جيوش مسلحة تهدد الأمن في السودان

107
مسلحون ملثمون ينهبون ركاب سيارة ويتركوهم عراة بدارفور

بقلم : بدرالدين خلف الله

أفريقيا برسالسودانأثار عدم تنفيذ بنود بروتوكول الترتيبات الأمنية لدمج قوات الحركات المسلحة التي وقعت على اتفاقية جوبا في أكتوبر الماضي مع الحكومة الانتقالية مخاوف كبيرة من انفجار الأوضاع الأمنية في أي وقت. وترك استفهامات وتساؤلات عديدة حول تأخير عملية الدمج. ثمة مخاوف أمنية وسياسية باتت حاضرة من انفلات أمني جديد نظراً لوجود جيوش الحركات المسلحة على أرض الميدان دون عميات دمج أو جمع للسلاح.

بيد أن مراقبين يرجعون تأخير خطوة الدمج لتعقيدات ملف الترتيبات الأمنية لجهة أن تنفيذ الملف مرتبط بامكانيات الدعم المالي والتنسيق مشترك. ويرى متابعون إلى أن عقبة الترتيبات الأمنية تتمثل في تشظي الحركات المسلحة. وأشارت تقارير سابقة إلى أن عدد الحركات المسلحة في منطقة دارفور تبلغ 84 حركة مسلحة صغيرة وأخرى منشقة من حركات رئيسية. ومؤخرا بعد توقيع اتفاق سلام جوبا وصف السلوك العام للحركات المسلحة بعدم المنضبط في إشارة إلى احتلال بعد الحركات المسلحة أماكن سياحية في الخرطوم. موقع أفريقيا برس يلقي الضوء على أبرز الحركات المسلحة التي تنتشر جيوشها في الميدان وتمثل مثار تهديد للأوضاع في السودان.

القوات المسلحة السودانية
أنشئت في عام 1925 وشاركت وحدات منها في الحرب العالمية الثانية، ولها عقيدة قتالية تقوم على أساس الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته ووحدته الوطنية ونظام انضباط عسكري صارم وتقوم بمهام مدنية تتمثل في تقديم المساعدات أثناء الكوارث الطبيعية وحفظ الأمن في حالة الأوضاع الأمنية المضطربة. وقد خاضت معارك لمده تزيد عن 50 عاما في الحرب الأهلية في جنوب السودان من أغسطس / آب عام 1955 وحتى 2005 م والتي انتهت بتوقيع إتفاقيتي نيفاشا للسلام واتفاقية جوبا بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح مارس 2021.
وتتألف القوات المسلحة السودانية من عدة فروع كالقوات البرية، والقوات الجويّة، وقوات الدفاع الشعبي، والحرس الجمهوري، وتتلخص مهامه في حفظ الأمن والسلام في الأوضاع الأمنية المضطربة، وتقديم المساعدات أثناء وقوع الكوارث الطبيعية. كما يحتل الجيش السوداني المرتبة الخمسين بين جيوش العالم من حيث عدد أفراده؛ إذ يبلغ 109,500 ألف جندي، ويبلغ عدد جنود الاحتياط 102,500 ألف جندي، ويبلغ عدد البالغين للخدمة 20,845,416 مليون شخص، ويبدأ سن الخدمة العسكرية من 18 عاما. وتنتشر قوات الجيش السوداني في كافة مناطق السودان. وتعتبر الحركات المسلحة أن القوات المسلحة السودانية تم تشكيلها بلون واحد وتم توظيفها من قبل الأنظمة السودانية المتعاقبة لتكون اليد الضاربة في القضاء على الخصوم وفرض ديكتاتورية الحكم الواحد.

قوات الدعم السريع
تعتبر قوات الدعم السريع ثاني أكبر قوة سودانية بعد القوات المسلحة السودانية وتعود جذورها إلى مسلحي الجنجويد واستخدمت من قبل الحكومة السودانية في محاولاتها لقمع التمرد المناهض لها في إقليم دارفور منذ العام 2003. وتم تكوين قوات الدعم السريع رسمياً في مطلع العام 2010 وشكّلت حكومة البشير قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي. وجدت هذه القوات دعما مُباشرا من الرئيس السابق عمر البشير وصارت قوة موازية مكونة من 5 آلاف الى 30 الف الى أن أصبحت حوالي 40 ألف مُقاتل ومجهزة بأسلحة متطورة وانتشرت في مساحات واسعة في دارفور وفي إقليم كردفان وفي شرق السودان. حققت قوات الدعم السريع انتصارات كبيرة في بداية مسيرتها واتهمت حينها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية ، لم تقلل تلك التهم في ثقة البشير الذي يبحث عن مخرج آمن لأزمة دارفور بعد مذكرة اعتقال المحكمة الجنائية.
وكان لقوات الدعم السريع دورا ملحوظا في سقوط نظام عمر البشير، بعد انحيازها لثورة الشعب في أبريل 2019. توسعت قوات الدعم السريع وتقلد قائدها محمد حمدان دلقو منصب رئيس مجلس السيادة الانتقالي فيما أصبح شقيقه عبدالرحيم دقلو قائداً لقوات الدعم السريع، وبعد هذا التحول الكبير سرعان ماتحولت الدعم السريع لقوة مؤثرة في المشهد السوداني وقامت في الفترة الأخيرة بعمليات تجنيد واسعة شملت ولايات السودان المختلفة وأثار تجنيدها جدلاً واسعاً لاسيما تجنيدها لشباب شرق السودان من قبيلة الهدندوة والبني عامر. وفي الذكرى الثانية لفض الاعتصام في مايو 2021 وجهت لها أسر شهداء سبتمبر اتهام مباشر بفض اعتصام القيادة العامة وقتل المتظاهرين. وفي الآونة الأخيرة ارتفعت وتيرة المطالبة بدمج قواتها مع القوات المسلحة السودانية مع محاكمة جنودها الذين شاركوا في جرائم مختلفة. وأصبحت بحسب كثيرين تشكل مخاوف أمنية كبيرة لجهة أن أفرادها يقومون ببعض عمليات الاعتقال دون محاسبة من السطات السودانية العليا.

حركة العدل والمساواة
تأسست حركة العدل والمساواة، في 2001 بقيادة خليل إبراهيم، الوزير السابق في حكومة البشير وشقيق الرئيس الحالي للحركة جبريل إبراهيم. وأحدثت الحركة اختراقاً كبيراً في عام 2008 عندما دخلت قواتها إلى أم درمان، إحدى مدن العاصمة المثلثة. وشهدت الحركة انشقاقات عديدة خلال السنوات الماضية، ويعتقد أنها كانت تتلقى دعما مباشرا من بعض المجموعات المنتمية للمؤتمر الشعبي بقيادة الراحل حسن الترابي.
ووقعت حركة العدالة والمساواة على اتفاق جوبا لسلام السودان وتشارك الآن في مرحلة الانتقال السياسي بموجب بنود الاتفاق، يحق للفصائل الموقعة الحصول على ثلاثة مقاعد في مجلس السيادة، ما مجموعه خمسة وزراء في مجلس الوزراء الانتقالي وربع المقاعد في الهيئة التشريعية الانتقالية. وعلى المستوى الإقليمي، يحق للموقعين الحصول على ما بين 30و40٪ من المقاعد في المجالس التشريعية الانتقالية في ولاياتهم أو مناطقهم الأصلية. وتقلد رئيسها جبريل إبراهيم حقيبة وزارة المالية والتخطيط الاستراتيجي.
وتقول الحركة أن عديد أفرادها يفوق ال 35 ألف جندي وعضو وينتمون عرقياً إلى قبيلة الزغاوة بما فيهم رئيسهم جبريل إبراهيم. وتعتبر من الحركات القديمة في دارفور وكانت تسيطر على أجزاء واسعة من إقليم دارفور. وتعد الحركة محسوبة على التيار الاسلامي، وكان لها تصريحات في ذات الاتجاه، ويحاول رئيسها جبريل إبراهيم تحسين صورة الإسلاميين بصورة أو بأخرى.

حركة تحرير السودان فصيل عبد الواحد
لم يوقع فصيل جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، على اتفاق جوبا ورفض العديد من منابر التفاوض لحل أزمة دارفور وتمسك الرجل برؤية الحركة في حل النزاع في اقليم دارفور ويطرح حالياً مبادرة أطلق عليها الحوار السوداني الداخلي لحل أزمة السودان. ويُنظر إلى جيش تحرير السودان فصيل عبد الواحد على أنه القوة القتالية المهمة الوحيدة المتبقية داخل دارفور حيث يعتمد على دعم قبيلة الفور، وخصوصاً في مخيمات النازحين في دارفور. ووردت أنباء حكومية مؤخراً حول إمكانية انضمامه لعملية السلام في الفترة المقبلة. وفي تصريح خاص لموقع أفريقيا برس قال عبدالواحد محمد نور قائد حركة جيش تحرير السودان إنه متمسك بمبادرته لحل الأزمة في دارفور حول حوار سوداني سوداني تشارك فيه كل القوى السودانية.

الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، فصيل عبد العزيز الحلو
عندما انشقت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في 2017، أخذ عبد العزيز الحلو معظم المقاتلين معه ويتخذ من جبال النوبة بجنوب كردفان معقلاً له ويقود أكبر فصيل متمرد في منطقة جبال النوبة بإقليم كردفان. وفي مارس الماضي وقع الحلو على اتفاق إعلان مباديء مع الحكومة الانتقالية بعاصمة جنوب السودان جوبا يتعلق بعلمانية الدولة ووجد الاتفاق جدلاَ واسعاً في الساحة السياسية السودانية. ومن المتوقع أن يتوج اتفاق المباديء باتفاق رسمي ينخرط بموحبه الحلو في المشاركة في الحكومة الانتقالية.

قوات الجبهة الثورية
تضم الجبهة الثورية أربع حركات مسلحة وقعت جميعها على اتفاق جوبا لسلام السودان وهي حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، انشقت الحركة من حركة جيش تحرير السودان وانضم قائدها إلى حكومة الخرطوم وشغل كبير مساعدي الرئيس المخلوع ثم تمر مرة أخرى، وتمتلك الحركة قوات كبيرة توازي ماتملكه قوات العدل والمساواة.

حركة تحرير السودان “المجلس الانتقالي”
يقود حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي الهادي إدريس وهي من الحركات الموقعة على اتفاق السلام الأخير، وتمتلك الحركة عددا مقدراً من الجنود والعتاد العسكري.

الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، فصيل مالك عقار
تعتبر الحركة من ضمن الحركات المسلحة التي تنتشر قواتها في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان وتشكل مثار قلق للأمن والاستقرار حيث خاضت منذ يونيو 2011، معارك ضد حكومة الإنقاذ في النيل الازرق.

حركة التحرير والعدالة
هي احدى الجماعات المسلحة في دارفور، انقسمت إلى تيارين الأول يقوده رئيسها التجاني (سيسي) والثاني يتزعمه أمينها العام “ بحر إدريس أبو قردة”. وهي تحالف لعشر جماعات متمردة صغيرة شكلت التجمع الجديد في 23 فبراير 2010. في 20 مارس 2010، وقعت الحركة اتفاقية وقف اطلاق النار مع الحكومة السودانية ووافقت على اجراء محادثات يمكن أن تؤدي إلى اتفاقية سلام نهائية. وشاركت الحركة في مؤتمر الدوحة في ديسمبر 2010 ويناير 2011، وأعلنت بعدها موافقتها على الاقتراحات المقدمة لصياغة اتفاقية السلام النهائية. في 29 مارس 2011، أصدر زعماء حركة التحرير والعدالة وحركة العدل والمساواة في بيان مشترك يعلنون فيه عن مشاركتهم في مناقشات الدوحة كما شاركوا في مؤتمر الدوحة الذي عقد في فبراير 2011.
وفي يوليو 2011 وقعت حركة التحرير والمساواة اتفاقية سلام دارفور مع حكومة السودان تقلد بموجبه قائدها بحر إدريس أبو قردة منصب وزير الصحة الاتحادي إلى أن سقط نظام عمر البشير. وتنشر قوات حركة التحرير والعدالة في مختلف مناطق إقليم دارفور ولها قوات تفوق ال 4 آلاف جندي، لكنها تضائلت في الفترة الأخيرة بسبب الانقسام الذي أصابها.

انتشار الحركات المسلحة
تنتشر الحركات المسلحة السودانية في مساحات واسعة من إقليم دارفور ومناطق النيل الأزرق وإقليم كردفان وبعد توقيع اتفاقية السلام الأخيرة أصبح انتشارها في مناطق قريبة من العاصمة الخرطوم وهذا ما جعل الكثير من المراقبين يطلق تحذيراته من تهديدها للأمن والسلام في السودان.
ويقدر عدد الحركات المسلحة بأكثر من 130 ألف جندي مسلح، وتمتلك بعض الحركات المسلحة أسلحة متطورة توازي الأسلحة التي يمتلكها الجيش السوداني. ومنذ توقيع اتفاق السلام، تشهد الساحة السودانية تركيزاً واسعاً للأسلحة التي كانت منتشرة في الأقاليم، وعليه وبعد تواجد هذه القوات في مواقع غير مواقعها المعروفة سابقاً، وجد الجيش والشرطة نفسيهما في وضع حساس، إذ لا يمكنهما رفض وجود هذه القوات بشكل صريح، كما لا يمكنهما التغاضي عنها وعما تتسبب فيه وما قد يحدث في مقبل الأيام. ويتعقد الأمر بصورةٍ أكبر بالتزامن مع إعادة هيكلة الجيش، إذ ستزاحم هذه القوات الجيش، مما سيخلق حساسيةً متزايدة.

تهديد أمني
عندما وقعت الحكومة السودانية اتفاق سلام جوبا مع الحركات المتمردة المسلحة في 3 أكتوبر – تشرين الأول 2020 بهدف إنهاء عقود من الحرب في إقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، تصور المشاركون في المفاوضات والتوقيع، الإقليميون والدوليون، أن ذلك سيطوي حقبة الحروب والنزاعات التي خلفت آلاف الضحايا ونحو 3 ملايين لاجئ ونازح داخل وخارج البلاد. لم تنطوِ صفحة العنف نهائياً، فتولد عنف بين الإثنيات المختلفة، كما خلق انتقال الحركات المسلحة إلى الخرطوم موجةً أخرى من العنف الاجتماعي الممزوج بالسياسي، إزاء صمت الدولة عن اتخاذ ترتيب أولي يقضي بنزع سلاح تلك الحركات أو إعادة دمج أفرادها في الجيش.

تحذير
الصحفي والمحلل السياسي أحمد عبد الغني عبر عن مخاوفه من تعدد الجيوش في السودان وقال لموقع أفريقيا برس إن من شأن هذا التعدد الهائل من جيوش الحركات المسلحة أن يشكل خطورة كبيرة على الأوضاع الأمنية. وطالب عبدالغني بتنفيذ بنود اتفاق السلام الذي تم توقيعه بجوبا، سيما بند الترتيبات الأمنية الذي بموجبه يتم دمج جيوش الحركات المسلحة في الجيش السوداني. وأشار إلى أن دمج قوات الحركات في قوة واحدة سيشكل إضافة حقيقية للأمن والاستقرار في البلاد. وأرجع تأخير عملية الدمج لأسباب مالية وأخرى تنسيقية وتوقع أن يتم دمج قوات الحركات مع القوات المسلحة في الفترة المقبلة.
ووقعت الحكومة السودانية وقوى الكفاح المسلح في أكتوبر 2020، اتفاق جوبا للسلام وسط تأييد دولي وإقليمي واسع. و مضت ستة أشهر على توقيع اتفاق جوبا لسلام السودان، دون تنفيذ بنود الاتفاق، خاصة فيما يتعلق ببند الترتيبات الأمنية التي نص عليها االاتفاق.

8 جيوش في البلاد.. الخطر المحدق
التجنيد والرتب العسكرية المزيفة.. من يدفع الثمن؟

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here