عروة الصادق لـ”أفريقيا برس”: استعادة الجيش للسيطرة لا تعني نهاية الحرب

23
عروة الصادق: استعادة الجيش للسيطرة لا تعني نهاية الحرب
عروة الصادق: استعادة الجيش للسيطرة لا تعني نهاية الحرب

أحمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. أكد القيادي في تحالف “صمود”، عروة الصادق، أن وصف استعادة الجيش للخرطوم والجزيرة وسنار بـ”التحرير” غير دقيق، مشددًا في حوار مع “أفريقيا برس” على أن التحرير الحقيقي هو إنهاء الحرب وعودة الحكم المدني.

وقال إن “صمود” (التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة في السودان) لم تفقد شعبيتها، كونها جزءًا من قوى رافضة للحرب من جميع الأطراف، داعية إلى حل سياسي شامل. وأضاف أن الموقف الدولي من الجيش لا يزال حذرًا، بسبب غياب الشرعية المدنية وعودة الإسلاميين. وأوضح أن الداعمين السابقين للدعم السريع يعيدون حساباتهم، فيما تتلقى المؤسسة العسكرية دعمًا غير معلن من أطراف مثل مصر وإيران، لكن دون قدرة حقيقية على مواجهة الإمارات كما لمح ياسر العطا.

كيف تنظر إلى انتصارات الجيش حيث حرر الخرطوم والجزيرة وسنار؟

لا يمكن إنكار أن الجيش السوداني استعاد السيطرة على مناطق استراتيجية مثل الخرطوم ومدن أخرى في الجزيرة وسنار، ولكن وصف ذلك بـ”التحرير” ليس دقيقًا، لأن الحرب لم تنتهِ بعد. فالانتصار الحقيقي والتحرير المطلوب يجب أن يتمثل في إنهاء الحرب نهائيًا واستعادة الحكم الانتقالي المدني، الذي حرّر الخرطوم سابقًا من نظام الانفراد والاستبداد الإخواني.

ويتحقق التحرير حين يتمكن السودانيون من العودة إلى ديارهم، وإعادة بناء السودان على أسس سياسية مستقرة، لا بمجرد تقدم عسكري يغيّر موازين القوى مؤقتًا.

صحيح أن الجيش فرض سيطرته، لكن ذلك لم يؤدِ إلى استقرار سياسي أو تحسّن في الأوضاع الإنسانية. بل على العكس، لا تزال البلاد تعاني من دمار واسع، وانهيار اقتصادي، ونزوح ملايين المواطنين. كما أن قوات الدعم السريع لم تُهزم بالكامل، بل انسحبت إلى مناطق غرب أم درمان، ولا تزال مدفعيتها تستهدف مناطق تحت سيطرة الجيش، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا يوميًا هناك.

ولا تزال قوات الدعم السريع تحتفظ بعديد وعتاد كبير في معاقلها ببعض مناطق دارفور وكردفان، مما يعني أن بؤرة القتال قد تغيّرت، لكنها لم تُمحَ من الوجود كما وعد قادة الجيش.

بعد انتصار الجيش، ألا ترى أن “صمود” ستفقد شعبيتها بعد مناصرتها للدعم السريع الذي انهزم؟

أخي أحمد، الحكم على شعبية القوى السياسية يجب أن يكون بناءً على برامجها السياسية، لا على مواقفها من طرفي الصراع. “صمود” لم تكن وحدها في موقفها، فهناك طيف واسع من القوى السياسية والمدنية التي رفضت الحرب من كلا الطرفين، ودعت إلى حل سياسي منذ بداية الحرب ولا تزال على هذا الموقف.

والواقع أن الحرب كشفت عن إخفاقات جميع الأطراف، بما في ذلك الجيش نفسه، الذي فشل في تأمين البلاد ومنع الانهيار. وكانت بعض قيادات “صمود” تتواصل مع البرهان وتحذره من خطورة الأوضاع حتى الساعات الأولى من فجر السبت، إلا أن رده كان ينفي صحة المعلومات التي أشارت إلى احتمال اندلاع الحرب.

أما قوات الدعم السريع، فقد ارتكبت فظائع وتجاوزات جسيمة في المناطق التي سيطرت عليها، وهو ما أضعف موقفها السياسي. وبالتالي، فإن الأحزاب التي تدعو للسلام، وليس “صمود” وحدها، ستظل مؤثرة طالما تمتلك رؤية واضحة لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة، بغض النظر عن الطرف الذي كانت تسانده.

كيف يتعامل الخارج مع حكومة الجيش المنتصرة على قوات الدعم السريع؟

الموقف الدولي تجاه الجيش السوداني لا يزال حذرًا، كما هو واضح. صحيح أن بعض الدول، خصوصًا الإقليمية، قد تميل إلى التعامل مع سلطة عسكرية مستقرة، فبيئة الجوار لا تفضّل الأنظمة الديمقراطية أو المدنية، إلا أن الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، تضع شروطًا لأي تعامل رسمي، أبرزها ضرورة العودة إلى مسار سياسي يشمل المدنيين، وإبعاد الإسلاميين الذين استعادوا نفوذهم داخل المؤسسة العسكرية.

ونلاحظ أن جميع هذه الدول اكتفت بتعيين مبعوثين خاصين دون أي تمثيل دبلوماسي حقيقي، مثل فتح سفارة أو تعيين قائم بالأعمال. كما أن الجيش لم يتمكن حتى الآن من بناء شرعية حقيقية تمكّنه من الحصول على دعم دولي واسع، فالعقوبات لا تزال مفروضة، وتجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي مستمر، والمساعدات الاقتصادية والإغاثية مجمّدة إلى حد كبير، ما لم يكن هناك التزام واضح بإجراء إصلاحات سياسية وعسكرية جادة.

بعد انهيار الدعم السريع وفقدانه للخرطوم والجزيرة وسنار، ما هي خطط الدول التي كانت تدعمها؟

الدول التي كانت تدعم قوات الدعم السريع، مثل الإمارات، قد تعيد حساباتها في ضوء المستجدات العسكرية الأخيرة. ومع ذلك، لم يؤدي ذلك إلى انهيار الدعم السريع بالكامل، بل انسحب إلى مناطق أخرى قد يستخدمها لإعادة التموضع، مما يضع الداعمين السابقين أمام خيارين: إما التخلي عنه تمامًا، أو السعي إلى تسوية سياسية تضمن لهم بعض مصالحهم.

وقد تتحول بعض هذه الدول إلى دعم مبادرات سلام، أو تسعى إلى فرض واقع سياسي جديد من خلال الضغط على الجيش السوداني للقبول بمسار تفاوضي، خاصة أن استمرار الحرب يهدد مصالحها الاقتصادية والأمنية في المنطقة.

ولا يمكن قراءة هذه التحركات بمعزل عن زيارات القيادة الإماراتية إلى الولايات المتحدة ودول الجوار الأفريقي، وحديثهم المتكرر عن الملف السوداني، خاصة عند قراءة ذلك بالتوازي مع المقاربة التركية المطروحة على الطاولة.

هل هناك دول دعمت الجيش السوداني، سيما أنه حقق انتصارات عديدة؟

نعم، بالتأكيد. الجيش السوداني تلقى دعمًا مباشرًا وغير مباشر من عدة أطراف، أبرزها مصر، التي استفادت منذ انقلاب أكتوبر 2021، ورفعت احتياطياتها من الذهب إلى نحو 126 طنًا، بعد أن كانت لا تتجاوز 20 طنًا قبله، إضافة إلى عمليات تهريب الموارد والمحاليل والمواد الخام والماشية.

وترى مصر في انتصار الجيش السوداني ضمانًا لاستقرار حدودها الجنوبية وحفاظًا على مصالحها المائية. وقد حصلت على امتيازات دبلوماسية من حكومة بورتسودان، كافتتاح مكاتب قنصلية تشرف على ولايات القضارف وكسلا ونهر النيل والبحر الأحمر، بالإضافة إلى وجود قنصلي في وادي حلفا.

كما أن إيران استأنفت تعاونها العسكري مع الجيش، وهو ما ظهر في صفقات الأسلحة التي تم الكشف عنها مؤخرًا في تقارير صحفية دولية. إيران اختارت أيضًا إعادة تموضعها في البحر الأحمر لتعزيز “محور الممانعة”، واستعادة مصالحها في التصنيع الحربي وتجارة النفط، كما كان الحال في حقبة النظام السابق، وقدّمت دعمًا لحكومة بورتسودان، وإن لم يكن دعمًا مباشرًا أو مكشوفًا.

في المقابل، فضّلت بعض الدول الأخرى دعم الجيش بشكل غير معلن، من خلال توفير العتاد والمعلومات الاستخباراتية، دون إعلان رسمي، خوفًا من ردود الفعل الدولية، على عكس الدعم المكشوف الذي تلقته قوات الدعم السريع.

تصريحات العطا التي قال فيها إنه سيقتص من الإمارات.. ماذا يمكن للجيش السوداني أن يفعله للإمارات؟

تصريحات ياسر العطا تُذكّر بتصريحات جماعة الإنقاذ في التسعينات، التي بدأت بشعارات مثل “أمريكا وروسيا قد دنا عذابهما”، وانتهت بطلب البشير الحماية من بوتين. وهي تصريحات تعكس توترًا واضحًا بين السودان والإمارات، لكنها على الأرجح تدخل ضمن إطار المناورات الإعلامية، أكثر من كونها تهديدات فعلية قابلة للتنفيذ.

فعلى أرض الواقع، لم تمنع السلطات السودانية حتى الآن تصدير الذهب إلى الإمارات، ولا تزال شبكات التهريب تنشط عبر مطار بورتسودان. كما أن بنك “النيلين – أبوظبي”، وهو أحد أكبر مصادر تجاوز العقوبات والتحايل المالي، لا يزال يعمل، إلى جانب استمرار المعاملات الحكومية عبر بنك الخرطوم، الذي تمتلك الإمارات حصة كبيرة فيه.

أما من حيث الدعم الإنساني، فلم يتم رفض أو إرجاع الأموال القادمة من مؤسسات العون الإماراتي، ما يؤكد استمرار القنوات الاقتصادية والدبلوماسية بين الطرفين.

يواجه الجيش السوداني تحديات داخلية كبيرة، من أبرزها هيمنة التنظيم المحلول على القرار السياسي والمؤسسات، ما يضعف قدرة القيادة، وتحديدًا البرهان، على اتخاذ مواقف صدامية مع قوة إقليمية بحجم الإمارات. فالأخيرة يمكن أن تستغل الوضع لتشكيل تحالفات تحت شعار “مكافحة الإرهاب”.

وفي أقصى الحالات، قد تلجأ حكومة بورتسودان إلى خطوات دبلوماسية، كقطع العلاقات، أو تقليص النشاط الاقتصادي الإماراتي، أو حتى مصادرة أموال وأصول يُقال إنها تدعم الحرب، بالإضافة إلى إمكانية تقديم شكاوى دولية ضد قادة الإمارات أمام المحكمة الجنائية الدولية.

لكن من الناحية العسكرية، لا يمتلك الجيش السوداني القدرة التقنية أو اللوجستية أو السياسية التي تمكنه من تهديد الإمارات، خاصة في ظل حاجته إلى دعم إقليمي للحفاظ على سلطته.

لذلك، يمكن القول إن ما يجري في السودان لا يُختزل في انتصار عسكري، بل هو إعادة تموضع لصراع معقّد. فالجيش استعاد السيطرة على مناطق مهمة، لكنه لم يحسم الحرب بعد، ولا يزال يواجه تحديات سياسية وإنسانية ضخمة. وأي استقرار حقيقي لن يتحقق عبر الانتصار العسكري فقط، بل عبر حل سياسي شامل يضع السودان على مسار مدني جديد بعيدًا عن الحكم العسكري وهيمنة التيار الإسلاموي، وهو ما لا يبدو قريب المنال في الظروف الحالية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here