بقلم : خالد الفكى
تمر هذه الأيام الذكرى الثانية لفض اعتصام القيادة العامةفض اعتصام القيادة العامة الذي تم في يوم الثالث من يونيو للعام 2019، حيث مثل صدمة للشعب السوداني بسبب الانتهاكات التي وصفت بأنها جرائم ضد الانسانية، ولكن المدهش أن تخرج قوى كانت تعارض نظام عمر البشير بشدة وقادت تظاهرات ومواكب ثورة ديسمبر وعلى رأسها الحزب الشيوعي السوداني والذي يتنبى حاليًا دعوة إسقاط حكومة الفترة الانتقالية بشقيها العسكري والمدني. ليكون السؤال الذي في حاجة للاجابة. لماذا هذه المعارضة وقيادتها لإسقاط حكومة الثورة التي خلعت النظام السابق؟
مواكب العدالة
انطلقت “مواكب العدالة”، واحتشدت أمام مبنى مجلس الوزراء، بشارع الجامعة، وأحاطت به تمامًا، حيث تدافعت حشود تُقدّر بالآلاف في يوم ذكرى فضّ اعتصام القيادة العامة، ورددت الجماهير، شعارات تنادي بحق الشهيد، والدماء التي سفكت غدرًا وتحقيق مطالب الثورة بالحرية والسلام والعدالة، ومُحاكمة المُجرمين، وضرورة عدم بيع الدماء مقابل الكراسي والمناصب، بينما قام بعض الثوار، بحرق العلم الإسرائيلي أمام بوابة مجلس الوزراء.
القيادي في حزب المؤتمر السوداني، مهدى رابح، يرى بشأن دعوة بعض القوى السياسية داخل الحرية والتغيير لاسقاط الحكومة على رأسها الحزب الشيوعي ومدى خدمة أعداء الثورة، بأن الأحزاب التي كانت جزءا من الحرية والتغيير وخرجت من التحالف وأعلنت سعيها لاسقاط الحكومة هي بالفعل إحدى العقبات الكبيرة أمام نجاح إحدى أعقد الانتقالات في العالم، والتي تتطلب الكثير من وضوح الرؤية والصبر على النتائج التي لا يمكن تحقيقها الا عبر العمل الجماعي المشترك، وذلك لان الدعوات المماثلة تؤدي إلى مزيد من تشظي الصف الوطني ووضع مزيد من العقبات أمام التغيير المنشود وبالتالي تخدم القوى المضادة للثورة عن قصد أو بدونه.
وتابع القيادي في حزب المؤتمر السوداني حديثه لـ “أفريقيا برس”، بأن هذه الأحزاب في أغلبها كانت من المشاركين في الوصول إلى التسوية التي عبرت عنها الوثيقة الدستورية والى المقاربة المتدرجة والسلمية للوصول إلى أعتاب التحول الديموقراطي، لكن لان أجندتها مفارقة تماما لبرامج غالب القوى الأخرى الساعية الى تأسيس دولة تعددية ديموقراطية حديثة وطبيعة، كونه مرتبط بايديولوجيات عقائدية متكلسة عفى عليها الزمن، تفرض عليها الالتزام بخط سياسي متطرف يسعى إلى إعادة إنتاج تجارب أثبت التاريخ فشلها الذريع المرة تلو الأخرى، مضيفًا، وهذا في تقديري هو السبب في عدم إعلانهم بصورة صريحة عن المقاربة البديلة التي يريدون اتخاذها كبديل للمسار الحالي، كما أن استخدام الخطاب العاطفي المتطرف يخدم تلك الكيانات في توسيع قاعدتها الجماهيرية الضيقة نسبيا.
مبررات الشيوعي
ويبرر السكرتير العام محمد مختار الخطيب للحزب الشيوعي، تبنيهم دعوة إسقاط حكومة الثورة بالقول أن السياسات التي تتجاوز الحلول الوطنية وحشد الموارد الداخلية لصالح تبني حلول الخارج والاعتماد على القروض والديون لا تورث سوى الفقر والتبعية، مشددًا على أن الثورة السودانية جاءت لإحداث تغيير جذري يفكك ركائز الطفيلية الرأسمالية.
وأشار الخطيب إلى أن شعارات الثورة والحراك أرعبت النخب من أصحاب الامتيازات وحالفائهم بالخارج، لذا قرروا قطع الطريق بانقلاب اللجنة الأمنية الذي حدث بتحالفها مع الطفيلية الرأسمالية، وأضاف أن هؤلاء اكتفوا بالإطاحة برؤوس النظام، ليبدأ العسكر في صنع التحالفات مع الهبوط الناعم والخارج. وأضاف “قوى الهبوط الناعم وافقت سابقًا على خوض الانتخابات في 2020 وتوسعة القاعدة الجماهيرية للنظام المباد، قاطعًا بأن فض الاعتصام حدث للجم الحراك الجماهيري وإرهاب الثوار”.
وحول المدى الذي يمكن أن تقود اليه دعوات إسقاط الحكومة استبعد القيادي في حزب المؤتمر السوداني مهدى رابح لـ “أفريقيا برس”، أن تقود هذه الدعوات الى اسقاط الحكومة لاعتبار وعي شرائح واسعة من الجماهير التي صنعت الثورة وأسقطت النظام في 2019، وتابع بالقول ” هذه ثورة محمية بدماء شهدائها وبسلميتها ونبل مقاصدها وستبلغ منتهاها لا محالة”.
اصلاح الدولة
هذا ودعا السكرتير العام للحزب الشيوعي إلى تكوين جبهة عريضة للتغيير الجذري تتضمن كل ما ورد في وثائق مؤتمر القضايا المصيرية أسمرا 23 يونيو1995، وما ورد في البديل الديمقراطي 2012 وهيكلة الدولة السودانية بباريس فضلًا عن إعلان الحرية والتغيير الموقع في 2019، طارحًا في الوقت ذاته مسودة ميثاق وبرنامج بعنوان “السودان الأزمة وطريق الثورة”.
المتحدث الرسمى باسم الجبهة الثورية الدكتور محمد زكريا قال لـ “أفريقيا برس”، بأن الدعوات لاسقاط الحكومة دعوات معزولة ولا تمثل نبض الثورة السودانية التي أسقطت نظام البشير الذي جث على صدور السودانيين لثلاثين عام، كما وصفت تلك الدعوات بأنها تأتي لهزيمة الفترة الانتقالية، داعيا جموع السودانيين لعدم الالتفات اليها.
وأوضح سكرتير الحزب الشيوعي أن أبرز ملامح البرنامج تتمثل في تأسيس دولة ديمقراطية قائمة على المواطنة، إصلاح القوات النظامية وحصر دورها في حماية المواطنين والحدود، تحت إمرة القوى المدنية بعقيدة الولاء للوطن والدستور وتسريح وحل الميليشيات والحركات، تطبيق العدالة واستعادة المنهوب من أموال وموارد الشعب، دولة موحدة بحكم لا مركزي، استدامة الديمقراطية ونشر الحريات، مساواة المرأة والرجل مع تمييز المرأة إنجابيًا، إجازة قانون النقابات الموحد، تبني الاقتصاد المختلط بتخطيط مركزي، استدامة السلام، إيقاف مشروعات السدود، تبني سياسة خارجية معيارها الوحيد مصالح السودان واناء سياسية المحاور، عقد مؤتمر دستوري في نهاية الفترة الانتقالية.
بالمقابل يري القيادى في الجبهة الثورية الدكتور محمد زكريا، هذه الدعوات تُطلق في ظل انعدام الحواجز مابين الشعب وقياداته في الحكومة الانتقالية الحالية، مشيرًا إلى سهولة الوصول وايصال كافة البلاغات والمشكلات التي تتعلق بخدمة المجتمع حيث أن أبواب المسؤولين مفتوحة دون حواجز كما كان في عهد النظام المباد، مُبديًا تعجبه من دعوة الشيوعي لإسقاط حكومة الثورة التي تسعى لاقرار قواعد الدولة المدنية الديمقراطية رغم التحديات المتعددة، كما حث على تعضيد وتقوية الحاضنة السياسة للحكومة لتفويت الفرصة على أصحاب الأجندات والمنافع الضيقة التي ترى مصالحها ولا تنظر الى مصالح الشعب السوداني.
كما قال رئيس مجلس الوزراء الانتقالي عبدالله حمدوك بمناسبة ذكرى فض الاعتصام بإن الحكومة تفعل كل ما في وسعها لتحقيق العدالة، وهي تراعي في نفس الوقت استقلالية الأجهزة العدلية وعدم الرغبة في التدخل في عملها، باعتبار أن استقلالية هذه الاجهزة هو واحد من المطالب التي سعت هذه الثورة لتحقيقها، بالتالي فإن الصبر على آليات العدالة هو الثمن الذي يجب أن ندفعه لنضمن بناء أجهزة عدلية مستقلة لا تخضع لأهواء الأنظمة.