أهداف سياسية لقصف “الدعم السريع” المرافق الحيوية في السودان

41
أهداف سياسية لقصف
أهداف سياسية لقصف "الدعم السريع" المرافق الحيوية في السودان

أفريقيا برس – السودان. تتخذ الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، المستمرة منذ ما يقارب العامين، شكلاً أكثر تدميراً، باستهدافها البنية التحتية الاستراتيجية والمنشآت المدنية التي نجا جزء منها خلال الفترة الماضية، خصوصاً تلك الواقعة في ولايات لم تصل إليها نيران الصراع. فقد عمدت “الدعم السريع”، أخيراً، إلى استخدام المدافع الثقيلة والطائرات المسيّرة لضرب محطات الكهرباء والماء والمستشفيات وحتى السدود، بالتزامن مع احتدام المعارك الميدانية مع الجيش الذي يتقدم ميدانياً، واضعاً يده على مواقع جديدة في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة وسط البلاد، وولاية شمال دارفور غرباً. وقد تمكن الجيش في 11 يناير الحالي من السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، وعلى مناطق أخرى في الولاية بعد أن ظلت تحت قبضة “الدعم السريع” منذ 17 ديسمبر/كانون الأول 2023. كما يخوض قتالاً مستمراً مع “الدعم” في مدينة بحري، إحدى مدن ولاية الخرطوم الثلاث، وفي ولاية شمال دارفور.

هجمات “الدعم السريع” على المنشآت الحيوية

خلال الأيام الماضية ومع التقدم الميداني للجيش كثّفت قوات الدعم السريع هجماتها على محطات الكهرباء والمطارات والمستشفيات مستخدمة الطائرات المسيّرة، ما تسبب في احتراق عدد من محطات الكهرباء. فقد استهدفت مسيّرات محطة توليد الكهرباء الرئيسية في سد مروي في الولاية الشمالية، أيام 9 و13 و15 يناير الحالي، وتسببت بقطع التيار عن مناطق واسعة. وقبلها في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، هاجمت مسيّرات “الدعم السريع” مطار مروي، فيما أعلنت الفرقة 19 التابعة للجيش بالمدينة، في بيان، يوم 29 نوفمبر، إسقاط جميع المسيّرات المهاجمة، موضحة أن الهجوم استمر لما يقارب الست ساعات.

في 18 يناير الحالي هاجمت طائرات مسيّرة أطلقتها “الدعم السريع” المحطة التحويلية للكهرباء بمنطقة الشوك في ولاية القضارف شرقي البلاد، متسببة في انقطاع تام للتيار عن ولايات القضارف وكسلا وسنار. كما ضربت “الدعم” بطائرات مسيّرة مفخخة محطة كهرباء مدينة دنقلا التحويلية بالولاية الشمالية، في 20 يناير الحالي، ما تسبب في انقطاع التيار عن عدة مواقع، واستهدفت أيضاً بهجوم مماثل، يوم 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي مطار مدينة عطبرة في ولاية نهر النيل، شمال شرقي البلاد. وصف المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو الغارات التي شنتها قوات الدعم السريع بطائرات مسيّرة على سد مروي بأنها هجمات على الشعب السوداني ويجب أن تتوقف. وقال في تصريح على منصة إكس، يوم 15 يناير الحالي، إنه بين عشية وضحاها وردت المزيد من التقارير “المزعجة” عن غارات طائرات بدون طيار شنتها “الدعم السريع” تستهدف مجمع سد مروي في السودان، مضيفاً أن السد هو مصدر طاقة حيوي للمنازل والمستشفيات والمدارس وأكثر من ذلك، مذكراً بأن البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف ينص على حماية خاصة للسدود.

من جهتها قالت منظمة أطباء بلا حدود إنه مع استمرار دوران رحى الحرب في الخرطوم، يعاني السكان الآن أيضاً من انقطاع التيار الكهربائي ونقص المياه من الشبكة العامة بعد تعرّض محولات الطاقة في أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في السودان في مروي لأضرار بالغة، بسبب ضربة في 13 يناير الحالي. وأضافت المنظمة في بيان يوم 18 يناير الحالي، أنه مع انقطاع الكهرباء منذ 13 يناير، وغياب إمدادات المياه العامة منذ 14 يناير، بدأت المستشفيات التي تدعمها في أم درمان، بولاية الخرطوم، في تقنين الطاقة وتقليل الخدمات. ولضمان عدم انقطاع الكهرباء والمياه والأكسجين للمرضى، ذكرت المنظمة أنها اشترت وقوداً واستأجرت مولدات كهربائية ونقلت الأكسجين إلى مستشفيات النو والبلك، في أم درمان. كما زادت سعة إمدادات المياه من البئر الموجودة في مستشفى النو، مشددة على ضرورة أن تتوقف الهجمات التي تشنها الأطراف المتحاربة في السودان على البنية التحتية المدنية الحيوية على الفور. كذلك أعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، في بيان يوم 19 يناير الحالي، أن الدعم السريع نهبت مستشفى منطقة أربجي بولاية الجزيرة، وهو المستشفى الوحيد العامل في المنطقة، ما يفاقم معاناة المواطنين ويُعد استهدافاً مباشراً للبنية التحتية الصحية. وأضافت أن “الدعم” نهبت الممتلكات العامة والخاصة بما في ذلك المحال التجارية والمواشي، ودمرت أيضاً محطات الكهرباء والمياه، “ما يُعد جريمة حرب وفق القانون الدولي”.

