قوى الحرية والتغيير تجدد رفضها الشراكة مع العسكر

50
قوى الحرية والتغيير تجدد رفضها الشراكة مع العسكر
قوى الحرية والتغيير تجدد رفضها الشراكة مع العسكر

أفريقيا برس – السودان. بعد مرور ثلاثة أشهر على الانقلاب العسكري في السودان، لا تزال الأزمة السياسية تتصاعد، في وقت تعاني قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم السابق) من تداعيات خروج قوى مؤثرة منها، على وقع تشكل تحالفات جديدة، ترتكز على الموقف من الوثيقة الدستورية.

وفيما يتحدث العسكريون عن إكمال تشكيل حكومة تسيير أعمال وتعديلات في الوثيقة الدستورية التي سبق وجمدوا العديد من موادها، خاصة التي تتعلق بالشراكة بين المدنيين والعسكريين، تتواصل التظاهرات المطالبة بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين.

وتستمر التظاهرات، رغم ارتفاع وتيرة القمع والاعتقالات، حيث قتل منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، 78 شخصاً أغلبهم برصاص قوات الأمن، حسب لجنة أطباء السودان المركزية، وأصيب أكثر من 2000 شخص في التظاهرات الرافضة للانقلاب، وفق إحصاءات منظمة حاضرين لعلاج مصابي الثورة السودانية.

كما قتل في النزاعات التي ارتفعت وتيرتها في دارفور عقب الانقلاب، أكثر من 300 شخص، بينما أصيب ونزح المئات، حسب التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين.

بالموازاة تتواصل تحركات بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان(يونيتامس) بخصوص المشاورات غير المباشرة مع جميع الأطراف على أمل جمعهم على طاولة حوار في نهاية المطاف.

تظاهرات ضد البعثة الأممية

والأربعاء، تظاهر المئات أمام مباني (يونيتامس) في الخرطوم، رفضا لما وصفوه بـ«التدخل الأجنبي» في البلاد و«انتهاك السيادة الوطنية» مطالبين بخروج البعثة الأممية من البلاد، لكن رئيس البعثة فولكر بيرتس، قال إنهم من أنصار حزب المؤتمر الوطني الذي ظل حكم البلاد طوال الثلاثين عاما الماضية، وأزيح من الحكم بثورة شعبية في عام 2019. وبالتزامن، اتهم مجلس السيادة الذي كونه قائد الانقلاب في نوفمبر/تشرين الثاني، سفارات وبعثات دبلوماسية – لم يسمها ـ بـ«انتهاك سيادة البلاد».

وفي وقت يسعى فيه «المجلس المركزي للحرية والتغيير» (الائتلاف الحاكم السابق) لتكوين جبهة عريضة لهزيمة الانقلاب، أعلن تجمع القوى المدنية، مساء الأربعاء، خروجه من قوى إعلان «الحرية والتغيير» ومن كافة هياكلها.

وأرجعت القوى المدنية ذلك إلى التباينات في المواقف بين تجمع القوى المدنية وقوى إعلان «الحرية والتغيير» مشيرة إلى أن خطوتها تأتي لإتاحة الفرصة لتشكُل الثوري الجديد القادم على أسس راسخة.

القيادي في المجلس المركزي لقوى «الحرية والتغيير» شهاب الدين الطيب، أقر بمعاناة التحالف من بعض المشاكل التنظيمية، مؤكدا أنه مر بتحديات أكبر من التي تحدث الآن، ورغم ذلك بقي تجمع القوى المدنية داخل الائتلاف.

وأكد لـ«القدس العربي» أن خروج تجمع القوى المدنية سيزيد من تحديات تكوين «قوى الحرية والتغيير» للجبهة العريضة التي يعتزم تشكيلها لهزيمة الانقلاب، مشددا على أنهم سيواصلون العمل والتنسيق مع جميع القوى الرافضة للانقلاب وصولا لإسقاطه.

ولفت إلى أن «قوى الحرية والتغيير» منفتحة على جميع التحالفات في الصدد، ومستعدة للتنسيق معها، مستبعدا أن يتم حل تحالف «قوى الحرية والتغيير» الذي ما زال يضم قوى ذات ثقل سياسي كبير لا يمكن تجاوزها.

وشدد على أن «قوى الحرية والتغيير» ترفض تماما دعوات تفكيكها لتكوين تحالف جديد، مبينا أنها تسعى للتنسيق مع القوى الأخرى خارج المجلس المركزي، الساعية لهزيمة الانقلاب.

وأضاف: التنسيق لا يتطلب تكوين جسم مركزي يضم كل القوى والتحالفات، ولكن يمكن أن تتحالف بشكل مرحلي حتى إسقاط الانقلاب.

