آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. اعتبر القيادي بحزب العمال كمال عمروسية في حواره مع “أفريقيا برس” أن “المناورات العسكرية الجارية حاليا في تونس بإشراف وتنظيم أميركي بمثابة ضرب للسيادة الوطنية، حيث تسعى واشنطن إلى إقامة قواعد عسكرية ثابتة أو غير ثابتة في المنطقة وذلك في إطار بسط واقتسام النفوذ في المنطقة إزاء المحور الروسي –الصيني، وبالتالي تحاول من خلال هذه المناورات إلى مزيد من تقوية نفوذها وحضورها في المنطقة”، وفق تقديره.
وأشار إلى أن “حزب العمال متمسك بالديمقراطية الشعبية، وهي البديل العملي والواقعي لكل الخيارات الأخرى الليبرالية والرأسمالية التي أنتجت الفقر والخراب”، لافتا إلى أن “النضال لأجل الدفاع عن الحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب من أولويات الحزب في هذه المرحلة، وذلك بعد أن نجحت الشعبوية في تثبيت برامجها”.
وكمال عمروسية هو عضو اللجنة المركزية لحزب العمال في تونس، وناشط مدني ونقابي.
ما رأيكم في المناورات العسكرية الجارية حاليا في تونس بإشراف أميركي، هل ترى أن الولايات المتحدة تراهن على تونس حتى تزيد نفوذها في شمال أفريقيا وفي مواجهة التمدد الروسي بأفريقيا؟
إن المناورات العسكرية التي تجري على السواحل التونسية هذه الأيام تمثل ضربا للسيادة الوطنية علما وأنها ليست الأولى هذه السنة، فآخرها كان في شهر مايو من نفس السنة. إن هذه المناورات تمثل اعتداءا على حرمة التراب التونسي وهي مناورات تحت قيادة آلة الحرب الأمريكية الراعي الرسمي للكيان الصهيوني الذي يعربد في فلسطين ولبنان، ونعلم جميعا أن أمريكا هي الداعم الأول للكيان الاستيطاني، وذلك بالسلاح والمال والعتاد وبقوة الموقف داخل مجلس الأمن.
إن الامبريالية الأمريكية تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية ثابتة أو غير ثابتة في المنطقة وذلك في إطار بسط واقتسام النفوذ في المنطقة إزاء المحور الروسي –الصيني، وفي كل الحالات تنشر جيوشها في كل مناطق العالم استعدادا لأي طارئ كان، ونعتقد أن هكذا مناورات لن يكون لها أي انعكاس إيجابي على تونس، بل هي فعلا مدخل حقيقي لتقوية الولايات المتحدة الأمريكية لنفوذها في المنطقة.
هل ستزيد هذه المناورات من الدور الإقليمي لتونس في المنطقة، وكيف تقرأ مستقبل السياسة الخارجية لتونس خلال الولاية الثانية للرئيس قيس سعيد؟
إن هذه المناورات لن يكون لها انعكاس على دور بلادنا إقليميا، فعلينا أن نعترف أن بلادنا لم تعد لها نفس الحظوة عشية الثورة التونسية، ويمكن اعتبار أن تراجعا حصل في مكانة بلادنا منذ سنوات وذلك نتيجة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتعمق شيئا فشيئا. ولا ننتظر أي تغير في السياسة الخارجية لتونس اليوم، فلا زال النظام التونسي يطلب ود الإدارة الأمريكية وسيضل يلهث من أجل إرضائها، ويمكن الجزم أنه لن تكون هناك مواقف تغضب أو حتى تحرج البيت الأبيض خاصة في القضايا السياسية الكبرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وما يؤكد ذلك هو عدم إلغاء ما يسمى بالمناورة العسكرية “فينيكس اكسبرس 24” التي تقام على ترابنا هذه الأيام.
ما هي قراءتك للعلاقات التونسية-الأميركية بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟
إن عودة الشعبوي ترامب إلى الحكم بعد فوزه في الانتخابات الأمريكية الأخيرة لن يخلف تغييرا جوهريا في علاقة تونس بأمريكا، فعموما الإدارة الأمريكية سواء على رأسها الحزب الديمقراطي أو كان الحزب الجمهوري، لن تحدث تغييرات كبرى في السياسات الخارجية، وتبقى العلاقات السائدة هي علاقات التبعية والاستغلال، إن الإدارة الأمريكية ليست صديقة للشعوب وخاصة العربية منها، وهي المحددة لشكل العلاقة دون غيرها فهي تطورها أو تخلق حالة من الفتور حولها وذلك بما يتماشى وأهدافها وسياساتها.
ما هي أولويات حزب العمال في هذه المرحلة بعد انتهاء السباق الرئاسي، ما هو شكل تحالفاتكم وأي برنامج ستنتهجونه لاستعادة تأثيركم في المشهد؟
بالنسبة لنا في حزب العمال لم نتفاجئ مطلقا من نتائج الانتخابات الأخيرة التي تم تنظيمها في شهر أكتوبر الماضي، إذ أنه ومنذ شهر مارس 2024 كنا قد عبرنا عن موقفنا المتمثل في مقاطعة هذه المهزلة، وكنا قد أكدنا أنها انتخابات معلومة النتائج مسبقا، وأن كل شيء دبر بليل ومعد سلفا، وهي انتخابات تغيب فيها أدنى شروط الديمقراطية، وأن من افتك الحكم بانقلاب من غير الوارد أن يتنازل عن السلطة من خلال الانتخابات، وهو ما وقع فعلا لاحقا.
إن حزبنا حريص على مواصلة معركة الدفاع عن حقوق الشعب التونسي الاقتصادية والاجتماعية، ونعتبر أن أهم واجهات النضال اليوم -بعد أن قطعت الشعبوية في تونس أشواطا على درب تثبيت برنامجها- هي واجهة الحريات السياسية فهذا المكسب يعتبر أهم منجزات الثورة التونسية المغدورة، وهو مكسب ضحت من أجله أجيال وأجيال ونتقاطع في ذلك مع لفيف واسع من الأحزاب والجمعيات التقدمية التي استطاعت في ظرف وجيز تأسيس الشبكة التونسية من أجل الدفاع عن الحقوق والحريات، وقد نظمت تحركات ميدانية في الغرض.
وفي تقديرنا فإن توسيع دائرة الأصدقاء من أجل مقارعة الفاشية في تونس اليوم يضل من أوكد المهام النضالية لحزبنا وإننا منفتحون على العمل المشترك طبعا مع استثناءات فرضها الواقع والتاريخ وتتلخص أساسا في القوى الظلامية والدستورية فنحن في حزبنا لا نفاضل بين الطاعون والكوليرا.
لماذا بقيت المعارضة التونسية رهن التقاط أخطاء النظام وافتعال المعارك دون تحقيق تقدم سواء على مستوى البرامج أو على مستوى العلاقة مع الشارع؟
في الواقع نحن نعتقد أن هامش الحريات في تونس يضيق في اطراد متواصل وقد تضررت من حكم الشعبوية فئات واسعة، فالسجون يؤمها السياسي والصحافي والإعلامي والنقابي ورجال الأعمال وشباب الأحياء الشعبية والجماهير الرياضية…شيئا فشيئا يتحول القمع إلى أسلوب حكم، ومن نتائج ذلك أنه عم الخوف واليأس لدى الجماهير الشعبية، ومن واجب القوى الديمقراطية والتقدمية ونحن جزء منها، تشديد وتيرة النضال من أجل فرض الحرية للشعب التونسي بصفة عامة وللناشطات والناشطين بصفة خاصة.
إن شروط العمل المشترك اليوم رسمها الواقع التعسفي والقمعي وهي مكثفة في الأدنى الديمقراطي وملحة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، أما بالنسبة لنا كحزب ماركسي لازلنا نؤمن بأن الشعب هو محور برنامجنا وأن الديمقراطية الشعبية هي البديل العملي والواقعي لكل الخيارات الأخرى الليبرالية والرأسمالية، فهذه الأخيرة لم تنتج إلا الفقر والخراب والحروب والأوبئة، إننا نتمسك بخيار آخر يعيد الاعتبار للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والشباب المهمش والمعطل وكذلك موظفي الدولة في القطاع العام والخاص ولكل المضطهدين، بمعنى آخر نحن متشبثون ببرنامجنا ولا نعتقد مطلقا أن سبب فشلنا مرتبط بالبرنامج، إننا كحزب لا حرج حين نعترف أنه رغم كل التضحيات وبرغم السلوك الثابت والمبدئي لم يتسنى لنا بعد الانغراس صلب قاعدتنا الجماهيرية وأحيانا كثيرة تفصلنا هوة بيننا وبين شعبنا ونتحمل المسؤولية في جزء من ذلك، ولن نختبئ وراء العوامل الموضوعية وهي كثيرة التي تعرقلنا، ولكن كما قلت ليست وحدها تبرر إخفاقاتنا، إن برنامجنا صحيح ويبقى العامل الذاتي وبالتحديد أدائنا تشوبه نقائص كبيرة.
وجه السياسي التونسي ناجي جلول رسالة إلى أمين عام حزب العمال حمه الهمامي دعاه فيها إلى تغيير طريقة العمل بعد خسارة المعارضة الانتخابات، هل تعتقد أن المعارضة بحاجة إلى مراجعة جذرية لأدائها وبرامجها؟
إننا في حزب العمال نميز بين القوى السياسية في تونس فالمعارضة معارضات، وهناك اختلافات عميقة وجذرية فيما بينها وفي خصوص الدعوة التي وجهت لأمين العام للحزب من طرف أحد الوجوه السياسية التي ساهمت من موقع متقدم في إغراق البلاد سواء بصفة فردية أو من خلال حزبه نداء تونس الذي كان شريكا أساسيا في الحكم بعد انتخابات 2014، ونحن إن كنا نقبل النقد ونمارس نقدنا الذاتي، لكن الأولى والأحرى بمن ساهم في النكوص على المسار الثوري أن يعترف بمساوئه وأخطائه، وعلى كل نحن في خصوص البرنامج كما أسلفت ليس مطروحا مراجعته لا جذريا ولا جزئيا فقط المطروح علينا هو التعديل في أساليب اتصالنا بالشعب والمزيد من الانغراس في صلبه و الالتحام به والعمل على إيصال برنامجنا وابتكار الآليات الكفيلة بدحض كل الحواجز بينا وبين شعبنا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس