أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. لا تبدو الدكتورة سهير أحمد صلاح، رئيسة قسم العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري، متفائلة بتحسن الأوضاع في السودان. وفي حوارها مع “أفريقيا برس”، أوضحت أن ما يحدث في السودان جزء من مشروع كبير يهدف إلى تدمير البلاد، مشيرة إلى أن هذا المشروع مرتبط بـ”صفقة القرن” و”مشروع الشرق الأوسط الكبير”. وأضافت أن هذا المخطط لن يقتصر على السودان فحسب، بل سيمتد إلى دول أخرى مثل مصر والسعودية. وأكدت أنه إذا تحقق هذا المشروع، فقد تختفي دول وتظهر دول أخرى على الساحة.
كيف تنظرين إلى الجرائم التي ترتكبها قوات الدعم السريع في شرق الجزيرة؟ ولماذا يقف المجتمع الدولي متفرجًا على هذه الجرائم؟
الجرائم التي ارتُكبت في السودان عمومًا كانت مخططًا لها مسبقًا، وفي الجزيرة كانت هذه الجرائم أكثر سُفورًا وقسوة، نظرًا لأن مرتكبيها أدركوا خسارتهم لهذه الحرب. ما يحدث في السودان لا يقتصر على الميليشيات فحسب، بل يرتبط بمشروع أكبر يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بأكملها بعد تدمير العراق وسوريا واليمن وليبيا. ورغم أن جيوش هذه الدول خرجت من المعادلة، إلا أن شعوبها لا تزال صامدة.
هذا المشروع يُعد جزءًا مما يُعرف بصفقة القرن ومشروع الشرق الأوسط الكبير، ولن يقتصر على السودان فقط. وفقًا للوثائق والتقارير الصادرة عن مراكز الدراسات وأجهزة الاستخبارات، فإن دولًا أخرى قد تكون مستهدفة، من بينها مصر والمملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية ذات الثقل السكاني والمعنوي. إذا تحقق هذا المشروع، فقد تختفي دول وتظهر دول جديدة، مما يُشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار المنطقة.
ما حدث في الجزيرة من مجازر وتهجير يمثل جزءًا من خطة تهدف إلى إحلال وإبدال السكان وتغيير ديموغرافي شامل في السودان، باعتباره من أغنى دول العالم بالموارد الطبيعية، سواء كانت زراعية أو معدنية أو بترولية. إذا نجح هذا المخطط في السودان، فإن مصر ستكون الهدف التالي مباشرة.
لا يمكن النظر إلى مجزرة شرق الجزيرة وقراها المختلفة بمعزل عن هذا السياق أو عن المشروع العالمي لترويض منطقتنا، سواء في الوطن العربي أو الشرق الأوسط وأفريقيا. المجتمع الدولي، الذي يُفترض أنه يحمي الحقوق، هو جزء من أدوات هذا المخطط. منذ 1948، ماذا فعل المجتمع الدولي للفلسطينيين؟ ألم تتواطأ الأمم المتحدة؟ وماذا عن البوسنيين في التسعينيات في سربرنيتسا؟ كان الصمت الدولي واضحًا. ببساطة، لأنه مشروع واحد.
ما يحدث في السودان لا يمكن عزله عن السياق الأوسع الذي بدأ بوعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو في القرن الماضي، وتطور إلى مشاريع جديدة تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة. الأطراف الفاعلة في السودان، سواء كانت الميليشيات أو الجهات الإقليمية كالإمارات وتشاد ودول أفريقية أخرى، ليست إلا أدوات مؤقتة تُستخدم لتحقيق هذا المخطط. مثلما انتهت أدوار أحمد الجلبي في العراق وكرازاي في أفغانستان، ستنتهي أدوار هذه الفئات بمجرد انتهاء صلاحيتهم وفقًا لجدول المشروع.
طرحت “تقدم” إنشاء أماكن آمنة للمدنيين مبررة أن ذلك يوقف انتهاكات الأطراف المتحاربة. كيف تنظرين إلى هذا المقترح؟ وما الهدف منه؟
إن مقترح إنشاء أماكن آمنة للمدنيين هو جزء من خطة تسويق المشروع الكبير الذي تحدثت عنه سابقًا، وتقوم “تقدم” بترويجه، سواء بوعي أو بدون وعي، لصالح مليشيات الدعم السريع التي تعتبر الأداة الباطشة لهذا المشروع، بعد أن قبضت الثمن. هذه الفكرة تعني في جوهرها إفراغ القرى والمدن من سكانها ونقلهم إلى معسكرات مغلقة تخضع لسيطرة قوات أممية.