جبهة ضد الانقلاب

وفيما أبدى بعض القوى تخوفه من عودة «قوى الحرية والتغيير» للشراكة مع العسكريين وفق الوثيقة الدستورية التي حكمت الفترة الانتقالية قبل الانقلاب، أكد الطيب أن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير يرفض العودة للوثيقة الدستورية والشراكة مع العسكريين، ويرى أنه لا بد من تأسيس دستور جديد لسلطة مدنية بالكامل ووثيقة تحدد دور العسكريين بشكل واضح وتعمل على تطويرها كقوات احترافية تعمل على حماية الوطن والمواطن.

وأشار إلى أن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير سيقوم بجولة في مدن السودان المختلفة في إطار بناء جبهة مقاومة الانقلاب.

وأشار إلى أنه يعمل أيضا على رؤية تفصيلية لحل الأزمة في البلاد، تقوم على دمج الرؤية التي سبق وأعلن عنها وخريطة طريق حزب الأمة، مبينا أنها شارفت على الانتهاء، وأن نقطتين فقط لا يزال التداول حولهما، هما هل يجب أن تتم مكافحة الفساد عبر لجنة إزالة التمكين، أم يتم تكوين مفوضية مكافحة فساد؟ بالإضافة للنقاش حول جدوى وجود مجلس سيادي.
مراجعات حقيقية

أستاذ العلوم السياسية، مصعب محمد علي، قال إن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، ‏لم يستفد من تجربة التحالف السابقة التي أدت إلى انقسام قوى الميثاق الوطني، لافتا إلى أنه في الطريق إلى مزيد من الانقسامات ما لم تتم مراجعات حقيقية لشكل التحالف والتنظيم فيه وتوزيع الأدوار.

وبين أن التحالف بشكله الحالي أصبح غير قادر على السيطرة على الخلافات بداخله، مشيرا إلى صعوبة تشكيل قوى الحرية والتغيير لتحالف موحد خلال الفترة المقبلة.

وتوقع انقساما آخر في الحرية والتغيير، ربما يؤدي إلى تشكيل تحالف سياسي جديد يختلف عن السابق، مرجحا أن يتكون أكثر من تحالف في الساحة السودانية بسبب التباينات واختلاف تقديرات القوى السياسية.

ولفت إلى أن خروج تجمع القوى المدنية من تحالف الحرية والتغيير يعني أن الأزمة في التحالف بلغت مراحل متقدمة، في وقت تنادي فيه القوى المكونة له بضرورة الوحدة والعمل المشترك لمناهضة الانقلاب العسكري.

والأسبوع الماضي، طالب حزب «الأمة القومي» والذي يعد من أكبر الأحزاب السودانية في المجلس المركزي للحرية والتغيير، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالتنحي، ودعا أمينه السياسي محمد مهدي الجيش لتقديم قيادات جديدة.

كما أعلن حزب «الأمة» عن خريطة طريق لحل الأزمة السودانية، الشهر الماضي، تدعو للعودة للوثيقة الدستورية، ثم العمل على إعداد دستور انتقالي يحكم ما تبقى من المرحلة الانتقالية.

ووقع المدنيون والعسكريون في السودان وثيقة دستورية، في 17 أغسطس/آب 2019، تشاركوا من خلالها حكم الفترة الانتقالية التي حددتها الوثيقة الدستورية بـ39 شهراً، على أن يتولى العسكريون رئاسة المجلس السيادي في النصف الأول من المرحلة الانتقالية وبعدهم المدنيون.

وفي الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقبل أيام من موعد تسليم العسكريين السلطة للمدنيين، قام قائد الجيش البرهان بانقلاب عسكري أطاح عبره بالشراكة واعتقل عددا من شركائه في الحكم، كما وضع بعضهم في الإقامة الجبرية.

وجمد البرهان العديد من مواد الوثيقة الدستورية، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد والتي ما زالت مستمرة حتى الآن.

وبعد أربعة أسابيع أخرج رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، من الإقامة الجبرية ووقع معه اتفاق إعلان سياسي، أعاده لمنصبه كرئيس للوزراء ولكن دون حكومته من قوى الحرية والتغيير.

وبعد ستة أسابيع من عودته، أعلن حمدوك استقالته، بعدما قوبل الاتفاق بالرفض من قبل الشارع والقوى السياسية.

واعتبرت قوى «الحرية والتغيير» وقتها الاتفاق مخالفا للوثيقة الدستورية، مؤكدة أن حمدوك جاء كمرشح من قبل الائتلاف الحاكم السابق، وأن اتفاقه مع البرهان غير شرعي.

وبرر تجمع القوى المدنية، الأربعاء، خروجه من إعلان قوى «الحرية والتغيير» إذ قال في بيان إن خطوته جاءت «بناء على تقييم أداء التحالف، واتساقا مع الدور الذي نود القيام به في هذه الفترة الصعبة من تاريخ الوطن، وهو أن نسعى وبكل طاقاتنا في العمل مع جميع قوى المقاومة المختلفة لإسقاط الانقلاب ودحره».

وأضاف: «هذه المهمة تتطلب قدراً أكبر من الاستقلالية وحرية الحركة تنطلق من موقعنا المستقل».

وتابع: «مثل إعلان تجمع القوى المدنية أساساً لتحالف قطاع واسع من مكونات المجتمع المدني العريض، حيث شمل العديد من قوى المجتمع المدني الفئوية والنسوية والشبابية والمناطقية والمطلبية، إلى جانب العديد من الشخصيات العامة العاملة والنشطة في الفضاء المدني».

فرصة كبيرة

وأكمل: «إعلان الحرية والتغيير كان فرصة كبيرة لضم طاقات المجتمع المدني مع التنظيمات السياسية والمهنية من خلال قوى إعلان الحرية والتغيير ومساهمتها الفاعلة وسط قطاعات الشعب السوداني في إسقاط النظام البائد، في تجربة شهدت التلاحم بين كافة تكوينات المجتمع السوداني المختلفة من أجل التغيير المنشود».

وزاد: «مضت تجربة قوى إعلان الحرية والتغيير بنجاحاتها وإخفاقاتها، بانتصاراتها وهزائمها حتى وصلنا لهذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الوطن، والتي تستدعي مراجعة تلك التجربة وأدواتها بتجرد وواقعية».

وأشار إلى أنها «نبهت لتجاوزات في تجربة العمل المشترك، وعن بروز تكتلات داخلية وهيمنة تسيطر على العمل داخله» موضحا أن ذلك «أدى إلى إضعاف مشاركة القوى الأخرى المناصرة والموقعة على إعلان الحرية والتغيير».

«ضعف الأداء»

ولفت إلى «ضعف أداء الحاضنة والحكومة الانتقالية في إعادة بناء وهيكلة الدولة السودانية وملفات السلام والاقتصاد وعدم شمولية التفكيك في إزالة التمكين لنظام الإنقاذ في القطاعات المختلفة ليشمل القوات النظامية والأجهزة القضائية والعدلية والمناهج التعليمية ومؤسساتها».

وأكد على أنه «ظل ينبه باستمرار للعديد من المواقف الخاطئة، منها خرق الوثيقة الدستورية المستمر بالأفعال والتنازلات للعسكريين والتعديلات الدستورية التي جاءت ضد عملية التحول الديمقراطي».

وأشار إلى ابتداع هياكل مضرة بالتحول الديمقراطي مثل تكوين مجلس شركاء الفترة الانتقالية والمحاصصة الحزبية في تشكيل الحكومة، مشيرا إلى أن جميعها تراكمت وأدت إلى اتساع الهوة بين أداء الحرية والتغيير وحكومتها وتوقعات جماهير الثوار لتحقيق الانتقال الديمقراطي.

الانقطاع عن الجماهير

وقالت القوى المدنية إن هذه المواقف والممارسات، جعلت قوى الحرية والتغيير في موقع الانقطاع بدلا عن التواصل مع الجماهير، وإن ذلك خلق حالة من التململ داخل القوى الفاعلة داخل الحرية والتغيير ودفعت بالبعض إلى المغادرة، مؤكدة أن تجمع القوى المدنية يتحمل على قدم المساواة أخطاء هذه التجربة.

وأكدت على العمل مع كافة قوى المقاومة، والقوى السياسية والمهنية والمدنية من أجل إسقاط الانقلاب وتحقيق طموحات الشعب السوداني في انتقال مدني كامل، مؤكدة على أهمية الدور القيادي والسياسي والميداني الذي تقوم به قوى المقاومة ولجانها وضرورة دعم هذا المجهود والوقوف معه.

ولفتت إلى أن تحقيق نجاح الثورة يمر عبر تكوين جبهة موسعة تضم كل القوى المناهضة للانقلاب من لجان مقاومة وقوى سياسية ومدنية ومهنيين ومثقفين وكل شرائح المجتمع السوداني الفعالة، مستفيدين من أخطاء التجربة السابقة ومنفتحين على مستقبل ينبني على الثقة والشفافية والنضال المشترك من أجل الديمقراطية.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وقبيل أيام من انقلاب قائد الجيش، أعلنت مجموعة من الحركات المسلحة والأحزاب الصغيرة، الخروج من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وقد دعمت الانقلاب لاحقا. كما غادر الحزب الشيوعي السوداني وشق من تجمع المهنيين السودانيين التحالف خلال العام الأول من الفترة الانتقالية، معلنين تبرؤهم من الشراكة بين العسكريين والمدنيين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here