أفريقيا برس – تونس. أثار مشروع الدستور التونسي الجديد الذي طرحه الرئيس قيس سعيد مؤخرا في انتظار عرضه على استفتاء شعبي في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، جدلا واسعا في البلاد وسط انقسامات حادة بين من يعتبر الدستور المرتقب يعيد البلد إلى الوراء والى زمن الديكتاتورية وبين من رآه فرصة للنهوض بها إلى الأمام عبر التخلص من هفوات وأخطاء العشرية الأخيرة.
وفي حواره مع “أفريقيا برس”، حذر محمد الحامدي القيادي بحزب التيار الديمقراطي ووزير التربية والتعليم السابق، من دستور يعزز الحكم الفردي ويضع السلطات بقبضة الرئيس في تحدي لمكاسب الثورة والديمقراطية التي ناضلت البلاد لأجلها طويلا، معتبرا مشروع الدستور قرصنة لإرادة الشعب والاستفتاء المرتقب سيشوبه التزييف والمغالطة للرأي العام المحلي والدولي.
واعتبر الحامدي أن حزبه كان يتخاصم مع النهضة سياسيا رغم أنها كانت تلعب بشكل سيء لكن قيس سعيد ألغى اللعبة والملعب. وأضاف أنه يجد نفسه في مواجهة الأجهزة الصلبة في الدولة كقوات الأمن والجيش وميليشيات تمارس العنف، لكنه استدرك بالقول أن قيس سعيد رغم اسقواءه بالمؤسستين الأمنية والعسكرية، لكن في اعتقاده أن هذا الاستقواء لن يتواصل، حيث أن المؤسستين لديها من العقلاء ما يجعلها تنحاز لمصلحة الوطن ولن تكون في مواجهة الشارع لأجل رغبات قيس سعيد.
آمنة جبران
ما تعليقكم عن الجدل الدائر بخصوص تسريبات الدستور الجديد فيما يخص بند الهوية الإسلامية تحديدا، وما هي وجهة نظركم كمعارضة ومآخذكم بخصوص الدستور المرتقب؟
في الواقع المناقشة الجوهرية هي مناقشة المسار وليست مناقشة التفاصيل، يعني الانزلاق نحو مناقشة التفاصيل كأنه قبول بهذا المسار وهذه مسألة خطيرة برأيي وخطأ. في تقديري المسار الذي انطلق في 25 جويلية هو مسار باطل واستغل الوضع السياسي بالبلاد للانقلاب على الدستور، والانقلاب على كل مؤسسات الانتقال الديمقراطي التي أرسيت بعد الثورة، وهو توجه نحو تكريس الانفراد بالسلطة ونحو ديكتاتورية التي تجمع كل السلط بيد الرئيس، فالرئيس منح لنفسه سلطة تشريعية وتنفيذية وسلطة تأسيسية يعني تجميع غير مسبوق للسلط في تاريخ البلد.
مناقشة المراحل كالاستشارة الالكترونية والاستفتاء أو مناقشة الدستور أو بعض التسريبيات في اعتقادي هو نوع من التلهية بإثارة الصراع الهُوَوِي من جديد هذا الموضوع الذي حسمه الفصل الأول من دستور 59 والفصل الأول من دستور2014، وفي تقديري نوع من ذر الرماد في العيون ونوع من تغييب للمسألة الجوهرية، والمسألة الجوهرية هي المسار الانقلابي الذي استغل الوضع السياسي المعطل والمشلول قبل 25 جويلية، لكن ليس لكي يقوم بالإصلاح بل لكي يمركز كل السلط بيد قيس سعيد.
لماذا لا تمنحون الدستور الجديد الفرصة للاطلاع عليه، الأحزاب التي تدعم هذا الدستور تؤكد أنه متوازن ويضمن الحفاظ على الديمقراطية وتحذر من التسرع، هل كان على التيار الديمقراطي المساهمة في صياغته بدل الاكتفاء بالمعارضة؟
هناك نوع من الوعي البدائي في الفكر ما يسموه بالوعي التجريبي يعني أن لا أعرف حقيقة الأمر إلا حين أجربه بصفة مباشرة، في حين المعرفة البشرية هي معرفة تراكمية وما جرب لا يعاد تجريبه.. يعني في نهاية الأمر ثمة قراءة مسؤولة للدساتير، الدساتير هي تعبير عن توافق وطني واسع جدا وعن عملية تشاركية واسعة جدا مثل التي وقعت في عام 2014، الدساتير لا تصاغ في لجان مغلقة، لا تصاغ على قياس شخص أو حزب أو فئة، الرئيس قيس سعيد يهاجم دستور 2014 الذي كان يوما من المساهمين في كتابته بأنه دستور على مقاسهم ويقصد الأحزاب والنواب والقائمات المستقلة والمجتمع المدني، هو ينتقد هذا الدستور ليعوضه بدستور على مقاسه وبعض المناصرين له، وهذا ما أراه قرصنة لإرادة الشعب وتحويل وجهة الإرادة العامة وفيها ارتهان لقرار التونسيين.. هذا لا يعقل وفي تقديري فيه إهانة لكل مواطن تونسي.
هل تتوقع أن ينحاز الشارع التونسي إلى دعواتكم لمقاطعة استفتاء 25 جويلية، أم سيدعمون مشروع الرئيس ويشاركون فيه بكثافة؟
في تقديري الاختبار الأول لمشروع الرئيس هو الاستشارة الالكترونية الفضيحة بالمعنى السياسي، التي جندت لها كل وسائل الدولة اللوجستية والاعتبارية وتجندت وزارات التي أهملت الشأن الاقتصادي والاجتماعي لإنجاح هذه الاستشارة ووقع الدعاية لها بشكل غير مسبوق والتساهل في كيفية المشاركة وإعادة المشاركة بدون ضوابط إعلامية وقيود ومع ذلك كانت المحصلة هزيلة جدا وبينت أن 95 في المئة من الجسم الانتخابي قاطعها، مع ذلك يصر الرئيس ومناصريه أن يبنوا عليها نوعا من الشرعية ويعتبرونها تعبيرا على إرادة الشعب لكنها في الحقيقة هي تزييف لإرادة الشعب. بالنسبة لي هذه عينة على مصير الاستفتاء، الاستفتاء أيضا إذا لم تنجح قوى المعارضة في إسقاطه، فإنه سيمضي بمشاركة هزيلة خاصة أنه ينظم بدون عتبة الحد الأدنى، يكفي أن يشارك أفراد على عدد أصابع اليد ونصفهم موافق ليقع اعتباره بأنه معبرا عن إرادة الشعب. ثم هل يعقل أن يحتوي الدستور على أكثر من 100 مادة، وأن يقع التعامل معه بالإجابة بنعم أو لا، هذه فصول قانونية، وبعض الفصول تتطلب سجال وجدل حقيقي لكي نصل في النهاية لصيغة توافقية، لكن اليوم أصبح الأمر يتعلق للأسف بالمبايعة لقيس سعيد إذا تدعم الدستور فأنت معه وإذا ما عارضته يعني ضده.
الرئيس نفسه اعتبر في تصريحات سابقة بأن الاستفتاء أفضل الوسائل التي تعتمده الديكتاتورية لتزوير إرادة الناس، هو الآن يمارس ما انتقده في السابق. برأيي المسألة في كيفية صياغة الدساتير التي تعبر عن توافقات شعبية واسعة، فالدساتير ليست نص قانوني محكم فقط، إنما تعبر عن روح الشعوب وروح الشعوب يقع التعبير عنها في جدل حقيقي مفتوح علني عمومي في فضاء عام وليس في لجان مُغلقة. مؤسف جدا بعد عشرة سنوات من الثورة التي تعتبر طلائعية في المنطقة وحتى العالم، وبمثابة تعبير عن جيل جيد من الثورات، تنتهي إلى هذا المربع أي انقلاب على الدستور وصياغة دستور للتعبير عن شهوات شخص وبعض مناصريه، تبعا لذلك أعتقد أن الاستفتاء هو إخراج مسرحي ركيك وما نراه هو حوار قيس سعيد مع نفسه، وبعض الموالين له يدعمونه من باب الانتهازية وركوب الموجة أو نقمة على العشرية الأخيرة وهو أمر مؤسف في الحقيقة.
وصفتم في تصريح سابق إجراءات الرئاسة باغتصاب للسلطة، ألا تعتقدون أنها كانت نتيجة لفشل الأحزاب وترذيل المشهد البرلماني وهي المسؤولة عن مآلات المشهد السياسي اليوم؟
ما وصلت إليه تونس اليوم جميعنا مسؤولون عنه بدرجات وأقدار، بمعنى أننا فشلنا في حماية الديمقراطية وتجذير الثقة فيها لدى عموم الناس، وذلك أساسا بسبب الفشل الاقتصادي والاجتماعي وبسبب تحول السياسة إلى نوع من الصراعات المشهدية التي انعكست مباشرة على حياة المواطن ومعيشته، هذا حقيقة يجب أن نقر به ونصارح أنفسنا والشعب به. لكن أيضا أرجوا الإشارة إلى أن الرئيس قيس سعيد هو جزء من هذا الفشل أيضا، على الأقل خلال السنوات الثلاث الأخيرة من هذه العشرية، ومن المؤكد أن اختياراته الكارثية التي يتذكرها التونسيون خاصة فيما يخص الديوان الرئاسي وأعضاء الحكومة، وقد ساهم الرئيس أيضا في تعفين الوضع مستغلا رداءة المشهد البرلماني ليقدم نفسه كمنقذ في 25 جويلية. المشكل اليوم أننا نذهب في ديمقراطية معطلة أو مشلولة ويشوبها الفساد إلى الديكتاتورية، وعوضا أن نبحث عن الحل نذهب من الأزمة إلى الكارثة وكأننا نرمي بالصبي مع ماء الغسل بعبارة مسيحية، عوضا أن نصلح الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية نحن نلغيها أو عوض أن نعالج العضو المجروح نحن نقوم ببتره.
وعلى غرار الواقع الاجتماعي والاقتصادي، الرئيس تجمعت لديه السلطات منذ جويلية الماضي “25/07/2021” وليس لديه من يعطله، هنا نتساءل ما الذي قدمه للتونسيين، ومن الواضح أن الوضع تردى وأن وضع تونس في الخارج يشتد يعني يضيق علينا الخناق بسبب غياب المشروع السياسي وبسبب الشعبوية التي يمارسها رئيس سلطة أمر الواقع، ولذلك نحن لم نتقدم قيد أنملة نحو الحل وعلى العكس ازداد الوضع سوءا وانتقلنا من أزمة إلى كارثة.
حزب التيار الديمقراطي اليوم بات متقاربا اليوم مع خصوم الأمس مثل حركة النهضة، هل يقلص ذلك من رصيد الحزب الشعبي؟
في تقديري تونس في مرحلة مفصلية ليست مرحلة الحسابات الانتخابية، يعني ليس وقتا للحديث عن رصيد الأحزاب، نحن أمام مشروع لو استبد به الأمر لأغلق الحياة السياسية وربما ألغى الحياة الحزبية وربما ألغى إمكانية الانتخابات، يعني نحن الآن في مرحلة مفصلية في مفترق طرق، واعتقادي أن الأمر لا يتعلق بالحسابات الانتخابية وحسابات الربح والخسارة بل يتعلق بمصير ووجهة البلد، وفي تقديري لو استمرت الحياة السياسية بشكل عادي فان هذه الموجة الشعبوية ستنكسر، وفي ظل غياب انجازات حقيقية فان رقعة المعارضة تتوسع ورقعة المناصرين تنحسر وتتقلص على الأقل في مستوى النخب السياسية، كثيرا ممن كانوا يساندون الرئيس في 25 جويلية البعض منهم فترت أصواته وسط ريبة وشك في المسار والبعض منهم انتقل من صف الموالاة إلى صف المعارضة، لأنه تبين أنه على العكس، 25 جويلية لم تكن فرصة للإصلاح.
صحيح أننا كنا نتخاصم سياسيا مع النهضة ونحمل النهضة إلى الآن مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع اليوم، لكن هناك فرق بين الخصومة السياسية، فأن أخاصم طرفا سياسيا فهو صراع سلمي لكن أن أجد نفسي في مواجهة الأجهزة الصلبة في الدولة كقوات الأمن والجيش لم تعد هناك سياسة يعني إذا كانت النهضة تلعب بشكل سيء فقيس سعيد ألغى اللعبة والملعب. في نهاية الأمر حتى إمكانية الصراع السياسي معه تكاد تصبح مستحيلة، وقد واجهت الأحزاب التي تعارض الاستفتاء في الآونة الأخيرة من قبل ميليشيات تمارس العنف، وأصبح الصراع مع قوى صلبة، لذلك فالأمر لا يتعلق بتقارب مع النهضة وأن اختلافاتنا الجوهرية معها ستختفي، اختلافاتنا قائمة لكن الحقيقة هي أن رقعة من يؤمنون أن المشهد كارثي من اليمين إلى اليسار توسعت، ليست مسألة أننا اخترنا أن نكون مع النهضة، نحن اخترنا أن نكون ضد الانقلاب.
