آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أكد القيادي بحزب العمال والنائب السابق بالبرلمان التونسي، عمار عروسية، في حواره مع “أفريقيا برس”، أن الحزب ما يزال يراهن على الشارع لإحداث تغيير في المشهد السياسي وخلق موازين قوى جديدة من خلال التعبئة الشعبية وبأساليب ديمقراطية.
وقال عروسية إن “عودة الحركة الاجتماعية أمر متوقع، حيث لن تقبل الجماهير ببقاء الديكتاتورية الشعبوية، الرثة سياسيًا وفكريًا، في الحكم”، على حد وصفه، مشيرًا إلى أن الشعب التونسي مصيره أن يثور رفضًا للواقع الحالي، مستندًا إلى شواهد التاريخ.
وأكد عروسية أن النظام الحالي يواجه طريقًا مسدودًا، ومن الصعب أن يستمر أو يصمد لسنوات، معتبرًا أن مصيره قد يكون أسوأ من نظام بن علي، ومشيرًا إلى أن كل فتائل الأزمة والانفجار الاجتماعي قائمة في ظل تصاعد الوقفات الاحتجاجية والإضرابات القطاعية.
وختم حديثه بالتأكيد على أن الفاشية في تونس تقترب من نهايتها، وأن نذر النهوض الاجتماعي تتعزز يوما بعد يوم، ما يفرض على القوى الديمقراطية والثورية الاستعداد الجاد لإنقاذ البلاد.
وعمار عمروسية، من مواليد 23 يوليو 1960، ينحدر من قرية زنّوش بولاية قفصة في تونس. متزوج من يامنة شريطي وأب لثلاث بنات: ندى، عايدة، ومهى. يُعدّ عمروسية من الشخصيات البارزة في الساحة السياسية التونسية، حيث يشغل عضوية اللجنة المركزية لحزب العمال التونسي.
تولى منصب نائب في البرلمان التونسي، حيث كان له دور فعّال في مناقشة القضايا الوطنية والتعبير عن مواقف حزبه. عُرف بمواقفه الجريئة وتصريحاته المباشرة، حيث أكد في إحدى المناسبات أن “الحرية لا نساوم عليها، والاستبداد لا مكان له في تونس، والشعب التونسي هو شعب الانتفاضات”.
في إطار نشاطه البرلماني، تحدث عمروسية عن الوضع العام في البلاد وبرنامج كتلة الجبهة الشعبية، مسلطًا الضوء على التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه تونس.
يُعتبر عمروسية من المدافعين عن الحقوق والحريات، حيث شدد على أهمية استقلالية المرفق القضائي وضرورة عدم استخدامه كأداة لتحقيق مآرب سياسية.
ماهو تقييمك للمشهد السياسي التونسي منذ انطلاق الولاية الثانية للرئيس قيس سعيد، وكيف تقيم سياسته في إدارة الوضع الداخلي؟
الوضع الحالي يؤكد صحة وجهة نظر حزب العمال وبعض أصوات القوى الديمقراطية بأن 25 جويلية لم يكن إلا مرحلة متقدمة من الثورة المضادة في تونس، وما يلاحظه الحزب أن البلاد تعيش اليوم انتكاسة على عديد المستويات، كما نلاحظ أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لم تسهم في تخفيف الاحتقان السياسي أو في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
ومثل ماهو متوقع فإن وضع الحريات متردي جدا في ظل نظام شعبوي واستبدادي، كما أبان هذا النظام عن عداءه الخاص للمرأة التونسية قياسا بالأنظمة السابقة، مع مكوث شخصيات نسائية في السجون سواء إعلاميات أو ناشطات بالمجتمع المدني، أيضا هناك عداء ممنهج لحرية التعبير، من خلال فرض المرسوم 54، كما وضع الدستور الجديد نصب عينيه غلق مسار الثورة وتصفية أهم مكسب للثورة وهي الحرية، كل هذا يؤكد أننا نعيش انتكاسة كبرى.
وبخصوص الوضع الاقتصادي فهو كذلك وضع صعب ومتردي في ظل تواصل عجز الميزان التجاري، وما قادته السياسات الحكومية إلى مزيد إنهاك الاقتصاد الوطني والمالية العمومية، وما نجم عنه من ندرة للمواد الأساسية، والغلاء الفاحش، والطرد التعسفي في المؤسسات الخاصة وإغلاق بعض المصانع وتواصل ارتفاع البطالة، وعودة الحراك الاجتماعي، فيما تواجه السلطة كل هذه الأزمات بسياسة المماطلة والتسويف.
كما نشهد حالة من التضييق على حرية العمل النقابي ومحاولة مستميتة لتصفية النقابات، فمنظمة عريقة مثل اتحاد الشغل تعيش حالة من الاختناق، وقد أكدت السلطة القائمة بذلك بأنها سلطة معادية للأجسام الوسيطة من منظمات وجمعيات وإعلام، والعجيب أن الرئيس قيس سعيد ماض في سياسة العبث والتحايل على الشعب، من خلال تغييره المستمر لرؤساء الحكومات، كأن مشكلة تونس اليوم هي تغيير الأشخاص، بل المشكلة أعمق من ذلك، وهي مشكلة خيارات وسياسات بالأساس، وإجمالا نحن نعيش أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية قيمية مستفحلة.
قال حزب العمال عبر أمينه العام حمه الهمامي أن “البلاد تعيش أزمة سياسية خطيرة كما أن “قوى الثورية لم تعمل بالشكل الذي يكون لها القدرة لتكون البديل، هل ضيعت المعارضة الفرصة لتفرض نفسها كبديل للمنظومة الحاكمة؟
على الحركة الثورية وحزب العمال تحديدا القيام بالمراجعات الأساسية بجرأة كبيرة وبواقعية أكبر دون مجاملة لفكرة أو شخص ونحن بصدد القيام بهذا العمل، ونحن نقر بأن القوى اليسارية في كل العالم بصدد التراجع، لكننا في المقابل نعمل ونناضل ونؤمن أن المستقبل للشعوب وليس للأنظمة. كما لا بد للحركة الديمقراطية والمدنية والسياسية أن تنظم صفوفها وأن تجد قواسم مشتركة بشأن ملف الحريات وبقية الأزمات، وبرأيي لا يمكن خلق أي تغيير أو أي إصلاح إلا بواسطة خلق موازين قوى جديدة، ومن خلال التعبئة الشعبية المنظمة بأساليب ديمقراطية.
دان حزب العمال مؤخرا محاكمة المعتقلين السياسيين في جلسة سرية، هل برأيك ستستجيب السلطة لدعوات المعارضة في الملف الحقوقي؟
بالنسبة لنا كحزب العمال فإن ملف ما سمي بالتآمر على أمن الدولة بمثابة فضيحة من العيار الثقيل، وقد أعاد البلاد إلى مربعات سنوات الجمر، وقد وقع تدجين القضاء وسط تواصل المحاكمات العشوائية والاعتباطية. ونحن ندافع عن الحق في محاكمة عادلة، ونطالب بإطلاق سراح المساجين السياسيين.
هل مازالت تراهن المعارضة على الشارع والاحتجاجات لتحقيق مكاسب سياسية؟
المعارضة التونسية معارضات، وهذا أمر طبيعي وسائد في كل دول العالم وليس خصوصية تونسية، وحاليا تتكون المعارضة التونسية من شق يمثل منظومة الحكم القديمة قبل الثورة، وشق ثاني يمثل الأحزاب الحاكمة في العشرية الأخيرة، وآخر يمثل المعارضة اليسارية التقدمية مثل حزب العمال والمسار، وقد تحركت المعارضة منذ انطلاق مسار 25 جويلية ضد الاستفتاء وضد الانتخابات وضد كل نزعة فردية للحكم، ونحن نراهن كحزب العمال في أحلك الظروف على الطبقة العاملة وعلى المثقفين والمبدعين، وعلى الحركة الطلابية وعلى الشعب التونسي ككل، لأننا على يقين بأن الشعب والشارع هو مفتاح التغيير الحقيقي والثورة الحقيقية.
ونرى أن تواجد المنظومة الشعبوية في الحكم بسبب نجاحها في تحريض وتشويه الأجسام الوسيطة لذلك هذه الأجسام منهكة ومتعبة، مع ذلك أعتقد أن مسألة استمرار هذه المنظومة هي مسألة وقت، الشوارع والساحات بيننا، وأنا على يقين أن نظام الحكم الدكتاتوري قد فرض المرسوم 54 بسبب خشيته من مواجهة الشباب المثقف، نحن نعلق آمالنا على الشارع بشكل دائم، وأملنا ليس أملا طفوليا، بل نحن خلقنا من رحم الشارع والاحتجاجات ولطالما قلنا “لا” لكل الأنظمة الاستبدادية السابقة، وأعتقد أن الشارع مازالت له القدرة على مواجهة السلطة رغم ما يعيشه من إحباط، في المقابل مطلوب من القوى الديمقراطية مجهود كبير لأجل تحيين الشعارات وتحديد البرامج، ثم التواضع والعمل مع الشعب والجماهير.
هل تتوقع عودة الحراك الاجتماعي في تونس؟
انتبهوا، لما تحت الرماد اللهيب، نحن نعلم أن المحرك الأساسي للحركة الاجتماعية والشعبية هي سياسات الحكم القائمة لذلك أطلت الحركة الاجتماعية برأسها من جديد من خلال إضرابات قطاعية كبرى في الأشهر الأخيرة، مثل إضرابات قطاع التعليم الثانوي والدكاترة المعطلين عن العمل.
وفي اعتقادي الحركة الاجتماعية ستلتقط أنفاسها والديكتاتورية لها موعد مع الساحات، لا نعلم متى سيكون ذلك ومتى سيتحقق هذا التغيير، لكن ما ندركه أن تونس حبلى وقادرة على إنجاب البدائل بسبب ما تتمتع به من خبرات وكفاءات ونخب مثفقة.
هذا الشعب مصيره أن يثور، من الصعب قبوله بمثل هذه الأوضاع، والتاريخ شاهد على ذلك، نحن على قناعة في حزب العمال أن هذه الديكتاتورية الشعبوية رثة فكريا وسياسيا، وأن هذا النظام طريقه مسدود، ومن الصعب أن يستمر أو يصمد لسنوات وقد يكون مصيره أسوأ من نظام بن علي، ونحن على ثقة بأن الفاشية في تونس على مشارف النهاية، وأم نذر النهوض الاجتماعي تتعزز، ونحن نلاحظ عودة لافتة للحراك الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فالبلاد على صفيح ساخن مع تتالي الوقفات الاحتجاجية والإضرابات القطاعية، كل فتائل الأزمة والانفجار قائمة. وعلى القوى الديمقراطية والثورية أن تعد نفسها لأجل إنقاذ البلاد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس