آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. اعتبر زهير حمدي الأمين العام لحزب التيار الشعبي في حواره مع “أفريقيا برس” أن “تحسين الوضع المعيشي للتونسيين أولوية غير قابلة للتأجيل والتي يستوجب على الرئيس المنتخب قيس سعيد العمل عليها في ولايته الثانية”، إضافة إلى “ضرورة تغيير جذري في الرؤية الاقتصادية لإعادة ربط الاقتصاد بحياة الناس، وإنهاء العمل بكل السياسات الاقتصادية التقشّفيّة التي تضع التوازنات الماليّة قبل احتياجات الشعب”. وفق تقديره.
وفي معرض تعليقه على نتائج الانتخابات الرئاسية التي وقع تنظيمها مؤخرا، رأى أنها “نقطة التحول الكبرى، وعلى الأحزاب والأجسام الوسيطة السعي نحو تطوير الحياة السياسية وترك الديناميكية الشعبية تفرز ما يتطلبه الواقع التونسي”.
وزهير حمدي هو الأمين العام لحزب التيار الشعبي في تونس، وهو أستاذ في القانون وعلم الاجتماع بالجامعة التونسية.
ما هي قراءتكم للمشهد السياسي التونسي بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس قيس سعيد بولاية ثانية؟
الانتخابات الرئاسية محطة مهمة في المسار السياسي في البلاد، وقد أكدنا في التيار الشعبي على أن المرحلة التي انطلقت فعليا بعد 25 جويلية 2021، وهي امتداد للصراع الذي انطلق في 17 ديسمبر، بل قبل ذلك، يجب أن تنتهي بحسم مسألة السلطة استراتيجيا. ونعتقد أن ما حصل بعد 25 جويلية هو ذروة الصراع وقد تمكن الرئيس ومن معه كل من موقعه من النجاح بشكل كبير في انجاز عملية التمهيد الاستراتيجي لحسم هذا الصراع. ولذلك تعتبر الانتخابات الرئاسية نقطة التحول الكبيرة، وإن فوز الرئيس بأغلبية معززة بمشاركة واسعة مسألة في غاية الأهمية لتونس وشعبها على المستوى المتوسط والبعيد، وهذا الحسم يجب أن يكون لمصلحة الشعب وليس لمصلحة السلطة كمجرد سلطة أو كمجرد نظام حكم ولا كمجرد شخص.
لذلك نعتقد أننا مقبلون على تغييرات جوهرية في المشهد السياسي في المرحلة القادمة فهناك قديم انتهى وهناك ميلاد جديد لمشهد وفاعلين جدد وسيتبلور الأمر مع الوقت فلا نستعجل النتائج.
كرئيس لحزب التيار الشعبي، الحزب المؤيد للرئيس، هل ستشهد الولاية الثانية عودة لدور الأحزاب والأجسام الوسيطة؟
الأجسام الوسيطة أحزاب أو منظمات يجب أن تستمد دورها من ذاتها لا من قربها من السلطة، فالمطلوب الآن الانكباب على تطوير الحياة السياسية وترك الديناميكية الشعبية تفرز ما يتطلبه الواقع التونسي، ونحن على قناعة أن مشروع التحرر الوطني بات يحتاج حاضنة سياسية كبيرة تضمن الحضور الشعبي في موقع القرار وتمكن القوى الشعبية من أن تكون فاعلة في صياغة السياسات فهي الطاقات الحاملة لمشروع التحرر الوطني. وتعمل على مزيد توسيع التمثيلية جهويا محليا وإقليميا لتوسيع تمثيلية الفئات الشعبية.
ونعتقد أنه بتطوير القانون الانتخابي وتعزيز آليات المشاركة والرقابة الشعبية خارج دائرة الإدارة السياسية لمصالح رأس المال ونخبها سيعزز تغيير البنية التقليدية للديمقراطية من ديمقراطية ليبرالية شكلية إلى ديمقراطية شعبية تشاركية وبالتالي ستتغير القاعدة الاجتماعية للحكم تدريجيا باتجاه الفئات الشعبية وستكرس السياسات الوطنية السيادية في كل المجالات.
في تقديركم ما هي الأولويات التي سيعلن عنها الرئيس المنتخب في خطاب اليمين الدستوري، هل سيوضح برنامجه أكثر للتونسيين؟
الأولويات الكبرى غير القابلة للتأجيل التي على الرئيس قيس سعيد تجسيمها:
– تحسين الوضع المعيشي للمواطنين (الحد من غلاء الأسعار، انتظام تزويد السوق، زيادة الأجور ومقاومة الفقر وكل أشكال العمل الهش).
– أولويّة المرافق العمومية تعليم، صحة، نقل، سكن، شغل وما يتطلب ذلك من ضرورة تغيير جذري في الرؤية الاقتصادية لإعادة ربط الاقتصاد بحياة الناس وإنهاء العمل بكل السياسات الاقتصادية التقشّفيّة التي تضع التوازنات الماليّة قبل احتياجات الشعب.
– خطة عاجلة للنهوض بالقطاع الفلاحي وتخطي أزمة المياه، ومعالجة الأزمة البيئية المتفاقمة في البلاد.
– الشروع الفوري في إنجاز عدد من المشاريع الكبرى لسد الفجوة في البنية التحتية في تونس، والعمل على توفير الصيغ المناسبة لتمويل هذه المشاريع.
– ثورة تشريعية تنهي الريع الإقتصادي دون أن يتحول الأمر إلى مطية لمزيد تحجيم دور الدولة الاقتصادي، وإنجاز مشروع الجمهورية الرقمية، بالتوازي مع تسريع نسق المحاسبة.
إن انجاز هذه الأولويات ممكن من خلال رفع القدرة على تعبئة الموارد والمقدّرات الوطنيّة، وحسن استغلالها من جهة، ومن خلال علاقات خارجية متوازنة من جهة أخرى توفر إمكانيات هائلة لإنجاز المشروعات الكبرى سواء في قطاع الخدمات العمومية أو في مجال البنية التحتية ونعتبر منحى السياسة الخارجية في التعويل على الصين والمنظومة الأوراسية بشكل عام خيارا صائبا يجب المضي فيه قدما.
ما هي قراءتكم للسياسة الخارجية التونسية، هل تعتقد أن تشهد تغيرا في العلاقة بالقوى الاقتصادية الصاعدة، وفيما يخص ملف الهجرة؟
المؤشرات تقول أن السياسة الخارجية تنحى منحى تصاعدي في اتجاه التنوع وخاصة في العلاقة بالقوى الصاعدة، ولكن يجب أن تكون السياسة الخارجية ضمن رؤية متكاملة اسمها مشروع التنمية المستقلة والإيمان بجدواها وما يتطلب ذلك من جرأة سياسية وفكرية ونضالية في مواجهة نخب الهيمنة والاستعمار وشبكات المصالح الوكيلة.
إن أم المعارك التي يتوجب كسبها في الوعي والثقافة هو أن التنمية المستقلة لا تعني العزلة كما تروج نخب الرأسمالية الطفيلية وإنما تنطلق في أفق أرحب من التنمية التابعة لبرامج وخطط الاستعمار فهي تنطلق في أفق اندماج مغاربي وعربي وإفريقي وإنساني على قاعدة المصالح المشتركة وقاعدة التمايز الحضاري وليس على قاعدة امتياز وعنصرية قوى الهيمنة الرأسمالية ومآسيها التي تسببت فيها لشعبنا وشعوب الجنوب عامة.
هل تتوقع أن ينجح الرئيس سعيد في ولايته الثانية في إدارة الملف الاقتصادي وإيجاد حلول لمشكل البطالة والتضخم؟
لا خيار له إلا النجاح، وعليه تحويل الشعارات إلى خطط علمية وعملية مثلى لإعادة الحياة للمؤسسات العمومية لتلعب دورها كقاطرة للاقتصاد الوطني، بل واسترجاع مؤسسات تم التفويت فيها أو اندثرت. وكذلك يجب أن نقطع نهائيا مع سياسات صندوق النقد الدولي في ما يخض التقشف وتجميد الانتدابات وتسريح الموظفين فلا يكفي أن لا نقترض منه ونواصل تنفيذ توصياته. والمؤشرات واعدة في انتداب عمال المناولة والأساتذة والمعلمين النواب والدكاترة وضمان حقوق المرأة العاملة في قطاع الفلاحة ورفع المعاناة عن المتقاعدين والعائلات المعوزة وفي الترفيع في الأجر الأدنى في انتظار مشروع استراتيجي لرفع الأجور والقضاء على الفقر.
بماذا تفسر ظاهرة العياشي زمال في حصوله على المرتبة الثانية في السباق الرئاسي، وهل كانت وراء النتيجة بعض القوى المعارضة؟
في الحقيقة ليست هناك ظاهرة، وما تحصل عليه المرشح عياشي زمال أقل من العادي ولا يؤشر البتة عن ظاهرة.
ما هي الرسالة التي أراد شقيق الرئيس، نوفل سعيّد أن يوصلها للشارع السياسي عندما قال على القوى الوطنية الالتقاء على قاعدة 25 جويلية؟
هذا الأمر يسأل عليه نوفل سعيد، بالنسبة لنا قاعدة الالتقاء هي كسب المستقبل للشعب التونسي على قاعدة السيادة والديمقراطية والتنمية المستقلة، فتونس تحتاج إلى رؤية إستراتيجية لإعادة بناء القوة المتكاملة للدولة المادية والمعنوية تفتح أفقا للشعب وتكون محورا لتعبئة وطنية شاملة حول قيم وأهداف مشروع التحرر الوطني لإنجاز الإنتقال من الهشاشة السياسية والإقتصادية والإجتماعية إلى الإستقرار الاستراتيجي، وعلينا جميعا كتونسيين أن ننخرط في البحث عن آليات العمل السياسي المثلى لتأطير شعبنا وضمان استمرار هذا المشروع الذي انطلق يوم 25 جويلية 2021 حتى يتحول إلى رؤية تحملها مؤسسات شعبية ورسمية على السواء فالمؤسسات هي الضامنة وليست الأشخاص وتجارب التاريخ ماثلة أمامنا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس