بقلم : خالد الفكى
أفريقيا برس – السودان. رغم أن جنوب السودان إنفصل عن الدولة الأم السودان منذ نحو عشرة سنوات، إلا أن مشكلات الدولة الأحدث في أفريقيا والعالم ، ماتزال تشكل حيزاً في خارطة اليوم لحكومة الخرطوم، خاصة قضايا الحدود التي لم يتم إكمال ترسيمها بعد، لتكون خلافات فرقاء جنوب السودان شاغل جديد لبال حكومة الفترة الإنتقالية بعدما شهدت منطقة المقنيص الحدودي بين البلدين أحداث دامية بين فصيلين متناحرين ليشكل الصراع (الجنوبي – الجنوبي) وفقاً لمراقبون هاجساً يُلقي بتأثيرات مُتعددة على الداخل السوداني.
ساحة المعركة

الصراع المسلح الدائر بين قوات موالية لنائب رئيس جنوب السودان رياك مشار مع مجموعة منشقة عن حزبه أدى الى مقتل عشرات الجنود من الطرفين، ولم تكن ساحة المعركة سواء المقينص السودانية الحدودية. ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية الدكتور محمد خليفة، أن الصراع بين مكونات فصيل نائب رئيس جنوب السودان رياك مشار له تأثيرات بالغة على الاوضاع في السودان.
المدير التنفيذي لمحلية التضامن بولاية جنوب كردفان، صديق النور أحمد البشير، قال أن القتال العنيف بين فصائل جنوبية بمنطقة “المقينص” داخل الأراضي السودانية تسبّب في نزوح آلاف المواطنين لخارج المدينة. وأشار إلى استقبال مدينة ”الترتر” التي تبعد نحو 30 كيلومتر من المقنيص للمواطنين الفارين من القتال هناك، وقدّر تعدادهم بالآلاف.
وأفاد خليفة لـ “أفريقيا برس”، أن البعد الأمني سيكون أكبر لكون المعارك هي تدور داخل الأراضي السودانية. وتوقع تصاعد الأحداث في ظل عدم إقرار مشار بأحقية لخصمه رئيس هيئة الأركان العامة للحزب الجنرال سايمون قاتويج دوال.
واندلعت الاشتباكات بعد إعلان القادة العسكريين المنافسين لحزب “الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان – المعارضة” إطاحة مشار من زعامة الحزب وقواته المسلحة. وسارعت الحكومة السودانية لمحاولة وقف الاشتباكات وترأَست وزيرة الخارجية مريم المهدي الاجتماع الوزاري الطارئ لدول “إيغاد” للتباحث في تطورات الأزمة بين الفصائل المتناحرة داخل المقينص.
وقال هؤلاء القادة إن الجناح العسكري للحزب عين رئيس الأركان العامة دوال زعيماً موقتاً له، بينما اتهم مشار القادة العسكريين المنافسين بالسعي الى عرقلة عملية السلام في البلاد.
ودعت المهدي جميع الأطراف الى وقف القتال فوراً واللجوء الى السبل السلمية لإيجاد حلول لخلافاتهم تجنباً لجر البلاد الى حرب أهلية أخرى لا تخدم مصلحة أي من الأطراف، مؤكدة دعم السودان غير المحدود بصفته رئيساً لـ “إيغاد” لتنفيذ اتفاقية السلام.
الأب الحامي
دون شك مازال السودان ينظر لجنوب السودان نظرة الأب الحامي لإبنه لذا في كل مرة يهرول نحو جوبا متفقداً الأوضاع ومقدما يد العون ولم يتوقف عن إستقبال النازحين و اللاجئين ليصل عددهم نحو مليون جنوبي.
رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لم يتأخر وتقرر أن يزور جوبا خلال أيام للتباحث مع قادة جنوب السودان في كيفية إحتواء الأزمة وتعزيز الثقة بين أطراف السلام وتنفيذ بنود اتفاقية السلام المنشطة.
بالمقابل يقول القيادي في الحركة الشعبية – شمال أحمد إدريس إن ما يحدث محزن جداً ويجب أن تتحرك حكومة السودان من أجل احتواء الموقف قبل أن يتفاقم أو أن ينتقل الصراع الى بؤر جديدة.
ويعتقد إدريس أن دولة الجنوب ترزح منذ استقلالها تحت وطأة أزمات متلاحقة، حاثاً مشار للتعامل بالحكمة المطلوبة وعدم جر البلاد الى منزلق جديد يؤثر على الأوضاع خاصة الجيران وعلى رأسهم السودان.
هذا ويٌشير مراقبون للتأثيرات الأمنية المصاحبة للصراع في الجنوب لقربها من الحدود السودانية وسهولة انتقال الصراع الى داخل الأراضي السودانية المفتوحة على دولة الجنوب.
ولفتوا بأن هذا يعني تأثر القرى والمواطنين بالعمليات العسكرية وعمليات السلب والنهب التي تنتهجها الفصائل المتحاربة لتمويل حربها و يشكل تهديداً لسلامة المواطنين.
وأضافوا ” أيضا له تداعيات اجتماعية تخلفها الاشتباكات من نزوح ولجوء متزايد ناحية السودان المتعب اقتصادياً والمنهك بأزمات متلاحقة”.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية الدكتور محمد خليفة، حذر من إستمرار الصدام (الجنوبي – الجنوبي)، ودعا السودان لتنشيط مفهوم المنطقة الآمنة لحماية مواطنيه. كما شدد على نشر قوات من الجيش لمنع تدفق الفصائل الجنوبية للعمق السوداني، وبذل الجهود دبلوماسياً لكون أن حمدوك يقود حالياً منظمة “إيغاد ” وله الحق قي تقريب وجهات نظر الفرقاء.
تركة البشير
ووفقاً لمعلومات “أفريقيا برس”، فقد أدى انفتاح الحدود على طول حدود المقينص مع جنوب السودان لدخول الفصائل الجنوبية المسلحة، وعدد 271 فردا يمثلون 51 أسرة، يحتاجون للايواء والطعام والماء. ويقول مواطنون في المقينص الحدودية أن تواجد قوة مسلحة جنوبية تعتبر احدى مخلفات تركة النظام المباد.

ويقول الفريق شرطة الطيب بله، أحد أبناء المقينص، بأن القوة الجنوبية بقيادة جونسون اولنج جاءت بترتيب من قبل حكومة البشير فى اطار محاربة حكومة سلفاكير بأن يكون للخرطوم ورقة ضغط في يدها. وأوضح لـ “أفريقيا برس”، أنه تم إبلاغ الحكومة بكافة التفاصيل ووجهت بإتخاذ الإجراءات الحاسمة تجاه قوة أولنج بيد أن الخطى الولائية متثاقلة ولم تسرع في إطاعة أمر الخرطوم. أهالي المقينص يشتكون من تعدي قوات تتبع للحركة الشعبية منذ فترة ليست بالقصيرة، يتحدثون عن قتل و إصابات لبعض المواطنين، كذلك فرض جبايات من مليشيات جنوبية مسلحة.

ويرى الباحث في الشؤون السياسية، الصحفي محمد إبراهيم بأن هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية في جنوب السودان تنعكس سلباً على الأحوال في الداخل السوداني حيث تتزايد أعداد الفارين من الحرب.
وكان السودان قد أعرب عن بالغ انشغاله تجاه الخلافات التي حدثت داخل الحركة الشعبية بالمعارضة والتي تطورت إلى مواجهات مسلحة في المناطق المتاخمة لحدود السودان. كما أعلن السودان لمراقبته الأوضاع عن كثب في مسرح الأحداث باعتباره متاخم للحدود الجنوبية مع عدم السماح لأي نشاط مسلح داخل أراضيه من أي طرف ضد الآخر.
ويرى إبراهيم خلال حديثه لـ “أفريقيا برس” ، أن السودان يعاني تعقيدات بالغة السوء في ما يتعلق ببنية الدولة التي تمر بفترة إنتقالية لذا أي أضطرابات في الجوار تعمق أزمة حكومة الإنتقال.
يُشار بأن منتجي الصمغ العربي شرق الجبال الشرقية وجنوب النيل الأبيض على الحدود يشتكوا من مليشيات معارضة من النوير الجنوبية لفرض رسوم بايصالات مكتوبة بالإنجليزية آخر عهد عمر البشير.
ويحث الباحث في الشؤون السياسية، الصحفي محمد إبراهيم، السودان لإستكمال ترسيم الحدود وإقامة مناطق تجارية وإقتصادية على الحدود مع جنوب السودان لتكون مصدر قوة وتعمق علاقات الشعبيين.
وأضاف”القوة العسكرية لم تعد هي السلاح الكافي لمنع الصراع المسلح لابد من اللجوء للقوة الناعمة التي تشمل تبادل المنافع ورعاية مصالح المواطنين في حدود البلدين”.