحليفة القديمة للولايات المتحدة، بالإضافة إلى الصومال حيث أشارت إلى زيادة سوء التغذية بفعل تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا. كما أن جولتي الرئيس الفرنسي ووزير الخارجية الروسي أتتا عقب تنظيم الولايات المتحدة الأمريكية قمة أعمال أفريقية احتضنتها المملكة المغربية، ودعت خلالها واشنطن لقمة مع أفريقيا نهاية العام الجاري.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس