مذبحة جديدة في السودان

2
مذبحة جديدة في السودان
مذبحة جديدة في السودان

أفريقيا برس – السودان. ليس عاجلاً، فقد ألِفنا المذابح. في صباح الأحد 27 إبريل/ نيسان الماضي، بدأت المقاطع المصوّرة تنتشر في شبكة الإنترنت؛ مجموعة من قوات الدعم السريع تطوف بأسرى نصف عراة، شوارعَ منطقة الصالحة جنوب مدينة أم درمان، يبدو الهزال والإنهاك على الأسرى، كما أن ما بقي على أجسادهم من ثيابٍ قليلةٍ هي ثياب مدنية. استعرضت المليشيا عرض الرعب هذا لتخويف المواطنين، ثمّ جمعت عدداً منهم في جانب الطريق. إحدى الفيديوهات المنشورة تظهر صوت المصوّر (ثمّ ملامحه لاحقاً) وهو يهتف بزملائه “لا تجلدهم، لا تجلدهم الآن”، وعندما يبدأ زملاؤه في إطلاق الرصاص، يحوّل الكاميرا إلى وجهه ويقول: “نحن لا نجامل، لا نجامل أيّ أحد، إما نصر أو شهادة”(!)، وهي عبارة غريبة، لا معنى لها في هذا السياق والموقف.

وثقّت هذه الفيديوهات مذبحةَ منطقة الصالحة، إذ اغتالت “الدعم السريع” نحو 31 أسيراً مدنياً، بعضهم أطفال، نهاراً في الشارع في جانب طريق الأسفلت. بعدها، ظهر أحد مستشاري قائد “الدعم السريع” في الإعلام ليتبنّى الجريمة ويقول، إن الضحايا من المقاتلين التابعين لقوات البراء بن مالك (مليشيا تابعة للحركة الإسلامية تقاتل إلى جانب الجيش). ورغم أنها لم تكن الجريمة الأولى في ملفّ “الدعم السريع”، رغم جرائمها في إقليم دارفور عندما كانت يد الجيش والحزب الحاكم الباطشة، حتى المذابح التي ارتكبتها في الحرب التي دخلت عامها الثالث، إلّا أنها من المرّات القلائل التي تضاربت فيها تصريحات المليشيا، فبعد اعتراف المستشار، أصدرت “الدعم السريع” بياناً تتبرّأ فيه من الجريمة، وادّعت أنها تابعتها بقلق، وأن من ظهروا في المقاطع المصوّرة لا يتبعون لها، لكنّ قائد القوة التي نفذّت المذبحة ظهر في فيديو مسجّل متفاخراً باسمه ولقبه ورقمه العسكري، ليؤكّد أنه هو مَن أمر بها، وبرّر ذلك مرّة أخرى بأن الضحايا بعضهم مقاتلون تابعون لمليشيا البراء بن مالك، وآخرون يتبعون مليشيا درع السودان، تسلّلوا إلى مناطق سيطرة “الدعم السريع” لتنفيذ عمليات عسكرية.

لم يحاول الرجل (ذَكر أن لقبه “الأسطورة”) أن يحبك روايته، لكنّه قالها بعنجهية في فورة فخره، إنه مستعدّ للذهاب إلى محكمة العدل الدولية ذاتها ليعرف منهم إن كان من حقّ الإسلاميين والمستنفرين مع الجيش “قتلهم”، وليس من حقّهم أن يفعلوا بهم المثل؟

جاء التبرّؤ المضطرب من الجريمة مع حملة إدانات محلّية ودولية. ونبّه المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، إلى التقارير عن عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء في ولاية الخرطوم، ووصفها بالمقلقة للغاية، مشيراً إلى مقاطع فيديو مروّعة متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما لا يقلّ عن 30 رجلاً بملابس مدنية يُعتقلون ويُعدمون على يد مسلّحين يرتدون زيَّ قوات الدعم السريع في الصالحة جنوب أم درمان. وأنه في مقطع فيديو لاحق، أقرّ قائد ميداني من قوات الدعم السريع بعمليات القتل، وأن ذلك يأتي في أعقاب تقارير صادمة أخرى في الأسابيع الماضية عن إعدام عشرات الأشخاص خارج نطاق القضاء بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع في جنوب الخرطوم، ويُزعم أن لواء البراء هو من ارتكبها. وقال تورك: “إن قتل مدني أو أي شخص لم يعد يشارك مباشرةً في الأعمال العدائية عمداً يُعد جريمة حرب”.

لم تكن هذه الجريمة الأولى التي ترتكبها “الدعم السريع”، ولن تكون الأخيرة، وارتكب (وسيرتكب) كلّ حَمَلة السلاح الجرائم ذاتها بتهم مشابهة وأسباب مختلفة، يقول تورك: “لقد نبهتُ شخصياً كلاً من قادة قوات الدعم السريع والقوات المسلّحة السودانية للتداعيات الكارثية لهذه الحرب على حقوق الإنسان، هذه التداعيات الوخيمة أصبحت هي الواقع اليومي الذي يعيشه ملايين السودانيين، لقد حان الوقت (بل تأخّر كثيراً) لوقف هذا الصراع”.

ما يتسرّب من تفاهمات وضغوطات وترتيبات تجري لمرحلة تجميد الحرب بحكومتَين، واحدة للجيش وحلفائه، وواحدة لقوات الدعم السريع وحلفائها، لا يحمل مؤشّرات للنجاح. وهو أمر، حتى لو نجح، فلن يكون حلّاً، ولن ينقذ عشرات الأرواح من أن تقتل كل يوم في قارعة الطريق أمام خوف المتفرّجين أو هتافاتهم. لذلك، ستظلّ الصالحة، كما ود النورة والجنينة وسوق كبكابية، وغيرها، مذابح متكرّرة، ويغذّي بعضها بعضاً. وعندما يأت اليوم الذي تقف فيه هذه الحرب، سيسألنا كل هؤلاء الضحايا “هل كان لا بدّ أن نُقتَل؟”.

المصدر: العربي الجديد

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here