آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أثار التقارب الحاصل بين تونس وإيران في الآونة الأخيرة، بعد اتفاق البلدين على تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة، جدلا واسعا بالبلاد، بسبب المخاوف من جر تونس إلى سياسة المحاور، رغم ما يعرف عنها مدى التزامها بانتهاج سياسة الحياد، والتوازن في العلاقات الدولية.
وأشار الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي في حوار خاص مع “أفريقيا برس” إلى أن “التقارب بين تونس وإيران من شأنه أن يخدم مصالح البلدين خاصة على صعيد الاقتصادي والعلمي، ولا يعني بالضرورة الانحياز إلى إيران أو عقيدتها أو إبرام تحالف أو الدخول في محورها”.
وأعتبر أن “الموقف التونسي بخصوص مشروع ترامب في غزة هو الأكثر تقدما مقارنة بمواقف الدول العربية الأخرى، حيث تعارض تونس بشدة هذا المقترح، وهي بصدد التنسيق والتشاور لأجل صياغة موقف عربي صلب في مواجهة الخطط الأميركية في المنطقة”.
وعبد الله العبيدي هو دبلوماسي تونسي سابق حيث شغل منصب مستشار للشؤون الخارجية سنة 2000، ثم مديرا للإدارة المركزية للإعلام في الخارجية سنة 2003.
كيف تقرأ موقف الدبلوماسية التونسية بشأن مشروع ترامب في غزة في ظل تقديمه مقترح تهجير الفلسطينيين من القطاع؟
الموقف التونسي بخصوص المستجدات في الملف الفلسطيني واضح، هناك دعم كامل للقضية الفلسطينية وتقريبا الموقف التونسي هو الأكثر تقدما مقارنة بمواقف الدول العربية الأخرى، وفق ما صرحت به وزارة الخارجية في بيانها الأخير، حيث ناشدت الدول الأفريقية بمواصلة تقديم دعم للفلسطينيين، إذ تحرص تونس في كل المحافل والمناسبات على حث شركائها على دعم القضية الفلسطينية، وهي مصرة على عدم قبول مقترح الإدارة الأميركية القاضي بتهجير الفلسطينيين، ولن تتراجع عن هذا الموقف.
هناك أطراف سياسية تونسية تحدثت عن محادثات متقدمة بين السلطات التونسية وأطراف عربية وغربية بهدف قبول تونس استقبال فلسطينيين مهجرين من القطاع، هل تعتقد قبول تونس مثل هذا المقترح؟
هذا مستبعد تماما، وهو متناقض مع المواقف الرسمية والخفية لنظام الحكم في تونس، حيث أن الرئيس سعيد يتبنى القضية الفلسطينية وبطريقة متشددة، ولا أعتقد أن تونس ستقبل حتى مجرد النقاش بخصوص مقترح التهجير، وعلى العكس من ذلك فهي بصدد التواصل والتنسيق مع بقية الدول العربية لصياغة موقف صلب لأجل مزيد دعم القضية الفلسطينية.
فيما يخص سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في التعامل مع تونس، هل ستنتهج نفس سياسة بايدن أم ستعتمد سياسة جديدة؟
نحن نعلم أن الدبلوماسية تقوم على التوافقات والمصالح المتبادلة بين الدول، ونعلم أن تونس لديها موقع هام جدا في المنطقة، كما نعلم أنها عبر العقود ومنذ استقلالها تتحاشى الدخول في سياسة المحاور رغم قربها من أوروبا، الموقع التونسي حتى لو لم نستشعر أهميته بما فيه الكفاية، فهو موقع حساس ومهم جدا، وإذا استطاع المسؤولين بالدبلوماسية التونسية تثمين هذا الموقع، فإن أميركا وغيرها من الدول سيجبرون على التعاون مع تونس بطريقة تحترم مصالحها وتحترم قناعاتها السياسية.
أثار الحديث عن تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة بين تونس وإيران جدل كبير في الآونة الأخيرة، حيث عبر البعض عن قلق من هذا التقارب وجر تونس نحو سياسة المحاور، ما رأيكم في ذلك؟
أريد أن اذكر كل من يستغرب حدوث تقارب بين تونس وإيران، أنه كانت لتونس عبر كل العقود علاقات مع كل المعسكرات، على سبيل المثال في الحرب الباردة كانت لديها علاقات ممتازة مع المعسكر الشرقي الشيوعي دون أن تتبنى العقيدة الشيوعية، وفي نفس الوقت كانت لديها علاقات ممتازة مع أميركا ومع المعسكر الليبرالي الغربي، وللإشارة فإن التقارب ووجود بعض المصالح مع إيران، لا يعني بالضرورة الانحياز إلى إيران أو عقيدتها أو إبرام تحالف أو الدخول في محورها.
إيران لديها موارد كبيرة وسوق يعتد بها، في المقابل لدى تونس المنتوج الذي تسعى إلى الترويج له، إضافة إلى أن تونس تمتلك مستوى مرموق في المجالات العلمية والصناعية والبحثية، بمعنى أن هناك ما يجمع بين البلدين، وعلى غرار ذلك، نعلم أن جميع دول العالم لديها علاقات مع إيران، حتى في المعسكر الليبرالي نفسه، لذلك أستغرب مثل هذا الجدل بخصوص إمكانية حدوث تقارب تونسي- إيراني، حيث من شأن هذا التقارب أن يخدم المصالح المشتركة بين البلدين، وفيما يعرف عن تونس الوسطية والاعتدال والاتزان في مواقفها، فإنه لا يجب أن ننكر أن إيران لديها وزن وموقع عالمي وإمكانيات اقتصادية بالغة الأهمية.
بعض المحللين يعتقدون أن التقارب مع إيران من شأنه أن يؤثر على علاقات تونس مع حلفاءها التقليديين، ما رأيكم في ذلك؟
لهؤلاء أقول: تستطيع أن تنقد العلاقة بين البلدين، لكن أن تطلب من تونس أن لا تكون لها علاقات مع إيران وغيرها، فهذا من باب الوصاية والاستنقاص من سيادة تونس، ليس من دور هذه البلدان أن تملي عليها سياساتها.
هل سيعود مشروع تجريم التطبيع على طاولة البرلمان تماشيا مع الموقف التونسي في هذا الملف؟
لا أعتقد أن مشروع قانون تجريم التطبيع سيعود إلى طاولة البرلمان مجددا، فالمنظومة القائمة في تونس بعد أن اكتسبت بعض التجارب في سياق حكمها للبلاد لفترة طويلة نوعا ما، تحاول أن تتحاشى ما يجلب لها أزمات وصعوبات مع حلفاء “إسرائيل”، وكثير منهم شركاء تونس، وإجمالا فقد بات لفريق عمل وزارة الخارجية اليوم من الخبرة، ما يجعله على دراية كافية في إدارة مثل هذه الملفات ومواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس