آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. لطالما تعرضت الحكومات المتعاقبة في تونس إلى انتقادات واسعة بسبب تأخر رقمنة الإدارة والمؤسسات، وتواصل استشراء البيروقراطية التي تعطل مصالح المواطن والمستثمر على حد سواء.
وفي حوار خاص مع “أفريقيا برس”، أكد النائب التونسي ثابت العابد أن “التحول الرقمي أبرز حلول مكافحة الفساد في تونس، وهو على رأس أولويات البرلمان الذي يعمل على سن تشريعات من شأنها المساهمة في تحسين واقع التونسيين خاصة على مستوى الخدمات”.
وفيما أقر بأن “البرلمان كان على شاكلة مجلس بلدي، مشاغله ومقارباته جهوية محلية خاصة في غياب الأحزاب السياسية، إلا أنه في الدورة الثانية بدأت تتشكل مجموعات فكرية تعمل بطريقة التفكير المشترك”، مؤكدا الحاجة إلى “توحيد الصف الداخلي رغم الاختلافات، والعمل على تعبئة كل الطاقات لأجل مستقبل أفضل للبلاد”.
وثابت العابد هو نائب بالبرلمان التونسي عن دائرة “حي الخضراء-المنزه” بالعاصمة التونسية، وهو عضو لجنة الدفاع والأمن والقوات الحاملة للسلاح بالبرلمان.
لماذا تتكرر الإقالات والتعيينات في الحكومة التونسية، هل يعكس ذلك عدم تماهي الحكومة مع توجهات الرئيس قيس سعيد وتصوراته في إدارة الأوضاع بالبلاد؟
حسب الدستور فإن رئيس الجمهورية هو من يعين ويقيل، وبالتالي هو الأجدر على الإجابة على هذا السؤال، ولكن حسب رأيي كنائب بمجلس نواب الشعب فقد طرحت هذا الإشكال في مناقشتنا لميزانيات الوزارات والهيئات، وذكرت بأن القانون الأساسي للميزانية جاء بفكرة صرف الميزانيات حسب الأهداف، وقد بعثت وحدة التصرف حسب الأهداف في كل وزارة وهو ما يطلق عليه GBO وهي تعطي سلاسة في رصد وتحويل الاعتمادات مع متابعة ومراقبة إلى جانب التقييم الأولي والوسيط والبعيد، فمن المفروض أن يتم تقييم أداء أعضاء الحكومة والوظائف العليا على هذا الأساس، ووفق معايير دقيقة وأهداف مضبوطة تتحقق من خلال موازنة بين الموارد والنفقات ويكون بذلك التقييم موضوعيا.
فيما يخص أداء البرلمان، قلت في تصريح مؤخرا أن البرلمان ليس له سند سياسي أو ائتلافي، وقد لاحظتم كثرة المبادرات التشريعية التي ليس لها خيط ناظم أو فعل منسجم، هل تعتقد أن غياب التجانس بين الكتل يصعب مهمة البرلمان اليوم؟
في ما يخص البرلمان الذي كان نتاج قول شعبي عبر صناديق الاقتراع، وبطريقة الترشح على الأفراد وتقريبا دون وجود فعلي للأحزاب السياسية والتي من دورها تأطير العملية السياسية التي تترجمها عبر برامج تتنزل على أرض الواقع من خلال مقترحات قوانين تكون لها أهداف، وتسعى من خلالها إلى إصلاح شامل من جوانب متعددة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومن دون ذلك يكون البرلمان على شاكلة مجلس بلدي مشاغله ومقارباته جهوية محلية، وهذا ما يعكس واقع مجلس نواب الشعب الذي تكونت داخله كتل على عجل وكانت تقريبا بمثابة تجمعات جهوية أو نتيجة علاقات ذاتية مما أدى إلى نوع من الفردانية في عمل الزملاء النواب، ولكن في الدورة الثانية بدأت تتشكل مجموعات فكرية تعمل بطريقة التفكير المشترك، كما أن الكتل تحولت شيء فشيء إلى شبه أحزاب يتعصب فيها الفرد إلى مقترحات ومبادرات الكتلة، ولكن في كل الأحوال لا يمكن أن نغفل عن ايجابيات الترشح على الأفراد، حيث أن النائب يكون في حل من الالتزام إلى قرارات الحزب، وإن كانت عكس قناعاته في المجمل، إلا أنها تجربة جديدة في حاجة إلى نقاش ودراسة معمقة على مستوى الغرفة الأولى، وكذلك علاقة الغرفتين ببعض وبالجهة التنفيذية والتي تعمل على تنزيل سياستها العامة وترجمتها من خلال سياسة عمومية، وربما لم تكن بالوضوح الكافي في أذهان نواب الغرفتين.
ما هي مشاريع القوانين التي تراها ذات أولوية في هذه المرحلة لتحسين أوضاع التونسيين؟
كل مشاريع القوانين إذا كانت نتاج عمل مدروس ونقاش مستفيض يعتمد على مقاربة تشاركية بين الجهة التنفيذية والنواب والمنظمات والجمعيات والخبراء سيكون حتما في صالح الشعب التونسي، على أن تكون مسبوقة بدراسات معمقة وشاملة، وعلى رأس هذه القوانين القانون الأساسي للمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، إلى جانب القوانين التي من شانها أن تكرس قيم المواطنة ومبدأ تكافؤ الفرص وتقطع مع الريع وثقافة الغنيمة والقوانين التي عفى عنها الزمن، وأصبحت من معيقات الاستثمار والتنمية على غرار مجلة الصرف، ومنها ماهو مستعجل ويستحق المراجعة كمجلة الديوانة ومجلة المياه والقوانين التي هي في علاقة بالمحافظة على البيئة وتوفير الطاقة، وتبقى الأولية الكبرى الانتقال الرقمي الحقيقي والذي هو أساس محاربة الفساد والقضاء على البيروقراطية.
هل سيشهد ملف الموقوفين السياسيين انفراجة بعد إطلاق سراح سهام بن سدرين، هل ستستجيب السلطة لضغوط المعارضة وأيضا إلى دعوة الأمم المتحدة التي طالبت مؤخرا السلطة بضرورة وقف اضطهاد المعارضين السياسيين؟
سعدنا بخبر إطلاق سراح كل من سهام بن سدرين ومحمد بوغلاب، ونأمل أن يشمل هذا الإجراء كل الموقوفين على معنى الفصل 24 من المرسوم 54 على غرار الأستاذة سنية الدهماني ومراد الزغيدي وبرهان بسيس وغيرهم، فلا يمكن أن نتحدث عن مجال عمومي يتم فيه التداول في قضايا الشأن العام بكل عقلانية وحرية دون إحترام كامل للحقوق والحريات مع الالتزام بالواجبات وعدم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي وتحويلها إلى فضاء للثلب والشتم ونشر الشائعات بسبب غياب المعلومة الحقيقية، وخسارة الصحفي المحترف لدوره كوسيط للمعلومة الموثوق بها، إلى جانب الوضعية المادية المتردية لوسائل الإعلام التي هي السبب وراء ظهور أجناس جديد من المضامين الإعلامية التي تعتمد على الإثارة.
في تعليقك على دعوات إجراء حوار وطني، قلت في تصريح مؤخرا أن الحوار يجب أن يكون عقلانيا من أجل وحدة وطنية في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، برأيك ما هي شروط نجاح هذا الحوار المرتقب، ولماذا لم تتفاعل الرئاسة مع هذه الدعوات إلى الآن؟
يشهد العالم تغيرات جيوسياسية تاريخية ومصيرية، وعلينا أن ندرسها بجدية ونتفاعل معها بحكمة وبما تقضيه مصلحة الوطن والاستعداد لهذه التحولات التي سيكون لها تأثير كبير على الأمن والاقتصاد، ولن يكون ناجعا مواجهة كل ذلك دون أن نوحد الصف الداخلي على اختلافاتنا، فالمشكل ليس في الاختلاف وإنما في إدارته، فالخلاص والنجاح سيكون للجميع، وفي حال وقوع خلل فإن تداعياته ستطال الجميع أيضا، ولا خيار سوى العمل على تعبئة كل الطاقات من أجل مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس