حوار آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أكدت راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية في حوارها مع “أفريقيا برس” أنه مازال للمنظمات الوطنية دور كبير في المشهد التونسي وفي جميع المجالات حيث لا تستطيع البلد أن تتقدم قيد أنملة دون دعم ودور فعال لهذه الأجسام الوسيطة لتذليل الصعوبات حيث مازالت تحظى بمكانة وصورتها لم تهتز لدى الشارع، حسب وصفها.
وبينت الجربي أن الدستور الجديد حافظ على حقوق المرأة التونسية، إلا أن القانون الانتخابي ساهم في إضعاف تمثيلية المرأة في البرلمان الجديد، ولفتت انه بعكس ما يروج عن أن اتحاد المرأة كان مناصرا بشكل مطلق للتصويت على أساس الأفراد، إلا أن المنظمة النسائية كانت لها مآخذ ضد هذا القانون حيث قدمت مقترحات تهدف لتقديم قائمات تصويت مزدوجة تزيد من تمثيلية المرأة في البرلمان لكن لم يقع الإصغاء لصوتها.
كيف تقيمين علاقة الرئاسة بالمنظمات الوطنية خاصة في ظل رفضها إجراء حوار وطني بإشراف اتحاد الشغل؟
لا أستطيع أن أقيم علاقة الرئاسة بالمنظمات الوطنية لست مؤهلة لذلك، فقط بوسعي تقييم علاقة الرئاسة مع الاتحاد الوطني للمرأة التونسية بصفتها منظمتي، وهي علاقة طيبة حيث قامت بدعوتنا رفقة اتحاد الشغل في مناسبات هامة، وفي محطات تهم قضايا النساء قامت بدعوتنا كذلك كممثلين للتونسيات رفقة منظمات أخرى مثل جمعية النساء الديمقراطيات للتباحث عن مشاغلنا وأيضا للتحدث عن مسائل أخرى مثل موقفنا من قانون 58 وعن تصورنا للانتخابات التشريعية.. هناك تواصل فيما بيننا.
بالنسبة للحوار للوطني لم يقع طرحه علينا حيث أن الأشخاص الذين اقترحوه لم يطلبوا رأينا فيه ولم يقع توضيحه لنا حتى نتبنى مشروع الحوار المقترح، حتى المحاولات التي قمنا بها للاستفسار حول محتوى النقاط التي سيشملها الحوار، إلا أن الجهات المشاركة فيه لم يكن لديها حينها جواب وتصور واضح وقالوا لنا أنهم مازالوا في مرحلة التشاور وبصدد بناء الفكرة، لكن التفاصيل وموضوعه ومن سيكون فيه وشركائه ومن سيقصيه كل الأسئلة التي تخالجنا كمنظمة وتخالج بقية التونسيين لم نجد لها جواب ومازال الموضوع فكرة، وعلى كل حال فإن كل فكرة تخدم الشعب التونسي نحن معها.
هل الدستور التونسي الجديد منصف عزز مكاسب المرأة التونسية أم أضعفها؟
بالنسبة للدستور الجديد فيه باب خاص بحقوق النساء ولا أعتقد أنه يمس بحقوقهن، حيث موجود مبدأ التناصف، وواجب الدولة في تحقيق المساواة موجود أيضا، تكافؤ الفرص موجود، التزام الدولة بالحد من العنف ضد النساء موجود ، دسترة مجلة الأحوال الشخصية موجودة والقوانين التي بعلاقة بحقوق النساء موجودة، وعليه الدستور الجديد وحتى النسخة القديمة لا يوجد فيه مس لحقوق المرأة ما يستدعينا لصيحة فزع، لكن مع ذلك بقي في الدستور فصل يسبب بعض التخوفات وهو المتعلق بمقاصد الشريعة أو المقاصد التي يستقيها المشرع التونسي عند تطبيق الدستور أو القاضي التونسي في بعض الفصول، فحين تترك بعض المفاهيم مثل مقاصد الشريعة أو القيم العليا هذه الكلمات الفضفاضة تخضع إلى اجتهاد المطلق للقاضي وللمشرع هي ما تثير المخاوف حيث تفسير المقاصد يختلف من طرف إلى آخر، وربما ما أفهمه أنا من مقاصد الشريعة السمحاء ليست هي نفسها بالنسبة للقاضي نفسه الذي سأدافع عنه في قضية ضد رجل انتهك حقوق امرأة بصفتي محامية، هذه المفاهيم حيث البعض منها مبهم والبعض منها عام هو ما يثير مخاوفنا لأنه يسمح بفتح باب التأويل، ونحن نريد تحصين المرأة بنصوص قانونية تحميها حماية مطلقة وأن لا نجعل لأي باب أو ثغرة تسمح للمشرع أو القاضي أن يطبق النص القانوني وهو لديه خلفية غير حقوقية أو خلفية لا تخدم أو لا تحمي حقوق النساء.
الأمر الثاني ليس في الدستور بل علينا طرح التساؤل التالي: هل القوانين الوضعية التي صدرت بعد صدور الدستور التونسي الجديد هي تحمي النساء أم لا؟ هذا هو السؤال المهم، الدستور ليس فيه مشكل المشكل في القوانين الوضعية التي صدرت بعد ذلك في عديد المناسبات، وأعتقد أنه في ظل غياب محكمة دستورية فهي غير دستورية، للأسف في عديد المنابر حين أقول ذلك بعض النساء تثور ضدي وتقول لي نحن لا نريد التناصف، نريد تكافؤ الفرص لان القانون الانتخابي لم يأتي بالتناصف في حين الدستور أقره، هناك بعض النساء لم يعجبها ذلك وانتقدوني في حوارات مباشرة لان البعض منهن ترى أن النساء لا تريد التناصف وتبحث عن تكافؤ الفرص.
أنا أقول المرأة التونسية مازالت بعيدة عن مبدأ تكافؤ الفرص لأسباب عديدة، فالواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ليس واقعا لتكافؤ الفرص فالمرأة اليوم في الريف قرابة 1000 امرأة ذات مستوى جامعي يعملن في الفلاحة أو معينات منزليات كيف سنتحدث لهذه المرأة عن تكافؤ الفرص في الوقت الذي لم نعطيها الحق في تمكين اقتصادي حتى تكون لها استقلالية اقتصادية، مازالت المرأة التونسية بحاجة إلى الدفع والى قوانين تمييزية ايجابية لفائدتها لأنه مازلنا نعاني من عقلية ذكورية متكلسة تميز النساء على الرجال ومازالت لا ترى في المرأة المواطنة الكاملة المسؤولة في برلمان منتخب أو في إدارة عمومية أو مسؤولية سياسية.. هذه حقيقتنا وبناءا عليه مازلت أطالب بالتناصف أيضا الرجال ليسو جميعهم من الكفاءات هذا الموضوع يجب طرحه لكلى الجنسين عموما.
انتقدت المشهد الذكوري بالبرلمان الجديد، برأيك لماذا تمثيلية المرأة التونسية مازالت ضعيفة رغم ترسانة الحقوق؟
مردها أولا القانون الانتخابي حيث احتوى الأسباب التي جعلت نتائج تمثلية المرأة ضعيفة، من ضمنها لا يوجد أي تمييز ايجابي لفائدة النساء وقد كنت أشخص لك ذلك حيث تعاني المرأة اليوم من الفقر والبطالة والأمية، كيف تريدون منهم أن يخضن فيما بعد غمار تجربة انتخابية تتطلب الكثير من المال والتمويلات، كيف للنساء اللاتي لهن مشاغل في المنزل والشارع كيف سيجدن وقت تخصصه للحملات الانتخابية والتعريف ببرامجها، وأيضا حرمان النساء من تمويل عمومي للأسف هن لا يتمتعن بذلك ليس بوسعهن حتى التنقل من جهة إلى أخرى، وأخيرا القانون نفسه لا يوجد فيه تناصف ثم أن التصويت على أساس الأفراد يجعل التصويت للرجال على حساب النساء، وللإشارة فقد قدمنا مقترح طالبنا فيه التصويت للأفراد لكن من خلال قائمة زوجية امرأة ورجل حتى نضمن وجود أكثر للنساء في هذه المجالس، وبالتالي مرد ضعف تمثيلية النساء هو على القانون الانتخابي نفسه.
وصفت القانون الانتخابي بالمفاجأة السيئة للمرأة التونسية ماهي مأخذكم عليه؟
منذ صدور القانون كنت متأكدة من أن تمثلية النساء ستكون ضعيفة ولم أتفاجئ من التمثيلية الضعيفة بقدر تفاجئي من القانون.. كنت أتمنى أن يعزز القانون النص الدستوري الذي ينص على التناصف والمساواة وأن الدولة تقوم بكل لها من ثقل وصلاحيات من أجل تكريس المساواة بين النساء والرجال، كنت أتمنى أن يكون أول نص قانوني يقوم بتعزيز ذاك لكن للأسف لم يتم ذلك والنتائج لم تكن بالمفاجأة السارة، وقدمنا ثانيا مقترح قلنا فيه أننا كاتحاد المرأة، حيث انتقدونا لأننا كنا من مناصري فكرة التصويت على الأفراد ولم نغير رأينا ومازلنا نرى ذلك الأفضل في هذا الوضع برغم المساوئ حيث من الممكن أن يعيد النعرات الجهوية، لكن قلنا على الأقل نقوم بقوائم مزدوجة رجل وامرأة بالتساوي وكانت ستكون النتيجة برلمان متكون من 50 بالمئة رجال و50 بالمئة نساء، لكن لم يصغي لنا أحد لأن صوت اتحاد المرأة مثل مكانة المرأة فنحن نمثل المرأة التونسية الغير ممثلة بشكل جيد بالبرلمان وبهياكل الدولة وغير مسموع صوتها وعذاباتها في كل القطاعات إذا لم يصغي لهؤلاء النساء فكيف سيصغون إلى منظمتهم..إن وضعنا يعكس وضع المرأة ككل.
لذلك يجب التوضيح أنه قدمنا مقترحات بخصوص هذا القانون لكن الناس هاجمتنا فقط لأننا قلنا أننا مع التصويت على الأفراد وتعرضنا للهرسلة على مدى شهر وأكثر، وللأسف من قبل بعض النساء ومنظمات النسوية، قاموا بتسييس موقفنا بما أن التصويت على الأفراد يقصي الأحزاب السياسية واعتبروا أننا من زمرة المجموعة المعارضة للأحزاب لم يطلعوا على موقفنا بشكل كامل، وعلى العكس قلنا أن العملية الانتخابية يجب أن تكون فيها أحزاب لكن لا أحد انتبه لهذا الكلام، وحتى لو عبرنا عن تأييدنا على التصويت على الأفراد كان فيه اقتراح بقائمات مزدوجة تضمن المواساة بين النساء والرجال لتأسيس لنموذج مزدوج لكن لا أحد نقل هذا الكلام بشكل كامل.
هل توافقين الرأي أن الانشغال بالأزمة السياسية ساهم في تزايد المشاكل الاجتماعية منها تفاقم العنف ضد المرأة ولماذا لا نرى جهود حقيقية للتصدي لهذه الظاهرة؟
نعم سأجيب عن ذلك انطلاقا من نقدي لنفسي.. فالمشاكل التي عرفتها البلاد السياسية كانت لها تداعيات على مستوى اقتصادي واجتماعي وبالطبع تضررت منها المرأة التونسية وأيضا الاتحاد الوطني للمرأة التونسية فهو منظمة نسائية عانى من مشاكل هامشية مثل الرواتب والمقر والديون وغيرها كل المشاكل الهامشية تجعلك تحيد عن دورك آو تعطلك عن القيام بدورك.
بالنسبة لنا كمنظمة كانت هذه المشاكل مقصودة لذلك تعبنا حتى نسترد دورنا ومكانتنا لنكون صوت النساء التونسيات حتى نكون مناضلات ومناصرات ومدافعات على القضايا التي تهم المرأة التونسية، تعبنا بسبب هذه المشاكل التي لم تنتهي إلى الآن..نفس الشيء ما وقع لبلدنا الغارقة قي مشاكل مختلفة منذ عام 2011.
من سيكون مهتما في ظل هذا الوضع بقضايا المرأة أو بالفقر الذي زاد بالبلد ما جعل الرجال يقومون بقتل زوجاتهم في حوادث متكررة، منذ عام2011 نحذر من زيادة الفقر ما قاد إلى إحباط الرجال أمام غياب المتنفس الثقافي والمجال الذي يروح به عن نفسه، الناس ملت من ذلك، وهو ما يقود إلى العنف الذي برأيي نتيجة فشل الدولة في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية وأيضا الثقافية وفي ظل غياب المتنفس، فإن النساء والأطفال هم الحلقة الأضعف وسط هذه الأوضاع في حين فشلت البرامج الوطنية وهي متعددة في حمايتهم.
متى يعقد مؤتمر اتحاد المرأة الجديد ولماذا تفضلين عدم الترشح لترأس المنظمة مرة أخرى؟
سيعقد يوم 7 و8 أكتوبر خلال هذه السنة الجارية 2023، ولن أقوم بالترشح لأنني أؤمن بالديمقراطية وبالتداول السلمي على السلطة ولا أستطيع أن أؤمن بصندوق الاقتراع في بلدي ولا أؤمن به داخل منظمتي.. أعتقد أنني قمت بواجبي واليوم يجب أن أعطي المشعل لشخصية أخرى..
هل تعتقدين أن المنظمات الوطنية مازال لها ثقل في المشهد التونسي اليوم؟
نعم مازال لها دور وسأعيد التذكير بموقف سابق لي بخصوصها، تونس لا تستطيع التقدم قيد أنملة في المسائل السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية دون منظمات وطنية لأن هذه الأجسام الوسيطة في ظل الأزمة المستفحلة تونس بحاجة لنا حتى نذلل هذه الصعوبات وننقل الفكرة للمواطنين لأن اليوم هناك قطيعة كبيرة بين الهيئات الحكومية الحزبية والسياسية وما بين المواطن التونسي الذي فقد الثقة للأسف في الدولة كما فقد ثقته في الأحزاب التي برأي الشارع تخدم فقط مصالحها، وفي ظل هذا الوضع المتسم بعدم الثقة وخيبة الأمل وابتعاد المواطن عن هذه الهيئات، فإن تونس تحتاج إلى قاطرة وهي نحن كمنظمات وطنية حتى نعيد بناء المؤسسات وثقة المواطن فيها من جديد، ثانيا في ظل فقر مدقع وأمية مرتفعة وحتى ننقل فكرة الديمقراطية والحوار والإصغاء إلى الآخر وقبول الآخر وحقوق الإنسان لا تستطيع الاشتغال على ذلك في ظل برنامج حكومي فقط، بل بحاجة إلى الأجسام الوسيطة خاصة ان ثقة المواطن في المنظمات لم تهتز بعد حيث لاتحاد المرأة مكانة كبيرة،و اتحاد الشغل كذلك مكانة كبيرة واتحاد الصناعة والفلاحين وغيرها لديها مكانة كبيرة لدى مواطن، لذلك بلدنا التي تبنى من جديد بحاجة لمن يساعدها ولن يستطيع أن يساعدها غير المنظمات مع كامل احترامي للجمعيات وغيرها..
وبرأيي مازال لهذه المنظمات مكانة ومازال لها دور كبير محمول عليها لبناء تونس المستقبل التي تحاول بصعوبة الخروج من عنق الزجاجة ونصيحتي لحكوماتنا أن يحافظوا على العلاقات واستمرار وديمومة ونشاط والحيوية التي لدى المنظمات حتى تساعد البلاد في الخروج من عنق الزجاجة، ولا يجب أن تبقى بلدنا في عزلة مع المواطن بشكل مباشر في حين أن لديها منظمات بوسعها مساعدتها في شتى المجالات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس