عثمان آدم الشريف لـ”أفريقيا برس”: تغيير العملة خطوة أساسية لمكافحة التزوير وتحسين الاقتصاد

66
عثمان آدم الشريف: تغيير العملة خطوة أساسية لمكافحة التزوير وتحسين الاقتصاد
عثمان آدم الشريف: تغيير العملة خطوة أساسية لمكافحة التزوير وتحسين الاقتصاد

أحمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. منذ اندلاع حرب السودان في 15 أبريل 2023، شهد الاقتصاد السوداني تدهورًا كبيرًا، تزامن مع نهب قوات الدعم السريع للمصارف وأموال المواطنين. هذا الأمر دفع السلطات السودانية لاتخاذ خطوة تغيير العملة بهدف السيطرة على السيولة والتحكم في الكتلة النقدية.

خطوة تغيير العملة أثارت جدلًا واسعًا، إذ رأى البعض أنها خطوة إيجابية قد تسهم في إنقاذ الاقتصاد السوداني من الانهيار، بينما اعتبرتها قوات الدعم السريع تمهيدًا لتقسيم السودان.

وفي هذا السياق، أجرت “أفريقيا برس” حوارًا مع الباحث الاقتصادي عثمان آدم الشريف، لمناقشة تبعات تغيير العملة وآثارها على الاقتصاد السوداني، إضافة إلى الحلول الممكنة لمعالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد.

كيف تنظر إلى عملية تغيير العملة في السودان؟

تعد عملية تغيير العملة واستبدالها خطوة استثنائية اتخذها البنك المركزي لمواجهة التحديات الراهنة التي تواجه الاقتصاد السوداني. وتهدف هذه الخطوة إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، أبرزها مكافحة التزوير، حيث تصاعدت محاولات تزوير العملة القديمة إلى جانب عمليات النهب والسرقة. كما تهدف إلى تحصين الاقتصاد من خلال تقليل تداول الأموال خارج النظام المصرفي، وتعزيز الثقة في الجهاز المصرفي عبر تشجيع المواطنين على فتح حسابات مصرفية واستخدامها لضبط حركة النقد وضمان انسيابها داخل النظام المصرفي. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الخطوة إلى مواجهة الاقتصاد الموازي عبر تقليص الأنشطة غير القانونية التي تعتمد على النقد المتداول خارج البنوك.

ورغم أهمية هذه الخطوة في الاتجاه الصحيح، فإنها جاءت متأخرة إلى حد ما، ولا بد أن ترافقها مجموعة من الإصلاحات الهيكلية لضمان تحقيق الاستقرار الاقتصادي. يجب أن تعالج هذه الإصلاحات الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية، مثل انهيار الإنتاج المحلي، وخروج الكتلة النقدية من التداول، والاعتماد الكبير على الواردات. كما ينبغي التركيز على تحسين البنية التحتية لشبكات الإنترنت لضمان فعالية التعامل المصرفي الإلكتروني، بما يعزز كفاءة النظام المصرفي ويضمن انسيابية العمليات المالية.

هل تغيير العملة يحقق أهدافه المتمثلة في نزع العملة من قوات الدعم السريع؟

يُساهم تغيير العملة بصورة مباشرة في تحقيق أهدافه المتعلقة بنزع السيطرة على النقد المتداول من قوات الدعم السريع، حيث يؤدي إلى إلغاء القيمة القانونية للعملة القديمة، مما يجعلها غير مبريئة للذمة. هذا الإجراء يخلق حالة من عدم القدرة على التعامل بالنقد القديم في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، ويحد من استخدام الأموال المتداولة خارج النظام المصرفي بشكل غير مشروع. وبذلك، يسهم هذا التغيير في تقليص النشاطات الاقتصادية غير القانونية، ويفرض مزيدًا من الضوابط على حركة الأموال داخل الإطار الرسمي.

ماذا يترتب على تغيير العملة اقتصادياً؟

تغيير العملة في السودان جاء استجابة للتحديات التي واجهها القطاع المصرفي قبل الحرب وما بعدها، حيث كانت أكثر من 90% من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، إضافة إلى خروج عدد كبير من المصارف عن الخدمة بسبب الحرب. هذه التحديات دفعت إلى اتخاذ هذه الخطوة ضمن أهداف استراتيجية معلنة لتغيير العملة، تشمل: مكافحة التزوير، حيث ازدادت محاولات تزوير العملة القديمة من قبل ميليشيات وأطراف غير رسمية؛ تحصين وحماية الاقتصاد من خلال تقليل تداول الأموال خارج النظام المصرفي؛ تعزيز الثقة في النظام المصرفي عبر تشجيع المواطنين على فتح حسابات مصرفية والتعامل من خلالها؛ ومواجهة الاقتصاد الموازي بتقليص الأنشطة غير القانونية التي تعتمد على النقد المتداول خارج البنوك.

اقتصادياً، تسهم هذه الإجراءات في ضبط وتنظيم حجم السيولة النقدية في الأسواق وسحب كميات كبيرة من الكتلة النقدية، مما يؤدي إلى “امتصاص السيولة”. كما يساهم تغيير العملة في تحسين سعر الصرف والانخفاض التدريجي للتضخم. بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن تدعم هذه الإجراءات استعادة القطاعات الإنتاجية المتضررة بفعل الحرب، مما يعزز استقرار الاقتصاد الكلي ويؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي بشكل عام.

كيف تُقيِّم الوضع الاقتصادي في السودان منذ اندلاع الحرب وحتى الآن؟

شهد الاقتصاد السوداني منذ اندلاع الحرب تدهوراً حاداً في مختلف قطاعاته، حيث وصُف الوضع بـ”الكارثي”. وقد تراجعت قيمة الجنيه السوداني بشكل كبير، وضعف الإنتاج المحلي إلى حد التوقف الكامل في بعض المجالات. كما ارتفع الطلب على العملات الأجنبية لتغطية الواردات، مما ساهم في تنامي الاقتصاد غير الرسمي. تسببت الحرب أيضاً في زيادة معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي، مع تدهور غير مسبوق في المستوى المعيشي للمواطنين، حيث ارتفعت الأسعار بشكل كبير في ظل تراجع الدخل الحقيقي. إضافة إلى ذلك، عانى السوق من نقص حاد في السلع الأساسية، مثل الغذاء والوقود والدواء، نتيجة تدمير خطوط الإنتاج وارتفاع تكلفة الواردات.

في المجمل، تسببت الحرب في تدمير شامل للقطاعات الاقتصادية والخدمية، مما أدى إلى تراجع الإنتاج، ارتفاع البطالة، ونقص شديد في السلع والخدمات الأساسية.

إذن، ما هي الخطوات الإجرائية لإصلاح الاقتصاد في مرحلة الحرب؟

لإصلاح الاقتصاد السوداني في ظل ظروف الحرب الحالية، يجب تنفيذ مجموعة من الخطوات الإجرائية العاجلة والمستدامة لضمان التعافي الاقتصادي وتحقيق الاستقرار.

أولاً، يجب التركيز على إصلاح النظام المصرفي من خلال ضمان عمل البنوك بشكل فعال وتعزيز الثقة في القطاع المصرفي عبر تشجيع الودائع وضبط نظام القروض، مع تفعيل آليات الرقابة ومكافحة الفساد وفرض إجراءات صارمة على المخالفين.

ثانياً، ينبغي تحفيز الإنتاج المحلي عن طريق دعم القطاعين الزراعي والصناعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات لوجستية ودعم البنية التحتية لتشجيع الاستثمار.

ثالثاً، يتطلب الوضع تعزيز التحول الرقمي في الاقتصاد من خلال تعزيز الدفع الرقمي وتقليل الاعتماد على النقد، مما يسهل الرقابة على تدفق الأموال وينظم عمل الجهاز المصرفي، إلى جانب تحسين البنية التحتية الرقمية لتسهيل العمليات الاقتصادية والمصرفية. وأخيراً، لا بد من الحصول على دعم دولي من خلال مساعدات إنسانية وقروض ميسرة تقدمها الدول الصديقة والمنظمات الدولية، بما يساهم في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وتوفير الاحتياجات الأساسية. إن تنفيذ هذه الخطوات يحتاج إلى تنسيق محكم بين القطاعات الحكومية والخاصة وإرادة سياسية قوية لمواجهة التحديات وتجاوز الأزمات التي تفاقمت بفعل الحرب.

كيف يمكن معالجة تراجع الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية خلال فترة الحرب؟

يُعدّ هذا الأمر من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد السوداني، ويتطلب معالجته اتباع سياسات اقتصادية متكاملة وفعّالة. يمكن تحقيق ذلك من خلال تبني سياسة نقدية مرنة تمكن البنك المركزي من التدخل في الأسواق المالية وضبط سعر الصرف عبر بيع العملات الأجنبية لتحقيق استقرار الجنيه. كما يجب العمل على زيادة الإنتاج المحلي في المناطق الآمنة وتقليل الاعتماد على الواردات، مما يقلل الضغط على العملة الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تشجيع التحويلات النقدية من السودانيين بالخارج عبر تقديم حوافز لتحويل الأموال باستخدام قنوات رسمية، حيث تمثل هذه التحويلات مصدراً مهماً للعملة الصعبة.

إلى جانب ذلك، من الضروري تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة في القطاعات الرئيسية مثل التجارة والصناعة والتعليم، بهدف تطوير الموارد المحلية وتحسين الإنتاجية. ويتطلب ذلك تضافر الجهود الحكومية لتعزيز عمل مؤسسات الدولة، مع وضع خطط مدروسة لتحقيق استقرار اقتصادي شامل. على الحكومة أن تضمن تناغم هذه السياسات مع بعضها البعض لتعمل بشكل متكامل على الحد من الأزمة وتوفير بيئة اقتصادية مستقرة ومزدهرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here