آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أثارت أولى جلسات محاكمة المعتقلين في قضية ما يعرف بالتآمر على أمن الدولة، جدلا واسعا في تونس منذ انطلاقها صباح الثلاثاء، بسبب اختيار القضاء محاكمة المتهمين عن بعد، في خطوة استنكرتها المعارضة والأوساط الحقوقية بالبلاد.
وتمسك محامو الدفاع عن المتهمين مع انطلاق الجلسة الأولى، بإيقاف المحاكمة عن بعد، إلى حين إحضار الموقوفين التسعة في القضية، وكذلك الشهود إلى قاعة الجلسة.
وحضر المتهمون الثمانية في هذه القضية ممن هم في حالة سراح لقاعة المحكمة، إلا أن بقية المتهمين المسجونين رفضوا المشاركة في المحاكمة عن بعد عبر الشاشة، ومن وراء القضبان.
واعتبر المحامون أن المحاكمة عن بعد لا تستجيب لشروط المحاكمة العادلة، حيث أن المتهمين كانوا في انتظار مثولهم أمام هيئة المحكمة للاستماع إليهم بشكل مباشر والدفاع عن أنفسهم.
ووقع تأجيل النظر في طلبات الإفراج إلى ما بعد الجلسة التي وقع التركيز فيها على ضرورة توفير شروط المحاكمة العادلة، وجلب المتهمين إلى قاعة المحكمة.
وأشار عماد الخميري القيادي في حركة النهضة وبجبهة الخلاص الوطني المعارضة في معرض تعليقه عن أولى جلسات المحاكمة في حديث خاص مع “أفريقيا برس” أنها “محطة من محطات المحاكمات السياسية، والتي عنونتها السلطة بعنوان التآمر.”
وتابع بالقول “الحقيقة لم يكن هناك تآمر في هذه القضية، وإنما هي خطوة قطعتها المعارضة التونسية في اتجاه الالتقاء والتشاور، وفي اتجاه عرض مبادرة سياسية معارضة لمنظومة الحكم التي سادت بعد 25 جويلية، واستشعارا للخطر، قامت السلطة باعتقال أبرز رموز المعارضة السياسية، وقد تم تلفيق التهم إليهم بعد التقاء هؤلاء وتشاورهم في منزل خيام التركي أو في بعض المقاهي، وهو ما اعتبرته السلطة تآمر على الدولة، دون أن يكون هناك ركن مادي في عنوان التآمر.”
وبين أن “المعارضة بكل أطيافها توجهت بطلب إلى السلطة حتى تكون جلسات المحاكمة علنية، وحتى يكتشف الرأي العام في الداخل والخارج أنها مجرد قضية خاوية وفارغة، وأنها فقط عبارة عن محاكمة للسياسيين وللمعارضين.”
وعلق “لا بد من الشعب التونسي أن ينصت إلى موقف هؤلاء القادة المتهمين، فهي محطة من المحطات التي تكشف هذا الزيف والتلفيق وبطلان هذه القضية.”
واستبعد أي تجاوب مع الدعوات المطالبة بالقيام بجلسات علنية لهذه القضية المثيرة للجدل، حيث أن” القرار حسم في أن تكون الجلسات المغلقة”، كاشفا أنه”سيبقى هناك ضغط لأجل الدفاع عن حق المتهمين في محاكمة عادلة، وبالمطالبة بإطلاق سراح جميع الموقوفين السياسيين.”
وحذر الخميري من “تداعيات المحاكمات السياسية على استقرار البلاد، حيث ستكون بمثابة عنوان لأزمة سياسية وستزيد من إغراق هذا الحكم الاستبدادي في أزماته، وقد تدفع البلاد نحو المجهول.” وفق تعبيره.
بدورها، نددت الأوساط الحقوقية في تونس بإجراء المحاكمات في قضية بهذه الأهمية بسرية، في ظل مناخ سياسي متشنج ووسط سعي السلطة لإلغاء التعددية وتركيز نظام استبدادي.
