تعيين أول سفير أمريكي في السودان بعد 22 عاما

154

بقلم : أحمد جبارة

أفريقيا برسالسودان. بعد قطيعة إستمرت نحو ربع قرن ، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن تعين سفير لها في الخرطوم ، وبحسب مجلة “فورين بوليسي” المقربة من صنع القرار الأمريكي فإن المبعوث الخاص بمكافحة الإرهاب بالخارجية الامريكية “جون غودفري” سيكون على رأس السفارة في الخرطوم، ويعد القرار الأول منه نوعه لأمريكا ، حيث منذ العام 1996 لم تعين سفير لها في السودان ، في وقت اعتبر فيه مراقبون ، أن الخطوة تصب في إتجاه تحسين العلاقات بين البلدين ، كما أنها تعكس جدية الولايات المتحدة في التعاون مع حكومة الفترة الانتقالية في السودان .

كيف كانت العلاقات في السابق؟
الشاهد ، أن العلاقات الأمريكية السودانية في العهد البائد كانت تتسم بالحدة والتوترات ، كما علّقت الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات الإنمائية الرسمية إلى السودان، وازداد ذلك التوتر بين البلدين في حقبة التسعينات بسبب الانقلاب الذي قام به الرئيس المعزول البشير على الحكومة المنتخبة التي كان يقودها الزعيم الراحل الصادق المهدي ، كما كانت تنظر أمريكا وقتها إلى السودان على أنه مُنحاز إلى جانب العراق في حرب الخليج، في وقت كان فيه السودان معارضا لتدخل اي دولة في المنطقة.

وصمة الارهاب
كذلك ، في أوائل ومنتصف التسعينيات، كان كارلوس الثعلب، وأسامة بن لادن، وصبري البنا، وقادة آخرون يقيمون في الخرطوم ، وقبض على كارلوس وسُلّم من قبل السلطات السودانية وطلبت الحكومة من بن لادن مغادرة البلاد ، وطوال الوقت ، حافظ السودان على دعمه للقضية الفلسطينية، وقتها مثَّل دور السودان في المؤتمر الإسلامي العربي مصدر قلق كبير لأمن المسؤولين الأمريكيين وعائلاتهم في الخرطوم ، مما أدى إلى عدة عمليات إجلاء للأفراد الأمريكيين من الخرطوم ، و بالطبع ، صلات السودان بمنظمات موصوفة بالإرهاب أمريكيا كان مصدر قلق للولايات المتحدة، مما أدى إلى تصنيف السودان عام 1993 كدولة راعية للإرهاب وتعليق عمليات السفارة الأمريكية في الخرطوم عام 1996.

هجوم أمريكي على السودان
أما ، في أكتوبر 1997، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية شاملة على السودان. و في أغسطس 1998، وبناء على اتهامات بتصنيع أسلحة كيماوية، شنت الولايات المتحدة ضربات بصواريخ كروز على مصنع الشفاء للأدوية في السودان ، ورفع صاحب المصنع القضية إلى المحكمة مطالبا بالتعويض، حيث لم تقدم الولايات المتحدة أدلة لدعم الغارة على مصنع الأدوية وقتها غادر آخر سفير للولايات المتحدة في السودان، السفير تيموثي إم. كارني (27 يونيو 1995 – 30 نوفمبر 1997)، المنصب قبل هذا الحدث ولم يُعيّن سفير جديد منذ ذلك الحين ، في وقت كان يرأس السفارة الأمريكية القائم بالأعمال.

عهد الثورة
ما إن اقتلعت الثورة نظام عمر البشير من رئاسة السودان في 2019 ، حتى سارعت الولايات المتحدة بالترحيب بالتغيير والثورة ، كما إنه عقب تشكيل الحكومة الانتقالية ، أبدت الولايات المتحدة مساعدتها لعملية الانتقال والتحول الديمقراطي في السودان ، و في سبتمبر 2019، التقى رئيس الوزراء ، عبدالله حمدوك عدد من المسؤولين الامريكيين على هامش أعمال الامم المتحدة ، وقتها قال إنه أجرى محادثات مفيدة معهم ، معربا عن أمله في أن تزيل الولايات المتحدة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب -وبالفعل تم رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لاحقا.

زيارة بومبيو
وفي ديسمبر من العام 2019، زار وزير الخارجية الأمريكي آنذاك مايك بومبيو، الخرطوم و في مستهل جولة شملت إسرائيل وأبوظبي ، وعبر أول رحلة جوية مباشرة بين تل أبيب والخرطوم وصل بومبيو الى السودان والتقى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك ، وأكد بومبيو حينها على دعم واشنطن للفترة الانتقالية في السودان و عملية التحول الديمقراطي بالبلاد ، كما أكد اعتماد واشنطن تعيين نور الدين ساتي أول سفير للسودان بالولايات المتحدة.

إجابيات التعين

الدكتور عبد الرحمن خريس، أستاذ السياسات الخارجية بالمركز الدبلوماسي

يقول، أستاذ السياسات الخارجية بالمركز الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية ، الدكتور عبدالرحمن أبوخريس لـ “أفريقيا برس” إن قرار تعين سفير أمريكي في السودان يعد خطوة فى اتجاه تطبيع العلاقات الثنائية ، مؤكدا أن ذات الخطوة تعمل على تحويل ملف السودان من الاهتمام الرئاسي والإستخباراتي الامريكي إلى الدائرة السياسية التي تشرف عليها وزارة الخارجية مباشرة باعتبار أن معاملات أمريكا كلها كانت في السابق مع السودان تتم عبر أجهزة المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي ، مُرجعا الامر إلى السياسات التي كان ينتهجها النظام السابق والتي بحسب أبوخريس كانت التعاون مع الجماعات الارهابيه ودعمها.

خطوة شكلية

الرشيد أبوشامة، سفير سابق بوزارة الخارجية السودانية

السفير السابق بوزارة الخارجية السودانية الرشيد أبوشامة يذهب في حديثه لــ “أفريقيا برس” إلى أن خطوة الترفيع الدبلوماسي بين البلدين تعد خطوة شكلية للولايات المتحدة لجهة أن القائم بالأعمال في الغالب يكون في رتبة سفير وعليه بحسب أبوشامة يمكن أن يجري أي مقابلة مع أي جهة حتى مع رئيس الدولة في السودان ، وأضاف ، الخطوة بالنسبة للأمريكان شكلية بيد أنها تمثل لنا استفادة قصوى فيما يتعلق بالمقابلات حيث تفيد السودان في الاتصال مع الكونغرس الأمريكي أو تكوينات داخل الولايات المتحدة. وأضاف كذلك تعين سفير أمريكي في السودان من مصلحة أمريكا نفسها لجهة أنه يراعي كل مصالحها في السودان ، لاسيما قضايا الانتقال في السودان والارهاب والاتجار بالبشر. و يرى السفير أن رفع التمثيل الدبلوماسي بين أمريكا والسودان ، يجعل السودان في مكانته الطبيعية ، بجانب إنه يكون له اعتبار بين الدول ، وفي رده على سؤال ، هل سيكون السودان تحت الوصايا الأمريكية؟ يجيب السفير قائلا : لن نقبل بأن نكون تحت الوصايا الأمريكية فالسودان الآن أصبح ذات سيادة ونحن في مستوى واحد مع أمريكا لذلك لا أحد يتحكم في مصيرنا وقرارنا ، معتبرا عهد الوصايا انتهى، وأن كل دولة تتحكم في مصيرها لوحدها ولا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية.

رسالة أمريكا

عبدالله آدم خاطر، كاتب صحفي ومحلل سياسي

ولم يذهب بعيدا ، عن أبوشامة الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عبدالله آدم خاطر ، إذ يرى ، أن تعين سفير أمريكي في الخرطوم لرعاية مصالح أمريكا في السودان ، لاسيما إن السفير الجديد يتمتع بمؤهلات وخبرات واسعة في محاربة الارهاب. وأضاف، لذلك أوضح أن الولايات المتحدة من هذا التعين تريد أن ترسل رسالة للسودان فحواها ” إننا نريد أن نساعدكم في محاربة الارهاب وأن ال Bi التي أرسلناها لكم هي للوقوف مع الشرطة والاجهزة الامنية لمحاربة التطرف والارهاب في بلدكم ” ، لافتا في حديثه لـ “أفريقيا برس” إلى أن الخطوة تعكس جدية الولايات المتحدة في التعاون مع حكومة الثورة في السودان ، ونوه إلى أن تعين السفير أعقبه نتائج ملموثة من أمريكا متمثلة في رفع إسم السودان من قائمة الإرهاب ، بجانب المساعدات الاقتصادية ، معتبرا في ذات الوقت وجود سفير أمريكي في السودان بإمكانه معالجة مشاكل السودان الداخلية والخارجية لاسيما مع إثيوبيا ومصر.

تحول كبير

راشد التجاني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أمدرمان الاسلامية

كما ، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أمدرمان الاسلامية راشد التجاني تعين سفير أمريكي في السودان بالتحول الكبير على مستوى الترفيع الدبلوماسي باعتبار إنه كان منذ فترة طويلة على مستوى القائم بالأعمال ، وأوضح راشد لـ “أفريقيا برس” إن قرار تعين السفير الأمريكي في السودان إتخذته أمريكا منذ فترة ، بيد أن التنفيذ قد تأخر ، واصفا الخطوة بالايجابية والتي تعكس رغبة الولايات المتحدة في تحسين علاقاتها مع السودان ، منوها إلى أن أمريكا تعي أهمية ودور ومكانة السودان في المنطقة الافريقية باعتباره مفتاح لحل كثير من القضايا الافريقية.
وفي رده على سؤال، هل سيكون السودان تحت الوصايا الأمريكية؟ قال راشد ، الامر ليس له علاقة بالوصايا بل يتعلق بتحسين وضع أفضل للبعثات الدبلوماسية بين البلدين وأن تكون مهامها أفضل مما كانت عليه في درجة القائم بالأعمال.

محطات من العلاقات السودانية الأمريكية

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here