بقلم : خالد الفكي
أفريقيا برس – السودان. ملف سد النهضة مثل مصدر قلق في منطقة القرن الافريقي وخاصة للبلدان الثلاثة، حيث إن الملف مازال عالقاً ولم يتوصل لاتفاق ملزم رغم الاتفاق على إعلان المبادىء والذي تم في العاصمة السودانية الخرطوم خلال العام 2015، إلا إن هذا لم يكن كافياً لنزع فتيل الازمة، حيث سارعت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي مؤخراً لطرح وجهه نظرة بلادها من خلال زيارات وجولات في المحيط العربي والافريقي، بجانب لقاءات مع مبعوثين وممثلين من المجتع الدولي.
غياب الرؤية
أستاذ العلوم السياسية والخبير الاستراتيجي الدكتور محمد عبدالله ود أبوك قال لـ “أفريقيا برس”، إن ملف سد النهضة يشمل تعقيدات كبيرة ربما تتعلق بأساليب وسياسات الحكومة السودانية في هذا الصدد، مشيراً إلى إن الاساليب التي تنتهجها الحكومة الاثيوبية تتفوق على مايذهب نحو السودان.
ونوه ود أبوك بأن كل من السودان ومصر ينتهجان سياسة رد الفعل بشأن القرارات والمسارات الصادرة من قبل الحكومة الاثيوبية، خاصة السودان الذي يغيب عنه الرؤية الواضحة في التعامل مع ملف سد النهضة من خلال بوابة وزارة الخارجية أو السياسة الخارجية للبلاد، داعياً لضرورة أن يتخلى السودان لتكون لديه نظرة مستقلة ومسار بائن غير الذي يخططه الجانب المصري.
وأشار إلى إنه لا توجد رؤية متراضية عنها من قبل الداخل السوداني مما ينعكس سلباً على السياسة الخارجية التي تنتهجها وزارة الخارجية متمثلة في وزيرة الخارجية مريم المهدي التي تطوف بين الفينة والأخرى دول الاقليم والعالم بغية إيصال وجهه النظر السودانية بشأن سد النهضة.
وتابع استاذ العلوم السياسية والخبير الاستراتيجي القول خلال حديثه لـ “أفريقيا برس”، أن السياسية الخارجية السودانية لا تتعدى الرد على التصريحات والاقوال التي تنطلق من قبل أثيوبيا وهذا الأمر أيضا يصدر من قبل مصر إي أن أثيوبيا هي التي تتحكم فى إدارة الملف وفقاً لرؤيتها والخرطوم والقاهرة تردان بالتصريح فقط.
تشاكس الداخل
وأفاد أن سياسة وزارة الخارجية السودانية حالياً يشوبها الضعف الشديد والتضارب في الرؤية، عازياً الأمر إلى الاخفاقات والمشكلات التي تضرب الداخل السوداني، مضيفاً “الداخل السوداني يشكو الانقسامات والتشاكس ووضع اقتصادي متردي ومتراجع وتقهقر إجتماعي، كما أن الساحة السياسية السودانية سمتها الاولى التشتت والتشظي مما يؤثر على أي فعل سياسي خارجي لأي مسؤول سواء كان وزير الخارجية أو أي مسؤول على كافة المستويات الحكومية.
وأضاف ودأبوك” نحن نشعر بأن الضعف الداخلي والمكون الحاكم والانقسامات التي تظهر في داخله يوم بعد يوم ، وهذا يشمل تجاذبات الحاضنة السياسية مما يُلقى بالظلال السالبة على التحركات الخارجية لوزيرة مريم المهدي أو الوفود السودانية خاصة في ملف سد النهضة ليظهر المفاوض السوداني مهتز وضعيف في مواقفه تجاه تعنت وتصلب المواقف الاثيوبية، مُبدياً دهشته من مواقف قد تكون قريبة أو بعيدة من المواقف الاثيوبية تصدر من قبل مسؤولين سودانيين ليكون دلالة على الاخفاق الخارجي في رسم خارطة طريق محكمة للتفاوض أو التعاطي وفقاً لاجندة خالصة ودون شك هذا يُضعف الخط الرسمي للحكومة السودانية.
وشدد على ضرورة اتفاق وتوافق كافة الاطراف الحاكمة في السودان بشأن ملف العلاقات الخارجية ووضع سياسيات ومرتكزات واضحة دون أي تقاطعات مع توافق الارادة السياسية ليشعر الخارج سواء كانت أثيوبيا أو خلاف ذلك بأن أهل السودان حاكمين ومعارضين متفقين ومتوحدين بشأن سد النهضة والمياه لكونه ملف يتعلق بالامن القومي للبلاد وربما يصل إلى أن يتعلق بالحياة أو الموت.
ودعا ودأبوك وزير الخارجية مريم الصادق المهدي ومتخذي القرار في الحكومة بمصارحة المواطن بشأن تلك التحركات والزيارات المكوكية ومدى استفادة السودانيين منها حتى لايكون الامر إهدار للمال والوقت.
الخبير الدولي في الموارد المائية، أحمد المفتي، العضو السابق في وفد السودان المفاوض بشأن سد النهضة قال لـ “أفريقيا برس”، بأن جولات وزيارات ومقابلات وزيرة الخارجية مريم المهدي المتعلق بملف السد سواء كانت في المحيط العربي أو الافريقي أو اللقاءات مع المبعوثين الدوليين جاءت متوافقة ومساندة وداعمة لموقف السودان وضرورة انتهاج الحل السلمي من خلال الحوار وصولاً إلي مايرضى الاطراف الثلاثة.
وقال المفتي أن الكل تجاهل إرسال رسالة إلى أثيوبيا بوقف الاجراءات الاحادية والانفراد في اتخاذ قرار الملء الثاني، كما أن الكل لم يقول أن أثيوبيا على خطأ مما يُشير إلى تحركات الخارجية السودانية وزيارة الوزيرة للبلدان الافريقية والعربية لم تًعدو كونها مضيعة للوقت فيما أثيوبيا تتمسك بمواقفها وتذهب في اجراءات الملء الثاني والذي لم يتبقى له إلا القليل من الوقت، وتابع المفتي القول” لاتوجد مناشدات ولا طلبات ولا تهديد بفرض عقوبات من قبل المجتمع الدولي أو الاقليمي للحكومة الأثيوبية”.
حشد الدعم
الخبير في العلاقات الدولية الدكتور أحمد الحسين قال أن جولات و زيارات وزيرة الخارجية مريم الصادق قطر والسعودية والامارات هي تأتي في سياق عدم التصعيد و البحث عن الحلول السلمية وفتح باب الحوار من خلال حشد الدعم الافريقي والعربي والدولي للموقف السوداني رغم أن أثيويبا مازالت تتعنت بالتمسك في موقفها بشأن الملء الثاني.
و أوضح الحسين لـ “أفريقيا برس”، بأن مساعٍ الخارجية السودانية دون شك تنصب في نهر المصالح العليا للسودان في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها حالياً حيث أن حشد الدعم والتأييد للموقف السوداني هو من أولويات العمل الدبلوماسي بما يتسق مع الخط السياسي العام للحكومة، مبيناً أن هذا الدعم يخلق التوزان المطلوب ويضغط على الجانب الاثيوبي، ويوضح بكل قوة الموقف السوداني من القضية.
ونوه إلى أن وزيرة الخارجية ومن خلال جولاتها تؤكد على أن السودان يشدد بضرورة التوصل لاتفاق مُلزم بشأن الملء والتشغيل من الناحية الفنية لتفادي الضرر الذي وقع على السودان ابان الملء الاول، حيث أن أثيوبيا تعتزم تخزين نحو 13.5 مليار معكب من المياه وهذا رقم ضخم ينعكس سلباً على سد الروصيرص والانشطة كافة على النيل الازرق، وربما تصل كمية تحزين أثيوبيا للمياه لضعفين مياه النيل الازرق.
وبشأن العلاقات الثنائية مابين الخرطوم وأديس ابابا، قال خبير العلاقات الدولية احمد الحسين بان ما يجري من تباين واختلاف في وجهات النظر بين البلدين حول ملف سد النظر لن يكون مؤثراً على حياة وعلاقات الشعبيين، كما أن البعثة الدبلوماسية في كل من الخرطوم وأديس أبابا لن تتأثر بالامر لكون أن الامر مرتبط بقوانين وأعراف دولية.
ولم يستبعد الحسين حدوث اختراق في الملف من قبل الولايات المتحدة عقب وصول مبعوث الرئيس بايدن الى الخرطوم وانخراطه في سلسلة لقاءات في الخرطوم والقاهرة، والتأكيد على حق الخرطوم بحقوقها في أن يكون هناك اتفاق ملزم، مضيفاً “الوضع الراهن وما يجري حول ملف سد النهضة هو سيو استراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية ودول أوروبا حيث أن منطقة القرن الافريقي والبحر الاحمر تعني لهما الكثير والكثير”.
بالمقابل يرى السفير السابق بوزارة الخارجية السودانية، الدكتور على يوسف، بأن من ثمرات الدبلوماسية عقب الثورة السودانية خلق علاقات خارجية متوازنة خاصة التطبيع مع الولايات المتحدة وحل شفرات المشكلات التي كانت قائمة بين البلدين بسبب سياسيات النظام السابق موضحاً ان تحسن علاقات الخرطوم وواشنطن قد يكون مفتاحا للسودان للدخول في المنظومة الدولية خاصة المالية والاقتصادية والذي يرتبط بالعلاقات الدبلوماسية و السياسية.