هل بوسع التيار اليوم المنافسة واستقطاب المؤيدين كالسابق، أم أنه لم يحسن استغلال الفرصة منذ مشاركته في الحكم خلال فترة ترأس الياس فخفاخ للحكومة؟
في اعتقادي أن فترة مشاركة التيار في الحكم كانت قصيرة، مع الأسف حكومة الفخفاخ، كان أداء هذه الحكومة محترما وستأتي الفرص التاريخية لتقييم ما قام به وزراء التيار وما قامت به الحكومة واعتقادي أنها كانت أكثر حكومة فيها نفس إصلاحي بعد الثورة وقد تألبت عليها كثير من اللوبيات والأطراف السياسية التي لم تجد فيها مصلحتها، لكن تسارع الأحداث فيما بعد لم يترك الفرصة للتقييم، لكن لو تستقر الأوضاع نسبيا وتعود الحياة السياسية إلى مسارها الطبيعي فإن القراءة الرصينة ستنصف التيار، نحن حزب فتي نصيب ونخطئ أحيانا، لكن كنا أوفياء لقيمنا الاجتماعية وقد أجهضت للأسف محاولاتنا للإصلاح، وعن نفسي فخور بتلك المرحلة وفخور بما قدمته في وزارة التربية والتعليم رغم أني توليت هذه الوزارة في فترة قصيرة لم تتجاوز 7 أشهر وكانت أغلبها في فترة الحجر الصحي مع بداية الجائحة.
توليتم وزارة التربية والتعليم في حكومة الفخفاخ، ماهي التحديات التي واجهتكم وهل يمكن في ظل الأزمة السياسية النهوض بقطاع التعليم خاصة وغيرها من القطاعات الأساسية؟
توليت وزارة التربية وأنا أعلم أنها وزارة ضخمة باهتماماتها ومشاغلها وضخمة بعدد العاملين فيها وبعدد المنظورين فيها، وكان عندي بعض التصورات الأولية لبداية الإصلاح، مع الأسف أول تحدي واجهني هو التحدي الذي واجهته تونس وهو وباء كورونا، وفي تلك الأزمة الصحية كان مطروحا علينا أمرين؛ كيف ننجح السنة الدراسية في ظل اضطرارنا لإغلاق المدارس والمعاهد، والحمد الله أمكن لنا إنجاح السنة الدراسية وأمكن لنا إنجاح الامتحانات الوطنية في حين كانت الأصوات آنذاك تزايد علينا..والأمر الثاني كان العودة المدرسية الموالية وقد كان أيضا على ضوء كورونا وعلى ضوء الاحتياجات البشرية لوزارة التربية، طبعا لم يسعفني الوقت لأني غادرت قبل أسابيع، لكن مع ذلك اعتقد أنني أنجزت أمر مهم وهو بداية معالجة وضعية التشغيل الهش بوزارة التربية فتمكنت من حل مشكلة تطال الآلاف من الأساتذة النواب يعني تطبيق سياستنا ومبادئنا وهي توفير شروط العمل اللائق.. فخور بهذا الانجاز، ربما لو أمكن لي المواصلة كنا سنطبق برامج في إطار إصلاح التعليم بشكل عام، لكن مع الأسف الحكومة لم تتمكن من المواصلة، وفي تقديري ما قمنا به في فترة قصيرة كان مبشرا لتحول حقيقي لكن مع الأسف وقع إجهاضه.
تونس بانتظار ولادة ما أسماه الرئيس جمهورية جديدة، هل ستفي الرئاسة بوعودها أمام الشارع الطامح لعدالة اجتماعية وتنمية، أم أن البلد ستدفع هذه المرة ثمن الشعبوية؟
في اعتقادي أن تونس الآن في مهب الشعبوية، لكن التاريخ يعلمنا أن الشعبويات حبلها قصير وأنها تنتعش من أزمة ومن وضع سياسي سيء ومن بيع الأوهام للناس لكنها عند الانجاز وعند الامتحان تختبر فيتضح زيفها، يعني هذه الشعبوية الآن التي تعصف بتونس، في تقديري حين تهدأ الأنفس سيتضح للناس عجز الفريق الذي يحكم وأن هذا الفريق يمارس السياسة بعكس الشعارات التي يعلنها، ونبدأ بمثال بسيط فهذا الفريق يتحدث عن السيادة وعن استهدافه للفقراء والمهمشين لكن سنرى في الأيام القادمة أنه يخضع لتعليمات صندوق النقد الدولي فيما يسمى بالإصلاحات المُوجعة المتعلقة بإلغاء الدعم والحد من تدخل الدولة في الملفات الاجتماعية كالصحة والتعليم والنقل، سنرى كوارث يعني كل الكوارث التي كانت تحذر منها الحكومات السابقة ولم تجرأ عليها، مندوبي صندوق النقد الذين أشادوا في تصريحاتهم الأخيرة بالحكومة حين قالوا أن لها تصور مقبول يراهنون على إمساك قيس سعيد بأجهزة الدولة الصلبة لتمرير الإصلاحات بالقوة والإكراه. وحتى لو نجح الرئيس في تمرير الاستفتاء فان الأزمة الاقتصادية ستتفاقم وسينفض الناس من حوله، وسيعودون حينها إلى الاستحقاقات الحقيقية.
ألا ترى أنكم بعد انتخابات 2019 أضعتم فرصة تشكيل ائتلاف قوي وواسع لقوى الثورة من التيار الديمقراطي وحركة الشعب وحركة النهضة وائتلاف الكرامة، وعدم الوصول إلى هذه الأزمة التي دخلت فيها البلاد؟
هو ما سبق أن تحدثت عنه وهو أن حكومة الفخفاخ كانت يمكن أن تشكل فرصة بدلالاتها السياسية بمعنى تقارب قوي بين الأحزاب الثورية حتى لو كانت متباعدة إيديولوجيا وفكريا، لكنه تقارب على أساس مضامين سياسية وديمقراطية واجتماعية ومنحازة للفقراء والطبقة المتوسطة وهو ما اعتبرته فرصة ضائعة، للأسف المناورات السياسية خاصة من قبل حركة النهضة أسقطت هذه الحكومة، لأن النهضة لم تقبل أن تكون شريكا في الحكومة لأنها تعودت أن يكون الآخرون في خدمتها وأن يقوموا بنوع من المناولة السياسية لديها، وحين فوجئت بوجود قوى سياسية صلبة تريد أن تكون شريكا حقيقيا تقترح وتعترض وليست طيعة، بدأت تتحجج بأي ملف لإسقاط الحكومة. أعتقد أنها كانت فرصة ضائعة ليست على التيار فقط بل على تونس أيضا، ومن المؤكد حين تقوم الأحزاب بالتقييم وبنقد ذاتي سيقولون أنهم نادمون على هاته الفرصة الضائعة ووقع التفريط فيها لحسابات سياسية جزئية جدا.
حزب التيار الديمقراطي كان يصر بعد انتخابات 2019 على تولي حقيقة وزارة الداخلية والعدل، ألا تعتقد أن قوى الثورة أضاعت فرصة إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية واليوم تدفع ثمن هذا التردد؟
طبعا جزء من الإخفاقات في المسار الثوري والديمقراطي هو تعطل مسار المنظومات منها الأمنية والعسكرية وغيرها لا شك في ذلك، ومع الأسف كانت هذه من الثغرات التي سهلت لقيس سعيد أن يفعل ما يريد وأن لا يجد ممانعة من الأجهزة الأمنية والعسكرية، وبقطع النظر عن تعطل الإصلاح، فان المؤسسة الأمنية والعسكرية هي مؤسسة من التونسيين وفي لحظة ما لن تكون في مواجهة الشارع لأجل رغبات قيس سعيد أو غيره، في اعتقادي أن لدى هذه المؤسسة الوعي الكافي ليكونوا أمنا وجيشا جمهوريا ليس مهمته حماية الشخص والنظام بل حماية الأمن الوطني. يبدو أن قيس سعيد يستقوي بهاتين المنظومتين، لكن في اعتقادي أن هذا الاستقواء لن يمضي بعيدا ولن يتواصل، حيث لديها من العقلاء ما يجعلهم ينحازون لمصلحة الوطن والمواطنين قبل أي شي آخر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس