ماذا دار في الكواليس الخفية بين البرهان ومستشار ترامب؟

3
ماذا دار في الكواليس الخفية بين البرهان ومستشار ترامب؟
ماذا دار في الكواليس الخفية بين البرهان ومستشار ترامب؟

د. محمد حسن إمام

أفريقيا برس – السودان. في وقت تتسارع فيه الأحداث جاء لقاء رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، مع مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية في سويسرا، ليشكل محطة مفصلية.

الاجتماع لم يكن مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل نافذة لفهم إستراتيجيات الحرب، والأمن البحري والتوازنات الإقليمية؛ ليكسر جمودا سياسيا دام شهورا، ويعيد السودان إلى قلب حسابات البيت الأبيض.

الاجتماع، الذي جرى في سويسرا واستمر ساعات، كان أشبه بجلسة “تحديد مصير” بين طرف يملك قوة السلاح على الأرض، وآخر يملك مفاتيح التأثير الدولي.

شهدت السياسة الأميركية نحو السودان تحولا ملموسا، من سياسة التوازن بين الأطراف إلى سياسة تحديد المسؤولية، بحيث أصبحت واشنطن أكثر وضوحا في تحميل الدعم السريع مسؤولية الجرائم والانتهاكات

مسعد بولس.. رجل البيت الأبيض في السودان

مسعد بولس ليس دبلوماسيا عاديا، هو شخصية لها وصول مباشر إلى الرئيس الأميركي، بخبرة واسعة في الملفات الأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط وأفريقيا.

اختياره لحمل رسالة واشنطن إلى البرهان يعني أن السودان أصبح موضوع صفقات دبلوماسية مباشرة، حيث تتداخل الاعتبارات الأمنية مع الاستثمارات الاقتصادية، وتصبح المنطقة الإستراتيجية للبحر الأحمر محور اهتمام أميركي خليجي متزامن.

رسائل الداخل السوداني.. قراءة معمقة
اللقاء حمل إشارات داخلية دقيقة، تعكس توازن الجيش بين الاستقرار السياسي والمكاسب الميدانية:
وقف شامل لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية: هذه الرسالة تؤكد حرص الجيش على الاستقرار الإنساني وتقليل الخسائر المدنية، بينما تشير إلى التزام واشنطن بالضغط على جميع الأطراف.

الارتباط بين الدعم الأميركي والمسار الانتقالي: أي انفتاح سياسي أو اقتصادي على الجيش، مشروط بإظهار التزام واضح بمسار انتقال مدني، مما يعكس رغبة المجتمع الدولي في ضمان استقرار مؤسسات الدولة.

تحديد دور الجيش في المستقبل السياسي: البرهان أوضح أن الدعم السريع لن تكون جزءا من السلطة المقبلة، وأن الجيش سيعيد هيكلة السلطة لصالح مؤسسات الدولة، ما يوضح إستراتيجيات الجيش لدمج القوة الميدانية في تفاوض سياسي محسوب.

رسائل للطبقة السياسية والمجتمع المدني: اللقاء يوصل إشارة ضمنية بأن أي تسوية أو دعم داخلي يجب أن يراعي المكاسب الميدانية للجيش، مع استمرار إشراف دولي لتقوية المسار الانتقالي.

الجيش السوداني حقق تقدما واضحا على الأرض، خصوصا في العاصمة وأمدرمان والريف الجنوبي ومحيط كرري، ما أعاد توزيع النفوذ في الخرطوم والمناطق المحيطة

تحول السياسة الأميركية

شهدت السياسة الأميركية نحو السودان تحولا ملموسا، من سياسة التوازن بين الأطراف إلى سياسة تحديد المسؤولية، بحيث أصبحت واشنطن أكثر وضوحا في تحميل الدعم السريع مسؤولية الجرائم والانتهاكات، مع فرض عقوبات مباشرة على قياداتها وشبكات تمويلها في الوقت نفسه.

وقد أبقت الإدارة على قنوات ضغوط دقيقة على الجيش، مؤطرة ضمن إستراتيجية العصا والجزرة، تهدف إلى تعزيز الالتزام بمسار سياسي واضح، وضمان أن أي دعم أميركي أو استثماري مرتبط بالنتائج الميدانية والالتزام المؤسساتي.

هذا التغيير يعكس إدراك واشنطن أن الاستقرار في السودان مرتبط مباشرة بمكاسب الجيش الميدانية، وفاعليته في السيطرة على النزاع الداخلي.

ميزان القوى الميداني.. تفوق الجيش

الجيش السوداني حقق تقدما واضحا على الأرض، خصوصا في العاصمة وأم درمان والريف الجنوبي ومحيط كرري، ما أعاد توزيع النفوذ في الخرطوم والمناطق المحيطة، وقد تمكن الجيش من تنفيذ ضربات دقيقة على مواقع لوجيستية للدعم السريع، ما ساهم في تقليص قدراتها الميدانية.

وبينما تظل الدعم السريع مسيطرة على بعض مناطق دارفور، فإن معظم الوسط أصبح تحت سيطرة الجيش المباشرة، مع ميل الكفة بوضوح في الشمال والعاصمة والوسط وتخوم كردفان. هذه المكاسب الميدانية تعطي الجيش أوراق قوة تفاوضية مباشرة، وتعيد تشكيل التوازن الداخلي بطريقة تصب في صالح مؤسسات الدولة.

رغم خروج السودان من قوائم الإرهاب الأميركية في 2020 فإن الحرب أعادت فتح “ممرات الظل” للتهريب، بما في ذلك الذهب والسلاح والبشر، إضافة إلى نشاط الجريمة المنظمة

البحر الأحمر وأهمية التجارة الدولية

البحر الأحمر يمثل قلب الإستراتيجية الدولية للسودان، لما يحمله من موقع جغرافي إستراتيجي يربط شرقي أفريقيا بخطوط التجارة العالمية. والولايات المتحدة تركز على حماية الممرات البحرية الحيوية، ومنع أي تحولات نحو نفوذ شرقي لضمان حرية الملاحة الدولية.

بدلا من الاعتماد على دول محددة كممر استثماري إقليمي، يركز السودان على توسيع التجارة الدولية عبر تطوير الموانئ والمنافذ البحرية، واستقطاب شركاء دوليين للتجارة والاستثمار، بما يعزز دور السودان كمركز إقليمي تجاري ولوجيستي مستقل.

أي اضطراب أمني في البحر الأحمر يهدد مشاريع بمليارات الدولارات في التجارة العالمية، ما يجعل استقرار المنطقة أولوية إستراتيجية للسودان والشركاء الدوليين.

مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة

رغم خروج السودان من قوائم الإرهاب الأميركية في 2020 فإن الحرب أعادت فتح “ممرات الظل” للتهريب، بما في ذلك الذهب والسلاح والبشر، إضافة إلى نشاط الجريمة المنظمة، ما يمثل تهديدا مباشرا لأمن البحر الأحمر، ويخلق مجالا للتعاون الأمني إذا توصل الطرفان إلى تفاهم سياسي.

يقدم الجيش مرونة سياسية مقابل اعتراف دولي بدوره كضامن للأمن والاستقرار، مع دعم مالي وتقني، وفتح قنوات استثمارية دولية مستقلة

ما يريده الجيش
إبعاد الدعم السريع نهائيا: تفكيك القوة وشبكاتها، مع إدماج الأفراد القابلين للتأهيل في الجيش النظامي.

إعادة هندسة السلطة الانتقالية وحفظ دور الجيش الضامن للأمن القومي.
تأمين العمق الإستراتيجي البحري والبري: حماية البحر الأحمر والحدود، ومنع أي نفوذ خارجي غير مرغوب فيه.

تعزيز المواقف الدولية: تقديم نفسه كشريك موثوق في مكافحة الإرهاب وحماية الممرات البحرية؛ ما يفتح الباب أمام دعم اقتصادي واستثمارات.

ما يمكن أن يقدمه الجيش.. حزمة تفاوضية موسعة
ضمانات أمنية للبحر الأحمر: ترتيبات مع قوى إقليمية ودولية لحماية الملاحة.

ضبط الحدود ومنع التهريب: آليات مشتركة مع دول الجوار لتأمين السلاح والذهب والبشر.

دمج لقوى محلية: استيعاب الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا.

إصلاح اقتصادي تحت إشراف مشترك: قبول برامج دعم اقتصادي مقابل شفافية في إدارة الموارد الإستراتيجية.

تحييد داعمي التمرد الإقليميين والدوليين: اتخاذ تدابير سياسية ودبلوماسية لتقليل النفوذ الخارجي الذي يمول أو يدعم الدعم السريع.

تعزيز قدرة الجيش على الضبط والسيطرة: تقديم خطط عملية لتأمين المدن والطرق الرئيسية، ومراكز الاقتصاد الحيوية.

فتح قنوات تجارة دولية مستقلة: تطوير الموانئ والممرات البحرية لاستقطاب شركاء عالميين للتجارة والاستثمار، ما يعزز مكانة السودان كمركز تجاري مستقل، ويقلل الاعتماد على الشركاء الإقليميين التقليديين.

السودان عاد إلى دائرة الاهتمام الأميركي المباشر، وأي تسوية ستكون رهينة بالالتزام الميداني، وسيطرة الجيش على ميزان القوى، مع ربط الأمن الداخلي بالمصالح الدولية في معادلة العصا والجزرة

السيناريوهات المحتملة
شراكة أمنية سياسية مشروطة: يقدم الجيش مرونة سياسية مقابل اعتراف دولي بدوره كضامن للأمن والاستقرار، مع دعم مالي وتقني، وفتح قنوات استثمارية دولية مستقلة. الفرصة تكمن في تهيئة البيئة الدولية لبناء اقتصادات مستقرة، بينما تكمن المخاطر في فقدان بعض السيطرة إذا توسع نفوذ القوى المدنية أو الإقليمية.

الحسم الميداني قبل التفاوض: يعتمد الجيش على تفوقه الميداني لإخراج الدعم السريع من مناطق ذات عمق إستراتيجي، وفرض شروط تفاوضية قوية. الفرصة تكمن في تعزيز نفوذ الجيش في الترتيبات السياسية المستقبلية، والمخاطر تتمثل في ارتفاع كلفة الاستنزاف العسكري وتأثر الاقتصاد والأزمة الإنسانية.

صفقة إستراتيجية كبرى: تسعى إلى تسوية شاملة تشمل حزمة اقتصادية من شركاء دوليين، مقابل إنهاء الحرب. الفرصة تكمن في استقرار شامل وتدفق الاستثمارات، أما المخاطر فتتمثل في اعتماد بعض الملفات الإستراتيجية على شركاء خارجيين.

خاتمة إستراتيجية

لقاء البرهان ومسعد بولس يختزل تلاقي ملفات الحرب، والبحر الأحمر، ومكافحة الإرهاب، والتوازنات الإقليمية، في نقطة واحدة. السودان عاد إلى دائرة الاهتمام الأميركي المباشر، وأي تسوية ستكون رهينة بالالتزام الميداني، وسيطرة الجيش على ميزان القوى، مع ربط الأمن الداخلي بالمصالح الدولية في معادلة العصا والجزرة.

الخيارات أمام الجيش تشمل التفاوض بمرونة محسوبة، والحسم العسكري لتقوية شروط التفاوض، أو صفقة إستراتيجية كبرى تضمن إنهاء الحرب ودعما اقتصاديا واسعا، مع بقاء النفوذ الأميركي والإقليمي حاضرا في أي مسار مستقبلي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here