من الأوتاد الرواسخ والدواعم الأساسية لأحزاب الإسلام السياسي، نشر ثقافة الكراهية والفرقة والتناحر والتنابز والعداء واضطهاد المختلف سياسياً وفكرياً ودينياً ومذهبياً إلى الحضيض والعمل بدأب على إفقاره ونبذه وتهميشه واقصائه وقتله.
لذلك عندما استولى الإسلامويين على الحكم في السودان، ابتدروا خرابهم المديد بما أسموها بسياسة التمكين، وحاولوا التعمية عليها في بداية الأمر – بما أطلقوا عليها سياسة (تثوير الخدمة المدنية)، ثم رويداً وبعد أن أسفروا عن وجههم القبيح أعلنوها داوية (سياسة التمكين)، فجاءوا بأهل الولاء وأطاحوا بأهل الكفاءة والخبرة، وجاءوا بذوي القربى على حساب المواطنة.
ولمّا تمكنوا، تسلطوا على بعضهم البعض، فأطاحوا شيخهم وانقلبوا عليه وأودعوه السجن مرات عديدة فتناحروا وتشاتموا حد إن صحافيت بارزا منهم (محمد طه محمد أحمد) الذي مات – لاحقاً – مقتولاً بطريقة بشعة، وصف الشيخ بأنه (مثلي) أوحي بها بلفظة دارجية شديدة القبح لا تكتب في صحافة محترمة أبداً، وأنه سرق أموال الحركة الإسلامية وأنه لا يصلي، ونعته بأقذع النعوت وسفّله تسفيلاً لم يذهب إليه من يصفونهم بالملحدين والكفار والشيوعيين والعلمانيين.
ثم، بعد حين خرج فريق منهم من أبناء دارفور – بعد وضعوا القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة جانباً – ومارسوا عليه عنصرية عرقيّة، فأصدر الكتاب الأسود، ثم حمل السلاح في وجههم وحاربهم حرباً ضروسا.
سيطر الإخوان على الثروة والسلطة وقبلوا بذهاب الجنوب مقابل بقائهم على الكرسي الآثم الآسن لأطول وقت ممكن حتى ينهبوا المزيد من الثروات ويسفكوا المزيد من الدماء، وطفقوا يؤلبون القبائل بعضها على بعض ويشغلونها بحروب تافهة لا قيمة لها، فيما هم مستغرقون في النهب والسلب والسرقة واستفزاز المواطنين.
هذه إشارات عابرة وطفيفة تلخص بسرعة خاطفة تجربة الإسلام السياسي في حكم البلاد، إنها تجربة المؤتمر الوطني حزب اللصوص والمجرمين والساقطين أخلاقياً وقيمياً، لذلك فإن قرار مجلسي السيادة والوزراء بحل هذا الحزب أثلج صدور السودانيين جميعاً عدا قلة من الموالين لحزب الفساد والاتجار بدين الله، حزب البذاءات والفواحش والموت.
لكن هذا لا يكفي بطبيعة الحال، فلا بُد من مصادرة أملاك الحزب فوراً دونما إبطاء، وهذا أيضاً لا يكفي، فيجب اعتقال كبار أهل الفساد، قادة هذا الحزب، وكافة من يثبت تورطه في أعمال تخريب وسرقة وتحريض وولوغ في دماء الأبرياء وتقديمه للعدالة، واستعادة الأموال المنهوبة وتسخيرها لصالح المواطن المسكين الذي نهبت منه أمام عينيه فيما هو جائع ومريض وعاطل وجاهل.
يا له من قرار صائب، أن يجيز المجلسان الموقران قانون حل حزب المؤتمر الوطني ومؤسساته وتنظيماته وكل واجهاته وتفكيك نظام الإخوان المسلمين وإزالة التمكين.
يا لها من كلمات من ذهب تلك التي قالها عبد الله حمدوك عن هذا الحدث المهم، قال: “إن قانون تفكيك النظام البائد وإزالة التمكين ليس قانونا للانتقام، بل هو من أجل حفظ كرامة هذا الشعب بعد أن أنهكته ضربات المستبدين وعبثت بثرواته ومقدراته أيادي بعض عديمي الذمة قصيري الخطو في مضمار القيم والشرف والأمانة والحقوق”.
إلى ذلك، فإن الكثير لم يتحقق بعد، لكن وبعد أن أقرت الحكومة الانتقالية بمجلسيها وبشكل متتالٍ، إلغاء قانون النظام العام وأجازت قانون تفكيك حزب الإخوان المسلمين الفاسد، فإننا نستطيع أن نقول إن الثورة مستمرة وإن حكومتنا تستلهم روحها، وأن دماء الشهداء لم تضع هدراً وسيأتي يوم القصاص – وقريباً جداً.