السودان :الجيش يريد السلطة بلا انقلاب والمدنيون مترددون في استكمال هياكلها

36
السودان :الجيش يريد السلطة بلا انقلاب والمدنيون يتلكأون في استكمال هياكلها
السودان :الجيش يريد السلطة بلا انقلاب والمدنيون يتلكأون في استكمال هياكلها

أفريقيا برس – السودان. تنحصر أزمة السودان الحالية في أن كل طرف يريد السيطرة على السلطة بالطريقة التي تتناسب مع أهدافه، فالمكون العسكري تأكد أن زمن الانقلابات العسكرية ولّى ولم يعد مقبولا في السودان، والمجتمع الدولي سيرفض الاعتراف بها، وتسعى قيادات في الجيش لتنفيذ انقلاب ناعم عبر تشكيل حكومة تمكنه من فرضه هيمنته، بينما لا يريد المكون المدني بذل جهود حقيقية لاستكمال هياكل السلطة وفقا للوثيقة الدستورية لتحافظ قواه الرئيسية على تحكمها في أداء الحكومة الحالية.

وتحدث عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان بوضوح أخيرا عندما قال إن “الفصيل العسكري يريد تشكيل حكومة يمكنه السيطرة عليها دون تنفيذ انقلاب”.

ووضعت إشارة الفكي المؤسسة العسكرية أمام موقف حرج يصعّب عملية الاستجابة للمطالبة بتغيير الحكومة التي يرأسها عبدالله حمدوك، وإذا تمكن الجيش من تحقيق غرضه فإنه يحكم بالإعدام السياسي على الحكومة الجديدة، وستلاحقها اتهامات بالعمل لصالح الجيش، بما يؤثر في قدرتها على القيام بالمهام المنوطة بها.

وأشارت اللقاءات التي عُقدت بين حمدوك ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان إثر اندلاع تظاهرات متناقضة إلى عدم استبعاد التوصل إلى تسوية تقضي بحل مجلسي السيادة والوزراء لتبدو النتيجة متعادلة ويتراجع شبح الهبوط الناعم على الثورة، والإعلان عن إعادة تشكيلهما بما يمنع خروج أحدهما مهزوما أو منتصرا.

وأتت الجيش فرص للسيطرة على السلطة مرات عديدة منذ سقوط نظام عمر البشير وبدا ممتنعا عن ذلك، ليس ترفا أو عزوفا أو رغبة في الانتقال إلى الحكم المدني، لكن لأن الأوضاع في السودان تبدلت بصورة كبيرة ولم يعد القبول بالحكم العسكري عملية سهلة، فالتجارب السابقة خلّفت مرارات جعلت المدنيين يكفرون بحكم الجيش.

رأس الحربة

في كل مرة يتم الكشف فيها عن مؤامرة لانقلاب عسكري تتوجس القوى المدنية، ويعتقد بعضها أن الرفض الحاسم من قبل المواطنين لهذا الاتجاه أبلغ رد لكسر الإرادة الراغبة في الوصول إلى هدفهم، ما جعل تمريره بطريقة نمطية محفوفا بالمخاطر وغير مضمون العواقب فالضغوط على المؤسسة العسكرية تأتي من الداخل والخارج.

وكشف الإصرار على تغيير الحكومة من المتظاهرين الذين دشنوا تظاهرة كبيرة السبت الماضي والمحتجين في شرق السودان منذ أسابيع، ومعهما رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو أخيرا، أن هذه المسألة هي رأس الحربة في أزمة العسكريين والمدنيين التي يستثمرها سياسيا فلول البشير.

هذه الجهات ومعها حركات مسلحة وأحزاب سياسية عديدة رفعت شعارا رئيسيا يتمثل في ضرورة تغيير الحكومة، كأنها الحل السحري اللازم لتخطي السودان لأزماته المتراكمة، مع أن الأخطاء التي ارتكبتها تتحمل مسؤوليتها بالتضامن مع مجلس السيادة كجهة لها دور محوري في الحل والعقد داخل البلاد.

وجاء تزايد الضربات على رأس حكومة عبدالله حمدوك مع اقتراب موعد تسليم رئيس مجلس السيادة مهامه لقيادي مدني في نوفمبر المقبل، الأمر الذي تكاتفت حوله قوى مختلفة، عسكرية ومدنية، فلماذا اجتمع هؤلاء على تغيير الحكومة؟

لم يتضمن تغيير الحكومة التخلص من حمدوك وترشيح شخصية أخرى تكون رئاستها أكثر ليونة، بل إبعاد بعض الأسماء فيها بحجة توسيع دائرة المشاركة ولا ضرر من الإبقاء على حمدوك نفسه، ما يعني زيادة أوجه التجاذب بين عناصرها ومكوناتها، ويتلاشى وجود قوة أو أكثر مهيمنة عليها، بالتالي الرضوخ لمطالب الجيش كقوة صلبة والتفاهم حول تأجيل انتقال رئاسة مجلس السيادة من عسكري إلى مدني، وهي الثغرة التي ربما يشترطها الجيش إذا قبل بحل متزامن لمجلسي السيادة والوزراء.

وتعلم قيادات نافذة في الجيش أن هذه الخطة هي السبيل الوحيد للبقاء في السلطة بعد تأكدها من صعوبة الاعتراف بسيطرتها عليها بالخشونة الصريحة، فهناك ممانعة حاسمة لهذا التوجه ولن يكون مقبولا التخلص من حكم عمر البشير العسكري بآخر حتى لو جرى تلوينه بمسحة سياسية مدنية تتذرع بأن الأوضاع لن تسمح بتنحية الجيش.

وتأتي المشكلة الخطيرة من أن حكومة حمدوك بتركيبتها الأولى أو المعدلة أخفقت في تجاوز الاختبارات التي دخلتها وتعثرت ولم تتمكن من حل الكثير من الأزمات التي تعصف بالسودان، ما منح الجيش الفرصة ليكون مهيمنا على قرارات سياسية واقتصادية واجتماعية عدة، ناهيك عن الأمنية، وضعته في مقدمة المشهد.

ولعل تحكم الجيش في جزء معتبر من التصورات الخارجية وتحديد البوصلة في ملفات متنوعة مع قوى إقليمية ودولية، وقفزه على ملف التطبيع مع “إسرائيل”، مع إدارته لأزمة سد النهضة والخلاف الحدودي مع إثيوبيا، من العوامل التي رفعت أسهمه لدى جهات خارجية مقارنة بحكومة بدت فقيرة في إدارتها للقضايا المتباينة.

وزادت هذه الصورة من نهم الجيش نحو السلطة وتطلعه لوضع سيناريو غير تقليدي يضمن وجود حكومة ضعيفة تستكمل المرحلة الانتقالية ينتهي دورها بالإشراف على إدارة انتخابات يمكن أن تسمح بوجود مرشح عسكري يكتسحها من خلال منافسة تتوافر لها عوامل ظاهرة للديمقراطية، مستفيدا من الارتباك والانشقاق الحاصلين في تحالف قوى الحرية والتغيير الذي يمثل عصب الجسم المدني.

المدنية وحدها لا تكفي

تريد القوى المدنية في تحالف الحرية والتغيير (الأصل) القبض على زمام السلطة والمشاركة فيها بفاعلية، معتقدة أن مدنيتها تكفي لنبذ المكون العسكري وإبعاده عن مراكز السلطة في مجلسي السيادة والوزراء، حتى لو لم يستطع التحالف استكمال هياكل الفترة الانتقالية، ممثلة في تشكيل المجلس التشريعي ومجلس القضاء، وكل ما نصت عليه الوثيقة الدستورية وتعديلاتها اللاحقة بعد توقيع اتفاق جوبا، بدءا من تحقيق السلام الشامل ومشاركة جميع القوى بأقاليم الدولة في السلطة.

ويقول مؤيدون لتحالف الحرية والتغيير (الأصل) إن الحكومة لا يجب أن تتهم بالتقاعس أو عدم قدرتها على استكمال هياكل السلطة لأن المكون العسكري لعب دورا كبيرا في تعطيل بناء الهياكل وأسهمت مراوغاته ومناوراته في دمغ الحكومة بأنها عرجاء، مستفيدا من اشتقاقات حدثت في جسم الحرية والتغيير، ونجاحه في استقطاب عناصر تعمل في خدمة أهدافه بعد أن توصل إلى اتفاقات مع بعضها للمحافظة على مصالحها.

وأدى التلكؤ والبطء والتراخي في أداء الحكومة إلى منح فرصة لخصومها لدمغها بعدم القدرة على حل الأزمات وتوسيع نطاق الغضب حيالها ومن يدافعون عنها، حيث جاء دفاعهم عنها من الانتماء لفصيل يرفض حكم الجيش أكثر منه اقتناعا بأداء الفصيل المدني وحيويته في الشارع، ما جعل إمكانية النيل من مسؤولين فيها يجد صدى لدى شريحة من المواطنين يهمها تخفيف الأزمات وليس رفع أيديولوجيات جوفاء.

ويلعب أنصار المؤسسة العسكرية داخل القوى المدنية على هذا البعد لجذب مؤيدين من أقاليم مختلفة وتصوير الأمر على أنه صراع بين نخبة مدنية مرفهة وطبقة شعبية كادحة لا تهمها شعارات لن تساعدها على التخلص من مشكلات يعاني منها غالبية المواطنين، بينما الجهة التي تستطيع الحصول على حلول ناجزة وتخطي العقبات المتناثرة هي الجيش، لذلك يطالبون بضرورة مساعدته على تنفيذ انقلاب ناعم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here