مستشار رئيس الوزراء الأسبق أمجد فريد في حوار مع “أفريقيا برس” (1/2)

123
مستشار رئيس الوزراء الأسبق أمجد فريد في حوار مع
مستشار رئيس الوزراء الأسبق أمجد فريد في حوار مع "أفريقيا برس"

حوار أحمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. حذّر مستشار رئيس الوزراء الأسبق أمجد فريد من حدوث صدام بين الجيش والدعم السريع، ويقول إن احتمالية الصدام واردة، مشددا على ضرورة إنهاء مسألة تعدد الجيوش وإجراء إصلاحات داخل المؤسسة العسكرية والأمنية. وفي حوار مطول مع “أفريقيا برس” قال فريد إن الدعم السريع يحال على الدوام أن يكون مستقلا عن الجيش في تحركاته وفي مسألة الجنود وتدريبهم وتسليحهم، مؤكدا أن الدعم السريع والجيش ليست جيوش مهنية وكلاهما لهم مصالح اقتصادية يتنافسون حولها ، مستشهدا بقيادتهم للانقلاب في 25 أكتوبر.

في سياق آخر، يقول أمجد، هنالك جهات داخل المجتمع الدولي تفضل حالة الاستقرار في السودان على قيام عملية التحول الديمقراطي، وتحاول التعامل مع حكومة البرهان من اجل مصالحها، مؤكدا إن هذا لايعني إستمرار الانقلاب، فالشعب السوداني يرى أمجد لديه مشكلة مع الانقلاب وإنه لن يوقف التظاهرات وسيخرج الشباب بين الفينة والأخرى لتحقيق أهدافهم  مؤكدا إن التعامل مع أمريكا والمجتمع الدولي لن يخدم مصالح السودان وان البرهان يتعامل معهم بسياسة “اليوم” و”اليومين” وذلك حتى يستمر في الحكم.

تباينت الآراء واختلفت التحليلات، بشأن زيارة البرهان لأمريكا، وفيما وصف البعض زيارة الفريق البرهان إلى اميركا للمشاركة في جمعية الأمم المتحدة بالمهمة، اعتبر البعض الزيارة بداية لكسر العزلة الدولية.. كيف تنظرون أنتم لهذه الزيارة؟

زيارة البرهان لنيويورك للمشاركة في الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة هي زيارة روتينية.. أي دولة عضو في الأمم المتحدة هي من تحدد من يمثلها ليلقي الخطاب عن تلك الدولة، ولا نرى في ذلك دلالة فارغة أو غير طبيعية على مسار الأمور، واقع الحال أن البرهان بعد انقلاب 25 أكتوبر فرض نفسه بقوة الأمر الواقع كرأس للدولة، واختار أن يسير بذلك، لكن السودان حتى الآن عضويته مجمدة في الاتحاد الإفريقي، وحتى الآن العالم كله يتحدث عن ضرورة عودة الانتقال إلى قيادة مدنية في السودان وانتقال مدني وديموقراطي، لذلك أنا لا أرى في هذه الزيارة أي شيء جديد أو خطوة مغايرة تدل على انفتاح دبلوماسي أو ما شابه ذلك.. كاسترو كان يحضر.. الرئيس الإيراني الآن داخل في مشاكل مع العالم كله ولكنه حاضر في الجمعية العامة للأمم المتحدة.. تركيا حاضرة.. ليست هناك دلالة فارغة للتسويق، وهو مجرد بروباغاندا يقوم بها إعلام الانقلاب.

لكن البعض نظر للزيارة بمثابة اعتراف للمجتمع الدولي بحكومة العسكر؟

السؤال فيه شقين.. المجتمع الدولي حتى الآن يتحدث عن مبادرات لعودة الحكم المدني الديمقراطي، وأمور ممثالة، وللأمانة هناك تغييرات قد حدثت على ما يبدو في مواقف المجتمع الدولي تجاه السودان، وهذه التغييرات متعلقة بتخوفات الدول الغربية بالتحديد على مصالحها في البلد، فهي تتعامل مع حكومة الأمر الواقع.. ما يبدو مؤخرا بشكل متزايد أن المجتمع الدولي وخصوصا سفراءه في السودان مصابين بحالة أشبه بـ “متلازمة ستوكهولم”، أي حالة التعاطي مع الأمر الواقع، والتعاطي مع المجرم كأن له شكل طبيعي، فيبدو أن هناك جهات داخل المجتمع الدولي ومراكز القوى داخل المجتمع الدولي تطلب تقديم حالة الاستقرار على الديموقراطية أو تضع حالة الاستقرار مقابل الديمقراطية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه .. هل حكومة البرهان وحكومة سلطة الانقلاب قادرة على خلق استقرار في السودان؟ وأتصور أن الإجابة “لا”.. منذ الانقلاب كان لدينا 120 شهيد سقطوا برصاص الانقلابيين، والمقاومة مستمرة منذ يوم 25 أكتوبر ضد الانقلاب، وهناك زيادة في حالة العنف القبلي والأهلي في أطراف السودان في دارفور وفي النيل الأزرق ومناطق أخرى، وهناك انهيار اقتصادي واجتماعي متزايد.. ولذلك أتصور أن المجتمع الدولي يخدع نفسه بأن يتصور أن حكومة الانقلاب الحالية يمكن أن توفر استقراراً، والأكثر من ذلك هناك تزايد في التوتر بين أطراف الانقلاب نفسهم، بين قوات الدعم السريع من جهة والجيش من جهة أخرى، وهذا يدل على أن استمرار الانقلاب يتضمن مخاطر، وستكون عواقبه أكبر على السودان وعلى المنطقة وعلى العالم فيما بعد، من إنهاء الانقلاب والرجوع إلى مربع التحول المدني الديمقراطي بقيادة مدنية بشكل حقيقي.

ذكرت أن المجتمع الدولي ماض في اتجاه يفضل الاستقرار على عملية التحول الديموقراطي؟

بعض المراكز في المجتمع الدولي.

يمكن أن تسمي لي هذه المراكز؟ ولماذا هؤلاء أداروا ظهرهم عن التحول الديمقراطي وماضين في اتجاه الاستقرار.. ما هو المغزى؟

كما قلت لكم هناك بعض المراكز داخل المجتمع الدولي والإقليم أصلا من البداية هي كانت تفضل السيطرة العسكرية على مقاليد الأمور في السودان، هذا الانقلاب فيه أيادي خارجية لا يمكن أن لا يبصرها إلا أعمى، سواء كانت مراكز خارجية عالمية مثل روسيا، التي هي عملت بشكل متحد، واتحدت منذ إسقاط البشير في فرض سيطرة العسكريين واستعادة نفوذ العسكريين على الحكم في السودان، وهناك دول أخرى أيضاً هي تتوتر من حدوث تحول مدني ديمقراطي حقيقي في السودان، وعلى رأسها طبعا مصر والتي أيضاً كانت بصمات أصابعها ظاهرة على الانقلاب وعلى دعمه، وهناك دول أخرى في الخليج ممكن تكون الإمارات وإلى حد أقل السعودية أيضاً كانت غير مرتاحة لاستمرار التحول الديمقراطي بشكله السابق في السودان.. فكل هذه الدول التي هي لديها ارتباطات إقليمية وعالمية.. تفضل السيطرة العسكرية على مقاليد الحكم في السودان، بالنسبة للغرب أنا أتصور أن هناك تزايد الوجود الروسي في منطقة غرب اأفريقيا ومنطقة الساحل، وهذا لديه صلة مباشرة مع التواجد الروسي في السودان، سواء عبر تحالفاته مع الدعم السريع أو مع الجيش السوداني.. والحديث عن القاعدة الروسية على البحر الأحمر.. هذا جعلهم يفضلون أن يستخدموا أسلوب أقل حدة في التعامل مع الانقلاب في السودان.. لكن كما قلت لك هذا هو منهج خاطئ حقيقةً، هو منهج استغلالي أكثر من أن ينظر إلى مصلحة الشعب السوداني، وأتصور أنه لا يعنينا في شيء، لا يمكن لحكومة الانقلاب وسلطة الانقلاب أن تكون تناقضاتها الداخلية تؤدي إلى استقرار في السودان، أو أن تساهم في الاستقرار في المنطقة، أو في أي أمر إيجابي، الدليل على ذلك أن المشكلة الأكثر خطورة حالياً في السودان هي مشكلة تعدد الجيوش وتعدد مراكز القوة العسكرية بين الجيش والدعم السريع، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية على المدى القريب والمتوسط والبعيد.

على ذكر تعدد الجيوش.. بعض القوى السياسية أشارت وحذرت من تصادم سيما بين الدعم السريع والجيش.. ما مدى إمكانية حدوث ذلك؟ هل ممكن أن تكون هناك صدامات خاصة وأنهم على رأس السلطة؟

أنا اتصور أن هذا الاحتمال كان قائما على الدوام، لا يمكن أن يكون عندك جيشين فيهما مئات الآلاف من المقاتلين، وبعضهم جهة هي غير رسمية أو غير تابعة لقيادة موحدة بالجيش، ومن ثم دخلت الجيوش تحت الحركات، والتي هي عقدت الموقف أكثر بوجودها بغض النظر عن الأرقام وعددها، وبعد ذلك هم الذين قاموا بالانقلاب، وتحول البلد إلى حالة فوضى، هذا الانقلاب خلقيا لديه مئة رأس، والدعم السريع كانت على الدوام تحاول أن تلقى استقلالية أكثر، إن كان في تسليحها أو تمويلها أو تجنيدها أو كل هذه الأمور عن الجيش السوداني، والشاهد الثاني أن الجيشين – سواء كان الجيش السوداني أو الدعم السريع- كلاهما عندهم مصالحهم الاقتصادية وأمورهم الأخرى، وهم ليسوا عبارة عن جيوش مهنية مركزة في أمورها، وفي حالة وضع الانقلابي الذي نعيشه إن آثار النفوذ السياسي قائمة، وهو انقلاب عسكري.. فالنفود السياسي مرتبط بالقوة العسكرية، وأتصور أنه في الفترة التي مضت رأينا الكثير من التصريحات والتوتر المتزايد بين قيادة الجيش وبين قيادة الدعم السريع، فالاحتمال الكارثي في التصادم بينهم هو احتمال موجود، وما يلعب عليه أكثر هو وجود الإسلاميين داخل المؤسستين وداخل مؤسسات النظام الدولة، الإسلاميين هم منسوبين إلى المؤتمر الوطني، خصوصا بعد سقوطهم في أبريل 2019 هم يتعاملوا مع السودان كله كفرصة للانتقام، والدلالة هم يريدون الحرب في البلد وأن يتدمر البلد وأن يحصل ما يحصل، هم يعملون على زيادة الوقيعة وزيادة حدة الاستقطاب بين الدعم السريع وبين الجيش، وهذا السيناريو بكل احتمالياته هو سيناريو كارثي على البلد.

وكيف يمكن أن نفتادى هذا السناريو؟

هنا عندنا نقطتين؛ أنه لا يمكن الخروج من هذه المخاطر بدون وجود عملية واضحة لدمج القوات العسكرية الرسمية الموجودة في السودان تحت قيادة واحدة، المفروض أن يكون هناك جهاز واحد وهو جزء من أجهزة الدولة ويخضع للقيادة السياسية للدولة، ويضم كل القوى السياسية العسكرية في السودان، لا يمكن السماح لتعدد الجيوش والقوى العسكرية في البلد، لا يمكن الوصول إلى حل سياسي في ظل هذا الأمر.. هذا أولا.. ثانياً؛ أن المعسكر الانقلابي في العملية السياسية هو كله معسكر واحد، خاطىء أي افتراض أن جزءاً من الانقلاب أو جزءاً من اللاعبين الذين قاموا بالانقلاب هم أقرب إلى معسكر الثورة أو المعسكر الديمقراطي..

هؤلاء كلهم واحد، وكلهم عملوا الانقلاب مع بعضهم البعض، الخلافات بينهم ليست متعلقة بالمدنيين وليست متعلقة بالتحول المدني الديمقراطي، بل هي خلافات ذاتية بين بعضهم البعض.. “من يشتري سلاح أكثر ومن يجند أكثر”.. لكن موقفهم من الثورة ومن التحول الديمقراطي هو واحد، والدلالة أنهم قاموا بالانقلاب مع الآخر.

حميدتي صرح في آخر تصريح وقال إنه يعتزم تسليم السلطة إلى المدنيين.. هل يلعب لمصالح الدعم السريع -في نظرك- أم فعلا سيسلم السلطة إلى المدنيين؟

كما قلت لكم هذه حركات مكاتب، وليست حقيقية، البرهان أيضاً صرح حينها أنه يخرج الجيش من السلطة والسياسة، وحميدتي صرح.. لكن أتصور أن تصريحاتهم حول العملية السياسية هذه أنهم يستخدموا هذه المواقف كأداة ضغط تجاه البعض، ويزعمون إنهم سيسلموا السلطة للمدنيين.. أنت عملت الانقلاب وهؤلاء هم المدنيين إذاً تعال وسلمهم السلطة! هذا الحديث ليس حديثهم، هذا الكلام يقولونه منذ يوليو 2022، له ثلاثة أشهر، أرى إنها حركات مكاتب يستخدمونها كقروض ضغط في صراعهم الداخلي، صراعهم الداخلي بينهم وخلافاتهم الداخلية داخل المعسكر الانقلابي ليست متعلقة بهذا الأمر وبالتحول الديمقراطي وبتسليم السلطة إلى المدنيين.. بل متعلقة بالنفوذ العسكري وبالاستقلال العسكري لكل واحد منهم، أعتقد أن علينا ألا نقع في هذا الفخ، التحول الديمقراطي يجب وكما قلت أن يبدأ بخطة واضحة لعملية الإصلاح العسكري ودمج القوات العسكرية تحت قيادة موحدة، لتفهم أنها جزء من الدولة وليست فوق أجهزة الدولة، وليست جزءاً منفصلا يحدد أن يزيل السلطة من هذا ويسلمها لذاك، العسكر ليسوا وصيين بأي حال من الأحوال على العملية السياسية في السودان، ولا على الدولة السودانية.

ذكرت نقطة تبدو مهمة، فيما يتعلق بالوقيعة بين الجيش والدعم السريع، لا سيما أنك ذكرت معسكر الإسلاميين.. ما هي وضعية الإسلاميين ومحاولتهم في الوقيعة.. ولأي معسكر هم منحازين؟ هل هم أقرب إلى الجيش أم الدعم السريع؟

أنا أتصور أن الإسلاميين هم أقرب إلى الانقلاب، منذ 25 أكتوبر حتى الآن شاهدنا عودة سيطرة منسوبي المؤتمر الوطني بشكل متزايد على الجهاز الاداري وأجهزة الحكومة في السودان، سواء كان في القضاء أو في البوليس أو في وزارة الخارجية، وبالتحديد في وزارة الخارجية رأينا منذ يناير 2022 تم إرجاع أكثر من 102 دبلوماسي وكادر إداري إلى وزارة الخارجية، كان تم التخلص منهم خلال فترة حكومات الثورة، لكن هذا انعكس على السياسة الخارجية بشأن الدولة، وفي شأن المواجهة، وخاصة تصريحات البرهان وتهديداته بالجلسة الدولية، ورأينا الاتجاه المتزايد لديه تجاه روسيا، ورأينا فعلا عودة دبلوماسية المؤتمر الوطني للسيطرة على السياسة الخارجية في السودان، في البوليس مؤخرا تمت إعادة تشكيل الشرطة المجتمعية التي كانت تنفذ قانون النظام العام، الذي هو ممكن أن يكون الكارثة، وقد تكون الحاجة الأصغر التي عملها النظام بشأن المؤتمر الوطني، في القضاء رأينا القرارات المتتابعة والمتتالية بإرجاع الموظفين الذين فصلتهم لجنة التمكين أو إرجاع ممتلكات الإسلاميين وفك الحظر عن حساباتهم البنكية.. هذا كله يظهر أن الإسلاميين هم المستفيد الأول إذا لم يكونوا المحرك الأول لانقلاب 25 أكتوبر. حاليا أنا أتصور أنهم سلكوا هذا الطريق وسلكوا هذا المربع من الانقلاب، للتخلص من القوة الديمقراطية المناوئة لهم، وكذلك لمحاولة السيطرة على مقاليد الأمور، في وضع الانقلاب العسكري هذا كما قلت لكم يكون المحدد الأساسي للسلطة السياسية هي القوى العسكرية.. فبالتالي الإسلاميين سيحاولون السيطرة على الدعم السريع أو على قيادة الجيش السوداني، في إطار أن القوى العسكرية هذه هي التي تحدد لك قوتك السياسية، لأن الوضع ليس بديمقراطي وليس مدنيا.. بل هي حكومة انقلاب عسكري، كما أنهم يلعبون على التناقضات بين الدعم السريع والجيش، وأتصور أنهم يسعون لإشعاله في الجهتين.

نعود إلى زيارة البرهان.. كان هناك تصريح منسوب للعميد الطاهر أبوهاجة مستشار البرهان حيث قال بعد مشاركة البرهان في الجمعية العامة للأمم المتحدة قال إنه ستنطوي صفحة ماضية في علاقتنا مع الغرب ومع الولايات المتحدة على وجه الخصوص، وقال؛ سيكون هناك احترام متبادل ومصالح مشتركة.. ما هو تعليقك على هذا الحديث؟

أول شيء أن البرهان ذهب إلى الأمم المتحدة وليس الولايات المتحدة.. في نيويورك هو يلتقي بمسؤولي الأمم المتحدة وليس مسؤولي الولايات المتحدة.. ثم أنك بهذا لن تحل مشكلتك مع شعبك، الغرب والعالم كله ممكن أن يتعامل معك، ولكن ماذا تفعل للشباب المقاوم الذين يخرجون كل ثلاثة أيام بوجهك؟ لو تصالحت عشرة مرات مع الغرب.. دعك عن هذا..

ماذا ستفعل مع الاتحاد الإفريقي الذي جمّد عضويتك؟ سوف لن تقول للاتحاد الإفريقي إنك جددت عضوية السودان، العلاقات الدبلوماسية هذه هينة وسهلة، لكن أنت عندك مشكلة أساسية سوف تستمر، وتفرض عليك المشاكل، المشكلة أنك عملت انقلاب في 25 أكتوبر 2021.. تم إيقاف مساعدات تنموية كبيرة جدا جدا تقدر بأربع مليارات دولار، تم إيقاف عملية الإعفاء من الديون للسودان، نفس الأميركان الذين تعيد علاقاتك معهم كان لديهم 700 مليون دولار دعم تنموي أوقفوه، وسوف لن يرجعوا لك هذه الأمور، إذاً أن المشكلة التي أدت إلى هذه الحكاية يجب أن تقوم بحلها، هذا ما يعني الشعب السوداني، لكن أن تستعيد العلاقات معهم لكي ترجع حكمك وتحمي نظام حكمك وتحمي السلطة الانقلابية هذا يعنيك أنت. لكن الأميركان سوف لن يتماشوا معك أكثر من هذا، سوف يتماشون معك بقدر ما هم سيستفيدون منك، الشاهد الثاني أن العالم ليس راض عنك، أنت سوف لن تقدر اللعب على كل الحبال، وسوف لن تستطيع اللعب على حبل أنك تكون منصة لروسيا في الساحل في مالي وفي تشاد وفي أفريقيا الوسطى وفي ليبيا وفي كل المناطق هذه.. وفي نفس الوقت تكون لك علاقات مع الولايات المتحدة والغرب، هذه السياسة الخارجية هي برأيي سياسة اليوم باليوم، وليس مرتبطة كما قلت بالمصلحة للشعب السوداني ولا بالمصلحة السودانية العليا، بل مرتبطة بالحفاظ على مقاعد الحكم والسلطة، وأنا أرى أن هذا الأمر غير مفيد للشعب السوداني ولا يعني الشعب السوداني في شيء، الشعب السوداني لديه مشكلة معك منذ 25 أكتوبر، ومشكلة معك أيضا متعلقة بانقلابك في 25 أكتوبر. الامريكان ممكن أن يعملوا معك علاقات كي يستفيدوا منك كوكيل في المنطقة بما يخدم مصالحهم، لكن هذا لن يخدم مصالح الشعب السوداني، وأنت طوال الوقت هذا سوف تبقى مديوناً لأنهم سوف يكونون ماسكين عصا الابتزاز لـ25 أكتوبر، وما حدث بعد 11 أبريل نقطة مهمة أن السودان استعاد استقلاليته في السياسة الخارجية من الارتهان، لأن حكومة المؤتمر الوطني رئيسها مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية ولديه مشاكل مع العالم، وتمارس السياسة الخارجية من موضع اليد الدنيا، لأن السودان باتت دولة تطمح لتحول مدني ديمقراطي حقيقي وأن تمارس سياستها الخارجية بما يخدم مصالحها ومصالح شعبها في ظل كل التعقيدات الموروثة من زمن البشير، المشاركة في حرب اليمن، الوجود في قائمة الدول الراعية للإرهاب، كل هذه كانت مشاكل كان المأمول أن يتم حلها تدريجيا، كي نستعد استقلاليتنا الكاملة حتى نتعامل مع العالم كدولة حرة ونزيهة وتقدر التعامل مع باقي العالم في إطار شراكات ودية ومتساوية، لا في إطار استعادة العلاقات وإصلاح ما أدري أي شيء والانفتاح.. ليس كذلك، أنت يجب أن تتعامل مع العالم ككل وليس كجزء.

انفضت الشراكة بين قوى الحرية والتغيير”قحت” والعسكر نتيجة لانقلاب البرهان.. الآن يدور حديث في الساحة عن تسوية وشراكة جديدة بين “قحت” والعسكر ، ماتعليقك؟

الشراكة من أجل تقاسم السلطة هذه لا يمكن على الإطلاق أن تشكل مدخلاً لحل جديد بعد 2021، الشراكة تلك كانت جملة شائهة، لأنها افترضت أنها تعاملت مع السلطة في السودان وقوات الفترة الانتقالية أن يتم تقسيم الشراكة بين هنا وهنا بين أطراف وشركاء، لكن في حقيقة الأمر كان ينبغي أن يتم التعامل مع الحكومة كجهاز واحد يحتاج إلى إصلاح من أجل أن يعمل بشكل متناسق لتنفيذ سياسات الإصلاح.. هذه هي فكرة الانتقال، هذه الحالة ساهم فيها العسكر والحرية والتغيير والجهاز التنفيذي لرئيس الوزراء.. كل هؤلاء كان لديهم أخطاء، ونتيجة تراكم الأخطاء هذا أدى بنا إلى انقلاب 25 أكتوبر، أنا أعتقد أنه لا مكان لشراكة ثانية، ما نحتاجه هو علاقة صحية متوازنة بين أجهزة الدولة، كأجهزة دولة بدون وجود سياسي أو نفوذ سياسي، سواء من العسكر أو الأحزاب عليها، لإنجاز مهام الانتقال، هذا هو ما نحتاجه في الفترة القادمة، نحن بحاجة إلى حكومة قادرة على أداء مهامها، فهي عندها مهام واضحة وتعمل لإصلاحات واضحة، سواء كان في الجهاز العسكري أو في الخدمة المدنية أو النظام البنكي وغيرها وغيرها، وهذه هي مهمة الانتقال الحقيقي، لكي نستطيع أن نصل إلى الديمقراطية التي يستطيع فيها كل مواطن سوداني أن يشارك في صناعة القرار السياسي ويعبر عن رأيه بدون أن تكون هناك تأثيرات عليه، سواء كانت تأثيرات إثنية أو اقتصادية أو غيرها أو غيرها، فهذا كله يتضمن أن ننبذ بالدرجة الأولى مفهوم الشراكة هذه، فالشاغلين في هذه الدولة هم موظفو الدولة، الرجل القائد العام للجيش السوداني هو موظف بالدولة السودانية وليس وصياً على السودانيين، يأخذ راتبه من الشعب السوداني، لكي يقدم خدمات للشعب السوداني، متعلقة بجهاز الدولة، والمفروض أن يقدم هذا الجهاز الأمن والحفاظ على الحدود وحماية الدستور، وهو شأنه شأن الطبيب الشاغل في وزارة الصحة الذي يذهب صباحاً إلى المستشفى لكي يعالج الناس، ويأخذ راتباً لأجل ذلك، لازم نصل إلى القناعة أن يكون جهاز الدولة واحداً، ليست هناك حاجة ليتم تقسيمه بين شركاء. الاتفاق على ذلك هو أساسي لأنه يدخلنا للأسئلة الحقيقية التي تزايدت وتفاقمت خلال فترة الانتقال السابقة، وأدت لحدوث الانقلاب. العسكر في الفترة الانتقالية ليس لديهم دور غير دورهم الطبيعي، المفروض أن يعملوا دورهم الطبيعي في جهاز الدولة، وهي أمور مهمة، دوره كدور وزارة الصناعة المفروض أن ترعى المصانع في السودان وتعمل على تطويرها، كل مكان في الدولة يجب أن يشتغل شغله وتخصصه، الأجهزة أو الأحزاب السياسية المفروض أن تكون معنية أيضاً بأن تقوم هي بوضع الخطط والملامح العامة لوجود نظام سياسي يسمح بالرقابة والمحاسبة، على هذه الحكومة ألا يكون بها فساد وسوء إدارة وغيرها، وكان المأمول أن يكون دور المجلس التشريعي الذي تعطل تكوينه خلال الفترة التي فاتت، فمفهوم الشراكة هو مفهوم خاطىء بالأساس.

بالطبع كل ما ذكرته صحيح ويصب في عملية التحول الديموقراطي كون أن هناك تفاصيل لشكل الدولة وأن اي جهة يجب أن تقوم بأدوارها، العسكر والسياسيون، لكن هذا الحديث بالنسبة لنا كمراقبين نراه بعيداً.. نرى أن قوى الحرية والتغيير تهرول نحو شراكة جديدة مع العسكر، وان العسكر ايضا لايهمه سوى الحكم .. السؤال .. هل سوف تحدث شراكة في مقتبل الأيام؟

أنا لا أتكهن كي أقول سوف تحدث شراكة ام لا، لكن رأيي أن قوى الحرية والتغيير نفسها هي موحدة باتجاه رؤيتها للحل السياسي، ثانياً لا أعتقد أن قوى الحرية والتغيير هي اللاعب الأساسي الوحيد في العملية السياسية حالياً، هي في فترة ليست ببعيدة قبل ثلاثة أو أربعة أشهر كانت اللاعب الأساسي.. لكن أنا أتصور أن عدو وضوح رؤيتها تجاه الحل السياسي جعلها ألا تكون اللاعب الأساسي، وأتصور أن أغلب القوى السياسية داخل الحرية والتغيير هي واعية تماما، لأنه لا يمكن إعاده نموذج الشراكة السابق بأي حال من الأحوال. هناك طريقتان للتعامل مع الوضع الانقلابي الحالي، إما بإسقاطه بالعمل الجماهيري المباشر، وهذا يتطلب وحدة قوى الثورة ويتطلب حد أدنى من القدرة على التنسيق والاتفاق بين قوى الثورة على التعامل مع وضع الانقلاب، وأنا أرى ذلك في ظل الاستقطاب الحالي من الصعب جداً جداً إنجازه، وإن كان هو الأفضل؛ أو الوصول إلى حل سياسي يتضمن الشراكة هذه، لا أعتقد أن يكون مدخلاً لحل واستقرار وعودة لنظام تحول مدني وديموقراطي في السودان، لأنه ليست أنه لم تكن شراكة، لكن لماذا أخفقت؟ كان في ظل تلكؤ العسكريين، وعدم قدرة القوى السياسية سواء قحت أو غيرها على التعامل بشكل مسؤول تجاه فترة الانتقال. عدم كفاءة الجهاز التنفيذي في بعض الملفات.. هذا كله أدى إلى انهيار نموذج الشراكة السابق لانقلاب 25 أكتوبر، لكن الشاهد أنه لا أعتقد أن جهة سياسية عاقلة حالياً ممكن أن تنظر لاستعادة الشراكة السابقة بنفس النموذج السابق كمدخل للحل. سواء كان بين المدنيين في معسكر التحول الديموقراطي أو حتى المدنيين الموجودين في معسكر الانقلاب. هناك بعض الانتهازيين السياسيين، طبعا هنا وهناك، هم يتوقون لأي شكل من أشكال السلطة، سواء كان في معسكر الانقلاب، مع أن المجموعة هذه كانت رافضة وهي لم تكن لديها مشكلة بأن يستمر الوضع الحالي، طالما أن مواقعها السياسية محفوظة، وعندنا بالمعسكر الآخر أيضاً يمكن أن يكون بعض الانتهازيين الذين يريدون العودة لأي شكل من أشكال السلطة ويتصورون أن هذا يمكن أن يكون حلاً، لكن ليس هناك من احتمال يمكن أن يحصل حلا في السودان يرجح انتقال مدني حقيقي بدون الإجابة على الأسئلة الجوهرية التي أدت إلى الانقلاب، وعلى رأس هذه الأسئلة مشكلة تعدد الجيوش وعدم وجود قناعة بتحول مدني ديموقراطي داخل المؤسسة العسكرية، فلو كنت ترنو لحل سياسي سيكون هذا أول سؤال يواجهك، ماذا تفعل مع تعدد الجيوش في السودان والذي هو أنتج حالة انفلات أمني وأنتج عدم خضوع المؤسسة العسكرية للرؤية السياسية تجاه البلد باتجاه الديموقراطية؟ فلو لم تواجه هذه الأسئلة فإن أي حل تأتي به بهذه السرعة سوف يؤدي بك إلى أن يحصل انقلاب ثاني بعد 6 أشهر أو سنة أو غير ذلك. أنت بحاجة إلى أن تواجه الأسئلة والقضايا الحقيقية التي أدت إلى ذلك، وهنا يوجد أمر ضروري جداً جداً أن نقولها؛ إنه دون معالجة جراح الماضي وهذه الجراح ليست متعلقة بفض الاعتصام والمشاكل التي حصلت في الفترة الانتقالية وحسب بل متعلقة بما حدث في السودان من 1956.. لا يمكن أن نقول إننا أنهينا الحالة الانقلابية الحالية هذه وأسقطنا الانقلاب وسائرون نحو تحول مدني ديموقراطي ونحو استقرار في السودان بدون أن نعثر على منهج للمحاسبة والعدالة والعدالة الانتقالية وأن نرضي المتضررين وأسراهم وحتى المجموعات السكانية الكثيرة في السودان التي تضررت من حالة عدم المساواة والاستقطاب والصراع السياسي غير السوي وغير الصحي في السودان منذ استقلاله وحتى الآن.

اضغط على الرابط لمتابعة الجزء الثاني من الحوار

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس