منصف بوزازي: شعارات 25 جويلية بقيت حبرًا على ورق

3
منصف بوزازي: شعارات 25 جويلية بقيت حبرًا على ورق
منصف بوزازي: شعارات 25 جويلية بقيت حبرًا على ورق

آمنة جبران

أفريقيا برس – السودان. قيّم منصف بوزازي، عضو المكتب السياسي لحركة الشعب، في حواره مع “أفريقيا برس” المشهد السياسي والحقوقي في تونس، مؤكدًا أن شعارات 25 جويلية بقيت “حبرًا على ورق” ولم يتم اتخاذ خطوات جادة نحو تجسيدها، بل تراجعت السلطة حتى عن بعض المكاسب التي تحققت للشعب في الفترات السابقة.

وأضاف بوزازي أن هذا التخبط والفشل في تحقيق المطالب الشعبية تسبب في تراجع متسارع لشعبية المسار السياسي الحالي، موضحًا أن هناك “حالة إحباط كبيرة” لدى عموم الناس.

وتوقع بوزازي أن تتسع رقعة الحراك الحقوقي في البلاد لتشمل فئات شعبية جديدة، مثل كرة الثلج، إذا لم تتخذ السلطة خطوات عاجلة لإيقاف ما وصفه بالتجاوزات، وحسم الجدل حول المحاكمات غير المبررة وغير المعقولة.

وأشار إلى أن حالة الاستقطاب الثنائي في الساحة السياسية لم تثمر بعد أي أرضية جادة للحوار، مرجحًا أن تشهد الفترة القادمة تبلور تحالفات بين الأحزاب، ونشوء حوارات على قاعدة بلورة رؤية بديلة لمشروع حكم وطني بعيدًا عن هذه الثنائية.

وأكد بوزازي أن حركة الشعب لا تزال موجودة وحاضرة في الشارع التونسي، رغم المناخ السائد المعادي للفكرة الحزبية، ورغم ما وصفه بمحاولات السلطة لتجريم الأجسام الوسيطة وتقزيم العمل السياسي، وإبعاد الشعب عن الاهتمام بالشأن العام.

ومنصف بوزازي هو عضو المكتب السياسي في حركة الشعب، ومسؤول الدراسات والشؤون الاقتصادية بالحركة.

ما هو موقف حركة الشعب من الحراك الحقوقي المتصاعد في تونس لتوحيد صفوف المعارضة للدفاع عن ملف الحقوق والحريات في البلاد؟

لا شك أن هناك حراكًا حقوقيًا متصاعدًا في البلاد على خلفية المحاكمات التي تنظر فيها مختلف المحاكم التونسية بخصوص عدد من المواطنين. ويمكن تفسير هذا الحراك من جانبين:

• الجانب الأول حقوقي وقضائي، يتعلق بإجراءات وضمانات المحاكمات العادلة وفق النصوص الدستورية والقوانين الجزائية في البلاد. وهذه دوافع نرى أن لها مشروعيتها ومبرراتها، وهو ما أكسبها بعض الدعم الشعبي، خاصة عندما يتعلق الأمر بمحاكمات الرأي والإعلام والصحافة.

• الجانب الثاني سياسي، حيث يسعى البعض إلى استثمار هذه المحاكمات والقضايا الحقوقية في سياق المعركة السياسية مع السلطة، بهدف خلق رأي عام شعبي معارض للمنظومة الحاكمة، وطرح نفسه بديلا عنها.

لكننا نعتقد أن هذا “الحراك الحقوقي”، ورغم تأثيره الحالي المحدود الذي يقتصر على فئات من الطبقة السياسية وبعض المتابعين للشأن العام في الداخل والخارج، علاوة على ارتباطه ببعض الدوائر الأجنبية، قد يتسع ليشمل فئات شعبية جديدة، تمامًا مثل كرة الثلج، إذا لم تبادر السلطة إلى إيقاف هذه التجاوزات، وحسم الجدل حول عدد من المحاكمات التي نراها غير مبررة وغير معقولة.

أما من الناحية السياسية، فإننا نرى أن تونس قد شهدت مثل هذا النوع من الحراك قبل 2010، ورغم ما حدث بعد ذلك في جانفي 2011، لم تتمكن المجموعات الحقوقية من بناء مشروع سياسي حقيقي ذي أبعاد اقتصادية واجتماعية وسيادية وتنموية واضحة، لذلك لا نعتقد أن هذا الحراك الحالي سيكون له تأثيرات سياسية جدية في بلورة بديل حكم حقيقي.

هل ما زالت حركة الشعب في منأى عن الحوار مع السلطة وبقية الأحزاب السياسية؟ وهل يمكن أن تتجه نحو تحالفات في هذه الفترة؟

حركة الشعب ليس لها حاليًا أي حوار مباشر مع السلطة، باستثناء الأداء البرلماني لنوابها في ما يتعلق بمناقشة بعض مشاريع القوانين والتواصل مع بعض أعضاء الحكومة بخصوص القضايا المتعلقة بالشأن العام.

أما فيما يخص الحوار مع بقية الأحزاب، فإن حالة الاستقطاب الثنائي التي تسيطر على المشهد السياسي في البلاد لم تثمر بعد عن أرضية جدية للحوار. ومع ذلك، قد تتبلور تحالفات وتنشأ بعض الحوارات في الفترة المقبلة على أساس بلورة رؤية سياسية بديلة لمشروع حكم وطني، بعيدًا عن هذه الثنائية التي تهيمن على الساحة السياسية في الوقت الراهن.

ما هي مقترحات حركة الشعب لتخفيف التوتر في المشهد الحقوقي وحالة الانسداد في المشهد السياسي؟

ترى حركة الشعب أن السلطة مطالبة بمراجعة مسلكيتها في التعامل مع الملف الحقوقي قبل تفاقم الأزمة، وذلك عبر ضمان محاكمات عادلة، وتعديل المرسوم 54، وتكوين المحكمة الدستورية، وتقويم الأداء القضائي والأمني لضمان احترام القانون وحماية حقوق المواطنين.

أما بخصوص المشهد السياسي العام، فإن الحركة ترى أنه محكوم بتوازن هش بين مكوناته، حيث تواجه البلاد سلطة ضعيفة ومعارضة ضعيفة، مما أدى إلى فراغ سياسي وغياب رؤية وطنية واضحة، وهو وضع يهدد استقرار الدولة ويفتح الباب أمام سيناريوهات غير سليمة، خاصة في ظل التحولات الدولية والإقليمية الراهنة.

لذلك، تدعو الحركة إلى فتح الفضاء العام لاستعادة ثقة الشعب، وتشجيع النخب والمثقفين على المشاركة الفعالة في الحياة السياسية، بما يعيد الحيوية إلى المشهد السياسي ويضمن الاستقرار والتنمية.

هل تعتقد أن مسار 25 جويلية مهدد بتراجع شعبيته في حال استمرار التضييق على الحريات؟ وهل يمكن للحوار الوطني أن يعيد التوازن للمشهد السياسي ويفتح المجال لحلول مشتركة لأزمات البلاد؟

تراجع شعبية “مسار 25 جويلية” يبدو أمراً واقعاً ولا يحتاج إلى الكثير من التحليل، حيث يلاحظ هذا التراجع في مختلف الفئات والمناطق، بغض النظر عن مناخ الحريات. فإن علاقة الشعب بحكامه ترتبط بمدى تحقيقهم للمنجزات وتحويل الشعارات إلى سياسات وإجراءات ملموسة، وهو ما لم يتحقق منذ 25 جويلية 2021. هذا التاريخ تحول إلى مجرد فكرة معلقة، دون أن تتمكن السلطة وكل حكوماتها المتعاقبة من تحويله إلى واقع ملموس ينعكس في حياة المواطنين، ما تسبب في انحدار متسارع لشعبية هذا المسار وخلق حالة من الإحباط لدى عموم الناس نتيجة الفشل في تحقيق مطالبهم.

أما الحوار الوطني، بالصيغة التي يطالب بها البعض، ويشبه نسخاً معادة من تجارب الحوار السابقة، فهو مقترح خارج سياقه وغير واقعي، ولا يتناسب مع مقتضيات المرحلة الحالية، حيث لا يمكن إعادة إنتاج نفس النماذج السياسية دون معالجة الأسباب التي أدت إلى الفشل سابقاً.

كيف يمكن لحركة الشعب استعادة حضورها وشعبيتها في المشهد السياسي والحزبي في ظل تراجع دور الأجسام الوسيطة؟

حركة الشعب لا تزال حاضرة في الشارع التونسي، وأما تقلص أو تضخم شعبيتها فهي مسألة نسبية، وقد لا نبالغ إذا قلنا إنها ربما الحركة السياسية الوحيدة التي ما زالت تنشط في عديد المواقع وتواصل تواجدها بين الجماهير. فإن شعبية الحركة هي نتاج لوضع عام موضوعي وليس ناتجًا عن عوامل ذاتية، حيث تعيش البلاد حالة فراغ سياسي واضح، مع سياسة ممنهجة من قبل منظومة الحكم تهدف إلى تجريم الأجسام الوسيطة وتقزيم العمل السياسي، وإبعاد الشعب عن دائرة الاهتمام بالشأن العام.

ورغم هذا المناخ المعادي للفكرة الحزبية وكل أشكال العمل الجماعي المنظم، فإن حركة الشعب تواصل عقد الاجتماعات والنشاطات في مختلف جهات البلاد. وقد لاحظنا مؤخراً بداية صحوة وإلتفاف شعبي حول الحركة وعودة الوعي بأهمية وجود حركة وطنية تمثل بديلاً حقيقياً للحكم وتملأ الفراغ الحاصل في الساحة السياسية.

كيف تقيم تجربة التيار القومي في المشهد السياسي من دعمه لمسار 25 جويلية إلى معارضته له؟

نحن على بعد خمس سنوات من تاريخ 25 جويلية 2021، وهي حركة جاءت في سياق سياسي محدد، استجابة لمطلب شعبي واسع كان يطالب بوقف حالة الفوضى التي سادت مؤسسات الدولة، بهدف إنقاذ تونس من العبث بمقدراتها. في ذلك الوقت، كانت حركة الشعب، إلى جانب العديد من القوى والمنظمات، من بين المرحبين بهذا المسار الذي أطلقه رئيس الجمهورية، مدعومًا بأجهزة الدولة.

ما فعلته حركة الشعب حينها هو أنها أعطت هذا المسار مضمونًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وسياديًا، حولته إلى شعارات تعكس مطالب الشعب، بهدف تحويلها إلى منجزات ملموسة. لكن بعد خمس سنوات، لم يتم تحقيق هذه الشعارات، بل تم التراجع حتى عن بعض المكاسب التي حققها الشعب في الفترات السابقة.

ورغم ذلك، لا تزال حركة الشعب متمسكة بمطالبها وبرنامجها الوطني الشعبي الذي رفعه التونسيون في 25 جويلية 2021، وتناضل لتحقيقه. فهي ترى أن ما حصل خلال هذه السنوات الخمس هو إفراغ لهذه الشعارات من مضامينها الحقيقية، وتشويهها إلى حد جعل الناس يسأمون سماعها بسبب تكرارها دون أي إجراءات فعلية.

وهذا الوضع يشكل خطرًا حقيقيًا، تمامًا كما حدث في العشرية السابقة عندما تكررت شعارات الديمقراطية والحريات والانتخابات النزيهة دون تحقيق أي تحسن فعلي في حياة الناس. فاليوم، يتكرر المشهد ذاته، مع شعارات السيادة والعدالة الاجتماعية دون أي منجز ملموس، مما قد يؤدي إلى فقدان الشعب ثقته بهذه المفاهيم المهمة.

لذلك، نحذر من الاستمرار في هذا النهج، حتى لا تتحول هذه الشعارات الكبرى إلى مجرد كلمات فارغة يفقد الشعب إيمانه بها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here