تجربة القوات الأممية ليست مشجعة، كما حدث في البوسنة، حيث ساهمت هذه القوات في تجويع السكان واغتصاب النساء وقتل الرجال بعد تجريدهم من السلاح. هذا السيناريو لن نسمح بتكراره في السودان. التجربة التاريخية تظهر أن المجتمع الدولي والمنظمات الأممية لم تكن يومًا ذات سلطة أخلاقية، بل أُسست على منهج منحاز يخدم مصالح القوى الكبرى.
هدف هذا المقترح هو تفريغ أخصب المناطق في السودان وإحلال سكان جدد لا ينتمون إلى هذه الأرض، ليُحكموا من قبل أصحاب المشروع الأصلي عبر وكلائهم من المليشيات. السودان، بتراثه العريق وشعوبه الأصيلة، لن يسمح بأن تتحقق هذه المخططات التي تهدف إلى تدمير حضارته ومجتمعه.
النقطة الأخيرة من سؤالك حول الأطراف المتحاربة… فلا توجد أطراف متحاربة بالمعنى المتعارف عليه، بل هناك الشعب السوداني بأكمله يقف بجانب الجيش بمكوناته، في مواجهة ميليشيات إرهابية متمردة مدعومة بزراعها السياسي ومنظومة متكاملة تضم دولاً، أجهزة مخابرات، ورجال أعمال طامعين. هذه الأطراف الخارجية تعمل على تنفيذ مشروع للاستيلاء على ثروات السودان، مستخدمة الإعلام وبيوت الخبرة وحتى المنظمات لتحقيق أهدافها. السودان يواجه الآن حربًا غير متكافئة مع قرابة 17 دولة وجهات نافذة.
أما طرح إنشاء المعسكرات فيُعد من أخطر المقترحات، لأنه يهدف إلى إخراج السودانيين من منازلهم وأراضيهم وتجميعهم في معسكرات تحت حراسة قوات دولية. هذه المعسكرات ستكون تحت سيطرة قوى غربية تتحكم في الدخول والخروج، العلاج، الطعام، والعمل. وفي الوقت نفسه، ستُمنح ممتلكات السودانيين للغرباء، سواء كانوا أفارقة أو أوروبيين.
التجارب السابقة في فلسطين والبوسنة تؤكد خطورة هذا الطرح. الفلسطينيون، بعد أن أُجبروا على الخروج من أراضيهم، استمروا في العيش في معسكرات ومخيمات لأربعة أجيال، تحت سيطرة قوى أجنبية. كيف يمكننا أن نكرر تجربة الفاعل فيها هو ذات الفاعل؟
رسالة واضحة، لن نسمح بتكرار هذا السيناريو في السودان. لن نخرج من مزارعنا، متاجرنا، مصانعنا، ومراعينا لنعيش في خيام تحت رحمة القوات الأجنبية. هذا المخطط يهدف بوضوح إلى تهجير السودانيين وإحلال سكان جدد مكانهم، في سياق مشروع استيطاني يستبيح كل شيء للسكان الجدد. علينا التصدي لهذه الخطة بكل حزم للحفاظ على كرامة السودان وسيادته.
فرض مجلس الأمن عقوبات على قيادات في الدعم السريع… هل هذه العقوبات مجدية وتساهم في وقف الحرب؟
إذا نظرنا إلى السياق العام للمشروع الكلي، فإن هذه العقوبات تبدو وكأنها خطوة تهدف فقط إلى إخراج بعض اللاعبين من المشهد لانتهاء صلاحيتهم، مع إدخال لاعبين جدد بدلاً منهم. بالتأكيد ستؤثر العقوبات على هؤلاء الأفراد بشكل شخصي، لكنها لن تُحدث تأثيرًا جوهريًا على المشروع الكلي.
المشروع يعمل بخيارات متعددة وخطط بديلة (أ، ب، ج)، مما يعني أن هذه العقوبات لن تساهم في وقف الحرب، لأن القيادات المستهدفة ليست الفاعل الحقيقي، بل هي مجرد أدوات تُستخدم لتحقيق أهداف أكبر.
كيف ستكون سياسة ترامب تجاه السودان؟
شعار ترامب “أمريكا أولاً” يعكس نهجه القائم على ابتزاز الدول الغنية في المنطقة لانتزاع الأموال والمواقف السياسية، وهو ما فعله سابقًا مع دول الخليج وأوروبا، حتى أنه دفع الأخيرة لإعادة ترتيب أوراقها لمواجهة سياساته.
من خلال قراءة مواقفه السابقة، يمكن التنبؤ بأنه سيستمر في دعم مصالح الولايات المتحدة ومصالحه التجارية. بالنظر إلى موقع السودان في هذه المعادلة، قد تكون هناك فرص لتحسين العلاقات بين السودان وروسيا خلال فترة حكمه. فترامب ربما لن يمارس نفس الضغوط والتهديدات التي شهدتها فترة الديمقراطيين السابقة، مما قد يفتح مجالًا لتطوير العلاقات دون تدخلات كبيرة. كما أن ملفات السودان قد تكون حاضرة، ولكن بدرجات مختلفة، تبعًا للأولويات التي يحددها ترامب.
اتجهت الحرب في السودان إلى منحى قبلي، حيث كل طرف يحشد من جانب القبيلة. ما تداعيات ذلك على مستقبل السودان؟
منذ البداية، اعتمدت الميليشيات على حواضن محددة، لكن الحرب لم تأخذ بعدًا قبليًا بشكل كامل. في الأساس، كانت حرب تمرد ميليشيات على الجيش وضد الشعب السوداني بأكمله، الذي لم ينضوِ تحت راية الميليشيات أو حاضنتها السياسية “تقدم”.
صحيح أن الميليشيات استفادت من النظام القبلي، حيث عملت على ترغيب وترهيب زعامات القبائل للتحشيد، لكن ذلك لا يعني أن الحرب قامت على عقيدة صراع قبلي. عند تحليل الوضع بتمعن، نجد أن المال، الترغيب، والترهيب لعبت دورًا كبيرًا، وليس صراعًا قبليًا بين قبيلة وأخرى أو بين مجموعات قبلية متناحرة.
رغم ذلك، اتجهت بعض أدبيات الميليشيات نحو استهداف قبائل معينة، مثل المساليت في دارفور، في إطار إبادة جماعية. لكن التصدي لهذه الممارسات يتم عبر الجيش السوداني القومي، الذي يمثل البلاد بأكملها، وليس عبر جيوش تابعة لقبائل بعينها. هذا التوجه القبلي، إن استمر، قد يُضعف النسيج الاجتماعي للسودان، ويؤدي إلى تعميق الانقسامات التي تُهدد مستقبل البلاد.
أما تداعيات الأحداث على مستقبل السودان، الأمم العظيمة غالبًا ما تنهض من ركام الحروب، كما حدث مع اليابان وألمانيا في القرن الماضي، ورواندا في العقود الأخيرة. السودان، بعد الانتصارات المتتالية التي تحققها القوات المسلحة والشرطة والأمن والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية بدعم الشعب السوداني ووعيه الكامل، سيكون أمام مستقبل مشرق.
ستشهد الأمة السودانية نهضة اقتصادية كبيرة، مع شراكات دولية لإعادة الإعمار في مختلف المجالات، مثل البنية التحتية، الصناعة، الزراعة (التي تمثل أولوية)، والتعدين. وسيعمل السودانيون على تأسيس نظام سياسي يعالج الإشكالات التاريخية ويحقق نظامًا فيدراليًا عادلًا للجميع، مما يعزز الحرية التي تُعد أساس النهضة الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية.
سيعود السودانيون من المنافي حاملين خبرات ومعارف اكتسبوها من معايشة شعوب أخرى، مدركين قيمة الوطن، ومتحمسين للمساهمة في بنائه. هذه الروح ستنعكس في الحفاظ على الممتلكات العامة، مثل الشوارع، المستشفيات، المدارس، والجامعات، لتجسد عشق السودانيين لأرضهم وتراثهم.
رغم المآسي والأحزان التي جلبتها هذه الحرب، إلا أنها كشفت للسودانيين مدى حبهم لبعضهم البعض، حبًا كان غالبًا ما يفتقر إلى التعبير. كما أبرزت الحرب غنى السودان، الذي أغرى الأطراف المتحاربة على أرضه لإنفاق مليارات الدولارات والتضحية بالأنفس في محاولة لاغتصاب ثرواته وأرضه.
أثبت السودانيون للعالم أنهم وجيشهم لن يسمحوا للغرباء بتدنيس أرضهم أو استعبادهم. في لحظة تاريخية، تضامنت كل قبائل السودان واصطفت خلف الجيش في وحدة وطنية تهدف إلى دحر الميليشيا الإرهابية ومن يدعمها.
أدرك شعب السودان أنه بحاجة إلى تنظيم مقاومة شعبية مستدامة، إلى جانب جيشه، ليس فقط خلال الحرب ولكن حتى بعدها، نظرًا لاستمرار استهداف البلاد ومطامع الدول الخارجية. فالحرب أوضحت أن الدفاع عن الحق وحماية السودان يتطلبان يقظة دائمة وحماية مستمرة بالسلاح والإرادة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس