التغيير في سوريا يضع تونس أمام تحدّيات أمنيّة

71
التغيير في سوريا يضع تونس أمام تحدّيات أمنيّة
التغيير في سوريا يضع تونس أمام تحدّيات أمنيّة

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. تسيطر مخاوف مرتبطة بتداعيات سقوط النظام السوري على الأمن التونسي في متابعة الشارع التونسي، بمثقفيه وسياسيه وعامته، للأحداث في سوريا وسط حيرة يعمّقها صدى أسئلة مقلقة: هل يباركون للسوريين تحقيق مطلب سعوا إليه منذ سنوات ودفعوا في سبيله دماء وتهجير ولجوء واعتقال؟ لكن ما مصير الآلاف من المقاتلين التونسيين المصنفين “إرهابيين” الذي سافروا للقتال في سوريا وتم إلقاء القبض عليهم من قبل نظام الأسد. هل سيعودون إلى تونس بعد أن تم إطلاق سراحهم؟ هل سنرى جزءا ثانيا من “الربيع العربي” في المنطقة، وأي موقف ستتخذه الدولة التونسية مع الجماعات المسلحة التي سيطرت على الحكم في سوريا؟

تونس في وضع هشّ سياسيا واجتماعيا وأمنيا ولا تحتمل تبعات ما يجري في “الشرق الأوسط من تغييرات” على حد تعبير الصحفي والمحلل التونسي نورالدين بالطيب الذي يؤكد في تصريحات لـ”أفريقيا برس” على “حق السوريين في الثورة والمطالبة بالتغيير”، لكن الثابت، هو أن ما حدث في سوريا وإسقاط نظام بشار الأسد لم يتم على غرار ما حدث في تونس ومصر واليمن وغيرها في 2011، ولأن “النظام غير ديمقراطي بل لأن خارطة الشرق الجديد اقتضت إسقاطه بعد أن تم إنهاك حزب الله ومحاصرته وإبادة غزة وإنهاك حركة حماس لتكون إسرائيل في مأمن تام مع محاصرة إيران وإطلاق يد أردوغان الحليف”.

وعن تداعيات ذلك على تونس، قال بالطيب: “نرجو أن لا يكون الدور القادم على تونس والجزائر وليبيا التي مازالت تعاني تبعات سقوط نظام القذافي”، وهو ما يؤكّده المؤرّخ والأستاذ الجامعي عبدالجليل بوقرة الذي نشر على صفحته على فيسبوك تدوينة جاء فيها: حسب دراسة دورية خاصّة بمركز فيريل للدارسات ببرلين، شارك في الحرب على النظام السوري، بين 2011 و2017، حوالي ربع مليون مقاتل أجنبي، وكان من بينهم 12800 تونسي (منهم 66 امرأة) وقتل منهم 5100 وكان عدد المفقودين 1320 ومن الوارد أن يكون عدد منهم معتقلين في سجون النظام السوري”.

ويتساءل بوقرة: “لا ندري هل قامت السلطات التونسية بجرد رسمي ودقيق لعدد المعتقلين التونسيين في سوريا، وقد كان ذلك ممكنا بعد عودة العلاقات بين البلدين إلى وضعها الطبيعي وتبادل السفراء؟ ثم ما هي استعدادات الدولة التونسية للتعامل مع الإرهابيين التونسيين المفرج عنهم في سوريا” بعد سقوط نظام الأسد؟… إنّ الاهتمام بالوضع في سوريا يدخل في صميم مشاغل الأمن القومي التونسي”.

سيطر هذا القلق على أغلب ردود فعل القوى الحداثية والمثقفين والمنظمات الحقوقية في تونس فيما كانت بيانات أغلب الشخصيات السياسة التي كانت ضمن منظومة الحكم في تونس منذ 14 يناير 2011 إلى 25 جويلية 2021 والقوى السياسية المعارضة (حزب العمال، وجبهة الخلاص، حركة النهضة) مباركة لسقوط نظام البعث في سوريا.

التغيير في سوريا.. وانقسام في تونس!

كتب الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، الذي أشرف على تنظيم مؤتمر أصدقاء سوريا في سنة 2012، وعلى إثره أعلن عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، على صفحته على فيسبوك: “الكابوس قد انتهى، واليوم يبدأ التخطيط لكي يصبح حلم الشعب السوري منذ نصف قرن واقعه للقرون المقبلة”.

من جهتها، عبرت جبهة الخلاص الوطني عن تفاؤلها بمستقبل الأحداث في سوريا “لما أبدته فصائل المعارضة المسلحة من حرص على الحفاظ على مؤسسات الدولة وتأمين الانتقال السلمي للسلطة بعيدا عن الانتقام أو التشفي”، وقال القيادي في الجبهة عز الدين الحزقي، إن “ثورة الشعب السوري تعلمت من أخطاء الثورات العربية السابقة ومنحت نفسا جديدا للثوار في البقاع المضطهدة في العالم”.

وأشاد عز الدين الحزقي في تصريحات صحفية بالانتقال السياسي السلس للسلطات في سوريا بعد مخاوف من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية جديدة إثر سقوط حكم بشار الأسد. وقال إنه “موقف رصين”، في توصيف أيّدته أيضا حركة النهضة التي قالت في بيان لها إن “بناء نظام ديمقراطي حر في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد ستكون عملية شاقة لكنها ممكنة بالتوافق”.

وكتب رئيس الجبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي على صفحته بفيسبوك: “ما أشبه اليوم بالبارحة: 8 ديسمبر 2024 في ساحات دمشق، وأيام جانفي 2011 بشوارع تونس.. إنها الثورة! الربيع العربي لم يمت، أزهاره تتفتح من جديد، من حلب إلى حماة، فحمص فدرعة فغوطة دمشق، فساحة المزة والأمويين والعباسيين”.

وتماهيا مع هذا الخطاب، بارك بيان حركة النهضة ما اعتبره “انتصار الحرية على الاستبداد” واعتبر البيان الصادر عن المكتب التنفيذي للحركة، التي يقبع أغلب قادتها وعلى ورأسهم راشد الغنوشي، في السجن، أن “الوقت حان لبناء سوريا ديمقراطية متجذرة في هويتها العربية الإسلامية”.

في المقابل، انهال سيل من الانتقادات والتحذيرات على صفحات الفيسبوك محذّرة من “رغبة الإسلاميين في العودة والانتقام”، ليضع ذلك الدولة التونسية في مأزق جديد في وقت تسعى فيه إلى حلّ أزمات ومشاكل متداخلة ضمن حملة كبرى على الفساد المتجذّر في البلاد.

وكما قال عبدالجليل بوقرة تضع الأوضاع في سوريا، خاصة بعد تشكيل محمد البشير، الذي وصفته تقارير دولية بأنه مقرب من رئيس جبهة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، أمام معضلة التدابير التي يمكن أن تتخذها تونس للتقليل من التهديدات الناشئة عن وصول الجماعات المسلحة للحكم في سوريا. وكيف ستتواصل الجهات الرسمية مع الجماعات المسلحة فيما يقبع عدد كبير من الإسلاميين التونسيين في السجون.

لم تعبّر رئاسة الجمهورية بعد عن موقفها بشكل مباشر إزاء هذه التطورات، فيما صدر بيان عن الخارجية التونسية، أعربت فيه عن رفض أي “تدخل أجنبي في شؤون سوريا”، مذكرة “بموقف تونس الثابت المتعلّق بضرورة التفريق بين الدولة، من جهة، والنظام السياسي القائم داخلها، من جهة أخرى. فالنظام السياسي هو شأن سوري خالص يختاره الشعب السوري صاحب السيادة، فهو وحده الذي له الحقّ في تقرير مصيره بنفسه بمنأى عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي”.

وأمام الانقسام في المواقف في تونس، وكيف سيتم التعامل مع الحكومة السورية المقبلة، ومستقبل العلاقات السورية التونسية، والاعتراف بمكونات الحكومة التي بصدد التشكيل، يرى المحلل السياسي منذر ثابت، في تصريحات لـ”أفريقيا برس” أن الدولة التونسية ستتخذ المنهج العام بالانخراط فيما يقرره المجتمع الدولي.. أي قرار يصدر من الأمم المتحدة كغطاء لما يحصل في دمشق ستكون تونس داعمة له لكن وفق الشروط التي أقرها بيان وزارة الخارجية والمتعلقة بعدم التدخل في الشأن الداخلي وسيادة وسلامة ووحدة التراب السوري.

لكن، هل يعني ذلك أن نشهد نوع من العفو عن سجناء حركة النهضة لاحتواء التداعيات المستقبلية لبقاءهم في السجون؟”

يستبعد خبراء أن يتم العفو عن سجناء من حركة النهضة لاحتواء التداعيات المستقبلية لبقاءهم في السجون على خلفية التطورات في سوريا، فذلك يعني خسارة نظام قيس سعيّد لقاعدة شعبية كبرى ترفض عودة الإسلاميين بأي طريقة كانت وتغاضت عن الكثير من “زلات” النظام الحاكم في تونس اليوم مقابل الحملة ضدّ منظومة الحكم السابقة التي قادتها حركة النهضة.

في المقابل، يشير منذر ثابت إلى أنه “يصعب التنبؤ بالعلاقة بين السلطة وبين حركة النهضة التي أصدرت بيان حول تطور الأوضاع في سوريا تساند فيه الجماعات الجديدة التي تمكنت من الحكم في دمشق”.

وهذا البيان، وفق منذر ثابت، يعني أن النهضة مازلت تنشط في تونس رغم أن قياداتها في السجون ومحاكماتهم لا تزال وضع الانتظار والسلطة إلى حد الآن لم تمر إلى مرحلة حظر الحركة ولم تتخذ إجراءات قضائية ضدها وهذا في حد ذاته يمثل دافعا للمزيد من التساؤل حول مستقبل العلاقة”، والذي قد تحدده الأحداث في سوريا في الأيام القادمة، فربما تنقلب الموازين وتتحول ورقة المسلحين إلى ورقة ضغط على الحكومة التونسية.

خط مفتوح لعودة الإرهاب

كان الرئيس قيس سعيّد أعلن في فبراير 2023 عودة العلاقات بين تونس وسوريا والترفيع في مستوى التمثيل الدبلوماسي التونسي في دمشق. واعتبر ملف المسلحين التونسيين القابعين في سجون النظام السوري واحدا من أهم الملفات التي طرحت في تلك الفترة.

وهؤلاء المسلحين هم مصدر القلق الرئيسي اليوم بالنسبة للتونسيين فبلادهم مازلت هشّة والمنطقة في مرمى مهندسي “الربيع العربي” من جديد. وهناك مُعطى مهم يدعو المحلل السياسي التونسي محمد ذويب إلى الانتباه إليه، لافتا في تصريحاته لـ”أفريقيا برس” إلى أن “ما يجري في سوريا ستصل شظاياه إلى تونس”.

ويفسر ذويب ذلك بقوله إن “فتح السجون قد يحرر عددا من العناصر الإرهابية التونسية التي تم تسفيرها إلى سوريا ويمنحها فرصة العودة إلى تونس. وهذه الأخيرة لم تكن أبدا في معزل عن ما يجري في بلاد الشام فكتيبة “البتار” الإرهابية أو كتيبة “الحفاة” أو “العراة” التي هاجمت مدينة بن قردان (على الحدود الليبية التونسية) فجر 7 مارس 2016 والضالعة في هجومي باردو وسوسة كانت قد تكونت وتدربت في منطقة اللاذقية في سوريا في أواخر 2012″.

لذلك يحذر محمد ذويب، مؤلف كتاب “ملحمة بن قردان أسرار وخفايا معركة مارس 2016″، “من تسلل هذه العناصر وبأغطية مختلفة إلى تونس”. في ذات السياق، يذهب المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة محذّرا في بيان تلقى “أفريقيا برس” نسخة منه، من أن “الوضع في الشرق الأوسط لا يخلو من أخطار على تونس”.

واعتبر في البيان الذي حمل عنوان “حذار من عودة الإرهابيين” أن على السلطة التونسية “رسم الخطط الحكيمة للتعاطي مع عودة متوقعة للتونسيين الذين يُعَدّون بالآلاف والذين تمّ تسفيرهم من تونس بطرق مختلفة إلى سوريا، وقد تمّ إطلاق سراحهم من السجون السورية”.

وكانت بعض صفحات فيسبوك تناقلت صورة نشرت على صفحة أخبار الطيران في ليبيا “إعلان للخطوط الليبية جاء فيه: “قريبا ستبدأ الليبية السريعة للطيران بتسيير رحلات بين ليبيا وسوريا”.

واعتبر مراقبون أن هذا الإعلان ليس اعتباطيا بل يعني “خطا مفتوحا لعودة التهديد الإرهابي” الأمر الذي يدعو السلطات التونسية إلى الحذر والتشديد الأمني ووضع خطة أمنية طارئة، تحسّبا لتكرار ما حدث خلال العشرية السوداء التي شهدت دخول عديد العناصر الإرهابية إلى تونس عبر ليبيا وتركيا.

وأضاف المتابعون أن الجزائر في مرمى الهدف الرئيسي الآن، وأي تهديد للجزائر يعني تهديد للوضع في تونس، التي يُنظَر إليها باعتبارها النجاح الوحيد للانتفاضات العربية، بين فوهتين ليبيا من جهة والجزائر من جهة أخرى.

رحل نظام البعث في سوريا بعد تاريخ سياسي طويل حكم خلاله بشار الأسد وقبله والده حافظ الأسد البلاد بقبضة من حديد. ولا شكّ في أن ما حدث في بلاد الشام أمر “عظيم” على مختلف الأصعدة، لكن، ما عاشه التونسيون خلال العقد الماضي، وما حدث في العراق، وما يحدث في ليبيا من جهة، وما أقدمت عليه إسرائيل بعد أيام قليلة من سقوط نظام بشار الأسد من استهداف عسكري لسوريا من جهة أخرى، يدق ناقوس الخطر.

وتونس المرهقة اقتصاديا واجتماعيا والتي لا تزال قاعدتها السياسية غير صلبة لا تحتمل اضطرابات جديدة، والجميع يعلم أن ما يجري يتجاوز فكرة سقوط نظام الأسد بحد ذاته إلى قراءة أعمق تبدأ بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرورا بصراع الأقطاب والدورين الروسي والصيني والحرب في غزة وتحجيم إيران ودور تركيا الجديد وصولا إلى ليبيا والجزائر… وتونس رمانة الميزان في كل هذه الملفات ومواقف الرئيس قيس سعيد الأخيرة لا تنفصل عن كل ما يجري.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here