مدرسة في السودان تمنح فرصة ثانية لأشخاص حرمتهم الظروف التعلّم

18
مدرسة في السودان تمنح فرصة ثانية لأشخاص حرمتهم الظروف التعلّم
مدرسة في السودان تمنح فرصة ثانية لأشخاص حرمتهم الظروف التعلّم

أفريقيا برس – السودان. في قاعة مدرسة متداعية شرقي السودان الذي يتخبّط في الحرب منذ نحو عامَين، يكتب مدرّس، يرتدي سترة بيضاء ويعتمر عمامة، حروفاً عربية على لوح أمام رجال ونساء يجلسون على مقاعد خشبية ويتابعون الدرس باهتمام. وبصمت، تقف مؤسِّسة المدرسة آمنة محمد أحمد (63 عاماً) في إحدى زوايا القاعة، وتومئ برأسها بحركة تؤكّد من خلالها أنّ كلّ شيء يسير على ما يرام وأنّ الدرس مفهوم للحاضرين.

وقد أمضت مؤسِّسة هذه المدرسة التي تُعرَف باسم “آمنة أور”، و”أور” تعني الأسد في لغة البجا الخاصة بشرق السودان، السنوات الثلاثين الأخيرة في تغيير حياة مئات الأشخاص من خلال المدرسة التي أنشأتها في مدينة بورتسودان. فآمنة أور أطلقت مشروعها هذا في عام 1995 لمكافحة الأمية في المجتمعات المحلية. وتقول المرأة، وقد ألقت على رأسها وشاحاً برتقاليّ اللون، في حديث إلى وكالة فرانس برس: “هذا ما دفعني إلى إطلاق المشروع”، مضيفةً أنّ “الناس كانوا يريدون أن يتعلّموا، ولولا ذلك لما واصلوا الحضور إلى المدرسة”.

وتوفّر صفوف مدرسة آمنة أور الدراسية فرصة ثانية للأشخاص الذين لم يتمكّنوا من تحصيل تعليمهم، خصوصاً النساء اللواتي لم يتمكنّ من الالتحاق بالمدرسة بسبب عقبات ثقافية أو مالية أو بسبب الحروب. نسرين بابكر البالغة من العمر 39 عاماً من هؤلاء، وهي تحلم بالتعلّم منذ زمن طويل. فهي تركت المدرسة في عام 2001 بعدما تزوّجت وتفرّغت كذلك لتربية إخوتها الصغار بعد وفاة والدها. وتقول لوكالة فرانس برس: “لقد تلقّى إخوتي وأخواتي العلم، وأولادي كذلك، أمّا أنا فلا. لذلك أردت العودة إلى المدرسة، وبعد كلّ هذه السنوات، أشعر كأنّها انطلاقة جديدة لي”.

وقد تحوّلت مدرسة آمنة أور كذلك إلى ملجأ للنازحين بسبب الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف إبريل/ نيسان من عام 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي). يُذكر أنّ الحرب أودت بحياة عشرات الآلاف وشرّدت أكثر من 12 مليون شخص وأغرقت مناطق كثيرة في المجاعة.

وسط الحرب الدائرة، فرّت ماريا آدم، البالغة من العمر 28 عاماً، من منزلها إلى بورتسودان بحثاً عن الأمان. وتقول المرأة الشابة التي تركت المدرسة عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها لوكالة فرانس برس: “عندما وصلت إلى هذه المدينة، سمعت عن المدرسة وتسجّلت فيها”. تضيف: “أريد إنهاء دراستي حتى أتمكّن من مساعدة أولادي”، وتبدو مدرسة آمنة أور وسيلة لذلك.

وأدّت الحرب في السودان إلى تدمير النظام التعليمي في البلاد، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ أكثر من 90% من أطفال السودان في سنّ التعلّم البالغ عددهم 19 مليوناً غير ملتحقين بالمدرسة. وقد حُوّلت قاعات الدراسة في مختلف أنحاء البلاد إلى ملاجئ للعائلات النازحة من جحيم الحرب. لكن، قبل الحرب، كانت دراسة أجرتها منظمة “سايف ذا تشيلدرن” (أنقذوا الأطفال) في عام 2022 قد خلصت إلى أنّ السودان من بين الدول الأكثر عرضة لخطر الانهيار التعليمي.

ومع ذلك، تبقى الرغبة في التعلّم حاضرة في مدرسة آمن أور بمدينة بورتسودان. ففي زاوية إحدى القاعات، تتابع أمّ درساً مع ابنها الصغير. وترى مؤسِّسة المدرسة أنّ ما تحصّله من وراء ذلك يكمن في رؤية حياة تلاميذها تتغيّر. من جهته، يقول هاشم طاهر، أحد المدرّسين، لوكالة فرانس برس، إنّ عدداً كبيراً من التلاميذ الذين لم يسبق لهم أن تلقّوا تعليماً قبل ارتياد هذه المدرسة، أصبحوا في المرحلة الثانوية، وقد حصّل عدد منهم شهادة جامعية.

وتشدّد آمنة محمد أحمد على أنّ “رؤية شخص ما ينتقل من مرحلة جهل القراءة أو الكتابة إلى حيازة شهادة جامعية، أو العثور على وظيفة، أو إعالة أسرته، أمور تدفعني إلى الاستمرار” في هذه المهمّة. تضيف أنّ هؤلاء الأشخاص “يتحوّلون من كونهم عبئاً (على المجتمع) إلى أفراد مجتمع منتجين ومتعلّمين”.

(فرانس برس)

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here