حكومة الوفاق الوطني وإصلاح مؤسسات الدولة

72

من مهام حكومة الوفاق الوطني إصلاح مؤسسات الدولة وإن كل مقررات ومخرجات الحوار الوطني تُشير إلي ضرورة إحداث تغيير ملموس في مؤسسات الدولة وأول أساس لهذا الإصلاح هو سيادة حكم القانون والشفافية والمحاسبة وعطفا علي هذا لم يشهد الناس حراكاً واضحاً في هذا المجال حتي الان، وسبق أن أشرنا إلي توجيهات رئيس الوزراء بوضع معايير محددة لسفر الوزراء والمسئولين للخارج وقلنا هذا الفعل يدخل في إيجابيات الحكومة… وبالمقابل فإن مظاهر الخلل والإهمال مازالت تلقي بظلالها علي عمل مؤسسات الدولة والأمثلة علي ذلك كثيرة لا تعد ولاتحصي ونتناول بعض النماذج علي ذلك، ففي تحقيق صحفي كشف عن الخلل في ميناء بورتسودان أثر بصورة مباشرة علي أداء الميناء إلي درجة أن جعلت بعض السفن تغير وجهتها بحثاً عن مواني أخري تتوفر فيها خدمات أفضل , لم تنفي الحكومة ما ورد في التحقيق ولكن حاولت الإلتفاف علي الحقيقة.. والأعجب من هذا أن وزير الدولة بالمالية وهو رئيس مجلس إدارة الميناء ترأس إجتماع للهيئة لمناقشة لما أثير عن الخلل في إدارة الميناء وفي نهاية الإجتماع أشاد الوزير بأداء مسئولي الميناء المميز وأن الميناء يسير سيراً حسناً وإن كل ما أثير مُجرد تهويل لا قيمة لها.
نخلص من هذا أن المسئولين درجوا علي إخفاء الحقيقة حتى علي كبار المسئولين فضلاً عن تجاهلهم للرأي العام وهذا يناقض الشفافية ويتعارض مع مقولة الرائد لا يكذب أهله وقضية أخري أثيرت إعلامياً وهي تلف ذرة الزكاة بالقضارف فقد وردت أنباء عن تلف كمية من الذرة نتيجة لتعرضها للأمطار وقدرت الكمية التالفة بـ(1069)جوالاً ، وبالفعل قامت الجهات التشريعية والرقابية بولاية القضارف بإثارة الموضوع إلي درجة أن طالبت تلك الجهات بإقالة وزير الشئون الإجتماعية بالولاية مع إجراء تحقيق شفاف لمعرفة المقصرين بأعتبار أن هنالك قصور يتمثل في عدم وجود مخازن جيدة قادرة علي إستيعاب كميات الحبوب التي يتم تحصيلها من الولاية وغياب التخطيط السليم لدي ديوان الزكاة , وليس شاذاً أو عيباً أن يكون هنالك تقصير فالخطأ وارد في أي عمل مهما كان دقيقاً ، ولكن العيب كل العيب أن تغيب المحاسبة وعقاب المقصر فهذه جريمة وفقاً للقوانين المالية السارية في البلاد ، كما وأن تجاوز هذه الأخطاء والقصور يفتح الباب علي مصراعيه لتكرار الأخطاء والإهمال ، ليس مقبولاً أن تقول وزيرة الرعاية الإجتماعية الإتحادية وهي القيمة علي ديوان الزكاة ومسئولة عن مستحقي الزكاة أن الكمية التالفة تعد تافهة بالمقارنة مع الجباية المقدرة(1,200,000) مليون ومائتين ألف جوال . وأن ما حصل مُجرد قضاء وقدر !! سبحان الله تتحدث الوزيرة عن فقدان أكثر من ألف جوال كما لو أن هذه الكمية شيء يسير لا يجوز الحديث عنها,

و أن الكمية التي تمت جبايتها قد أغنت الفقراء تماماً في البلاد، عجباً لهذه الوزيرة تتحدث بلسان أهل السودان وأغلبهم يستحقون الزكاة فلو أنها شعرت بالمسئولية لحاسبت علي جوال واحد يتعرض للتلف ولا يصل إلي مستحقيه ، لم تقف الوزيرة عند هذه التصريحات الصادمة والمستفزة بل قفزت إلي الإشادة بعمال الزكاة بولاية القضارف علي ما بذلوه من جهد في الجباية ، أما التلف الذي طال أكثر من ألف جوال وهي كمية كافية لإخراج أكثر من مائة أسرة من دائرة الحاجة والفقر تعد من سفاسف الأمور، لله درك يا سيدي عمر أمير المؤمنين القائل لو أن بقرة عثرت في العراق لخشيت أن يحاسبني الله لماذا لم تسوي لها الطريق!! شاتان بين الثري والثريا. أمثال هذه الوزيرة لا يأتون بمثل أعمال عمر بن الخطاب فهو من المحال ولكن هل عجزوا أن يقتفوا أثره بمجرد الغضب علي هذا القصور؟… والسؤال الذي يطرح نفسه هل إنتهي موضوع الذرة التالفة عند هذا الحد أم أن الجهات المعنية سوف توالي إثارة الأمر ومحاسبة المقصرين؟؟. 
مظاهر الخلل في الحكومة لن تنقضي عجائبها فهي تلد كل يوم عجيباً ، ولاية الخرطوم عاصمة البلاد والتي تعاني الفوضي وتفتقر إلي كل شيء الخدمات، البنية التحتية، الرقابة، سوء الإدارة وهلموجرا!! وفيما يلي وزارة المالية فإن الخلل بيّن وذلك من خلال تقارير الوزراء المقدمة للمجلس التشريعي فمعظم البرامج لا تجد طريقها إلي التنفيذ بسبب شُح التمويل وعجز وزارة المالية من الوفاء بإلتزاماتها وفق الميزانيات المُجازة ، وفي أفضل الحالات نجد أن نسبة التنفيذ لا تتجاوز25ــ%. والغريب أن معظم الوزارات لديها إيرادات تفوق الربط المقدر في الميزانية مفارقة غريبة؟! أين ذهبت الأموال المتحصلة والإيرادات التي دخلت إلي وزارة المالية؟! 
ربما أحست الوزارة بتقصيرها فعقدت ورشة بمدينة مروي ولماذا مروي؟! خصصت لمناقشة أعداد مشروعات وخطط الوزارات الإقتصادية بالولاية إلي هنا نجد أن الأمر عادي! ولكن الجديد هو القسم الذي أداءه المسئولون تعهدوا فيه بالسعي الجاد والدؤؤب لقيادة التغيير وتحقيق إستراتيجية الولاية رؤية ورسالة وفلسفة وغايات وأهداف وبرامج ومشروعات من أجل إنسان الولاية وحقوق الأجيال القادمة والإلتزام بالسلوك الوطني والمهني والحضاري المطلوب لتحقيق ذلك مرجعهم في ذلك رضاء الله وثقة فيه أملا ً في الحصول علي عونه وتوفيقه… هذا القسم لا محل له في الدستور ولا في القوانين ولا لوائح العمل في مؤسسات الدولة وبالتالي فهو بدعة من بدع النظام، كما وأن هذا القسم يظهر أن الوزارة ومسئوليها لم يقدموا الجهد المطلوب ولم يؤدوا واجبهم القانوني والأخلاقي تجاه العمل المنوط بهم في السابق ، وبالتالي فإن هذا التقصير والإهمال يوجب المساءلة الإدارية والقانونية وأن القسم الذي أدوه لا يعفيهم تحمل مسئولية الإخفاق في الفترة السابقة وأن الجهات التشريعية والرقابية سوف تمارس دورها في محاسبة وزارة المالية لإفتقار ميزانية عام2017 للمنهجية العلمية كانت الميزانيات مُجرد خبط عشواء فجاءت النتائج مُخيبة للآمال… وذات الأشخاص يتحدثون الآن ويبشروننا بمصفوفة تنموية وموازنة مالية تحقق زيادة الإنتاج هذه التصريحات التي لا تُثمن ولا تُغني من جوع تزيد الطين بلة ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.. 
أين إصلاح الدولة وسط هذا التهريج والهرطقة ؟ هل تسير حكومة الوفاق الوطني علي أثر الحكومات السابقة؟ أم أنها سوف تحدث جديداً يخرج البلاد من أزمتها؟! 
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه . 

بارود صندل رجب المحامى

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here