تيك توك: منصة تهدد الأطفال والمراهقين وتزعزع قيم المجتمع

48
تيك توك: منصة تهدد الأطفال والمراهقين وتزعزع قيم المجتمع
تيك توك: منصة تهدد الأطفال والمراهقين وتزعزع قيم المجتمع

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. تفاجأ التونسيون الأيام الماضية بتداول مقطع فيديو لطبيبة تقوم ببث مباشر لعملية ولادة على منصة تيك توك. على إثر تناول الخبر في وسائل الإعلام أعلن مسؤول بهيئة الأطباء في تونس عن فتح تحقيق ضد الطبيبة.

إلى جانب الجدل حول المحاذير الأخلاقية والقانونية لمثل هذه الخطوة فإنها تسلّط الضوء على ظاهرة أكبر تتعلق بـ”حمى” التيك توك التي أصابت التونسيين. وكيف تتحوّل إلى ظاهرة اجتماعية تستوجب البحث في أسباب التغيرات التي طالت عمق المجتمع وضربت قيمه وتهدد جيلا كاملا.

في تعليقه على حادثة الطبيبة، قال رئيس المجلس الجهوي لعمادة الأطباء الطبيب فؤاد بوزواش في تصريح لإذاعة “موزاييك” الخاصة “من الناحية الأخلاقية لا يمكن قبول ما حدث. ولا أحد كان يتصور أن يحدث ذلك”.

لكن، جولة في منصة التيك توك تكشف عن الكثير مما يحدث ومما لا يمكن تصوّره من فيديوهات وأحاديث ومسابقات وتحدّيات تكسر كل قيم المجتمع وتتنافى وأخلاقيّاته؛ والخطير في الأمر وفق الخبراء أن منصة تيك توك لا تحدد سنّ الشخص الذي يفتح حسابا بها، أو يتابع ما ينشر فيها.

ونسبة كبيرة من الأطفال في تونس مغرمون بمشاهدة فيديوهات التيك توك التي تكون قصيرة ومصحوبة بموسيقى وعلامات وإشارات تجلب المشاهد. وكانت دراسة أميركية ذكرت أن التطبيق الصيني صُمم بطريقة تجعله “آلة إدمان” تستهدف المراهقين الذين ما زالوا في “طور تطوير ضبط النفس”.

كغيرها من التطبيقات كانت منصة تيك توك، التي أطلقت سنة 2006، أداة تعبير واحتجاج، لكنها اشتهرت أكثر بالفيديوهات الترفيهية ومسابقاتها التي ترسّخ فكرة الكسب السريع. أصبحت هذه المنصة مصدر دخل للعديد من صانعي المحتوى والمؤثرين وغيرهم من عامة الناس.

تقوم الفكرة على فتح تسجيل مباشر والمشاركة في تحديات أو عرض محتوى قد يكون شديد الخصوصية والحميمية أحيانا وبقدر ما يجلب ذلك المحتوى مشاهدين ومشتركين يربح صاحب المحتوى نقاطا (تتحول إلى عملات رقمية) وهدايا قيّمة حتى أن الخبراء يصفونها بأنها نوع راق من التسوّل.

الخطير في الأمر أن بعض وسائل الإعلام جعلت من “صانعي المحتوى” مشاهير وأصحاب قصص نجاح على غرار فتاة غادرت صف الدراسة مبكرا وأصبحت بين ليلة وضحاها صاحبة ملايين من خلال فيديوهات أغلبها عن علاقاتها الخاصة وقصة طلاقها.

الأمر طال أزواجا أصبحوا يعرضون حياتهم اليومية بأدق تفاصيلها على العموم دون أي اعتبار لحرمة البيوت، والأخطر أن الجميع يتابع التغييرات “المادية” التي تظهر عليهم خاصة وأن أغلبهم انتقال من منزله إلى آخر أكثر فخامة ورفاهية.

وبنات في عمر الزهور يعرضن أجسادهن بطرق فاضحة، ووصل الأمر بتلميذات لفتح بث مباشر في قاعة الدرس والمعلم يشرح الدرس، بل وشمل الأمر حتى معلمين ومعلّمات، وفيديو الطبيبة ليس سوى نموذج من نماذج كثيرة من الفيديوهات التي جذبت كبارا وصغارا.

الجميع صار يبحث عن “التكبيس” و”الأسد”، وهي من أشهر مصطلحات التيك توك. “كبّس” يعني الضغط على الزر عند مشاهدة البث المباشر وذلك لزيادة نسبة التفاعل مع المحتوى وتحقيق أكبر عدد من المشاهدات وسط أجواء جنونية حماسية.

وفي بعض التحديات يصبح الأمر مهينا ولا أخلاقيا حيث هناك “عناصر تحكم مباشرة” تسمح لصانع المحتوى بالخضوع لأوامر المشاهدين مقابل الحصول على هدايا.

والتفاعل مع الفيديو وارتفاع عدد المشاهدات يترجم إلى نقاط تتحول إلى أموال حقيقية من قبل صانع الفيديو. وتتخذ هذه النقاط شكل عملات افتراضية تتراوح بين “الزهور” -أي ما يعادل بضعة سنتات- إلى “الأسود” التي تبلغ قيمتها حوالي خمسمئة دولار.

ومؤخرا أطلقت حملة تحت عنوان “لا تجعلوا من الحمقى مشاهيرا”. تظهر هذه الحملة صورا لبعض مشاهير التيك توك في تونس ممن يعرضون فيديوهات تتجاوز تقديم علامة تجارية معينة أو محتوى نافع إلى عرض لفضائح خاصة أحيانا.

في تونس، لا توجد بيانات حول عدد مستخدمي هذا التطبيق، ولا متوسط أعمارهم. لكن إحصائيات شركة “ميديانات” لسنة 2023، تشير إلى أن مستخدمي “التيك توك” تجاوز مستخدمي “الانستغرام” في سنة 2023، ومثلث الفئة العمرية الأقل من 24 سنة أكثر مستخدمي هذه التطبيقة.

وحافظ “الفيسبوك” على الصدارة من حيث عدد المستخدمين بأكثر من 7 ملايين مستخدم، ويأتي في المرتبة الثانية “تيك توك” بـ5 ملاين و320 ألف مستخدم، ثم “الانستغرام” في المرتبة الثالثة بـ3 ملاين و512 ألف مستخدم.

ويقول الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير “لست مطالبا بأن تكون صحاب فكر أو محتوى محترم أو صاحب رسالة راقية، بل صرنا نروج للتفاهة والابتذال على شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة تيك توك”، فيما تقول الباحثة في علم الاجتماع نسرين بن بلقاسم أن “الأمر يحمل أبعادا نفسية واجتماعية في نفس الوقت. فكثير من الذين يعرضون المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي بصفة عامة يحاولون تغطية فشلهم وضعفهم بالصور والمحتوى الذي يروجون له”.

وتضيف نسرين بن بلقاسم لـ”أفريقيا برس”: “الصورة التي تقدمها تلك المنصات لا تبين حقيقة الواقع الاجتماعي. بل تساهم في خلق أزمات وترسّخ نوعا من النفاق الاجتماعي.. وانقسامات مجتمعية. نلاحظ غيابا للعادات والتقاليد التي ينشأ عليها أفراد العائلة. وأكثر المتأثرين بذلك هم الأطفال”.

وفي سياق الحديث عن الأطفال، وخاصة الجيل ألفا (الذين ولدوا منذ أوائل عقد 2010)، يشير صابر بن عالية، وهو كاتب مختص في أدب الطفل، إلى أن “مرحلة الطفولة تكتسي أهمية بالغة في حياة الإنسان. فهي الفترة الحاسمة في نموّه النفسي والجسدي واكتسابه المهارات والقيم وبناء شخصيته. والأطفال هم مستقبل المجتمع والأمّة. كلّ هذا يتطلب العناية بهذه الفئة العمريّة وحسن تأطيرها وحمايتها من مختلف المخاطر النفسية والجسدية”.

ويضيف بن عالية لـ”أفريقيا برس”، “في هذا العصر تمثل وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا التيك توك، تهديدا بالغ الخطورة للطفل. هذا التطبيق يؤدي إلى إدمان الأطفال على الشّاشات الرقميّة ممّا يؤثّر سلبا على نموّهم الإدراكي والحركي والانفعالي وعلى اندماجهم الاجتماعي. فينعزلون عن الآخرين ولا يتفاعلون معهم ولا يستعملون ملكاتهم الذهنية والحركية. كما يتلقّون محتويات خطرة وغير متناسبة مع مستوياتهم العمرية على غرار مشاهد العنف واللقطات الإباحية والعبارات السوقية.. هذه المخاطر تؤدي إلى عاهات في سلوك الأطفال وشخصيّاتهم”.

من واجب ودور الأولياء وقاية أولادهم من هذه المخاطر، وذلك يكون، وفق بن عالية “من خلال منع الأطفال من الولوج إلى تطبيق تيك توك في مرحلة الطفولة المبكرة والمتوسطة إلى غاية سن الثانية عشر. ومراقبة وتقييد استخدامه خلال فترة المراهقة من خلال التحكم في إعدادات الحساب وفرض فترة زمنية محدودة”.

و”تبقى الأنشطة الثقافية والرياضية أنجع الوسائل لوقاية الأطفال من المخاطر المذكورة. فهي تبعد الطفل عن الشاشات وتؤثر إيجابيا في نموه النفسي والجسدي والتربوي والاجتماعي والإبداعي… من خلالها يستفيد الطفل من وقته الحرّ ويندمج في مجموعة ويتفاعل مع أقرانه وينمّي ملكاته وقدراته الحركية والإداركية ويكتشف مواهبه ويبرزها ويصقلها ويحقق توازنه النفسي و يبني شخصيّته ويتلقى القيم الأخلاقية والحضارية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here