ياسر القوراري لـ”أفريقيا برس”: عدم تعديل المرسوم 54 هو إساءة للمرحلة

84
ياسر القوراري لـ
ياسر القوراري لـ"أفريقيا برس": عدم تعديل المرسوم 54 هو إساءة للمرحلة

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أشار رئيس لجنة التشريع العام بالبرلمان التونسي ياسر القوراري في حواره مع “أفريقيا برس” إلى أن “عدم تعديل المرسوم 54 المثير للجدل بسبب تهديده للحريات هو بمثابة إساءة للمرحلة وذلك على رغم دعمه لمسار 25 جويلية وتواجد حزبه “حزب الوطد الموحد” في عمق المسار وفي خطوطه الأولى” حسب وصفه.

وفي تقييمه لأداء البرلمان مع اقتراب نهاية الدورة البرلمانية الحالية، رأى القوراري أن “ما يميز البرلمان الجديد نأيه بنفسه عن الصراعات السياسية على عكس البرلمانات السابقة وأنه قدم جهدا تشريعيا محترما غير أنه مازال بحاجة إلى مزيد من الدعم والإسناد لتقديم أداء أفضل، لافتا في ذات السياق إلى أن “الحكومة لم تعر اهتماما إلا للمشاريع المتعلقة بالاقتراض والتداين فيما لم تركز على خيارات المرحلة والتي تستوجب بالأساس التركيز على القوانين المتعلقة بالجانب الاقتصادي والاجتماعي”.

وياسر القوراري هو رئيس لجنة التشريع العام بالبرلمان التونسي، وهو عضو كتلة الخط الوطني السيادي وعضو المكتب السياسي لحزب الوطد الموحد.

بعد مرور سنة على تنصيب البرلمان الجديد، هل تعتقد أن البرلمان نجح في مهمته التشريعية مع اقتراب نهاية الدورة البرلمانية؟

في الواقع هذا يتطلب قراءة للعمل البرلماني وتقييم شامل لعمل البرلمان ومقارنات بين عمل مختلف البرلمانات السابقة حتى نتوصل لتقييم علمي وموضوعي؛ طبعا كل عمل إنساني فيه جوانب مضيئة ونقائص، وخلال تقييمنا لأداء البرلمان مع اقتراب نهاية الدورة البرلمانية علما وأن العطلة البرلمانية لا تشمل عمل اللجان ومقترحات مشاريع القوانين، فإننا نلاحظ أن إضافة هذا المجلس تتمثل في غياب الصراع والمشاحنات السياسية عنه، وبالتالي الجانب العملي التقني أسرع فيما يتعلق بمشاريع القوانين والعمل عليها كان بوتيرة أسرع مقارنة بمختلف البرلمانات السابقة.

لقد سعى النواب إلى تقديم جملة من القوانين التي فاق عددها 60 مقترح قانون في حين لم تقدم المجالس السابقة وآخرها برلمان 2014-2019 طيلة عهدة نيابية كاملة سوى 70 مقترح قانون، وبالتالي أعتقد أنه في المستوى الكمي؛ الجهد التشريعي الذي يقوم به البرلمان الحالي محترم ومحترم جدا، صحيح أن هناك مجموعة كبيرة من القوانين التي لم تصل بعد إلى الجلسة العامة لكن يعود ذلك إلى الرغبة في مزيد العمل عليها في مستوى اللجان من أجل تطويرها وتجويدها.

يجب الإشارة أيضا أن نظام الاقتراع على الأفراد، خلق لدينا حالة جديدة حيث أن النواب لم يأتون من كتل برلمانية وأحزاب سياسية مؤدلجة ومنظمة ومهيكلة وجاهزة بل عن طريق أفراد، وهو ما اقتضى الأمر في البداية أن تقع تقاطعات في مستوى المشاريع وفي التصورات والبرامج بين النواب، وإلى حد الآن وصل فقط مشروع قانونين إلى الجلسة العامة ونجح النواب في تمرير قانون واحد فقط وهو قانون ذو طابع اجتماعي المتعلق بحقوق المرضى والمسؤولية الطبية، علما أن باقي القوانين على طاولات اللجان وفي إطار المقارنات، يجب استحضار بأن المجالس السابقة لم تنجح إلا في تمرير قانون واحد فقط وهو قانون العاطلين من العمل ولم يجد طريقه إلى التطبيق، هو قانون مزايدة سياسية أكثر منه حلا للمشكلة اجتماعية واليوم هو قانون مهجور، هذا فيما يخص جهد النواب في مقترحات القوانين.

ما هو تقييمكم لأداء الحكومة فيما يتعلق بمبادراتها لاقتراح مشاريع قوانين؟

كل الحكومات في دول العالم مطالبة بتقديم مبادرات تشريعية وعلى مجلس النواب مناقشتها، الحكومة لديها الجهاز التنفيذي وتدرك أين الخلل والنقائص وهي التي تقوم باقتراح مشاريع قوانين وعرضها، لكن في الواقع فإننا غير ملتقين سياسيا مع الحكومة إلا في إطار مسار 25 جويلية بشكل شامل وعام باعتبار أنها مكلّفة من قبل الرئاسة. لكن حين نقيّم أداء الحكومة نرى أنها مازلت تحتاج إلى الكثير من الجهد في علاقة بالجانب التشريعي، نلاحظ أن جهد الحكومة منصبّ طيلة سنة من العمل البرلماني على تقديم مشاريع القوانين الخاصة باتفاقيات كبرى مثل اتفاقيات التمويل والضمان مع مؤسسات دولية، وأيضا مؤسسات بنكية مصرفية في الداخل التونسي، هذا الجهد يحتاج دعما لكن خيارات المرحلة وخيارات 25 جويلية وخياراتنا نحن كبرلمان تمضي في اتجاه التقليص إن أمكن من سياسة الاقتراض وأيضا الحد من الارتباطات مع الصناديق الدولية والمحلية للحد من هذه التبعية.

بالتالي نلاحظ أن الحكومة مازلت ماضية في سياسة الاقتراض رغم أنها تؤكد أن توجهها مختلف عن التوجهات السابقة وأن هذه القروض استثمارية وليس استهلاكية لكن هذا لا يكفي، نحن نرى أنه ما لم تتنزل هذه القروض ضمن مقاربة شاملة ورسم لسياسات وخيارات تنموية بعينها ورؤية واضحة لمواجهة جملة من المعضلات الاجتماعية والاقتصادية فإن القرض الاستثماري في تقديري لا يبعث على الطمأنة لأنه يورطنا في المديونية، ونحن ضدها إذا كانت هذه السياسة دون رؤية وفلسفة شاملة، وما نستخلصه أن الحكومة تركّز على القوانين المتعلقة بالاستثمار في حين لم تعر القوانين ذات الطابع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الاهتمام الكافي والأولوية الضرورية، وأما فيها يخص الجهد البرلماني فنحن نرى أنه جهد مهم لكن يحتاج إلى تطوير وإسناد حتى يكون الأداء الأفضل.

لماذا لم يقع إلى الآن تركيز المحكمة الدستورية في تونس حسب تقديرك؟

مثلما أكدت فإن الحكومة انشغلت بجانب تشريعي معين ولم تعر الأهمية الكافية بالجوانب المتعلقة بالقوانين المتعلقة بالجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي،المحور سياسي يحتوي على مؤسسات دستورية التي نص عليها الدستور والتي يستوجب تركيزها وعلى رأسها المحكمة الدستورية يليها المجلس الأعلى للقضاء وثالثها المجلس الأعلى للتربية والقانون المنظم لهيئة الانتخابات وأيضا القوانين المتعلقة بالمجالس المحلية والبلدية، وأعتقد أن هناك بطئ في إيقاع الحكومة للتفاعل مع هذه المشاريع وعرضها على مجلس النواب باعتبار أن هذه القوانين ذات طابع تقني بالأساس وننتظر أن يقع تقديمها من طرف الحكومة علما أن السادة النواب تقدموا بمبادرة في الغرض حول إرساء المحكمة الدستورية ونظرا لبعض النقائص التقنية فقد تم سحب هذه المبادرة.

ما رأيك في الجدل الدائر حول القانون الانتخابي والاختلاف في شروط الترشح للانتخابات بين دستور 2014 ودستور 2022؟

أحيانا نصنع جدلا لا موجب له..حين نتحدث اليوم في علاقة بالقانون الانتخابي لا نرى جديدا فيه بل على العكس سيقع اعتماد نفس القانون الانتخابي التي ضبطت به قواعد اللعبة والتي لم يضبطها رئيس الجمهورية، نحن أبعد ما يكون عن رغبة رئيس الجمهورية في الانفراد بالسلطة، هذا القانون الانتخابي لم يضبطه الرئيس، بل هو معتمد سابقا، لكن الجديد فيه هو حتمية الملائمة بين القانون الانتخابي وبين مقتضيات الدستور لأنه لا نستطيع أن ننجز قانونا انتخابيا مخالفا لمقتضيات الدستور، ودستور 2022 تطرق إلى مسألتي السن والجنسية وهو ما استوجب تنزيل هاتين النقطتين في القانون الانتخابي الجديد ما دامت تستمد شرعيتها من الدستور، لذلك لا أعتقد أن هذا الجدل يستقيم، هذه ليست أحكام مسقطة هذه أحكام موجودة في الدستور.

هناك دعوات مستمرة بتعديل المرسوم 54 المثير للجدل لتهديده الحريات، هل سينجح البرلمان في هذه الخطوة أم أنها محل انقسامات وخلافات بين الكتل النيابية؟

لقد تقدمنا نحن ككتلة الخط الوطني السيادي بمبادرة تشريعية والتي أيدنا فيها وأمضاها معنا مجموعة من الزملاء وقوى سياسية وتم تبنيها وعرضها على مجلس نواب الشعب وقد اقترحت مسألة مراجعة المرسوم 54، ورغم أننا في عمق مسار 25 جويلية ونتبنى هذا المسار في الخطوط الأولى ولازلنا مع ذلك نقدر أن هذا المرسوم يحتاج إلى مراجعة وتعديل خاصة في فصله عدد 24 ونعتبر أن التمسك بعدم تعديله هو إساءة للمرحلة أكثر منه إضافة، ولذلك تقدمنا بهذا المشروع لكن لم يعرضه مكتب مجلس النواب على اللجنة المعنية لذلك قمنا بعريضة في محطة ثانية أمضاها 57 نائبا تدعو مكتب مجلس نواب الشعب إلى تصحيح إجراءاته التي اعتمدها والمتمثلة في المصادقة على عدم تمرير مشروع القانون على اللجان وإبقائهم في المكتب وقلنا لهم أن النظام الداخلي والدستور ينصان على ضرورة إحالة مشاريع القوانين على اللجان المختصة وعدم التأخر فيها وتجاوز الآجال القانونية في ذلك، لذلك نحن متمسكون بطرحنا وفي انتظار تفاعل مكتب البرلمان معها، وفي تقديرنا لا بد أن يكون الفصل 24 واضحا ودقيقا ولا يمس بمسألة الحقوق والحريات.

لماذا لم تتم المصادقة على قانون تجريم التطبيع أو حتى العودة إلى الجلسة الخاصة لمناقشة فصوله؟

كنا قد تقدمنا ككتلة الخط الوطني السيادي بمبادرة تشريعية لتجريم التطبيع قبل أن تنفجر الأوضاع بالأراضي المحتلة، مبادرتنا ليست وليدة انفعالات حسية أو وليدة اللحظة، المبادرة مضينا بها ونجحنا في إيصالها للجلسة العامة إلا أنه بعد المصادقة على أكثر من فصل تباينت الآراء بخصوصها باعتبار وجود فلسفتين تتعلقان بهذا المشروع: الفلسفة الأولى ترى أن نمضي في وضع قانوني يجرم التطبيع وأخرى وهي فلسفة يتبناها رئيس الجمهورية والتي لا تعترف بفكرة التطبيع والكيان الصهيوني بالأساس وتعتبر أن اعتماد مصطلح التطبيع في حد ذاته يمثل إقرارا بوجود هذا الكيان وبالتالي يطرح المسالة بشكل أعمق.

مع ذلك مازال الجدل قائما في البرلمان بخصوص هذا المشروع ولدينا مبادرة تشريعية جديدة تتعلق بمراجعة وتعديل فصول القانون والتي تقتضي مراجعة أحكام المجلة الجزائية وخاصة الفصل 60 منه والتي تليها، واعتبار أن التعامل مع العدو الصهيوني هو جرم قانوني يرتقي إلى مرتبة الاعتداء على أمن الدولة الخارجي وخيانة عظمى، وبالتالي مازال الجدل قائما بين مبادرة كتلة الخط الوطني السيادي وبين المبادرة الثانية التي تقدم بها زملائنا ونحن منفتحون على المبادرة الجديدة وإن اقتضى الأمر دعمها، كل ما يهمنا اليوم في ظل تنامي موجة التطبيع هو أن تبقى قوى الممانعة والصد قائمة وتمارس عملية الإسناد وإن كان معنويا للفلسطينيين وللقضية الفلسطينية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here