في السياق نفسه قال وزير الإعلام والمتحدث باسم الحكومة السودانية خالد الإعيسر، في بيان يوم 20 يناير الحالي، إن “الدعم السريع” كثفت “هجماتها الإرهابية” لتدمير المرافق الحيوية في السودان، من خلال استهداف السدود ومحطات الكهرباء، وآخرها الهجمات على سد مروي ومحطة كهرباء مدينة دنقلا. وأضاف أن هذه الممارسات تعد انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف المنشآت الحيوية التي تقدم خدمات أساسية للمدنيين، معتبراً أن هذا “المسلك الإجرامي يعرّض حياة المدنيين في السودان للخطر ويزيد من معاناتهم”. وذكر أيضاً أن “الدعم” أقدمت سابقاً على تدمير المتاحف والمساجد والكنائس والأسواق والمدارس والجامعات، واعتدت على الممتلكات العامة والخاصة، مستهدفةً التراث الثقافي والديني للشعب السوداني، وأكد أن هذه الأعمال تتعارض مع الجهود الدولية الرامية إلى الحفاظ على السلم والأمن الإقليمي، وتؤكد ضرورة محاسبة الميليشيا والأطراف المسؤولة عن تزويدها بالطائرات المسيرة الاستراتيجية التي تستخدمها في ارتكاب هذه الجرائم.

مسار خطير

في هذا الصدد، اعتبر أستاذ العلوم السياسية السوداني، حمد عمر حاوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن ما يحدث من استهداف محطات الطاقة والمنشآت المدنية “هو تطور خطير جداً في مسار الحرب”، مشيراً إلى “توجه آخر سيئ جداً نحو التنميط الجهوي والعنصري للصراع، بحديث بعض الأصوات عن تعمد قطع الاتصالات واستهداف محطات الوقود والآبار من قبل الجيش في مناطق بدارفور واقعة تحت سيطرة الدعم السريع”. والخطير بالنسبة لحاوي هو اعتبار ضرب محطات الكهرباء في مدن دنقلا أو شندي أو غيرها “له علاقة بالحرب واستهداف للجيش، بينما في الحقيقة هذه المنشآت يستفيد منها المواطن، الذي لا علاقة له بالحرب ولا ذنب له في ما يحدث”. وشدّد على أن “التوصيف بأن هذه مناطق الجيش هو المنحى الخطير، إلى جانب التصنيف الجهوي للحرب ومآلاتها”.

وحول المسار الحالي للحرب، ذكر حاوي أن “الدعم السريع” لم تكن تمتلك القدرة على استهداف هذه المواقع ولم تكن مثل هذه الهجمات موجودة “لأنها لم تمتلك سابقاً القدرة أو الطائرات المسيّرة لتنفيذ ذلك، لكن الواضح أنها باتت تمتلكها الآن”. وأوضح أن “الدعم السريع كانت تشعر بأن تفوق الجيش بسلاح الطيران، نقطة ضعف كبيرة وهزيمة بالنسبة لها، لذا سعت لمعادلة القوة والحصول على طائرات مسيّرة للاستهداف الأبعد جواً”.

أما الكاتب والمحلل السياسي السوداني، مجدي عبد القيوم، فرأى في حديث لـ”العربي الجديد”، أن أسباباً عديدة دفعت بـ”الدعم السريع” إلى انتهاج هذه السياسية (استهداف المرافق الحيوية)، “على رأسها فقدانها للكثير من القوات على الأرض في الميدان خلال المعارك الأخيرة”. بالإضافة إلى عامل “نقص العتاد العسكري وتوقف منافذ الإمداد اللوجستي بكافة أشكاله، والذي كانت تقدمه لها بعض الدول الداعمة نتيجة القرار الأميركي الأخير بفرض عقوبات على قائدها”. ولفت إلى أن “القرار الأميركي يجرم أيضاً كل الدول أو الجهات أو الأفراد الذين يخرقونه، إضافة إلى أنه جمّد أموال شركات الدعم السريع التي كانت تشتري لها السلاح”، مشيراً إلى أن “هذا الوضع دفعها إلى أن تلجأ لسلاح المسيّرات وتستهدف البنية التحتية، وفي تفكير قياداتها تعويض النقص في المقاتلين وانخفاض الكلفة المادية للمسيّرات”. كذلك ذكر عبد القيوم أن الهدف من استخدام المسيّرات لضرب البنية التحتية “سياسي أكثر منه عسكرياً”، مضيفاً أنه “على الرغم من أن ذلك محرم دولياً، لكن الدعم السريع تهدف إلى تشكيل نوع من الضغط على الحكومة لدفعها نحو طاولة التفاوض”، وذلك عبر إثارة سخط المواطن “بسبب تدني الخدمات الأساسية أو انعدامها، ما يدفعه بدوره للضغط على الحكومة لإيقاف الحرب عبر المفاوضات”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here