بعد توقف الحرب.. ما مصير قوات درع السودان؟

3
بعد توقف الحرب.. ما مصير قوات درع السودان؟
بعد توقف الحرب.. ما مصير قوات درع السودان؟

أحمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. في حرب السودان التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل من عام 2023، برزت على الساحة تشكيلات عسكرية قاتلت إلى جانب الجيش، وأخرى إلى جانب قوات الدعم السريع. وهو الأمر الذي أثار تخوف الكثيرين من احتمالية ظهور تمرد جديد. ولعل أبرز تلك التشكيلات كانت قوات “درع السودان”، التي تمددت وفتحت مكاتب للتجنيد في عدد من ولايات السودان، وتدفّق الآلاف من السودانيين للالتحاق بها.

تهديد حقيقي

يشدّد القيادي في حزب الأمة القومي، عروة الصادق، على ضرورة ألّا يُترك مصير قوات “درع السودان” للظروف أو للمساومات قصيرة النظر. وبحسب الصادق، يجب أن يكون ذلك مسارًا حتميًا نحو إعادة بناء الدولة على أسس من السلم الأهلي، والعدالة، والمواطنة المتساوية.

ويرى الصادق أنه، في حال لم يتم دمج قوات “درع السودان”، فإن البديل سيكون الانزلاق مجددًا إلى دوامات العنف والفوضى، والتي، كما قال، إذا اشتعلت فلن يسلم منها أحد، حتى أولئك الذين يظنون أنهم قادرون على الاستفادة من حالة الفوضى لفرض أجنداتهم.

وبشأن مصير قوات “درع السودان” بقيادة أبو عاقلة كيكل بعد وقف الحرب، قال الصادق إن هذا سؤال جوهري؛ لأنه يمس أمن السودان واستقراره على المدى الطويل. وللإجابة عليه بشكل موضوعي، يشدّد الصادق على ضرورة معالجة الأمر من جذوره، عبر خطوات حاسمة تضع مصلحة الدولة فوق كل اعتبار.

ويؤكد الصادق أن أي قوة مسلحة خارج إطار الجيش الوطني تمثّل تهديدًا حقيقيًا لكيان الدولة، مهما كانت شعاراتها وأهدافها المعلنة. فالتاريخ القريب والبعيد في السودان، بحسب الصادق، يؤكد أن المليشيات، حتى حين تتحالف مؤقتًا مع السلطة المركزية، تتحول لاحقًا إلى عبء أمني وسياسي يصعب السيطرة عليه، كما حدث مع تشكيلات مماثلة سابقًا، والتي خرجت عن السيطرة وتحولت إلى قوة ابتزاز مسلّح.

لذلك، فإن الحل الجذري، بحسب عروة الصادق، يتمثل في التفكيك الفوري للإطار المليشياوي لقوات “درع السودان”، مع منح فرصة للراغبين من عناصرها في الاندماج ضمن القوات النظامية، وفق معايير مهنية صارمة، وبرامج إعادة تأهيل نفسي وعسكري. أما من لا يتم دمجهم، فيجب نزع سلاحهم، وتقديم حوافز اقتصادية واجتماعية تكفل استقرارهم، وتبعدهم عن مسارات العنف مجددًا.

ويرى الصادق أن المليشيات لا تنشأ في فراغ، بل تتغذّى على الفراغ الأمني والسياسي والاقتصادي، والصراعات الإثنية والقبلية. ويؤكّد أن قوات كيكل ليست استثناءً، بل هي نتاج مباشر للفراغ الذي صنعته الحرب الأخيرة، وما رافقها من استقطابات جهوية واصطفافات قبلية، مما يحتم أن تكون معالجة هذه القضية معالجة شاملة، عبر حوار وطني حقيقي يضع أسس عقد اجتماعي جديد ينهي التهميش، ويوزّع السلطة والثروة بعدالة، ويؤسّس لإصلاح أمني لا يترك ثغرات تسمح بقيام تشكيلات موازية للسلاح الرسمي.

ويتخوف الصادق من احتمال تمرد قوات “درع السودان” إذا لم تجد لنفسها موطئ قدم في المشهد الجديد. كما عبّر عن خشيته من احتمال تسلّل عناصر من التنظيم الإخواني إلى قيادة هذه القوات، مؤكداً أنهم قد يستغلّون حالة السيولة والانقسامات للتحكم في قراراتها، وتوظيفها كأداة لإعادة فرض مشروعهم الذي أسقطته ثورة ديسمبر المجيدة. ودعا إلى يقظة سياسية وأمنية، ووضع خطط استباقية لقطع الطريق أمام هذه السيناريوهات الكارثية.

وتوصّل عروة الصادق إلى أن “وجود مليشيا بقيادة إسلامويين سيعني تفجير الوضع من جديد، وزيادة تعقيد معادلة الأمن والاستقرار”.

ولمنع هذا الانزلاق، يشدّد الصادق على ضرورة إنهاء الحرب فورًا، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة، بدعم إقليمي ودولي، تتولّى مهمة نزع السلاح وإعادة الدمج، مع برامج تأهيل حقيقية، ومراقبة صارمة لأي تحركات مسلحة مشبوهة. كما دعا إلى فرض عقوبات حازمة على كل من يخرج عن القانون، لضمان أن تبقى الدولة هي الفاعل الوحيد في مجال استخدام القوة.

وقال الصادق لموقع “أفريقيا برس” إن استمرار وجود المليشيات يعني استمرار ثقافة الحسم عبر السلاح لا عبر السياسة، وهو ما يناقض تطلعات السودانيين لبناء دولة القانون والمؤسسات.

ويؤكد الصادق أن السودان بحاجة إلى إعادة تعريف الولاء الوطني، بحيث ينتقل من الولاءات للزعماء العسكريين والقبليين إلى الولاء للوطن والدستور والمؤسسات المدنية. ويتطلب ذلك، بحسبه، عملًا شاملًا على تفكيك خطاب الكراهية الجهوي والعرقي، وإصلاح المناهج التعليمية والإعلامية، وإقرار دستور دائم يجرّم التشكيلات المسلحة خارج مظلة الجيش الرسمي، ودعم القضاء المستقل لمحاكمة كل من تورّط في جرائم حرب، مهما كانت أسماؤهم أو ألقابهم.

تجربة كافية

شدّد الناشط السياسي جعفر خضر على ضرورة نزع سلاح المقاتلين التابعين للقوات والحركات المساندة للجيش، وتسريحهم، وإعادة دمجهم في المجتمع بالطرق العلمية المعروفة، مشيرًا إلى أن هذا ينطبق على قوات كيكل ومجموعة البراء بن مالك وغيرهم.

وأضاف جعفر لموقع “أفريقيا برس”: “كان الخيار الأفضل لقيادة الدولة والجيش هو تدريب المستنفرين تحت قيادة الجيش، دون السماح بتكوين قوات على أساس أيديولوجي أو جهوي أو قبلي، ولكن ذلك، للأسف، لم يتم”.

وقال جعفر إن أي تخوّف من تمرد بعض هذه المجموعات هو تخوّف مشروع، مشددًا على ضرورة أن تضع القيادة الاحترازات اللازمة لمنع سيناريوهات كهذه.

ويرى خضر أن تجربة مليشيا الجنجويد كانت تجربة مريرة تسببت في كل هذا القتل والدمار، منبهًا إلى أن المؤتمر الوطني في عهد البشير كوّن مليشيا الجنجويد لتحقيق مصالح تتعلق بالحفاظ على النظام لا الدولة. وأضاف أن قوات البرهان قوّت هذه المليشيا بعد إسقاط البشير في 11 أبريل 2019، مشيرًا إلى أنه بعد ذلك تم اختطاف المليشيا بواسطة دولة الإمارات لخدمة مشاريع توسعية ونهب موارد البلاد، مع توفير غطاء سياسي لها، وهو ما أدى إلى الخراب الذي نراه اليوم.

وأكد جعفر أن تجربة الدعم السريع تجربة كافية لوعظ قيادات الدولة بعدم تكرار إنشاء مليشيات أخرى، مردفًا: “من لم تعظه تجربة الدعم السريع، فليس له من واعظ”.

كيف تم تكوين قوات كيكل؟

في هذا الصدد، قال الكاتب الصحفي محمد الماحي لموقع “أفريقيا برس” إن قوات “درع السودان” تم تكوينها قبل اندلاع الحرب بفترة قصيرة، وربما كان خلف هذا التكوين – بحسب الماحي – جهات ذات صلة بالحكومة، أو بعبارة أدق: الاستخبارات، بالنظر إلى العدد والعتاد الذي بدأت به هذه القوات.

واستدرك الماحي قائلاً إنه لا بد من التطرق إلى انحياز هذه القوات إلى مليشيا الدعم السريع عند احتلال ولاية الجزيرة، وهو ما قوبل بسخط واسع في الأوساط السودانية. لكنه أشار، في الوقت ذاته، إلى ضرورة النظر إلى التمدد الكبير لتلك القوات في وسط البلاد، بالإضافة إلى العاصمة القومية ودارفور، مما جعل أعدادًا كبيرة من مقاتلي مليشيا الدعم السريع مشتتة في رقعة واسعة.

وأوضح الماحي أن هذا التشتت كان من أهم أسباب ضعف تلك المليشيا، حيث إن “تشوين” القوة يتم عبر العربات، وهو ما أفقد المليشيا إحدى أبرز ميزاتها: تنفيذ هجمات بأعداد كبيرة، وبطريقة انتحارية، وعبر نيران كثيفة.

ورجّح الماحي أن قوات “درع السودان” أو “كيكل” جاءت إلى الحرب بخطة عسكرية وضعتها الاستخبارات، وكان لها دور في إضعاف العدو، بدليل التنسيق الدقيق في تشغيل شبكة اتصالات “سوداني”، وفي الوقت ذاته سحب كل بيانات السجل المدني وبيانات أخرى مهمة تم حفظها بواسطة كيكل.

وتوصّل الماحي إلى أن “قوات كيكل جاءت من وسط السودان، وسيكون مصيرها الدمج في القوات المسلحة، ضمن سلسلة من عمليات الدمج والتسريح مع باقي القوات الأخرى”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here