إيمان الحامدي
أفريقيا برس – تونس. تتزايد معاناة التونسيين مع تراجع كبير في الخدمة العامة التي تسيّرها الدولة ومن أهمها النقل والتعليم والتموين، بسبب العجز عن تدبير التمويلات اللازمة لتسيير الأعمال، وسط مخاوف من تصاعد حدة الأزمات المعيشية مع إقدام الحكومة على سياسة تقشفية واسعة تطاول دعم السلع الأساسية وتقليص الوظائف بمقتضى الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي، ما يجعل عام 2023 أكثر قسوة وفق خبراء اقتصاد.
وتسجّل أغلب القطاعات الحكومية نقصاً في الموظفين أدى إلى تعطّل التحاق أكثر من 400 ألف تلميذ بمدارسهم منذ 15 سبتمبر/ أيلول الماضي بسبب نقص في المدرسين وعدم قدرة وزارة التربية على توفير أجور نحو 8 آلاف مدرس كانوا يعلمون بعقود هشة.
ولم تكشف الحكومة بعد عن خطتها لإغلاق موازنة العام الحالي وتمويل موازنة العام الجديد، مكتفية بالإعلان عن تقدم مفاوضات مع العديد من الدول بشأن الحصول على قروض جديدة ستوجه لدعم الموازنة.
ومؤخراً أعلنت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، في تصريحات صحافية أنّ من بين هذه الدول المملكة العربية السعودية واليابان، من دون أن تكشف عن قيمة القروض الجاري التفاوض بشأنها.
يصف المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، الأزمة المالية والاقتصادية التي تواجه تونس بالقاسية، إذ تتسبب في تعطل العديد من المرافق العامة وعدم قدرتها على تقديم الخدمات بشكل جيّد، مؤكداً أنّ ذلك يكّرس هشاشة الطبقات الضعيفة (الفقيرة) والمتوسطة، التي تفقد تدريجياً حقوقها الأساسية في الصحة والتعليم والتنقل.
ويقول بن عمر إنّ الحقوق الأساسية المكفولة بالدستور لعموم التونسيين في تراجع متواصل بسبب أزمة التمويل مشيراً إلى تراجع القدرة الإنفاقية لنحو 40% من المواطنين، ما ينتج عنه انهيار سريع للطبقة المتوسطة التي كانت تشكل أكثر من 60% من مجموع السكان في البلاد.
ويلفت بن عمر إلى أنّ أكثر من 3 ملايين أسرة باتت تعاني من الفقر، مرجحاً تصاعد هذه النسبة مع بدء تطبيق اشتراطات صندوق النقد الدولي التي تقتضي رفع الدعم عن المواد الأساسية ومواصلة تجميد الأجور والانتدابات (التوظيف في القطاعات الحكومية).
ويضيف أنّ “تراجع الخدمات العامة الناجمة عن السياسة التقشفية للدولة وشح التمويلات، ينقل جزءاً من التونسيين من الفقر المالي إلى الفقر الشامل، الذي يسببه تعطل آليات الارتقاء الاجتماعي وأهمها التعليم والصحة والنقل”. ويفسر الفقر الشامل بحرمان الشرائح ضعيفة الدخل والتي تعاني من الفقر المالي من الخدمات الأساسية التي تساعدهم على تحسين وضعهم المعيشي ومن بينها التعليم والنقل والكهرباء والماء.
وتعاني تونس من أزمة اقتصادية ومالية فاقمتها تداعيات الأزمة الصحية والحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية، وسط توقعات بمزيد من الصعوبات المعيشية، مع بدء تطبيق البرنامج الاقتصادي الذي جرى الاتفاق بشأنه مع صندوق النقد الدولي.
وتوصلت الحكومة في سبتمبر/أيلول الماضي، إلى اتفاق مع صندوق النقد لصرف قرض جديد بقيمة 1.9 مليار دولار، مقابل حزمة يصفها الصندوق بالإصلاحات، من بينها خفض دعم الغذاء والطاقة، وإعادة هيكلة شركات عامة تعاني عجزاً مالياً، وتقليص كتلة الأجور وتحسين التحصيل الضريبي.
ويتخوف مواطنون من زيادة الأعباء حال توجه الحكومة لزيادة العائدات من بنود تتعلق بالاستهلاك مثل فرض المزيد من الضرائب على السلع والخدمات بعد إعلان التدرج نحو إصلاح جبائي يستهدف أصحاب المهن الحرة.
كذلك يزحف التضخم على جيوب التونسيين، مسجلاً ارتفاعاً متواصلاً منذ ما يزيد على 11 شهراً، بينما تغيب الإجراءات الحكومية للحد من تداعيات الغلاء على حياة المواطنين. وبلغت نسبة التضخم خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 9.2% وهي العليا منذ 30 عاماً، بينما زادت أسعار بعض المواد الغذائية أكثر من 20%.
وكانت حكومة نجلاء بودن قد توقعت منذ بداية السنة الحالية انفلات التضخم، حيث قدر قانون المالية (الموازنة العامة) في يناير/ كانون الثاني الماضي معدل التضخم السنوي للعام الحالي بـ7% مقابل 5.7% العام الماضي تأهبا لمزيد من رفع أسعار سلع وخدمات أساسية ولا سيما المحروقات (المشتقات النفطية) والكهرباء والغاز ومياه الشرب.
ويصنف عام 2022 الأصعب اقتصادياً، غير أن خبراء اقتصاد يتوقعون صعوبات أكثر في 2023 مع بدء تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي للإصلاحات الاقتصادية وتواصل شح التمويلات في ظل أجواء سياسية متوترة في الدولة.
يقول الخبير المالي معز حديدان، إنّ تونس مطالبة العام القادم بسداد أكثر من ملياري دولار من القروض الخارجية، ما قد يشكل ضغطاً كبيراً على الموازنة التي لم تكشف السلطات بعد عن مصادر تمويلها ولا خطة إغلاق موازنة العام الحالي التي فاقت نسبة عجزها 9%.
ويضيف حديدان أنّ السياسة التقشفية للحكومة مرجحة للاستمرار مع مواصلة توجيه الجزء الأكبر من الموازنة نحو سداد الدين الخارجي ونفقات التسيير والأجور، مقابل تراجع التمويل المخصص للاستثمار وخلق الثروة، متوقعا أن يكون عام 2023 أكثر صعوبة، خاصة على صعيد الضغط على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الذي يغطي نحو 90 يوماً من الاستيراد.
ويشير إلى أنّ التزامات البلاد الخارجية المتمثلة في دفع أقساط الديون يزيد الضغط على الاحتياطي النقدي وهو ما يضعف قيمة العملة المحلية مقابل اليورو والدولار ويدفع الغلاء نحو مستويات قياسية جديدة، خصوصاً مع استمرار التباطؤ الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة نتيجة غياب الإجراءات المحفّزة للاستثمار وخلق الثروة.
وفقد الدينار التونسي 15.3% على أساس سنوي بنهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين جرى تداوله بسعر صرف يبلغ 3.3 دنانير مقابل الدولار الواحد، بينما جرى تداوله في الفترة ذاتها من السنة الماضية بقيمة 2.8 دينار. ونما الاقتصاد بنسبة 2.8% على أساس سنوي خلال الربع الثاني من العام الجاري، فيما توقع صندوق النقد الدولي تباطؤ النمو خلال العام بأكمله إلى 2.2% مقابل 3.1% في 2021.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس