أفريقيا برس – تونس. حذر الرئيس التونس قيس سعيّد من التدخلات الأجنبية في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في السادس من أكتوبر المقبل، مؤكدا وجود العديد من القرائن التي تشير إلى ذلك، في ظل الجدل القائم حول قرار العدالة أولا، ثم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ثانيا بحرمان عدد ممن أودعوا ملفات ترشحهم بعدما وجهت لهم تهمة شراء التزكيات.
وقال سعيّد، خلال لقائه في قصر قرطاج وزير الداخلية خالد النوري، وكاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن الوطني سفيان بالصادق إن الانتخابات الرئاسية، “شأن داخلي خالص لا دخل لأي جهة أجنبية فيه”. بحسب ما ذكرت الرئاسة التونسية عبر صفحتها على فيسبوك.
وأضاف سعيّد “الذين يتلقون الأموال والدعم كما دأبوا على ذلك من جهات خارجية، ويدعون زورا وبهتانا أنهم دعاة حرية وديمقراطية استبطنوا الخيانة والعمالة والافتراء قدرهم عند الذين يدعمونهم بأموال طائلة وبكل الوسائل إن كان لهم قدر بالفلس الواحد مردود”.
وأكد أن “التونسيين واعون كل الوعي بهذه الأوضاع، بل ويعرفون دقائق الأمور، واختاروا أن يُطهروا بلادهم، وأن يشقوا طريقا جديدة في التاريخ، السيادة فيها للشعب وحده”.
وتناول اللقاء الوضع الأمني في البلاد، حيث دعا الرئيس التونسي وزير الداخلية إلى “مزيد اليقظة والانتباه والاستشراف لإحباط كل محاولات المس بأمن الدولة وأمن المواطنين خاصة في ظل تضافر عديد القرائن التي تشير كلها إلى ارتباط عدد من الدوائر بجهات خارجية”.
وتأتي هذه التحذيرات في خضم جدل قانوني كبير سرعان ما تحول إلى صراع سياسي بعدما رفضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قرار المحكمة الإدارية إرجاع ثلاثة مرشحين إلى سباق الانتخابات الرئاسية.
وأقرت هيئة الانتخابات في بيان تلاه رئيسها فاروق بوعسكر عبر التلفزيون الرسمي، الاثنين ترشيح قيس سعيد ومرشحين اثنين آخرين هما رئيس حركة الشعب زهير المغزاوي والعياشي زمال لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر.
وألغت الهيئة ترشيح عبداللطيف المكي، الأمين العام لحزب العمل والإنجاز، والمنذر الزنايدي، وهو وزير سابق في عهد نظام زين العابدين بن علي (المحسوب على حزب التجمع الدستوري الديمقراطي ومنظومة ما قبل 2011)، وعماد الدايمي، مدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.
وأرجعت الهيئة قرارها بإبعاد ثلاثة مرشحين، إلى عدم تلقيها الأحكام التي صدرت عن المحكمة الإدارية في الآجال القانونية المحددة بـ 48 ساعة.
ورفض المرشحون الثلاثة قرار الهيئة، في خطوة تنذر بمزيد من التوتر السياسي في البلاد.
والأربعاء أصدرت بيانا قالت فيه انها “قامت بإحالة ملف أحد المترشحين المرفوضين للانتخابات الرئاسية 2024 على النيابة العمومية بتونس من أجل التحيل والادلاء بشهادة مدلسة وتعمد اخفاء حالة من حالات الحرمان التي نص عليها القانون على معنى الفصلين 291 من المجلة الجزائية و 158 من القانون الانتخابي”.
واتهمت المرشح المرفوض دون ذكر اسمه “بتعمده التعريف بالإمضاء على تصريح على الشرف مغلوط واخفاء جنسيته الاجنبية التي تعد مانعا دستوريا وقانونيا من الترشح للانتخابات الرئاسية”.
ويُشترط على الراغبين في الترشح جمع 10 تزكيات من أعضاء مجلس نواب الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان)، أو مثلها من مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة الثانية)، أو 40 تزكية من رؤساء المجالس المحلية أو الجهوية أو البلدية، أو 10 آلاف تزكية في 10 دوائر انتخابية، على ألا يقل عددهم عن 500 ناخب بكل دائرة.
كما يرفض ترشح كل شخص له جنسية ثانية أو لم يحصل على بطاقة تثبت سجله العدلي أو ما تعرف بالبطاقة عدد 3.
وتحول الجدل القانوني بين المحكمة الإدارية وهيئة الانتخابات إلى صراع سياسي أقحم الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في تونس وذات نفوذ تقليدي، نفسه فيه، بإعلان رفضه لقرار الهيئة باستبعاد ثلاثة مرشحين للانتخابات الرئاسية رغم تثبيتهم من قبل المحكمة الإدارية.
وقال الاتحاد عقب اجتماع هيئته الإدارية، إن قرار هيئة الانتخابات “سابقة خطيرة في القانون وتكريس لقرار سياسي”.
وأضاف أن قرار الهيئة يعد “توجيها ممنهجا ومنحازا وإقصائيا وتأثيرا مسبقا على النتائج علاوة على أنه ضرب صارخ للسلطة القضائية وأحكامها”.
ولفت إلى “غياب المناخ الملائم والشروط الضرورية لانتخابات ديمقراطية وتعددية وشفافة ونزيهة”.
وحذر من أن قرارات هيئة الانتخابات من شأنها أن “تكرس النهج الانفرادي والتسلطي”.
إلى ذلك، حذّرت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس من أنّ “العبث الذي أقدمت عليه هيئة بوعسكر قد دشّن مرحلة خطيرة تؤذن بالقطع نهائيا مع مرجعيّة القانون وقرارات القضاء والدّوس على مقوّمات العيش المشترك ومكتسبات دولة القانون والمؤسّسات”.
وقالت الجبهة المعارضة في بيان لها، إن “هيئة بوعسكر تنقلب على المسار الانتخابي المتعثّر، بعد القرارات بالغة الخطورة التي أعلنها رئيس الهيئة المعيّنة للانتخابات، وذلك بتعمّد التّمرّد على القرار الباتّ والنّهائي للمحكمة الإداريّة”.
وعاينت الجبهة “تواتر الأدلّة القاطعة التي تثبت رغبة السّلطة القائمة في تنظيم انتخابات بلا تنافس ولا رهان واستعمال كلّ الوسائل لإغلاق باب التّداول السّلميّ على السّلطة، وتعتبر ما ارتكبته هيئة الانتخابات برفض تنفيذ قرار المحكمة الإداريّة جريمة موجبة للتتبّع الجزائي”.
وفي بيان لها، اعتبرت منظمة “أنا يقظ ” أن “فاروق بوعكسر يدق آخر مسمار في نعش دولة القانون والمؤسسات”، وقالت إن “التاريخ اليوم الثّاني من سبتمبر 2024، سيذكر كتاريخ أقدمت فيه هيئة الانتخابات بالاعتداء على دولة القانون والمؤسسات بامتناعها عن تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية الصادرة عن الجلسة العامّة والقاضية بإرجاع عدد من المترشحين إلى السباق الانتخابي. وهو ما يمثّل سابقة خطيرة هي الأولى من نوعها في تاريخ الانتخابات منذ الثورة”.
وأكدت منظّمة “أنا يقظ” أن “امتناع مجلس الهيئة العليا للانتخابات عن تنفيذ أحكام قضائيّة باتّة وجه من أوجه الفساد وجريمة على معنى الفصل 315 من المجلة الجزائية، بل إنّ تعنّتها وإصرارها على مخالفة فحوى الأحكام الصادرة عن الجلسة العامّة لتبرير إقصائها للمترشحين، ضرب صريح لأسس دولة القانون والمؤسسات”. وطالبت “أنا يقظ” بـ”رحيل مجلس الهيئة العليا المكلفة بالانتخابات وعلى رأسها فاروق بوعسكر لاستماتتها في إرساء انتخابات صورية غير نزيهة وغير تعدّدية وانخراطها في الفساد، وتحمّلها تبعات ما قامت به من تلاعب بالقانون في تهديد للسلم الاجتماعي والأمن القانوني”.
وطالبت المحكمة الإدارية بـ”الوقوف صرحا منيعا أمام تعسف الإدارة، كونها محكمة الحقوق والحريات والضمانة الوحيدة للشرعية والدستوريّة ودولة القانون في ظل غياب كل صمامات الأمان”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس