أفريقيا برس – السودان. خلّفت الحرب في السودان آثاراً عميقة على القطاعات الاقتصادية، وأصبح أكثر من ثلاثة آلاف عامل في حقل التعليم خارج منظومة المرتبات منذ نحو عامين، في وقت أعلنت فيه مؤسسة “التعليم فوق الجميع” ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة أن أكثر من 158 ألف طفل غير ملتحقين بالمدرسة في السودان للحصول على تعليم جيد بسبب توقف الدراسة.
يأتي ذلك في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة يعيشها السودانيون، بحسب ما صرّحت به أخيراً وكالات تابعة للأمم المتحدة، وسط الحرب المتواصلة في البلاد منذ نحو عامين. ويواجه السودان أزمة تعليمية غير مسبوقة، فيما تعرّضت مدارس عدة للتدمير أو صارت أهدافاً للصراع، فيما يُستخدَم ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مدرسة ملاجئ للعائلات النازحة. وفي الأثناء، حُجبَت مرتبات المعلمين في كل أنحاء السودان، عدا بعض الولايات، مثل نهر النيل، القضارف، كسلا، الشمالية، والبحر الأحمر، حيث تزيد فيها نسبة الصرف عن الولايات الأخرى إلى حد ما، أما بقية الولايات فتتفاوت وتتنافس في عدم صرف المرتبات.
يقول المتحدث الرسمي باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر، لـ”العربي الجديد” إن وزارة المالية انتهجت أسلوب الهروب من المسؤولية في ما يتعلق بصرف المرتبات، وأرجعت الصرف إلى الولايات، رغم أنها تعلم أن موارد الدولة مركزية، بما فيها المرتبات. وأضاف: “هذا تنصل من المسؤولية ومحاولة تشتيت، بمعنى أن كل طاقم الحكومة شريك في حجب مرتبات المعلمين”.
أزمة العاملين في التعليم
ويرى سامي أن المسألة مقصودة لتوجيه الموارد إلى المجهود الحربي، تاركةً المعلمين لمدة سنتين دون رواتب، وعلى قلتها فقد حُجب كثير من العلاوات والبدلات، وعلاوة بدل طبيعة العمل، إضافة إلى حجب بدل اللبس والبدل النقدي ومنح الأعياد لمدة سنتين، ولم تُصرَف حتى في الولايات الآمنة، وما يُصرَف يمثل نسبة 60% فقط من المرتب.
واعتبر العلاوات من الدخول المهمة للعامل، مضيفاً: “هناك شيء مهم يُعتبر جريمة في حق العامل، وهو مسألة تآكل القيمة الشرائية للجنيه وتدنّي قيمة العملة، الذي انعكس على الأسعار، خصوصاً أن بنود نفقات المعيشة اليومية تضاعفت ست مرات، حيث كان المرتب يكفي العامل مدة عشرة أيام، والآن لا يكفي يومين أو ثلاثة حال صرفه”. وقال: “إن ما يحدث في المرتبات جريمة مركبة، بسبب آثارها على المعلمين والعاملين والأسر التي تعيش أوضاعاً كارثية في السودان”.
ولفت الباقر إلى استمرار بعض العملية التعليمية في ولايات خارج سيطرة الجيش، ما يؤكد أن “التعليم لا يتوقف بأي حال من الأحوال، ولذلك كنا نعتقد أن التعليم لا بد أن يكون مدخلاً للسلام”. وشدّد على مطالبات المعلمين في بعض الولايات المستقرة بحقوقهم، مؤكداً أنها لا تتوقف، خصوصاً تلك التي حُجبَت منذ بداية الحرب، ولا تسقط بالتقادم، وعلى الدولة الدفع.
كذلك طالب بسرعة الاستجابة، مشيراً إلى أن الحكومة عملت على معاقبة المعلمين في مناطق سيطرة “الدعم السريع” تحت بند التعاون مع الدعم، وهو ما يتنافى مع أولويات التعليم والمهنة، ما أدى إلى إيقاف رواتبهم.
وانتقد معلمون سياسة وزارة المالية التي فرضت على الولايات تحمّل مسؤولية دفع مرتبات المعلمين، في وقت تعاني فيه معظم الولايات من نقص حاد في الموارد نتيجة آثار الحرب.
وقالوا إن هذه السياسات تزيد من الضغوط على الأنظمة التعليمية المحلية وتؤثر بجودة التعليم. وقال المعلم بادي محمد صالح إن السياسة أدت إلى تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ، حيث يُدعَم التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش، بينما تهمل المناطق الأخرى، مشيراً إلى أن هذا التوزيع غير المتكافئ يعمّق الفجوة في فرص الحصول على التعليم، ما يهدد مستقبل الأجيال القادمة.
ويقول المختص في شؤون التعليم، محمد المصطفى، إن المرتبات لا تزال ثابتة، وتراوح بين 40 ألف جنيه للدرجة العمالية إلى 160 ألف جنيه للدرجة الأولى (الدولار = 2700 جنيه)، وقد تضاعفت الأسعار بصورة جنونية منذ اندلاع الحرب حتى الآن (ثمانية أضعاف تقريباً). وأضاف أن رواتب المعلمين حق مشروع تكفله القوانين المحلية والدولية، ولا يجوز التراخي في صرفها، بل يجب أن تكون أولوية لا تقبل المساومة أو التأجيل. كذلك إن التقصير في سدادها معلومة أسبابه، فالمطلوب توجيه فوري بسدادها للولايات كافة، خصوصاً في ظل مركزة الموارد، ما يجعل ترك هذا الملف للولايات نوعاً من التنصل من المسؤولية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس