أفريقيا برس – السودان. من جبال الأنديز إلى دارفور: كولومبيون جرى استدراجهم إلى حقول القتل في السودان».. تقاضوا ما بين 2,500 و4,000 دولار شهريا، بحسب أحد الجنود السابقين
بقلم فالنتين دياز وباهيرة أمين، بمشاركة باتريسيو أرانا ويان شرايبر، وفرق وكالة فرانس برس في بورتسودان ونيروبي – ترجمة – يوسف عز الدين
متابعات – تاق برس- يكشف تحقيق وكالة فرانس برس شبكة دولية معقدة لتجنيد مرتزقة كولومبيين للقتال في السودان، حيث جرى استدراج مئات الجنود السابقين بوعود برواتب مرتفعة مصدرها الإمارات. ويبيّن التقرير، استنادا إلى مقابلات مع عائلات المرتزقة ومقاتلين سابقين، ووثائق شركات، وتحليل صور ومقاطع فيديو محددة الموقع جغرافيا، كيف انتهى هؤلاء في صفوف مليشيا الدعم السريع المتهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور.
ويوضح التحقيق أن عملية التجنيد بدأت عبر تطبيق واتساب، ثم نُقل المرتزقة إلى الإمارات للتدريب، قبل إدخالهم إلى السودان عبر مسارات متعددة شملت شرق ليبيا وبوصاصو في الصومال. كما يسلّط الضوء على دور شركات أمن خاصة وشخصيات كولومبية متقاعدة في إدارة الشبكة، وعلى استخدام طائرات شحن عسكرية ومسارات تهريب لتفادي الرصد.
ويتناول التقرير أيضا شهادات عن مشاركة المرتزقة الكولومبيين في بعض أعنف المعارك، بما في ذلك حصار الفاشر والهجمات على مناطق شهدت مجازر واسعة مثل مخيم زمزم، مع أدلة مصورة على وجودهم قبل ارتكاب تلك الجرائم. كما يعرض ردود النفي الإماراتية، مقابل تقارير أممية وأميركية تتهم أبوظبي بانتهاك حظر السلاح المفروض على دارفور.
وفي نهايته، يبرز التحقيق الكلفة الإنسانية لهذه الشبكة، من خلال قصص قتلى لم تُعاد جثامينهم إلا رمادا، وعائلات تعيش الصمت والخوف، إلى جانب تحركات تشريعية متأخرة في كولومبيا لحظر تجنيد المرتزقة بعد انكشاف حجم التورط في حرب السودان.
مقتطفات:
استُدرج مئات الجنود الكولومبيين السابقين إلى السودان بوعود برواتب إماراتية ضخمة. لكن ما وجده كثيرون منهم كان الموت في حرب بعيدة اتسمت بالقتل الجماعي والاغتصاب والجوع وتجنيد الأطفال.
جرى تجنيدهم في البداية عبر تطبيق واتساب، ثم نُقلوا إلى السودان عبر الإمارات، حيث خضعوا لمهمات تدريب قصيرة
بعد ذلك دخلوا إلى السودان عبر مسارين على الأقل، أحدهما عبر شرق ليبيا الخاضع لموالين للإمارات، والآخر عبر قاعدة جوية في بوصاصو بالصومال تضم مسؤولين عسكريين إماراتيين
تحديد المواقع الجغرافية لمقاطع صوّرها المرتزقة أنفسهم يضعهم في مواقع بعض أعنف المعارك في دارفور
الشريكة السابقة لكولونيل كولومبي متقاعد، فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات، تقول إن المهمة كانت إدخال 2,500 رجل إلى صفوف قوات الدعم السريع
وفي 9 ديسمبر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أربعة مواطنين كولومبيين وشركاتهم لدورهم في هذه الشبكة العابرة للحدود.
لكنها لم تسمِّ الحلقة الإماراتية في العملية، وهي شركة أمن خاص تُدعى مجموعة خدمات الأمن العالمية (Global Security Services Group)، ومقرها أبوظبي، وتفاخر بقائمة عملاء تضم عددا من الوزارات الحكومية الإماراتية.
وفي كولومبيا، تعاني عائلات المرتزقة في صمت. وقالت إحدى الأرامل، التي كانت خائفة من ذكر اسمها: “لم يعيدوا جثمانه إلى الوطن حتى الآن”.
وعلى الرغم من أن قوات الدعم السريع يُقال إنها تضم عشرات الآلاف من المقاتلين، فإن معظمهم من جنود المشاة ذوي المهارات المحدودة، وأكثر براعة في عمليات الاغتصاب والنهب منها في العمليات المتقدمة بعيدة المدى التي تميز بها الكولومبيون.
وتُظهر مقاطع فيديو تحققت منها وكالة فرانس برس وحددت مواقعها الجغرافية وجود كولومبيين داخل المدينة وفي محيطها قبل السيطرة عليها.
وبعد عام على تقاعده، تلقى اختصاصي كولومبي في الطائرات العسكرية المسيّرة رسالة عبر واتساب.
وفي حديثه إلى وكالة فرانس برس شريطة عدم كشف هويته، قال إن نص الرسالة كان: “هل هناك أي محاربين قدامى مهتمين بالعمل؟ نبحث عن جنود احتياط من أي قوة. التفاصيل عبر رسالة خاصة”.
وقد وجد كثيرون منهم في السابق فرص عمل على كشوفات رواتب أبوظبي، سواء في حراسة أنابيب النفط أو القتال في اليمن ضد الحوثيين.
لكن في مكالمة لاحقة، أُبلغ الجندي السابق بأن دبي ستكون في الواقع مجرد محطة عبور لبضعة أشهر من التدريب.
وبعد ذلك، سيتم نشره في “أفريقيا” لتنفيذ مهام استطلاع تكتيكي.
ويخضع شرق ليبيا لسيطرة الرجل العسكري القوي خليفة حفتر، الذي صعد إلى السلطة بدعم من الإمارات.
ومنذ اندلاع حرب السودان، شكّل إقليمه ممرا حيويا لقوات الدعم السريع، لتوفير الأسلحة والوقود والمقاتلين.
وفي هذا العام، بدأ المرتزقة العبور عبر بوصاصو في الصومال، حيث أفادت مصادر محلية لوكالة فرانس برس بأن قسما تديره الإمارات داخل قاعدة عسكرية استضاف فصائل من أجانب يرتدون الزي العسكري، نُقلوا عبر طائرات شحن.
وتقع بوصاصو في ولاية بونتلاند شبه المستقلة في الصومال، حيث قامت أبوظبي منذ عام 2010 بتدريب وتسليح وتمويل قوة شرطة بونتلاند البحرية، بحسب خبراء الأمم المتحدة ومحللين أمنيين.
وقالت مصادر أمنية لوكالة فرانس برس إن مسؤولين عسكريين إماراتيين متمركزون في منطقة معزولة داخل المطار.
وقال أحد السكان المحليين الذين يترددون على المطار بحكم عملهم لوكالة فرانس برس إنه بين مارس ويوليو شاهد مجموعات من أجانب ذوي بشرة فاتحة «في منتصف الثلاثينات والأربعينات من العمر، ذوي بنية عسكرية»، مصطفّين ويتم نقلهم على متن طائرات شحن.
وأضاف أنهم كانوا غالبا ما يُرافقون إلى القسم من المطار الذي يضم مسؤولين إماراتيين.
وقال علي جامع، وهو من سكان بوصاصو أيضا، إنه شاهد أجانب يرتدون معدات تكتيكية يتم نقلهم على متن طائرة شحن في أبريل.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية للمطار، التي حصلت عليها وكالة فرانس برس، بشكل متكرر وجود عدة طائرات شحن من طراز إليوشن IL-76D، وهي مطابقة لطائرات أخرى حدّدتها الوكالة في قواعد جوية داخل الإمارات وليبيا. كما تُظهر بيانات تتبع الرحلات التي حللتها وكالة فرانس برس نشاطا مكثفا للطراز نفسه في المطار.
وفي عام 2022، وبعد أن أثقلته الديون، باع رودريغيز حصصه إلى أوليفيروس، التي لا تزال المالكة للشركة وفقا للسجلات القانونية.
وقال إنه تحدث إلى وكالة فرانس برس في محاولة لتبرئة اسمه، متهما كويخانو بمحاولة «إدخال 2,500 رجل» إلى السودان.
وقد أزالت شركة GSSG مؤخرا قسما من موقعها كان يسرد ثلاثة من عملائها، هم وزارة الداخلية الإماراتية، ووزارة الخارجية، ووزارة شؤون الرئاسة.
ولطالما نفت دولة الإمارات اتهامات دعم قوات الدعم السريع.
غير أن تقارير صادرة عن خبراء في الأمم المتحدة، ومشرعين أميركيين، ومنظمات دولية، تقول إن الدولة الخليجية قدمت دعما للقوة شبه العسكرية، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور.
وفي الآونة الأخيرة، أقر مشرعون كولومبيون قانونا يحظر تجنيد المرتزقة، بعد موجة غضب أثارها ظهور مواطنين كولومبيين على مدى سنوات في نزاعات امتدت من أفغانستان إلى أوكرانيا.
لكن القرار جاء متأخرا بالنسبة لمقاتل كولومبي آخر، قُتل في القتال بالسودان العام الماضي عن عمر ناهز 25 عاما.
وقالت امرأة عرّفت نفسها بأنها ابنة عمه لوكالة فرانس برس: «لقد وصلت رفاته إلى كولومبيا».
استُدرج مئات الجنود الكولومبيين السابقين إلى السودان بوعود برواتب إماراتية ضخمة. لكن ما وجده كثيرون منهم كان الموت في حرب بعيدة اتسمت بالقتل الجماعي والاغتصاب والجوع وتجنيد الأطفال.
كشف تحقيق لوكالة فرانس برس كيف انتهى مرتزقة كولومبيون على الجانب الآخر من العالم عبر شبكة من الربح والصمت امتدت من جبال الأنديز إلى دارفور.
ومن خلال مقابلات مع أفراد من عائلاتهم ومع مرتزقة، وسجلات شركات، وتحليل تحديد المواقع الجغرافية لمقاطع مصورة من ساحات القتال، تكشف وكالة فرانس برس كيف جرى تعزيز صفوف قوات الدعم السريع شبه العسكرية، المتهمة بارتكاب إبادة جماعية، بهؤلاء المقاتلين.
فيما يلي أبرز ما توصل إليه تحقيق وكالة فرانس برس:
جرى تجنيدهم في البداية عبر تطبيق واتساب، ثم نُقلوا إلى السودان عبر الإمارات، حيث خضعوا لمهمات تدريب قصيرة
بعد ذلك دخلوا إلى السودان عبر مسارين على الأقل، أحدهما عبر شرق ليبيا الخاضع لموالين للإمارات، والآخر عبر قاعدة جوية في بوصاصو بالصومال تضم مسؤولين عسكريين إماراتيين
تحديد المواقع الجغرافية لمقاطع صوّرها المرتزقة أنفسهم يضعهم في مواقع بعض أعنف المعارك في دارفور
الشريكة السابقة لكولونيل كولومبي متقاعد، فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات، تقول إن المهمة كانت إدخال 2,500 رجل إلى صفوف قوات الدعم السريع
ومنذ اندلاعها في عام 2023، تمزق السودان بسبب الحرب بين قوات الدعم السريع والجيش، وهي حرب غذّتها مصالح إقليمية متنافسة، من بينها الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية وإيران.
ظهر مرتزقة أجانب على جانبي الحرب، معظمهم من دول أفريقية مثل إريتريا وتشاد.
لكن أيا منهم لم ينفذ عملية بمستوى التعقيد الذي نفذه الكولومبيون، الذين جرى السعي إليهم بسبب خبرتهم في حرب الطائرات المسيّرة والمدفعية.
وفي المقابل، تقاضوا ما بين 2,500 و4,000 دولار شهريا، بحسب أحد الجنود السابقين، أي ما يصل إلى ستة أضعاف معاشهم العسكري.
وفي 9 ديسمبر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أربعة مواطنين كولومبيين وشركاتهم لدورهم في هذه الشبكة العابرة للحدود.
لكنها لم تسمِّ الحلقة الإماراتية في العملية، وهي شركة أمن خاص تُدعى مجموعة خدمات الأمن العالمية (Global Security Services Group)، ومقرها أبوظبي، وتفاخر بقائمة عملاء تضم عددا من الوزارات الحكومية الإماراتية.
وقد نفت دولة الإمارات مرارا دعمها لقوات الدعم السريع. وردا على استفسارات وكالة فرانس برس بشأن هذا التحقيق، قال مسؤول رفيع إن الإمارات تعتقد أن “هناك نمطا من التضليل الإعلامي يحيط بهذه الحرب ولا يخدم أحدا”.
وفي كولومبيا، تعاني عائلات المرتزقة في صمت. وقالت إحدى الأرامل، التي كانت خائفة من ذكر اسمها: “لم يعيدوا جثمانه إلى الوطن حتى الآن”.
كان زوجها، البالغ من العمر 33 عاما، وهو جندي سابق، قد توفي خلال ثلاثة أشهر من وصوله إلى السودان في منتصف عام 2024، في وقت كانت فيه الحملة شبه العسكرية للسيطرة على غرب دارفور تتعثر. ولأشهر، كان المقاتلون يحاصرون آخر معاقل الجيش، مدينة الفاشر.
وعلى الرغم من أن قوات الدعم السريع يُقال إنها تضم عشرات الآلاف من المقاتلين، فإن معظمهم من جنود المشاة ذوي المهارات المحدودة، وأكثر براعة في عمليات الاغتصاب والنهب منها في العمليات المتقدمة بعيدة المدى التي تميز بها الكولومبيون.
ووفقا للولايات المتحدة، فإن قوات الدعم السريع، “بدعم من مقاتلين كولومبيين”، تمكنت أخيرا من السيطرة على الفاشر في أكتوبر، وسط أدلة على عمليات قتل جماعي واختطاف واغتصاب.
وتُظهر مقاطع فيديو تحققت منها وكالة فرانس برس وحددت مواقعها الجغرافية وجود كولومبيين داخل المدينة وفي محيطها قبل السيطرة عليها.
في أحد المقاطع، يظهرون وهم يقودون سياراتهم بمحاذاة أنقاض مخيم زمزم المتفحمة، بينما يستمعون إلى موسيقى الريغيتون. يقول رجل بلكنة كولومبية: “كل شيء مدمر”.
كان المخيم قد اجتاحته القوات في أبريل، حيث فرّ أكثر من 400 ألف شخص، وقُتل ما يصل إلى ألف شخص، في ما قال ناجون إنه كان مجازر على أساس عرقي.
وتُظهر صور أخرى الرجل نفسه وهو يلتقط صورا مع فتيان يحملون بنادق هجومية. وفي مقطع آخر، يقوم رفاقه بتعليم مقاتل كيفية إطلاق قاذف صواريخ.
وتقول مليشيا متحالفة مع الجيش إن ما يصل إلى 80 كولومبيا انضموا إلى الحصار اعتبارا من أغسطس.
وتُظهر صور قدّمها المتحدث باسم القوات المشتركة أحمد حسين، الذي قُتل لاحقا خلال هجوم مليشيا الدعم السريع على الفاشر، جثة الرجل نفسه مضرجة بالدماء، وقد جرى التعرف عليه من خلال ملامح وجهه وتقويم أسنانه، مع وسمه على أنه “قائد” الفصيلة.
وتؤكد سلطات موالية للجيش السوداني مقتل ما لا يقل عن 43 منهم.
وتقول وزارة الخارجية الكولومبية إن عددا غير محدد منهم “خُدعوا” من قبل شبكات اتجار بالبشر للذهاب إلى السودان.
وبعد عام على تقاعده، تلقى اختصاصي كولومبي في الطائرات العسكرية المسيّرة رسالة عبر واتساب.
وفي حديثه إلى وكالة فرانس برس شريطة عدم كشف هويته، قال إن نص الرسالة كان: “هل هناك أي محاربين قدامى مهتمين بالعمل؟ نبحث عن جنود احتياط من أي قوة. التفاصيل عبر رسالة خاصة”.
وقال الرجل البالغ من العمر 37 عاما إن شخصا عرّف نفسه على أنه عقيد سابق في سلاح الجو أخبره بأن العمل سيكون في دبي. فوافق.
وفي كل عام، يتقاعد آلاف الجنود الكولومبيين وهم في سن مبكرة نسبيا، مع معاشات تقاعدية منخفضة.
وقد وجد كثيرون منهم في السابق فرص عمل على كشوفات رواتب أبوظبي، سواء في حراسة أنابيب النفط أو القتال في اليمن ضد الحوثيين.
لكن في مكالمة لاحقة، أُبلغ الجندي السابق بأن دبي ستكون في الواقع مجرد محطة عبور لبضعة أشهر من التدريب.
وبعد ذلك، سيتم نشره في “أفريقيا” لتنفيذ مهام استطلاع تكتيكي.
وبدافع الشك، تواصل مع صديق يعمل بالفعل في الإمارات، حذّره من أنه سينتهي على الأرجح في السودان. فصرف النظر عن الفرصة.
لكن كثيرا من مواطنيه قبلوا بها، وشرعوا في رحلات بدا أنها صُممت لتفادي الرصد.
إلا أن بعض المقاتلين كانوا أقل حذرا من غيرهم.
أحد المرتزقة، كريستيان لومبانا، وثّق عبر وسائل التواصل الاجتماعي رحلاته إلى السودان في عام 2024 مرورا بفرنسا وأبوظبي.
ووفقا لمجموعة التحقيق الاستقصائي بيلينغكات، أظهر مقطع فيديو نشره على تيك توك وجوده في صحراء جنوب شرق ليبيا.
ويخضع شرق ليبيا لسيطرة الرجل العسكري القوي خليفة حفتر، الذي صعد إلى السلطة بدعم من الإمارات.
ومنذ اندلاع حرب السودان، شكّل إقليمه ممرا حيويا لقوات الدعم السريع، لتوفير الأسلحة والوقود والمقاتلين.
وبعد أيام من آخر منشور له على تيك توك، تعرّض موكب لومبانا لكمين في صحراء دارفور.
وانتشر مقطع صوّره مقاتل خصم على نطاق واسع، يُظهر وثائق لومبانا وصورا عائلية متناثرة على الرمال. وكان جواز سفره يحمل ختما لدخول ليبيا.
وتشير وثائق وشهادات حصلت عليها وكالة فرانس برس إلى أن الكولونيل الكولومبي المتقاعد ألفارو كويخانو هو الشخصية التي تقف خلف عمليات التجنيد.
وتحدثت وكالة فرانس برس إلى شريكه التجاري السابق، الرائد السابق عمر رودريغيز، الذي قال إنه بعد عدة كمائن في الصحراء العام الماضي، قام كويخانو بـ”إيقاف” العملية.
وفي هذا العام، بدأ المرتزقة العبور عبر بوصاصو في الصومال، حيث أفادت مصادر محلية لوكالة فرانس برس بأن قسما تديره الإمارات داخل قاعدة عسكرية استضاف فصائل من أجانب يرتدون الزي العسكري، نُقلوا عبر طائرات شحن.
وتقع بوصاصو في ولاية بونتلاند شبه المستقلة في الصومال، حيث قامت أبوظبي منذ عام 2010 بتدريب وتسليح وتمويل قوة شرطة بونتلاند البحرية، بحسب خبراء الأمم المتحدة ومحللين أمنيين.
وقالت مصادر أمنية لوكالة فرانس برس إن مسؤولين عسكريين إماراتيين متمركزون في منطقة معزولة داخل المطار.
وفي نوفمبر، ظهرت تقارير عن تسريب ضخم لبيانات نظام التأشيرة الإلكترونية الصومالي، كشف عن بيانات شخصية لما لا يقل عن 35 ألف شخص، ويُزعم أن من بينهم كولومبيين كانوا يعبرون إلى السودان.
وردا على هذه الاتهامات، قال مستشار الأمن القومي الصومالي عويس حاجي يوسف لوكالة فرانس برس: “علينا أن نحقق في الأمر، ونحن نقوم بذلك”، لكنه شدد على الحاجة إلى أدلة قوية وعلى أهمية الحفاظ على علاقات جيدة مع الإمارات.
وقال المسؤول الإماراتي الرفيع لوكالة فرانس برس إن الإمارات “ترفض أي ادعاء بأنها زوّدت أو موّلت أو نقلت أو سهّلت إيصال أسلحة إلى أي من أطراف النزاع، عبر أي قناة أو ممر. هذه الادعاءات غير صحيحة، ولا تستند إلى أدلة، وتتناقض مع الوقائع المتاحة”.
وأضاف المسؤول: “الإمارات ملتزمة بالعمل من أجل تحقيق وقف لإطلاق النار في السودان”.
أشارت روايات واردة من الصومال إلى أن البلاد كانت تُستخدم كمحطة عبور.
وقال وزير الدفاع الصومالي أحمد معلم فقي للبرلمان إن طائرات كانت تقلع من بوصاصو «إلى تشاد والنيجر، لتصل إلى غرب السودان».
وقال أحد السكان المحليين الذين يترددون على المطار بحكم عملهم لوكالة فرانس برس إنه بين مارس ويوليو شاهد مجموعات من أجانب ذوي بشرة فاتحة «في منتصف الثلاثينات والأربعينات من العمر، ذوي بنية عسكرية»، مصطفّين ويتم نقلهم على متن طائرات شحن.
وأضاف أنهم كانوا غالبا ما يُرافقون إلى القسم من المطار الذي يضم مسؤولين إماراتيين.
وقال علي جامع، وهو من سكان بوصاصو أيضا، إنه شاهد أجانب يرتدون معدات تكتيكية يتم نقلهم على متن طائرة شحن في أبريل.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية للمطار، التي حصلت عليها وكالة فرانس برس، بشكل متكرر وجود عدة طائرات شحن من طراز إليوشن IL-76D، وهي مطابقة لطائرات أخرى حدّدتها الوكالة في قواعد جوية داخل الإمارات وليبيا. كما تُظهر بيانات تتبع الرحلات التي حللتها وكالة فرانس برس نشاطا مكثفا للطراز نفسه في المطار.
وقد ارتبط الطراز ذاته بخطوط إمداد قوات الدعم السريع عبر تشاد.
وفي الأسبوع الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كويخانو وزوجته كلوديا أوليفيروس باعتبارهما عقدتين أساسيتين في «شبكة عابرة للحدود لتجنيد كولومبيين» للقتال في السودان.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية: «منذ سبتمبر 2024، سافر مئات العسكريين الكولومبيين السابقين إلى السودان للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع»، مضيفة أن بعضهم قام بتدريب مجندين أطفال.
وتحدثت وكالة فرانس برس إلى مرتزقين سابقين قالا إن وكالة الخدمات الدولية التابعة لكويخانو، المعروفة أيضا باسم A4SI، كانت ترسل المجندين أولا إلى الإمارات، ثم إلى شرق ليبيا، وبعدها إلى داخل السودان.
وكان شريكه التجاري السابق، الرائد رودريغيز، قد أسس شركة A4SI، التي قُدّمت ظاهريا كشركة توظيف، في عام 2017. وقد دخل في شراكة مع كويخانو، الذي قال رودريغيز إن لديه علاقات أفضل داخل الإمارات.
وفي عام 2022، وبعد أن أثقلته الديون، باع رودريغيز حصصه إلى أوليفيروس، التي لا تزال المالكة للشركة وفقا للسجلات القانونية.
وقال إنه تحدث إلى وكالة فرانس برس في محاولة لتبرئة اسمه، متهما كويخانو بمحاولة «إدخال 2,500 رجل» إلى السودان.
وحصلت وكالة فرانس برس على 26 وثيقة موقعة من كولومبيين في شرق ليبيا، تخوّل شركة مقرها الإمارات، هي مجموعة خدمات الأمن العالمية (GSSG)، بدفع رواتبهم.
وأظهر أحد العقود التي اطلعت عليها وكالة فرانس برس، ويتضمن بندا للسرية، تعيين كولومبي بوصفه «حارس أمن». وكانت الرواتب تُحوّل عبر شركة مسجلة في بنما.
وتُظهر السجلات التجارية الإماراتية، المؤرخة إلى عام 2018، أن شركة GSSG مملوكة لرجل الأعمال محمد حمدان الزعابي. ويذكر موقعها الإلكتروني أنها «المزوّد الوحيد لخدمات الأمن الخاص المسلحة لحكومة الإمارات».
وقد أزالت شركة GSSG مؤخرا قسما من موقعها كان يسرد ثلاثة من عملائها، هم وزارة الداخلية الإماراتية، ووزارة الخارجية، ووزارة شؤون الرئاسة.
لم ترد أي من الشركات المذكورة على طلبات وكالة فرانس برس للتعليق.
وردا على أسئلة هذا التحقيق، قال مسؤول إماراتي لوكالة فرانس برس: «نرفض بشكل قاطع أي ادعاءات بتقديم أي شكل من أشكال الدعم لأي من طرفي القتال منذ اندلاع الحرب الأهلية، وندين الفظائع التي ارتكبها طرفا النزاع».
ولطالما نفت دولة الإمارات اتهامات دعم قوات الدعم السريع.
غير أن تقارير صادرة عن خبراء في الأمم المتحدة، ومشرعين أميركيين، ومنظمات دولية، تقول إن الدولة الخليجية قدمت دعما للقوة شبه العسكرية، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور.
وبحسب دبلوماسيين ومحللين، تهتم الإمارات برواسب الذهب في السودان، وأراضيه الزراعية الخصبة، وساحله الطويل على البحر الأحمر، وموقعه الاستراتيجي بين القرن الأفريقي ومنطقة الساحل.
وفي الآونة الأخيرة، أقر مشرعون كولومبيون قانونا يحظر تجنيد المرتزقة، بعد موجة غضب أثارها ظهور مواطنين كولومبيين على مدى سنوات في نزاعات امتدت من أفغانستان إلى أوكرانيا.
لكن القرار جاء متأخرا بالنسبة لمقاتل كولومبي آخر، قُتل في القتال بالسودان العام الماضي عن عمر ناهز 25 عاما.
وقالت امرأة عرّفت نفسها بأنها ابنة عمه لوكالة فرانس برس: «لقد وصلت رفاته إلى كولومبيا».





