أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. أصدر رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، قرارات بترقية وإحالة عدد من الضباط إلى التقاعد يُتّهمون بميولهم إلى التيار الإسلامي، وهو ما أثار تساؤلات أبرزها: لماذا هذه الإحالات والترقيات؟ وهل لهذه الخطوة أبعاد سياسية؟
وعادةً ما تكون عملية الإحالة للتقاعد والترقيات في الجيش إجراءً روتينيًا يصدره قائد الجيش كل فترة، غير أن هذه الإحالات جاءت في ظرف صعب إذ يخوض الجيش حربًا ضروسًا مع قوات الدعم السريع، كما أنها شملت رتبًا صغيرة، الأمر الذي أثار استغراب الكثيرين.
وقال المتحدث باسم الجيش، نبيل عبد الله، في بيان: إن “رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أصدر قرارات بترقية عدد من الضباط من دفعات مختلفة إلى الرتبة الأعلى وإحالة آخرين إلى التقاعد بالمعاش”.
وأوضح أن هذه الإجراءات الراتبة تأتي طبقًا لقانون القوات المسلحة واللوائح المنظمة لها.
وشملت قرارات الإحالة اللواء نصر الدين عبد الفتاح، قائد سلاح المدرعات، الذي رُقي إلى رتبة الفريق ثم أُحيل إلى التقاعد. ويتهم مراقبون نصر الدين عبد الفتاح بميوله إلى الإسلاميين، مؤكدين أنه قاد المستنفرين في سلاح المدرعات، وأبلى بلاءً حسنًا وصمد في وجه قوات الدعم السريع التي شنت هجمات كثيرة على سلاح المدرعات.
كما شملت قرارات الإحالة قائد الحرس الرئاسي السابق اللواء نادر المنصوري، وسامي الطيب قائد الفرقة 18 مشاة بالنيل الأبيض السابق، بجانب قائد متقدم سنار السابق اللواء ربيع عبد الله، الذي يشرف حاليًا على منطقة النيل الأزرق العسكرية. وشملت الإحالات أيضًا اللواء مأمون عبد الرؤوف من التوجيه المعنوي، وإبراهيم بخيت قائد منطقة جبل أولياء العسكرية، وعددًا آخر من الضباط.
ولم يكتفِ البرهان بعمليات الإحالة والترقيات، إذ قرر يوم الاثنين إجراء تغييرات في رئاسة أركان القوات المسلحة السودانية، وهي الأولى من نوعها منذ اندلاع النزاع العسكري القائم.
وقال المتحدث باسم الجيش، نبيل عبد الله، في بيان: إن “رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أصدر قرارات تم بموجبها تشكيل رئاسة هيئة أركان جديدة”.
وأبقى القرار على الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين الحسن رئيسًا لهيئة الأركان لدورة جديدة، حيث ظل يحتفظ بهذا المنصب منذ عام 2019.
وعيّن البرهان الفريق الركن مجدي إبراهيم عثمان خليل نائبًا لرئيس هيئة الأركان للإمداد، والفريق مهندس د. ركن خالد عابدين محمد أحمد الشامي نائبًا لرئيس هيئة الأركان للتدريب.
كما شملت القرارات تعيين الفريق الركن عبد الخير عبد الله ناصر درجام نائبًا لرئيس هيئة الأركان للإدارة، والفريق الركن محمد علي أحمد صبير رئيسًا لهيئة الاستخبارات العسكرية، والفريق الركن مالك الطيب خوجلي النيل نائبًا لرئيس هيئة الأركان للعمليات.
وفي سياق آخر، عيّن البرهان اللواء معتصم عباس التوم أحمد مفتشًا عامًا للقوات المسلحة بعد ترقيته إلى رتبة الفريق، كما عيّن الفريق طيار علي عجبنا جمودة محمد قائدًا للقوات الجوية، والفريق طبيب زكريا إبراهيم محمد أحمد مديرًا للإدارة العامة للخدمات الطبية، واللواء مهندس عمر سر الختم حسن نصر قائدًا لقوات الدفاع الجوي.
وأحال البرهان في قراراته الفريق الركن عباس حسن عباس الداروتي إلى التقاعد بالمعاش بعد ترقيته إلى رتبة الفريق أول، حيث كان يتولى منصب نائب رئيس أركان الجيش للإدارة. كما أُحيل إلى التقاعد نائب رئيس الأركان للتدريب عبد المحمود حماد حسين عجمي، الذي رُقي أيضًا إلى رتبة الفريق أول.
وشملت قرارات الإعفاء قائد القوات الجوية الفريق طيار ركن الطاهر محمد العوض الأمين، الذي رُقي إلى رتبة الفريق أول ثم أُحيل إلى التقاعد.
لماذا الإحالات؟
لا يرى جعفر خضر أن هناك انقلابًا من البرهان على الإسلاميين، إذ يقول لموقع “أفريقيا برس”: إن البرهان نفسه ابن الإسلاميين، ولولا رضاهم عنه – على الأقل – لما وصل إلى موقع مفتش عام الجيش قبل سقوط البشير.
وتابع: الغريب في الإحالات أنها تضمنت لواءات ولم تشمل من هم في رتبة الفريق، في حين أن الإحالات الروتينية تبدأ من قمة الهرم العسكري.
ولا يستبعد جعفر أن تكون الإحالات بسبب خلافات مع القادة أو تباين التقديرات العسكرية، واستدرك: ولكن لا أظن أن الأمر يتعلق بصراع مع الإسلاميين.
وقال جعفر: إنه لا يوجد الآن بالجيش إسلاميون أيديولوجيون يستمسكون بشعارات الحاكمية لله وتطبيق الشريعة الإسلامية، وأردف: حتى في المؤتمر الوطني لا يوجد أمثال هؤلاء.
ويرى جعفر أن الوطنيين الأبطال في الجيش قد محصّتهم الحرب وأظهرت فدائيتهم من خلال القتال؛ فمنهم من استشهد، ومنهم من جُرح، ومنهم من لا يزال يقاوم مليشيا الجنجويد الإماراتية بكل بسالة.
وقال جعفر: هنالك من التحق بالجيش بواسطة الحركة الإسلامية أو بغيرها، وكان همه الاحتفاظ بامتيازاته، منبهًا إلى أنهم الآن يتقاتلون على المخصصات المليارية في قمم الشركات، ويُبيدون الغابات ويخربون مقدرات البلاد.
طموح البرهان
قال خبير عسكري فضّل حجب هويته لموقع “أفريقيا برس”: إن الإحالات التي قام بها البرهان لبعض ضباط الجيش ليس الغرض منها التخلص من الإسلاميين، على اعتبار أن البرهان يحتاج إليهم في المستقبل، وسيتحالف معهم كقوى سياسية تقف في وجه “صمود” والقوى السياسية المناهضة للجيش.
ويرى الخبير العسكري أن البرهان يملك طموحًا شخصيًا في الحكم، ويريد أن ينفرد بالسلطة ويُبعد الإسلاميين وكل القوى السياسية، مستدركًا: ولكن هذا لن يتم الآن بل في السنوات القادمة.
وأشار إلى أن البرهان في كل مرحلة يتحالف مع قوى سياسية، إذ تحالف مع “قحت” في فترة الثورة ثم تخلّص منهم، وفي فترة الحرب الحالية تحالف مع الإسلاميين، وسيتخلّص منهم لاحقًا.
صفقة عسكرية
يرى المحلل السياسي عبد الباقي عبد المنعم، في حديثه لموقع “أفريقيا برس”، أن ذهاب البرهان إلى سويسرا ولقاءه المبعوث الأمريكي يقف وراء إحالة الضباط إلى المعاش، مشيرًا إلى أن جميع الضباط الذين تمت إحالتهم ينتمون إلى التيار الإسلامي، وهو ما تريده أمريكا.
وقال عبد الباقي: إن أمريكا اشترطت على البرهان التخلص من الإسلاميين في السودان باعتبارهم غير مرغوب فيهم لديها، مضيفًا أن واشنطن ستدعم البرهان في كل المحافل الدولية وترفع عن السودان القيود والعقوبات، وهو الأمر الذي يحتاجه البرهان.
ولا يستبعد عبد الباقي وجود صفقة عسكرية بين الجيش وأمريكا يستثمرها البرهان للتخلص من الدعم السريع والإسلاميين في حال قيامهم بأي مقاومة أو محاولة انقلابية ضده.
وتوقع عبد الباقي أن يواجه الإسلاميون هذه الإحالات برد فعل، قد يتمثل في محاولة انقلابية على البرهان أو رفع مذكرة احتجاج بواسطة واجهاتهم السياسية التي يتخفون خلفها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس