أفريقيا برس – السودان. عندما تعرضت السودانية سلوى إبراهيم (31 سنة) لوخزة شوكة أثناء جمعها الأعشاب من مزرعتها في ولاية سنار، لم تكن تتوقع أن حياتها ستنقلب رأساً على عقب بعد أيام قليلة من تلك الحادثة التي ظنتها عارضة. بعد أيام تورمت قدمها، وزاد عليها الألم، فاضطرت للذهاب إلى المركز الصحي القروي، لكنّ جرعة العلاج التي تلقتها على يد المساعد الصحي لم تُزِل الورم ولم توقف الألم. طوال 23 شهراً، تنقلت سلوى بين مراكز صحية ومستشفيات عدّة، وانتهى بها المطاف في مركز أبحاث المايستوما بضاحية سوبا شرقي العاصمة الخرطوم.
تقول لـ”العربي الجديد”: “أخبرني الأطباء بإصابتي بداء المايستوما (الورم الفطري، مرض التهابي مزمن مدمر تدريجياً)، ولأن الوقت تأخر على العلاج بالعقاقير، فلا سبيل سوى بتر قدمي، وهذا ما حدث بالفعل، وبعد التعافي من جروح البتر، عدت إلى المركز من جديد، هذه المرة للحصول على دورة تدريبية مجانية في الحرف الصغيرة ينظمها المركز للمتعافين من أجل دمجهم في المجتمع”.
يوم الخميس الماضي، علمت سلوى بتدمير مركز أبحاث المايستوما، فشعرت بحزن عميق، تقول: “كنت أنوي استكمال الدورة التدريبية في المركز الذي يُعد الأول من نوعه عالمياً في علاج المايستوما، ويستقبل مرضى من السنغال وإثيوبيا وتشاد وبعض دول أميركا اللاتينية والهند”.
من جهته، يبدي مدير مركز أبحاث المايستوما، البروفيسور أحمد الحسن الفحل، حزنه على ضياع أبحاث علمية وعينات ظلت محفوظة في ثلاجات المركز لأكثر من 34 عاماً، ويقول لـ”العربي الجديد”: “أفرغ اللصوص العينات المهمة والنادرة على الأرض كي يأخذوا الثلاجات، جرى تدمير المركز الذي يقع في منطقة ظلت تحت سيطرة قوات الدعم السريع لعامَين، وسرقة جميع محتوياته، ولم تسلم حتى أسقف المباني”.
يضيف الفحل: “قبل اندلاع الحرب، كان يتلقى العلاج في المركز نحو 12 ألفاً من المرضى، ويستقبل سنوياً نحو 400 حالة جديدة، ويتدرب فيه أكثر من 50 باحث ماجستير ودكتوراه، وكان يضم مركز (ساعد) للتدريب المهني المجاني على الحرف اليدوية مثل صناعة المخبوزات والخزف والغزل والنسيج والخياطة، ومركز الحسن للأبحاث السريرية ودراسة الأمراض المدارية المهملة”.
يتابع: “المناطق التي ينتشر فيها المرض يعاني غالبية سكانها من ضعف الإمكانيات، وعدم توفر المراكز الطبية، لذا يتأخر المرضى في الذهاب إلى الطبيب لفترات طويلة، ويأتي بعضهم إلى المركز في حالات مرضية متأخرة. نحو 20% من المرضى تُبتر أطرافهم، وبعضهم يستجيب للعلاج من دون تدخل جراحي حال إجراء التشخيص في وقت مبكر من الإصابة”.
وكان مركز المايستوما في الخرطوم يجري حملات توعية مكثفة قبل تخريبه، وينتقل منتسبوه إلى المناطق التي ينتشر فيها المرض من أجل حثّ السكان على العلاج في الوقت المناسب، ويؤدي توقف المركز في الخرطوم عن العمل إلى توقف الخدمات العلاجية لأكثر من 120 مصاباً.
ووفقاً لتقارير وزارة الصحة السودانية، فإن مرض المايستوما ينتشر في ولايتَي النيل الأبيض والجزيرة (وسط)، وولاية سنار الحدودية مع دولة جنوب السودان، وفي العاصمة الخرطوم، وبصورة أقل في كل من ولايتَي القضارف وكسلا (شرق).
ويدير مركز أبحاث المايستوما بالخرطوم، مركزين فرعيين في كل من قرية عِوِيوة بولاية النيل الأبيض، وقرية ود أُنسى بشرق ولاية سنار، إذ يستوطن المرضى بصورة أكبر من مناطق السودان الأخرى. وأُجريت بالمركز منذ تأسيسه أكثر من ألف عملية جراحية للمرضى الذين كانوا يحصلون على العلاج في جميع مراحله بالمجان، كما كانوا يحصلون كذلك على الأطراف الصناعية من المركز من دون مقابل مالي.
ووصف وزير الصحة السوداني هيثم إبراهيم تدمير مركز المايتسوما بأنه “جريمة خطيرة”، وقال لـ”العربي الجديد”، إن “مركز المايستوما في الخرطوم هو المرجع الوحيد لكل العالم بشأن هذا المرض وعدد من الأمراض المدارية الأخرى، والمركز إلى جانب كونه مستشفى علاجياً، فهو مركز بحثي عالمي”.
وينتشر مرض المايستوما في المناطق الريفية، ويصيب الفلاحين والرعاة، ويسبّب تورّمات في القدم عند وخزها، ويعد من الأمراض الشائعة في المناطق الحارة، والسودان أكثر بلدان العالم تأثراً به، وتسببه ميكروبات فطرية وبكتيرية دقيقة، تنتقل من التُّربة إلى جسم الإنسان عن طريق الجروح والأشواك.
وبحسب “منظمة الصحة العالمية” فإنّ المايستوما من بين أمراض المناطق المداريّة الأكثر إهمالاً، وفي مايو/ أيار 2016، أجازت المنظمة الأممية مشروع قرار مقدم من السودان خاص بإدراج مرض المايستوما ضمن قائمة الأمراض المدارية المنسية، وجرى اعتماد المقترح من المنظمة بالإجماع.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس