تعدد اللغات يبطئ الشيخوخة ويحمي الدماغ

2
تعدد اللغات يبطئ الشيخوخة ويحمي الدماغ
تعدد اللغات يبطئ الشيخوخة ويحمي الدماغ

أفريقيا برس – السودان. في عالم شديد التسارع والتنافسية، بات الحفاظ على الصحة الذهنية من أهم عوامل النجاح المهني والشخصي، وهو ما استدعى التساؤل دائما عن كيفية تطوير قدرتنا الذهنية، خاصة مع تقدم العمر وأمراض الشيخوخة.

في هذا السياق، تكشف دراسة أوروبية ضخمة -شملت أكثر من 86 ألف شخص- عن أن التحدث بلغتين أو أكثر لا يعد مجرد مهارة تواصل وأداة للنجاح المهني، بل يتجاوز ذلك ليصبح آلية دفاع بيولوجي منخفضة التكلفة ضد تسارع الشيخوخة وانخفاض القدرات الذهنية.

تلك النتائج من شأنها أن تعيد تعريف مهارة تعدد اللغات بوصفها نوعا من “رأس المال المعرفي”، وتؤكد أن الاستثمار في اللغات قد يكون من مفاتيح النجاح الطويل الأمد.

الوقاية من التدهور المعرفي

حلّل الباحثون بيانات المشاركين في 27 دولة أوروبية، بهدف معرفة نسبة تسارع الشيخوخة، وذلك بناء على عوامل عدة، مثل الصحة ونمط الحياة. وأظهرت النتائج مؤشرات مثيرة، منها:

انخفاض الخطر: الأشخاص الذين يستخدمون لغة واحدة فقط كانوا أكثر عرضة بنحو الضعف لتجربة تسارع الشيخوخة مقارنة بغيرهم.

الحماية المضاعفة: في المقابل، كان احتمال تعرض الأفراد متعددي اللغات لتسارع الشيخوخة أقل، بما يقارب النصف في المتوسط.

تأثير الزيادة: رصد الباحثون أنه كلما زاد عدد اللغات التي يتحدث بها الشخص، كان معدل الشيخوخة أبطأ.

وشدد الباحثون على أن التأثير الوقائي لتعدد اللغات ظل قويا، حتى بعد استبعاد عوامل أخرى مثل العمر، والحالة البدنية والصحية، والظروف الاجتماعية والسياسية. بمعنى أن الفائدة التي يجنيها الدماغ من تعدد اللغات لا تعتمد على الوضع الاجتماعي أو الحالة الصحية للفرد.

فوائد منخفضة التكلفة

تؤكد الدراسة أن لهذه النتائج أهمية كبيرة على مستوى السياسات العامة، فالوقاية من تسارع الشيخوخة وتأثيراتها السلبية على القدرات الذهنية ليست متعلقة فقط بالتكاليف الباهظة للتدخلات الطبية والنفسية.

وأوضحت الدراسة أن استخدام أكثر من لغة بات واقعا في الحياة اليومية لملايين البشر، يتكون بدافع الضرورة أو المجتمع أو الفرص، وليس فقط عبر برامج تدريب مكلفة، وهو ما يمكن استخدامه كأداة فعالة ومنخفضة التكلفة لتعزيز القدرات الذهنية لأطول فترة ممكنة، وهو ما يجعله خيارا مغريا لصناع السياسات التعليمية والصحية.

استثمار طويل الأمد

يلفت الباحثون إلى أن تعدد اللغات يمر عمليا بمرحلتين: الأولى مكثفة ومرهقة ذهنيا لتعلم القواعد والمفردات وبناء أساس اللغة الجديدة، حيث تتشكل شبكات ومسارات عصبية جديدة في الدماغ. والأخرى مرحلة الاستخدام المستمر في الحياة اليومية، التي تتطلب نوعا مختلفا من الجهد العقلي، مثل الانتقال بين اللغات، وضبط المعاني، فضلا عن التفاعل مع متحدثين من خلفيات متعددة.

وأوضحوا أن هذا التداخل بين الجهد العقلي والتجربة الاجتماعية هو ما يمنح الدماغ قدرته على تطوير الكفاءة الذهنية لأطول فترة ممكنة، وأن فهم الآليات الدقيقة لكل منهما سيساعد مستقبلا في توضيح كيف يبني تعدد اللغات هذه المرونة العصبية.

تؤكد هذه الدراسة أن التشجيع على تعلّم لغات إضافية في المدارس، وحماية لغات المهاجرين والأقليات، وتوسيع الفرص لاستخدام أكثر من لغة في الحياة اليومية، قد تكون ممارسات ذات أثر يقارب أهمية الحملات التي تشجع على النشاط البدني أو الإقلاع عن التدخين.

ما يمكن استخلاصه من نتائج الدراسة أن تعدد اللغات هو استثمار ذكي في القدرات الذهنية والمرونة الإدراكية، وإستراتيجية عملية لمن يريد أن يطيل عمر نجاحه المهني والشخصي.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here