وتضامنا مع الموقوفين في قضية التآمر، نظمت شبكة الحقوق والحريات بالتوازي مع انطلاق جلسة المحاكمة، وقفة احتجاجية رفضا لقرار محاكمة المتهمين عن بعد.
وطالبت الشبكة المتكونة من أحزاب ومنظمات، في بيان، باحترام كافة ضمانات المحاكمة العادلة وفقًا للمعايير الدولية، التي قالت إنها تشمل حق الدفاع بحضور محامي الدفاع، وإتاحة الفرصة للعائلات لمتابعة الجلسات وتوفير الحق في المواجهة وشفافية الإجراءات القضائية داخل الجلسة.
واعتبرت الشبكة قرار عقد المحاكمة عن بعد، الذي اتخذته رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس وأعلمت به الهيئات الممثلة للمحامين بمثابة “استكمال لمسار تعسفي انطلق منذ بداية القضية.”
وأوضح حسام الحامي منسق ائتلاف صمود، أحد مؤسسي هذه الشبكة، في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “قضية التآمر منذ انطلاقها شابتها عديد الشوائب، من الناحية الإجرائية والقانونية، حيث لم تقدم السلطة قرائن وبراهين تثبت صحة سرديتها حتى بعد استكمال البحث.”
وبرأيه فإن “السلطة بنت سرديتها على أن المعارضة غير وطنية ووجهت لها التهم وفق هذا الأساس دون قرائن.”
وأضاف “قضية الحال هي مفصلية لدى السلطة، وقد رأينا مدى ارتباكها في التعاطي معها، وهو ما جرها إلى ارتباك أخطاء إجرائية في الإيقافات وأطوار البحث وعدم التداول في هذه القضية في الرأي العام، وهو ما جعل هذه القضية تراوح مكانها على مدار سنتين، كما أن منع حضور المتهمين لا يسمح للمحاكمة بأن تكون بالشفافية الكافية.”
وأردف “نحن في الشبكة نريد فقط الحقيقة، لا شيء غير الحقيقة، وبالنسبة لنا هذه المحاكمة ستكون فرصة رغم كل ما قامت به السلطة لإنارة الرأي العام وكشف الحقائق.”
ولمعرفة أطوار القضية، يطالب الإعلام التونسي بحقه بالقيام بدوره في التغطية ونقل المستجدات إلى الرأي العام، وعدم استبعاده.
وأكدت نقابة الصحفيين التونسيين إن “العمل الصحفي داخل قاعات المحاكم لا يخضع لترخيص مسبق من وزارة العدل وأن المحاكمات حضورية وعلنية، وتدار في قاعات المحاكم وليس في المنابر الإعلاميّة “، وذلك في بيان لها بالتزامن مع انطلاق أولى جلسات قضية التآمر.
وأوضح زياد الدبار نقيب الصحافيين في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “أربعة فقط من ممثلي النقابة من قاموا بتغطية جلسة المحاكمة.”
واستدرك “لكن ما نعده ايجابيا اليوم هو السماح للصحفيين بالتغطية داخل المحكمة من خلال استظهار بطاقة صحفي محترف، وهو من حق الصحفي.” داعيا” القضاء ووزارة العدل إلى عدم التضييق على عمل الصحفيين في المستقبل خاصة في قضايا بهذه الأهمية.”
وخلص بالقول “قضية التآمر هي قضية حساسة جدا، ويجب إتباع معايير أخلاقية في تغطيات القضائية، باعتبار أن مثل هذه القضايا هي محل جدل وطني ودولي خاصة في ظل الشكوك حول استقلالية الأعمال القضائية، لذلك من واجبنا كصحفيين أن ننير الرأي العام وأن نبحث على الحقيقة، لذلك نطالب بتسهيل عملنا واحترام وجودنا داخل المحاكم.”
ويحاكَم في هذه القضية نحو 40 شخصا، غادر أكثر من 20 منهم إلى الخارج، وذلك بعد أن وجه لهم الرئيس قيس سعيد تهم بـ”التآمر على أمن الدولة، والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار”، في حين تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين للإجراءات الاستثنائية التي فرضها في 25 يوليو 2021.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس