حرب السودان… هجرة الكوادر الطبية مصدر خطر إضافي

22
حرب السودان... هجرة الكوادر الطبية مصدر خطر إضافي
حرب السودان... هجرة الكوادر الطبية مصدر خطر إضافي

أفريقيا برس – السودان. إلى جانب الخسائر البشرية والتشرّد نتيجة الحرب، يواجه السودانيون ظروفاً إنسانية معقدة، على رأسها صعوبة تلقي العلاج وتأمين الدواء، وغياب الخدمات الصحية بسبب نقص الكوادر الطبية وإغلاق المستشفيات

تتقلص أعداد الكوادر الصحية العاملة في المراكز الصحية والمستشفيات مع استمرار الصراع المسلح في السودان، ما ينذر بمخاطر كبيرة على حياة الأهالي، وكشفت نقابة أطباء السودان أن 78 من الأطباء والكوادر الصحية على الأقل لقوا حتفهم خلال أشهر الحرب التي اندلعت في منتصف إبريل/ نيسان 2023، وأنّ نحو 90% من المرافق الطبية في مناطق النزاع أُجبرت على إغلاق أبوابها، ما يحرم ملايين السودانيين من الرعاية الصحية.

وتؤكد النقابة أنّ قوات الدعم السريع اقتحمت عدداً من المنشآت الصحية لمعالجة جرحاها، أو ملاحقة أعدائها، ونفّذ مقاتلوها عمليات انتقام ضدّ كوادر طبية بعد وفاة رفاق سلاح لهم أثناء تلقّيهم العلاج، فيما يُتّهم الجيش السوداني بتنفيذ غارات جوية على مستشفيات.

وأخيراً، حذرت منظمة الصحة العالمية من قلّة عدد المتخصصين في الصحة العقلية، وندرتهم في السودان، وهو واقع قائم منذ ما قبل الحرب، مشيرة إلى أنّ “طبيباً نفسياً واحداً يتوفر لكل 2.5 مليون سوداني، علماً أنّ نحو 60 طبيباً نفسياً كانوا يعملون في البلاد قبل أن ينخفض عددهم إلى نحو 20 فقط بعد الحرب، وذلك رغم المعاناة النفسية اليومية لكثير من السودانيين من جراء تبعات الحرب، التي تصيبهم بأمراض مثل الاكتئاب والقلق، وصدمات نفسية نتيجة ما يتعرضون له من انتهاكات واسعة.

في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، علّقت منظمة “أطباء بلا حدود” معظم أنشطتها في مستشفى بشائر الجامعي، أحد المستشفيات القليلة التي كانت لا تزال عاملة في جنوب العاصمة الخرطوم، بعدما اقتحمها مقاتلون.

وإلى جانب غياب الأمان الشخصي، تواجه الكوادر الصحية مشكلات عدة، مثل صعوبة الوصول إلى المؤسسات الطبية، والاعتداء عليهم أثناء ممارسة العمل، وإجبارهم على العمل لساعات طويلة، أو مغادرة المستشفيات، وأيضاً الاعتقال والتعذيب والحرمان من المستحقات المالية، ومعاناة بعضهم من المجاعة، في وقت يواجه فيه نحو 26 مليون سوداني الجوع الحاد، بحسب البيانات الأخيرة للأمم المتحدة.

ودفعت هذه الأوضاع منظمات كثيرة إلى التحذير من مخاطر استمرار نقص الكوادر الطبية على القطاع الطبي في بلد يعيش صراعاً مسلحاً طويل الأمد.

تقول استشارية علم النفس، ابتسام محمود، لـ”العربي الجديد”: “خدمات الصحة النفسية هي الأقل انتشاراً في السودان، وكانت كذلك قبل الحرب، علماً أنها لا تعتمد على الأطباء فحسب، بل على فريق عمل يضم الطبيب والاختصاصي والباحث الاجتماعي، كما أن عدد المستشفيات التي تتضمن خدمات الطب النفسي محدودة للغاية، ما يؤثر سلباً على مسار الصحة النفسية عموماً، وبعد الحرب تعتبر خدمات الصحة النفسية من بين أكثر ما يحتاجه السودانيون، فالتجربة أوجدت صدمة لا بدّ أن تنعكس على الأشخاص، وقد تخلف العديد من الاضطرابات النفسية”.

تضيف محمود: “يحتاج السودانيون إلى خدمات خاصة بالصحة النفسية في ثلاثة محاور، أولها في مرحلة النمو عبر تدريب الأسر وإدارات المدارس للأطفال على امتلاك كل المهارات والقدرات على التفكير وإدارة الذات في المواقف الصعبة، والمحور الثاني هو وقاية الأشخاص الذين يعانون من قلق وتوتر، مثل أولئك الذين يعيشون في مناطق العمليات العسكرية والنازحين في مراكز الإيواء واللاجئين، أما المحور الثالث فيشمل علاج المصابين بأمراض نفسية، وقد ظهرت مشكلتان بعد الحرب، أولاهما انتكاس مرضى سابقين، والثانية عدم استجابة مرضى ظهرت عليهم أعراض للعلاج، وعدد هؤلاء كبير. والتحدي الكبير الذي يواجه السودان حالياً هو كيفية إدارة ملف الصحة النفسية في ظل الظروف الراهنة، ومع نقص الكوادر الصحية المتخصصة”.

وتعتبر هجرة الأطباء إحدى أكبر أزمات القطاع الصحي في السودان منذ سنوات، لكنها تفاقمت بعد اندلاع الحرب، بعد أن قرر مئات من الأطباء والكوادر الصحية التوقف عن العمل. فقدَ الطبيب مصعب وهباني، المتخصص في الأمراض الباطنية، وظيفته في المستشفى الكويتي بالخرطوم، بعدما سيطرت قوات الدعم السريع على المستشفى، وحولته إلى ثكنة عسكرية، فترك الخرطوم وعاد إلى مسقط رأسه في بربر، قبل أن يجد نفسه مضطراً للجوء إلى العاصمة المصرية القاهرة، لأن أبناءه يحتاجون إلى مواصلة دراستهم، كما يحتاج أحدهم إلى العلاج، ثم حصل على عقد عمل في دولة خليجية، ولم يتردد في الموافقة عليه.

يقول وهباني لـ”العربي الجديد”: “زادت ظروف الحرب معدلات هجرة الأطباء، ربما تتفاوت النسبة بين اختصاص وآخر، لكن أبرزها تخصصات الصحة النفسية والأمراض الجلدية وتلك الخاصة بالعظام والأنف والأذن والحنجرة. استوعبت دول عدة عدداً كبيراً من الأطباء السودانيين بعد الحرب، وشخصياً قررت الهجرة لأنه لا تتوفر لي بيئة عمل مناسبة داخل السودان”.

ويطالب الطبيب وهباني الدولة بأن تهتم بقضية هجرة الأطباء، وتحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر تحسين العائدات المادية، والحدّ من الانهاك اليومي للأطباء وباقي الكوادر الصحية، وتحسين شروط تقديم الخدمة، وأيضاً إعادة تأهيل المرافق الصحية، خصوصاً مرافق التشخيص، مؤكداً أنه إذا لم يحدث ذلك فستكون عودة الأطباء المهاجرين مستبعدة.

ولم يقتصر قرار الهجرة على الأطباء، وإنما طاول جميع الكوادر الصحية، ومن بينهم الصيدلاني مجدي طه، الذي استقر في سلطنة عُمان، يقول لـ”العربي الجديد”: “بقيت صامداً في عملي لأكثر من عام بعد اندلاع الحرب، لكن مع تفاقم الأوضاع اضطررت إلى السفر إلى سلطنة عُمان بحثاً عن استقرار أسرتي، وإتاحة الفرصة لمواصلة أبنائي دراستهم. الراتب كان من بين العوامل التي ساهمت في اتخاذي قرار الهجرة، فالراتب المحدود الذي كنت أتقاضاه لا يتماشى مع التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية، إذ لم يتجاوز 300 ألف جنيه (نحو 120 دولار)، وهو مبلغ لا يكفي لتسديد إيجار منزل في منطقة آمنة”.

ويلفت طه إلى أن “الكثير من أفراد الكوادر الطبية فقدوا كل ما يملكون خلال عمليات النهب الواسعة التي شهدتها الخرطوم، وفكروا في الهجرة إلى دول لم تكن في حساباتهم، مثل الصومال، كي يستطيعوا إعادة بناء أنفسهم من جديد، وتعويض ما خسروه خلال الحرب، كما أنّ قوات الدعم السريع سيطرت على مراكز غسل الكلى، وألزمت المرضى بدفع مبالغ مالية في حين أن الخدمة مجانية”.

بدوره، غادر الطبيب السوداني وليد محمد سليمان للعمل في بريطانيا، ويقول لـ”العربي الجديد”: “أزمات الحروب والأمراض قد تتسبب في إصابات كبيرة قبل أن تفضي إلى نقص في الكوادر الصحية، فقبل اندلاع الحرب في السودان تسببت جائحة كورونا في نقص الكادر الطبي، والآن تعاني البلاد من تداعيات حرب مشتعلة تسببت في مقتل العديد من العاملين في القطاع الصحي، وهجرة آلاف منهم، في حين لا يزال آخرون في السودان لمداواة الجرحى والمرضى”.

يتابع سليمان: “نقص الكوادر الصحية من أطباء وممرضين وغيرهم تفاقمه الحرب، ما يؤثر سلباً على جميع المواطنين، خصوصاً أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة، أو يحتاجون إلى متابعة وإجراء فحوص دورية، كما تسببت الحرب في نقص الإمدادات الدوائية ما يفاقم المشاكل والأمراض، وكلما طالت فترة الحرب كلما زاد النقص، وبالتالي يتضرر الناس، سواء كانوا على خطوط التماس، أو في المناطق الآمنة”.

ويوضح: “التقرير الأخير لمنظمة الصحة العالمية ينذر بمشاكل إضافية على صعيد خدمات الصحة النفسية، خصوصاً في ظل التغيّرات التي تحصل للإنسان، نتيجة وجوده في قلب حرب تتسبب في صدمات تحتاج إلى علاج نفسي وليس دوائياً فحسب. نقص الكوادر الصحية خلال الكوارث يؤثر سلباً على المواطنين، ويزيد المخاطر على حياتهم، إذ تكثر خلال الحروب أمراض مثل الكوليرا التي تعتبر إحدى المشاكل التي عانى منها آلاف السودانيين خلال الأشهر الماضية، وأيضاً حمّى الضنك، وبينما يحصل ذلك، لا يجد المرضى عوناً من الكوادر الطبية، فهؤلاء أنفسهم يعيشون بين مطرقة الحرب وسندان نقص المعدات والعقاقير اللازمة لمساعدة الآخرين”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here