أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. في هذا الحوار مع “أفريقيا برس”، تحدث الخبير السياسي السوداني يوسف هارون عن فشل زيارة رئيس وزراء السودان كامل إدريس إلى المملكة العربية السعودية، كما تطرق إلى إمكانية استبعاد الإسلاميين من السلطة. وأرجع هارون فشل الزيارة إلى الوعكة الصحية التي تعرض لها رئيس الوزراء أثناء وجوده في السعودية، مؤكداً أنها حالت بينه وبين تنفيذ برنامجه المقرر، حيث كان من المفترض أن يلتقي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية وعدداً من قيادات الدولة، لكنه اكتفى بلقاء وزير الخارجية الأمير فيصل بن سرحان.
إلى ذلك، أوضح هارون أن وجود الإسلاميين في السلطة بالسودان اليوم رمزي، من خلال ائتلاف يضم حركة العدل والمساواة وحزب المؤتمر الشعبي والإصلاح الآن، مؤكداً أنهم سيظلون صامدين في مواقعهم فترة أطول بحكم خبرتهم السياسية وشعبيتهم الواسعة.
زيارة رئيس الوزراء للسعودية دار حولها لغط كثيف، وبالرغم من حجم الوفد الكبير الذي صاحب الزيارة من وزراء ومسؤولين، عاد كامل إدريس إلى البلاد دون أن يسجل مقابلات مع زعماء المملكة. صحيح أنه برر العودة السريعة بسبب ظرف صحي، إلا أن البعض يرى غير ذلك.. كيف تنظر لهذا الأمر؟ وهل السعودية رفضت لقاء كامل إدريس؟
رئيس الوزراء كامل إدريس تعرض لوعكة صحية أثناء هذه الزيارة حالت دون التنفيذ الكامل لبرنامجه، والذي كان يتضمن لقاء قيادة الدولة السعودية. كان من المقرر أن يلتقي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وعدداً من القيادات، لكن بسبب ظرفه الصحي اكتفى بلقاء وزير الخارجية الأمير فيصل بن سرحان، وتم تأجيل اللقاءات إلى موعد لاحق. لا أعتقد أن السعودية ترفض لقاء رئيس الوزراء، فهي تقود مساعي لإنهاء الحرب في السودان وسبق أن رعت اتفاق جدة بين الحكومة والدعم السريع. كما أنها تدرك أن الشرعية متوفرة لدى الحكومة السودانية ممثلة في القوات المسلحة ومجلس السيادة والوزراء ومؤسسات الدولة، وقد واصلت السعودية دعمها للسودان عبر سفيرها في بورتسودان. لذلك لا تجد السعودية أي حرج في مقابلة رئيس الوزراء كامل إدريس.
انتشار كبير لحمى الضنك في السودان، سيما في ولاية الجزيرة، في وقت تنعدم فيه الأدوية.. ألا ترى أن الحكومة عاجزة عن دورها تجاه المواطن؟ وما هي رؤيتكم لوقف هذه الأوبئة؟
حمى الضنك من الأمراض القديمة الوافدة من إثيوبيا، وكانت تنتشر في الولايات الشرقية بسبب التداخل الحدودي. وبسبب النزوح الحالي جراء الحرب انتشرت في الخرطوم وولايات وسط السودان. في ظل هذه الظروف تفشى المرض بشكل واسع، ورغم جهود وزارة الصحة في مكافحته، إلا أن الأمر يتطلب دعماً حكومياً أكبر لتكثيف التدابير. يجب مخاطبة منظمة الصحة العالمية والهلال الأحمر والمنظمات الدولية لدعم السودان، مع إطلاق حملات نظافة كبرى، وإصحاح البيئة، وتصريف المياه الراكدة، وإبادة البعوض الناقل الرئيسي للمرض، إلى جانب توفير الرعاية الصحية وتأهيل المستشفيات والمراكز الصحية للحد من انتشاره.
هنالك من القوى السياسية من يريد الوقيعة بين الجيش والقوات المساندة له، بحيث تحث هذه القوى الجيش على الجلوس للمفاوضات مع مليشيا الدعم السريع، بينما ترفض القوات المساندة عملية التفاوض وترى أن الحسم العسكري ضروري وحتمي لإنهاء التمرد.. كيف تعلق؟ وما الذي يمكن أن يستفيده السياسيون إذا حدث صدام بين الجيش والقوات المساندة له؟
الذي يراهن على الخلاف بين الجيش والقوات المساندة له رهانه خاسر. فقد قاتلت هذه القوات مع الجيش لأكثر من عامين ونصف، وقدمت الشهداء، وساعدت في تحرير معظم الولايات السودانية كتفًا بكتف مع القوات المسلحة. وللحفاظ على هذه الوحدة والتماسك، أبقت القوات المسلحة على اتفاق سلام جوبا دون المساس به، كما تم تأجيل موضوع الدمج والتسريح لهذه القوات إلى ما بعد انتهاء الحرب والقضاء على هذه المليشيا. والآن هذه القوات تقاتل جنبًا إلى جنب مع الجيش في إقليم كردفان، ولا يوجد أي خلاف، بل تعمل معه بتناغم وانسجام لأن الهدف واحد والعقيدة العسكرية واحدة: حماية الأرض والعرض وصون كرامة الإنسان. لذلك فشلت كل المساعي الرامية إلى الوقيعة، حتى في بداية الحرب عندما كان الموقف الميداني للجيش ضعيفًا وكانت المليشيا تسيطر على قرابة 70% من البلاد. قيادة القوات المساندة تدرك هذه الأمور وتفوت الفرصة على المتربصين، وتغلق الباب أمام من يسعى إلى زرع الفتنة بينها وبين الجيش.
كيف تنظر إلى بيان الرباعية الذي صدر مؤخرًا؟
بيان الرباعية لا يصلح لوقف الحرب لأنه ساوى بين الجيش السوداني، الذي يمثل رمز السيادة ويدافع عن كرامة الإنسان السوداني، وبين المليشيا المتمردة. كما أنه لم يتضمن أي إدانة لانتهاكات المليشيا التي ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وحاصرت المدنيين، ومنعت دخول الإغاثات، بل دمرت شاحنات المساعدات الإنسانية. دخول دولة الإمارات في هذه الرباعية أمر غير مقبول، فهي وسيط غير محايد وطرف أصيل في هذه الحرب وتدعم المليشيا. البيان تحدث عن وقف التسليح القادم من الخارج للجيش، بينما من حق الجيش أن يحصل على السلاح من أي دولة لحماية الشعب. البيان أيضًا لم يتحدث عن خروج المليشيا من المدن أو استخدامها المدنيين دروعًا بشرية. لذلك فإن أي وقف لإطلاق النار أو هدنة لا يمكن أن يتم إلا بعد خروج قوات الدعم السريع من المدن كافة، وفك الحصار عنها. والأهم أن البيان لم ينص بوضوح على أن المليشيا لا يحق لها أي دور سياسي أو عسكري بعد انتهاء الحرب، وهذا ما يعبر عن رغبة وإرادة الشعب السوداني.
الشاهد أن دول الرباعية والغرب عمومًا يريدون إبعاد الإسلاميين عن المشهد السياسي في السودان، وقد أكد ذلك عدد من بيانات الدول، فضلًا عن إصدار عقوبات على شخصيات إسلامية وفصائل عسكرية تقاتل مع الجيش.. لماذا يريد المجتمع الدولي أو أمريكا إبعاد الإسلاميين من الحكم؟ وهل سيناريو الإطاحة بهم وارد؟
إبعاد الإسلاميين من السلطة تم بواسطة الثورة السودانية التي قادها الشعب، وقد أكدت قيادة التيار الإسلامي أكثر من مرة أنها لا تسعى إلى الوصول إلى السلطة إلا عبر انتخابات حرة ونزيهة.
ولكنهم الآن في السلطة؟
نعم، هناك تمثيل رمزي للإسلاميين في السلطة الحالية، التي تمثل ائتلافًا واسعًا. إذ تمثل حركات الكفاح المسلح 25% منه، إضافة إلى التمثيل العسكري الكبير، والشخصيات التكنوقراط والمستقلة، وكذلك ممثلي الولايات. الإسلاميون في هذه السلطة ليسوا حزب المؤتمر الوطني وحده، بل هناك إسلاميون شاركوا في الثورة ضد الحزب، مثل حزب المؤتمر الشعبي وقيادات حركة العدل والمساواة وحركة الإصلاح الآن بقيادة غازي صلاح الدين. كثير من الحركات الإسلامية لا علاقة لها بالمؤتمر الوطني. في المقابل، كثير من الإسلاميين الآن يقاتلون في صفوف مليشيا الدعم السريع. ومن بين الأدوات التي استخدمتها المليشيا منذ البداية الادعاء بأن الجيش يقوده الإسلاميون لكسب التعاطف الدولي. لكنها بنفسها أعلنت أن هدفها هو التخلص من الإسلاميين والفلول، في حين أن 90% منهم الآن ضمن صفوفها. هذه الحقيقة تكذب الشعار، وتؤكد أن هدف المليشيا هو الاستيلاء على السلطة عبر الانقلاب العسكري وممارسة النهب والقتل والانتهاكات بحق الشعب السوداني.
هل يمكن إبعاد الإسلاميين من السلطة كما حدث في ثورة ديسمبر 2019؟
الإسلاميون يملكون أوراقًا رابحة، وهم خبراء سياسة، وسيظلون لفترة أطول في الحكم.
لماذا؟
لأنهم ببساطة خبراء، ويملكون شعبية واسعة في قطاعات الشعب السوداني.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس