أفريقيا برس – تونس. يتوجه أكثر من 9 ملايين ناخب تونسي الأحد 6 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس الجمهورية الجديد، في ثالث انتخابات رئاسية مباشرة بعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
ويتنافس الرئيس قيس سعيد مع النائب السابق زهير المغزاوي، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس المسجون بتهم “تزوير” تواقيع تزكيات. وغابت التجمعات الانتخابية والمناظرات التلفزيونية بين المرشحين والملصقات العملاقة في الشوارع، عن المشهد الانتخابي في البلاد خلافا لآخر انتخابات رئاسية في العام 2019.
وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب حركة النهضة.
وتندد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ”الانجراف السلطوي” في بلد مهد ما سُمي “بالربيع العربي”، من خلال تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين.
وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى “موعد مع التاريخ”، قائلا “لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات”، لأنه “سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد”.
اتهامات بالانحياز
في الطرف المقابل، حذر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي “في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إياكم والعبث بصوت التونسيين”.
وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.
ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد “وجه” عملية التصويت لصالحه “ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات”، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.
أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.
وتعرضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت إلى حد اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.
وتشير إحصاءات منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن “أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية” في تونس.
رئاسيات تونس بعد الثورة
في 23 أكتوبر 2011، أقبل التونسيون بكثافة على صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات حرة عقب الثورة لتشكيل المجلس الوطني التأسيسي الذي اختار في 12 ديسمبر من العام ذاته المعارض المنصف المرزوقي رئيسا للبلاد.
وفي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، أدلى المواطنون بأصواتهم لانتخاب رئيس الجمهورية من بين 27 مرشحا، أسفرت الجولة الثانية منها في 21 ديسمبر/كانون الأول عن فوز زعيم حزب “نداء تونس” الباجي قائد السبسي بنسبة 55.68 بالمئة على حساب المرزوقي.
وفي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2019، فاز قيس سعيد برئاسة البلاد بعد حصوله على نسبة أصوات بلغت 72,71 بالمئة.
وتعد انتخابات الأحد، رابع سباق رئاسي عقب ثورة 2011، في ظل تقلبات سياسية واقتصادية شديدة تشهدها البلاد.
التصويت بالخارج
أفادت هيئة الانتخابات بافتتاح جميع مكاتب الاقتراع في الخارج في 4 أكتوبر، لاستقبال المصوتين في الانتخابات الرئاسية.
وأوضحت في بيان، أن التصويت داخل تونس سيجري الأحد بتاريخ 6 أكتوبر، بينما خصصت أيام 4 و5 و6 من الشهر نفسه للتصويت بالخارج.
وفي مؤتمر صحفي قال رئيس الهيئة إن “عدد الناخبين التونسيين بالخارج وصل أكثر من 630 ألفا”.
وأضاف بوعسكر: “الانتخابات الرئاسية تجرى في 59 دولة في العالم، منها 10 دول تجرى فيها لأول مرة منذ 2011، بينما بلغ عدد مكاتب الاقتراع 400 مكتب”.
وقال إن “إجمالي الناخبين المسجلين بلغ 9 ملايين و753 ألفا و217 ناخبا”، مشيرا أن الانتخابات داخل تونس تجرى في نحو 5 آلاف مركز اقتراع.
3 مرشحين فقط
ومن بين 17 ملف ترشح لانتخابات الرئاسة، قررت هيئة الانتخابات في أغسطس/ آب الماضي، قبول ملفات 3 مرشحين بصورة أولية، هم الرئيس الحالي قيس سعيد، وأمين عام “حركة الشعب” (مؤيدة لسعيد) زهير المغزاوي، ورئيس “حركة عازمون” (معارضة) عياشي زمال، الأمر الذي دفع 6 من المرفوضة ملفات ترشحهم للطعن أمام الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الإدارية، والتي بدورها أيدت قرار الهيئة.
ولاحقا، قدم عدد من المرفوضة ملفات ترشحهم طعونا إلى المحكمة الإدارية، والتي قضت بين 27 و29 أغسطس في أحكام نهائية بقبول طعون 3 مرشحين، ما يعني إعادتهم للسباق الانتخابي، وهم عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي ومنذر الزنايدي، إلا أن هيئة الانتخابات لم تعتمدهم.
وفي 2 سبتمبر الماضي، أعلنت هيئة الانتخابات في تونس قبولها بشكل نهائي 3 مرشحين فقط للانتخابات الرئاسية.
وقال رئيس الهيئة فاروق بو عسكر، في مؤتمر صحفي: “الرئيس قيس سعيد، والعياشي زمال، وزهير المغزاوي، الذين اعتُمدت ترشحاتهم في 10 أغسطس/آب الماضي، هم فقط المعتمدون نهائيا للانتخابات الرئاسية، ما يعني رفض أحكام المحكمة الإدارية بإعادة 3 آخرين إلى السباق الرئاسي.
المحكمة الإدارية
بعد تجاهل هيئة الانتخابات تنفيذ قراراتها، دعت المحكمة الإدارية في 14 سبتمبر لإعادة 3 مرشحين للرئاسيات، لكن مجلس البرلمان التونسي أقر في 20 سبتمبر إحالة مشروع قانون أساسي قدمه 34 نائبا، يقترح سحب سلطة المحكمة الإدارية على الانتخابات لصالح محكمة الاستئناف.
ووفق الاختصاصات الراهنة، ينظر القضاء الإداري في الخلافات بين المواطنين ومؤسسات الدولة عبر جلسة يجتمع فيها 27 من القضاة، بينما تنظر محكمة الاستئناف في النزاعات القائمة بين المواطنين في جلسة مكونة من 3 قضاة.
وفي 27 سبتمبر، أيد 116 نائبا مشروع القانون، مقابل 12 نائبا صوتوا ضده، فيما تحفظ عليها 8 نواب.
وينص الفصل 46 من التعديل بعد إقرار المشروع على أنه “يتم الطعن في قرارات هيئة الانتخابات من قبل المترشحين المقبولين من الهيئة أمام محكمة الاستئناف بتونس، وذلك في أجل أقصاه 48 ساعة من تاريخ التعليق أو الإعلام”.
المرشح المسجون
في 2 سبتمبر، أوقفت السلطات التونسية المرشح الرئاسي العياشي زمال، بتهمة “تزوير تزكيات” لخوض الاستحقاق الانتخابي.
ونقلت إذاعة “موزاييك” المحلية عن مهدي عبد الجواد، العضو بحملة زمال الانتخابية، قوله: “تم فجر الاثنين إيقاف المرشح زمال، وتحويله إلى منطقة الحرس الوطني بطبربة من ولاية منوبة، من أجل تهم تتعلق بافتعال (تزوير) التزكيات”.
وفي 6 سبتمبر، أعلنت حملة زمّال أن النيابة أمرت بسجن الأخير، في انتظار محاكمته، لتقضي محكمة جندوبة (شمال غرب) في 18 سبتمبر بسجن زمّال “عاما و8 أشهر”، بتهمة “تزوير تزكيات”.
كما أصدرت المحكمة ذاتها في 25 سبتمبر، حكم بالسجن 6 أشهر إضافية بحق زمّال، من القضية ذاتها.
وفي الأول من أكتوبر الجاري، قضت المحكمة الابتدائية تونس 2 (بمنطقة سيدي حسين غرب العاصمة) بسحن زمّال 12 عاما، بواقع 3 سنوات سجن لكل ملف من ملفات القضية الأربعة المتعلقة بتزوير تزكيات.
وقضت المحكمة أيضا بالسجن 12عاما في القضية ذاتها بحق سوار البرقاوي، أمينة عام “حركة عازمون” التي يقودها زمّال.
وفي 3 أكتوبر، قبل 3 أيام فقط من الاستحقاق الانتخابي، أصدرت محكمة الاستئناف بجندوبة، حكما نهائيا بسجن زمّال، سنة و8 أشهر إثر إدانته بتهمة “تزوير تزكيات” استخدمها في دعم ملفه للترشح.
مسيرات احتجاجية
في 13 سبتمبر، تظاهر آلاف التونسيين بدعوة من الشبكة التونسية للحقوق والحريات (ائتلاف جمعيات وأحزاب يسارية وليبرالية)، تنديدا بواقع الحقوق والحريات في البلاد، مطالبين بوقف ملاحقة السياسيين والحقوقيين والإعلاميين وإطلاق سراح المعتقلين.
وفي 22 سبتمبر، شارك مئات التونسيين في مسيرة احتجاجية رفضا للتعديلات المقترحة على مشروع قانون تقدم به 34 نائبا برلمانيا لسحب صلاحيات الرقابة على الانتخابات من المحكمة الإدارية إلى محكمة الاستئناف.
و في 27 سبتمبر، تظاهر عشرات الناشطين قرب مقر البرلمان، تزامنا مع تمرير مشروع القانون بتأييد 116 نائبا.
والجمعة 4 أكتوبر نظم مئات التونسيين، مسيرة شعبية وسط العاصمة تونس تدعو “لاستعادة” المسار الديمقراطي، ورفضا لتعديل القانون الانتخابي، وتواصل “التضييقات” على المعارضين والناشطين.
مراقبة الانتخابات
وفي 9 سبتمبر، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات رفضها اعتماد بعض الجمعيات (لم تسمها) لمراقبة الانتخابات الرئاسية بحجة تلقيها “تمويلات أجنبية مشبوهة”.
ولا يمنع المرسوم رقم 88 لعام 2011، المنظم لعمل الجمعيات في تونس، الحصول على تمويلات أجنبية، لكن المادة 35 منه تنص على أنه يجب أن “تنشر الجمعية المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية وتذكر مصدرها وقيمتها وموضوعها بإحدى وسائل الإعلام المكتوبة وبالموقع الإلكتروني للجمعية إن وجد، في ظرف شهر من تاريخ قرار طلبها أو قبولها وتعلم الكاتب العام للحكومة (مسؤول) بكل ذلك بمكتوب مضمون الوصول”.
وفي السياق، أعلنت “جمعية مراقبون” في بيان أن هيئة الانتخابات “لم ترد على طلبها باعتماد ألف و220 من مراقبيها للانتخابات الرئاسية”.
تعيينات بالحكومة
ورغم دخول تونس في فترة انتخابية، أجرى الرئيس سعيد عدة تغييرات شملت رئيس الحكومة وعددا من الوزراء وبعض الولاة.
ففي 8 أغسطس 2024، أعلن سعيد تكليف وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري، برئاسة الحكومة خلفا لأحمد الحشاني، الذي عيَّنه في الأول من أغسطس 2023، بعد إنهاء مهام رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن.
وفي 25 أغسطس الماضي، أجرى سعيد تعديلا موسعا في تشكيلة الحكومة شمل 19 وزيرا و3 كتّاب دولة، مستثنيا من ذلك 5 وزارات هي: الداخلية والعدل والصناعة والمالية والتجهيز.
وعقب أسبوعين، وتحديدا في 8 سبتمبر، عين سعيّد، ولاة في 9 محافظات كان المنصب فيها شاغرا، وغيّر 15 واليا بمحافظات أخرى، قبل أقل من شهر على الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
وفي 19 سبتمبر، أنهى سعيّد مهام المديرة العامة للتلفزيون الرسمي في البلاد عواطف الدالي، وكلف شكري بن نصير، رئيسا ومديرا عاما للتلفزيون الحكومي خلفا لها.
تأييد ومقاطعة
دعت 5 أحزاب يسارية في تونس، ممثلة في أحزاب “العمال” و”التكتل” و”الاشتراكي” و”القطب” و”المسار الديمقراطي الاجتماعي”، إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية لأنها “لن تُجرى في ظروف ديمقراطية”.
وفي كلمة خلال مؤتمر صحفي في العاصمة، قال حمة الهمامي، الأمين العام لحزب العمال، أن الرئيس سعيد “يسعى من خلال هذه الانتخابات إلى تنفيذ انقلاب ثانٍ للبقاء في السلطة، بعد أن قام بالانقلاب الأول للاستيلاء عليها”، في إشارة إلى إجراءات 25 يوليو/ تموز 2021 الاستثنائية التي اتخذها سعيد.
كما تقاطع حركة النهضة أبرز أحزاب المعارضة المشاركة في الانتخابات الرئاسية بسبب “عدم وجود أي مناخ ديمقراطي ملائم” للانتخابات.
وقالت الحركة في بيان بتاريخ 3 أكتوبر الجاري، إن “التتبع الجزائي (الملاحقة القضائية) للمترشحين المنافسين للسيد قيس سعيد (الرئيس الحالي) وإصدار أحكام ضد بعضهم خلال الحملة الانتخابية يسحب كل مصداقية من هذا المسار ويؤكد غياب أي مناخ ملائم أو شروط لانتخابات ديمقراطية تعبر حقيقة عن إرادة الشعب”.
وأضافت الحركة: “كان يمكن لهذا الاستحقاق الدستوري أن يمثل فرصة للشعب التونسي ليمارس سيادته ويعبر عن إرادته، إلا أن المؤشرات المبكرة أكدت عدم نزاهة المسار الانتخابي وفقدانه الشفافية”.
من جانبها، قدمة حركة الشعب (ناصرية مؤيدة لسعيد) زهير المغزاوي، مرشحا للانتخابات، فيما تساند أحزاب صغيرة ترشح الرئيس سعيد، منها “التيار الشعبي” وحركة “تونس إلى الأمام”.
وتشهد البلاد أزمة واستقطابا سياسيا حادا منذ أن بدأ سعيد، في 25 يوليو 2021، فرض إجراءات استثنائية تضمنت حلّ مجلسي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وتعتبر قوى سياسية هذه الإجراءات “انقلابا على دستور الثورة (دستور 2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس بن علي (1987ـ 2011).
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس