أفريقيا برس – السودان. يتأهب السودان لعودة عمل البنك المركزي من مقره الرئيسي في الخرطوم خلال ثلاثة أشهر، بعد اكتمال تحرير العاصمة من قوات الدعم السريع، وإعادة تأهيل البنية المصرفية التي تكبدّت خسائر باهظة، بسبب الحرب، حسب مصدر مصرفي لـ”العربي الجديد”.
في المقابل، أكد خبراء اقتصاد ومصرفيون أن عودة عمل المقر الرئيسي للبنك المركزي في الخرطوم تحتاج إلى وقت أكبر، بسبب حجم الدمار الهائل في قطاع المصارف.
وأعلن الجيش السوداني، أنه استعاد عدداً من المباني المهمة وسط الخرطوم، من بينها البنك المركزي، من قوات الدعم السريع، غداة استرجاع القصر الجمهوري.
وقال المتحدث باسم الجيش السوداني نبيل عبد الله في بيان: لقد حققت قواتنا مزيداً من النجاحات، حيث قضت على المئات من عناصر المليشيا (قوات الدعم السريع) التي حاولت الهروب من خلال جيوب بوسط الخرطوم، كما أحكم الجيش سيطرته على بنك السودان المركزي من بين أبنية أخرى. وتعرضت المؤسسات الوطنية السودانية الواقعة في وسط العاصمة للنهب على أيدي عناصر قوات الدعم السريع في بداية الحرب التي اندلعت في 15 إبريل/ نيسان 2023.
خطط لإعادة التأهيل
وفي هذا السياق، يقول مصدر مصرفي مطلع ببنك السودان المركزي لـ”العربي الجديد” إن بنك السودان المركزي وضع خططاً جديدة للعودة إلى نشاطه في الخرطوم تتمثل في إعادة تأهيل المبنى الرئيسي الذى تدمر تماماً، وترميم البنية المصرفية المتضررة من مصارف أجهزة صراف آلي. وأكد المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، انخفاض الاحتياطيات الموجودة في بنك السودان المركزي لدعم العملة المحلية التي تشهد تراجعاً مستمراً، إضافة إلى الارتفاع المستمر في معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية.
وقال: من ضمن الخطط أن يشجع بنك السودان المركزي عملية ضخ رؤوس أموال جديدة في المصارف لتحسين كفاية رأس المال وقدرته على امتصاص الخسائر، إلا أنه لم يذكر موعداً محدداً لعودة مزاولة البنك مهامه الرسمية من موقعه الرئيسي في الخرطوم.
وفي وقت سابق، أصدر البنك المركزي ضوابط جديدة لمعالجة خسائر الحرب، تضمنت منح فترة سماح لمعالجة خسائر نهب خزن المصارف، تتراوح بين ثمان لعشر سنوات، مع منح الحاصلين على تمويل فترة سماح 18 شهراً تبدأ من يوم 15 إبريل المقبل. وقال البنك إن الضوابط تأتي في إطار مساعيه لتخفيف آثار الحرب، والتعامل مع إفرازاتها بصورة تمكّن من ضمان استمرارية الجهاز المصرفي في تقديم خدماته، وتحقيق الاستقرار النقدي والمالي.
تحديد حجم الأضرار
الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان، يرى في حديثه لـ”العربي الجديد” أن عودة البنك المركزي للعمل من مقره الرئيسي في الخرطوم لن تكون قريبة، لأن الأمر مرتبط باستكمال تأمين ولاية الخرطوم، وإعادة تعمير البنية التحتية للولاية، بما يضمن التواصل الجيد للبنك المركزي مع المصارف التجارية السودانية، وأيضاً مع المصارف الإقليمية والدولية، ويضمن استقرار العاملين، وهذه أمور ترتبط بعودة المواطنين إلى ولاية الخرطوم، ووجود الخدمات الحكومية. وأضاف الفاتح: بما أن حجم الدمار الذي لحق بمبنى البنك المركزي ما زال غير محدد بالضبط، إذ إن بنك السودان سيكلّف جهات مختصة بمعاينة المبنى، وتحديد حجم الأضرار، ومعرفة المطلوب لإعادته للعمل مرة أخرى.
خطوات قليلة لعودة الحياة للعاصمة
أما المحلل الاقتصادي، هيثم فتحي، فيقول لـ”العربي الجديد” إن البنك المركزي والمنشآت الاقتصادية الأخرى التي تقع في الخرطوم، تحتاج إلى إعادة تأهيل، وتقدم الجيش السوداني وقيامه بتحرير البنك المركزي يعني أن هنالك خطوات قليلة لعودة الحياة إلى العاصمة الخرطوم، ما يبشر بعودة جميع المصارف السودانية، وجميع الوحدات الحكومية الاقتصادية إلى مزاولة نشاطها وعملها من مواقعها الرئيسة، رغم أن هذه الوحدات ظلت تمارس عملها الطبيعي حينما انتقلت إلى مدينة بورتسودان، وتعمل بكل فاعلية وكفاءة.
وتابع أن عودة المصارف في الخرطوم تحتاج إلى كثير من المعينات الأمنية والعسكرية والسياسية، والأهم من ذلك هو توفير الخدمات وسط الخرطوم التي تحتاج إلى إعادة الحياة فيها، وفي تقديري إعادة الحياة ستستغرق أياماً ليست بالقليلة حتى يعود الاستقرار الأمني، وتزاول الوحدات الحكومية أعمالها، لذلك لا بد من خطة من البنك المركزي لكيفية العودة إلى مقره الرئيسي.
وواجهت البنوك السودانية تحديات كبيرة، بسبب ما تعرضت له من أعمال نهب وسرقة وتدمير خلال الحرب منذ منتصف إبريل 2023، فضلاً عن تآكل موجوداتها التي قدرها البنك المركزي بحوالي 45 تريليون جنيه سوداني، بعدما فقدت العملة المحلية نحو 400% من قيمتها خلال الفترة الأخيرة، إذ يتداول الدولار الواحد بنحو 2600 جنيه حالياً.
توقف 70% من فروع البنوك
وقال بنك السودان المركزي، في بيان سابق، إن الحرب عملت على توقف 70% من فروع البنوك في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية أو توتراً أمنياً، في حين تزاول حالياً نحو 427 فرعاً في الولايات الآمنة أعمالها. ويضم قطاع البنوك السوداني 38 بنكاً (16 سودانياً و22 مختلطاً) لديها 833 فرعاً و77 نافذة و73 مكتباً للتوكيل، ويوجد في مدن العاصمة الثلاث، الخرطوم وأم درمان وبحري، 435 فرعاً تمثل 49% من عدد الفروع في البلاد، وفق بيانات رسمية.
ويقول مختصون في الشأن الاقتصادي إن الحرب أثرت بصورة كبيرة في الإنتاج، إذ تقلص الناتج المحلى الإجمالي إلى أكثر من 70%، بجانب التراجع الكبير في الصادرات السودانية، ما أدى إلى انخفاض الاحتياطيات الموجودة في بنك السودان المركزي، كما أن حوالي 80% من الكتلة النقدية كانت خارج الجهاز المصرفي قبل الحرب، وتراجعت إلى أدنى مستوياتها عقب اندلاع الحرب، ما أثر بعمل الجهاز المصرفي.
ويرى الخبير المصرفي، محمد بابكر، في حديثه لـ”العربي الجديد” أن تعافي القطاع المصرفي يعتمد على التعافي الاقتصادي، ومعالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد، والقدرة على استقطاب الاستثمارات، وتوليد وظائف جديدة، وتحقيق معدلات جيدة من الاستقرار، متمثلة في النمو الإيجابي المستدام، والسيطرة على معدلات التضخم، فضلاً عن توافر الطاقة الإنتاجية بنسبة معتبرة، إضافة إلى التوازن الخارجي المرتبط بميزان المدفوعات.
ولكن المصرفي السوداني السابق إسماعيل التوم يؤكد في حديثه مع “العربي الجديد” أن البنوك السودانية تأثرت بالحرب بصورة مباشرة، من خلال نهب الخزائن، وسرقة الأصول من معدات وأجهزة وسيارات، إضافة إلى مقتنيات العملاء من ذهب وحلي، كما شمل التخريب والنهب أجهزة وخادمات بيانات العملاء، وضياع الملفات وغيرها من المستندات. ويقول إن البنك المركزي مطالب خلال الفترة القادمة باتباع سياسات تجذب ودائع العملاء، وتعالج تعثّر سداد التمويل، وشح السيولة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس